أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الثلاثاء، أبريل 01، 2025

رسالة في تعزيز العمارة المحلية: حوار مفتوح

رؤية معاصرة للمسكن الغدامسي


جمال الهمالي اللافي

لطالما كانت العمارة المحلية الليبية مصدر إلهام لي في مسيرتي المهنية، وأجد في كل مدينة ليبية هوية معمارية ثرية تعكس تنوع ثقافاتنا وجذورنا. في مشاريعي، أسعى دائمًا إلى إعادة تأصيل هذه القيم والخصائص المعمارية بما يتلاءم مع احتياجات الحاضر، من منطلق بحثي المستمر عن الهوية الثقافية والمعمارية لمدننا الحبيبة.

عند عرضي لبعض هذه المشاريع عبر منصاتي، فإن غايتي الأولى والأخيرة هي فتح باب الحوار حول قيمة تراثنا المعماري، وتسليط الضوء على كيفية إعادة تفسيره بأساليب مبتكرة ومستدامة. لست هنا للمنافسة أو مقارنة الجهود، بل أعتبر كل محاولة لتعزيز هذا التراث جزءًا من عمل جماعي يخدم ثقافتنا وهويتنا.

أتطلع دائمًا إلى تعليقاتكم واقتراحاتكم التي تثري هذا النقاش وتشكل رؤى جديدة. شكرًا لكم على دعمكم المستمر لجهودي في تعزيز جمال وروح العمارة الليبية.

الاثنين، مارس 31، 2025

بعث روح العمارة الغدامسية في المنازل الحديثة: تجربة المهندسة أم محمد




        تُعد مدينة غدامس، بجمالها التراثي الفريد وعمارتها التقليدية الأصيلة، مصدر إلهام حقيقي لمحبي الفن المعماري. ومن بين هؤلاء، المهندسة المعمارية أم محمد، التي انطلقت من حبها العميق لبيت غدامس التقليدي لترسم ملامح جديدة تُعيد إبراز هذا التراث في المساكن الحديثة
.

في خطوة مبدعة، سعت المهندسة أم محمد إلى اقتباس عناصر من الطراز الغدامسي التقليدي لإثراء منزلها الخاص. كان أحد أبرز تلك العناصر تصميم غرفة المعيشة المدمجة مع استقبال النساء، حيث استخدمت قوساً غدامسياً يفصل بين المساحتين. رغم بساطة هذا العنصر، إلا أنه يضفي دفئاً وترابطاً بين الماضي والحاضر، ويُبرز الخصوصية التي لطالما ميّزت بيوت غدامس القديمة.

تشارك المهندسة تجربتها قائلة: "تمنيت لو استطعت تنفيذ التفاصيل بالكامل، بما في ذلك السلالم التقليدية والضوّاية (فتحات الضوء) والصنور، ولكنني اكتفيت بإضافة القوس كخطوة أولى. ورغم ذلك، شعرت بأنني أعيش جوهر المدينة القديمة داخل منزلي المتواضع."


لا يقتصر إبداع أم محمد على منزلها فقط؛ فقد عملت على تصميم مشاريع أخرى تحمل بصمة غدامسية، منها وحدات سكنية ملحقة بفندق، حيث استوحت توزيع الفضاءات من العمارة التقليدية. لكنها تشير إلى بعض التحديات في ترجمة الطراز القديم إلى العصر الحديث. فالغرف التي كانت مخصصة لتخزين الغلال أو المطابخ الموجودة على السطح مثلاً، أصبحت غير ملائمة لحياة اليوم. ومع ذلك، تؤكد أن الاقتباس الذكي والمتوازن لبعض العناصر الزخرفية والمعمارية يجعل الطراز الغدامسي يتأقلم بسهولة مع احتياجات العصر الحديث.


تلفت المهندسة أم محمد الانتباه إلى أن أغلب المنازل الحديثة في غدامس تحرص على تضمين لمسات من الطراز التقليدي، سواء في الواجهات، الزخارف، أو حتى في الأثاث والجلسات الشعبية. وهذا يعكس ارتباط المجتمع الغدامسي العميق بثقافته وتراثه المعماري.

وفي ختام حديثها، تعبر أم محمد عن حلمها في رؤية مشروع يقتبس بأسلوب شامل العمارة الغدامسية القديمة ويعيد تقديمها كتصميم عصري يلبي احتياجات اليوم. تقول: "آمل أن نرى تصاميم تحيي بيت غدامس التقليدي، لأن في ذلك إحياءً لهويتنا وجمال تراثنا."

تجربة المهندسة أم محمد ليست مجرد تصميم داخلي، بل دعوة للحفاظ على التراث الغدامسي وإعادة تعريفه ليظل مصدر إلهام للأجيال القادمة.

العمارة المحلية: أصول متجذرة وهوية معاصرة

 

العمارة الغدامسية

جمال الهمالي اللافي

المقدمة

تزخر منطقة المغرب الكبير بعمارة تاريخية غنية ومتنوعة، شكلتها عبر العصور تداخلات ثقافية وحضارية متعددة. ومن بين أبرز تلك الأنماط تبرز العمارة المغاربية والأندلسية، التي تعتبر مرآة تعكس الهوية المشتركة والترابط الثقافي بين شعوب المنطقة. ولكن، ورغم هذا التراث المشترك، فإن العمارة المحلية في كل منطقة تمتاز بخصائصها التي تجعل منها انعكاساً لروح المكان وظروفه البيئية والاجتماعية. وبالتالي، يجب أن ينظر إليها كجزء أصيل من هوية الشعوب، لا كإرث هامشي مقارنةً بالعمارة الأندلسية أو غيرها.

البعد التاريخي والثقافي

تزخر منطقة المغرب الكبير بتنوع معماري يُعبر عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية التي أثرت في تكوينها عبر العصور. في المناطق الساحلية، نرى التأثير الواضح للتواصل مع الحضارات المتوسطية، مما انعكس في أنماط البناء وأساليب الزخرفة. أما في المناطق الداخلية والواحات، فقد تميزت العمارة المحلية بالبساطة والوظيفية، حيث استخدمت المواد الطبيعية كالطين والحجر لتلبية احتياجات المجتمع مع مراعاة المناخ القاسي. هذا التنوع لا يعكس فقط اختلاف الظروف بين المناطق، بل يعبر عن روح الإبداع في استيعاب التغيرات الثقافية والبيئية، مما جعل لكل منطقة هوية معمارية متفردة تمزج بين التأثيرات الخارجية والخصوصية المحلية.تأثير الأنظمة الحاكمة على العمارة المحلية

تأثير الأنظمة الحاكمة على العمارة المحلية

وما يجب الالتفات إليه أن الأنظمة الحاكمة لعبت دوراً مهماً في تشكيل العمارة في مناطق العالم الإسلامي. ففي الدول التي اتخذت من عواصمها مراكز للحكم، برزت العمارة كأحد مظاهر القوة والازدهار. استُثمرت الموارد بشكل مكثف في بناء قصور ضخمة، مساجد رائعة، وأسواق كبرى تعكس عظمة الحكام وتطلعاتهم السياسية والثقافية.

على النقيض، نجد مناطق أخرى لم تحظ بنفس الاهتمام من قبل الأنظمة المركزية، مما دفع سكانها إلى تحمل عبء بناء هوية معمارية تعكس بيئتهم ومواردهم المحدودة. هذا النوع من العمارة، رغم بساطته، يعكس روح الإبداع والتكيف، ويثبت أن الجمال ليس حكراً على الموارد الوفيرة، بل يمكن أن ينبع من الظروف البسيطة والإمكانات الذاتية.

الإبداع المتأصل في العمارة المحلية

الإبداع في العمارة لا يقتصر على الشكل أو الزخرفة فقط، بل يظهر في كيفية التفاعل مع البيئة المحيطة واستثمار مقوماتها لتلبية احتياجات المجتمع. في ليبيا، يتميز المعمار التقليدي بقدرته على التكيف مع المناخ القاسي، حيث نجد التصميمات التي تعتمد على الفناء الداخلي والجدران السميكة لتقليل الحرارة والاحتفاظ بالبرودة داخل المباني. هذا النوع من العمارة يثبت أن الإبداع في التصميم ينبع من الفهم العميق للبيئة والاحتياجات، وهو ما يجعل العمارة المحلية نموذجاً يحتذى به.

التحديات والفرص

رغم جماليات العمارة المحلية وأصالتها، تواجه هذه الهوية المعمارية تحديات عديدة، منها النظرة السلبية التي تعتبرها "متأخرة" مقارنةً بأنماط العمارة الحديثة. إضافة إلى ذلك، فإن قلة التوعية بأهمية هذا التراث تسهم في تراجع الاهتمام به. ومع ذلك، هناك فرص كبيرة لإحياء هذا الإرث، من خلال استخدام التقنيات الحديثة لإبراز جمالياته وربطه بالتصميمات المعاصرة التي تخدم احتياجات المجتمعات الحالية. كما يمكن أن تلعب الهندسة المعمارية دوراً كبيراً في الترويج لمفاهيم الاستدامة والابتكار المستوحى من التراث.

الخاتمة

إن العمارة المحلية ليست مجرد حجارة وزخارف، بل هي انعكاس لهوية وثقافة الشعوب. فهي تمثل سرداً حياً لتاريخنا وتجارب أجدادنا في مواجهة التحديات المختلفة. ومن هنا، فإن الحفاظ على هذا التراث والعمل على تطويره بما يتماشى مع احتياجات العصر لا يعد مجرد مسؤولية، بل ضرورة تُعزز الهوية وتعكس الإبداع الحقيقي. العمارة المحلية ليست أقل شأناً من أي نمط معماري آخر، بل هي نافذة تطل بها شعوبنا على العالم بأصالة وابتكار.

العمارة الإسلامية الليبية: بين الالتزام الشرعي والإبداع المتوازن


 جمال الهملي اللافي

مقدمة

تُعد العمارة الإسلامية واحدة من أعظم إنجازات الحضارة الإنسانية، حيث تمكنت على مر العصور من تحقيق توازن بين الالتزام بالضوابط الشرعية وبين الإبداع الفني. ومع ذلك، كانت بعض ممارسات العمارة الإسلامية تميل أحيانًا نحو المبالغة والإسراف في زخرفة المباني وارتفاعاتها، مما يتعارض مع الدعوة النبوية للاعتدال والبساطة. في المقابل، شكلت العمارة الليبية التقليدية نموذجًا فريدًا في الالتزام بهذه الضوابط، حيث امتازت ببساطتها وارتباطها الوثيق بالقيم الشرعية. هذه الخصوصية تجعلها إرثًا ثقافيًا ومعماريًا لا يزال ينتظر الاهتمام الكافي من الباحثين والمؤرخين.

الالتزام بالضوابط الشرعية كإطار للإبداع

اعتمدت العمارة الليبية التقليدية نهجًا استثنائيًا يُوازن بين تلبية الاحتياجات الأساسية وبين التوجيهات الدينية، امتثالاً لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها: "إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب" (رواه البخاري ومسلم)، وأيضًا: "أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا بد منه مما يستره من الحر والبرد والسباع" (رواه أبو داود). هذا الالتزام انعكس في تصميمات مبانيها التي ابتعدت عن التبذير والتكلف، وركزت على تحقيق الجمال من خلال البساطة والكفاءة الوظيفية.

التوازن بين البساطة والإبداع

تمثل العمارة الليبية التقليدية تجسيدًا عمليًا لفلسفة "العمارة النقية" التي أُعيد اكتشافها في الغرب الحديث. فقد تبنّى معماريون غربيون مفاهيم مماثلة، مستوحاة من العمارة الإسلامية البسيطة، مثل قول لوكوربوزييه: "غالباً ما تُخفي كثرة الزخارف عيوباً في المبنى." التصاميم التقليدية الليبية تُبرز هذا النهج من خلال الاعتماد على الجماليات الهندسية البسيطة، واستخدام المواد المحلية بطريقة مستدامة تعكس احترامًا للطبيعة والبيئة.

تحديات التهميش الثقافي والتاريخي

على الرغم من هذه القيم الجمالية والشرعية، تعاني العمارة الليبية التقليدية من تجاهل واضح من قِبَل العديد من الباحثين المحليين. فقد انصبّ اهتمامهم على دراسة حضارات أخرى كالإغريقية والرومانية، بينما ركز البعض الآخر على العمارة الإسلامية في دول غير ليبيا. يُعزى ذلك إلى قلة المراجع التي توثق العمارة المحلية، مما دفع المؤرخين إلى البحث عن مصادر خارجية على حساب استكشاف تراثهم الوطني.

إلى جانب ذلك، فإن تأثير العمارة الغربية والخليجية الحديثة على المجتمع الليبي زاد من هذا التهميش، حيث أصبحت الأنماط المستوردة هي السائدة في الذوق العام. والأسوأ أن بعض المعماريين الليبيين لجأوا إلى نسب مشاريع حديثة إلى طرازات معمارية أجنبية، كالعمارة الأندلسية أو البحر المتوسط، مما ساهم في إبعاد المجتمع عن هويته العمرانية الأصيلة.

اليقظة الثقافية والعودة إلى الجذور

إعادة إحياء العمارة الليبية التقليدية تبدأ بإدراك المجتمع لقيمتها ودورها في تشكيل هويته الثقافية. العمل وفق الضوابط الشرعية لا يُعد عائقًا للإبداع، بل يمكن أن يُثمر تصاميم فريدة تتجاوز في جمالها وتأثيرها العديد من النماذج العالمية. ومن الضروري أن يُصاحب هذه الجهود نشر الوعي بأهمية التراث عبر وسائل الإعلام، وتضمينه في مناهج التعليم، وتشجيع الأبحاث التي تركز على الهوية المعمارية المحلية.

كما يجب تشجيع المعماريين الليبيين على استخدام هذه المبادئ في مشاريع معاصرة، تعيد للعمارة التقليدية مكانتها وتظهر للعالم قيمتها الاستثنائية. هذه الجهود لا تهدف فقط إلى حفظ التراث، بل تُسهم أيضًا في تعزيز احترام الذات الوطنية، وتحقيق التوازن بين الأصالة والتحديث.

خاتمة

إن العمارة الليبية التقليدية ليست مجرد أشكال هندسية أو طرازات معمارية، بل هي انعكاس لقيم روحية وثقافية عميقة. ورغم ما تواجهه من تهميش وتحديات، فإن الحفاظ عليها وإعادة الاعتبار لها يُعد واجبًا وطنيًا. وبجهود مثل تلك التي تبذلها، يا جمال، يمكن لهذا التراث أن يتحول إلى مصدر إلهام للأجيال القادمة، ليصبح نبراسًا يُرشدهم نحو بناء مستقبل يعكس هويتهم بأبهى صورة.

الاثنين، مارس 24، 2025

تقدير العمارة: رحلة في جذور الحياة ومعانيها

مدينة طرابلس القديمة


جمال الهمالي اللافي

العمارة ليست مجرد مجال تقني يقتصر على أهل الاختصاص، بل هي جزء حيّ من حياتنا اليومية التي نعيشها ونحمل فيها ذكرياتنا وأحلامنا. منذ ولادتنا وحتى وفاتنا، العمارة تحيط بنا وتشكّل تفاصيل حياتنا. في منازلنا التي تعلمنا فيها خطواتنا الأولى، في طرقاتنا التي نمشي عليها، في المؤسسات التي نعمل بها ونُنتج، وفي المشافي التي نجد فيها العلاج. وعندما نسافر، نقصد الأبنية والمعالم التي تحكي قصص الحضارات. في الفرح والثراء، تُصبح العمارة انعكاسًا لأحلامنا، فنشيّد مشاريع سكنية أو تجارية أو خدمية، وفي الفقر والتشرد، نجد أنفسنا محرومين من هذا الاحتضان العمراني، نسكن الشوارع ونبات في طرقاتها. حتى الموت، لا ينفصل عن العمارة؛ نُدفن في أصغر المساحات العمرانية التي تُكرم فيها أجسادنا.

العمارة ليست فقط جدراناً وأبنية، بل هي الحكاية التي تُروى عن كل مجتمع، وهي المرآة التي تعكس هوية الفرد وثقافة المجتمع. فمن العمارة التقليدية التي تحتضن عبق التاريخ، إلى العمارة الحديثة التي تدفع حدود الإبداع، نجد في كل زاوية وركن صوتاً يخاطبنا بلغة تفهمها قلوبنا.

دعوة للتفاعل والاستمتاع بالعمارة

إذا كانت العمارة جزءاً من حياتنا بهذا العمق، فلماذا لا نجعلها جزءاً من حديثنا اليومي؟ لِم لا نستمتع بفنها وفلسفتها ونبحث عن القصص وراء كل تصميم؟ لماذا لا نسأل المعماريين الذين حولنا عن أفكارهم؟ من أين أتوا بهذه الفكرة؟ كيف توازنوا بين الجمال والوظيفة؟ متى ستتحول هذه الأفكار إلى واقع نراه ونلمسه؟

لماذا لا نرى العمارة كفن عام يمكن للجميع المساهمة في تشكيله؟ لِم لا يُصبح الحديث عن تصميم المدن ومعمارية المباني جزءاً من أحاديث العائلة والأصدقاء؟ 

عندما يُصبح المجتمع واعياً بالعمارة، فإنه يُصبح شريكاً في تشكيل ملامح المستقبل بدلاً من مجرد متلقٍ أو مشاهد. الحديث عن العمارة يُقرّبنا من فهمها ويُشجّعنا على المشاركة في تشكيل بيئتنا العمرانية. لنتحدث عنها، نفكر فيها، ونضيف إليها نبضاً إنسانياً يعكس حياتنا وأحلامنا.

في النهاية، العمارة ليست ملكاً للنخبة فقط، بل هي انعكاس للحياة التي نعيشها جميعاً. لننظر إلى الجمال من حولنا، لنتعلم عنه، ولنشجع الجميع على المشاركة في صنعه. لنجعل العمارة حكاية يومية نرويها ونعيشها بكل شغف.

الأحد، مارس 23، 2025

نحو توحيد لغة التصميم: كيف يمكن لنموذج الباوهاوس أن يساهم في تطوير العمارة والفنون التطبيقية في ليبيا

مدرسة باوهاوس المعمارية


جمال الهمالي اللافي

إحدى أبرز التحديات في مجال العمارة والمهن المكملة لها تتمثل في تمسك كل طرف بوجهة نظره وتوجهه التصميمي، مما يجعل من الصعب تحقيق انسجام أو رؤية مشتركة بين الأطراف المشاركة في مشروع واحد. نادرًا ما نجد معمارياً يتعاون مع آخر لتحقيق رؤية موحدة لمشروع واحد. بالمثل، يصعب تحقيق توافق بين المعماريين والمصممين الداخليين أو منسقي الحدائق أو مصممي الأثاث وغيرهم من المتخصصين في المجالات المكملة.

حتى مصممو الجرافيك، الذين تتمثل مهمتهم في التعبير عن رؤية العميل بأسلوب إبداعي، يواجهون تحديات في تبني رؤية المعماريين. فنجدهم يصرون على إخراج المشاريع بأسلوبهم المعتاد، غير القابل للتغيير، مما يؤدي إلى انحصار التنوع الإبداعي وتكرار الأنماط. وهنا يتضح مثال مشابه يُستقى من الإعلانات التلفزيونية المصرية، التي تعتمد جميعها على نمط واحد في الترويج، بغض النظر عن طبيعة السلعة. إذ تُسخَّر فيها مختلف الفئات العمرية من الرجال والنساء وحتى الأطفال في مشاهد رقص وهز وسط، بشكل يعكس الحلول الأسهل والأكثر ربحية، بدلاً من البحث عن أفكار إبداعية مبتكرة تتناسب مع كل حالة على حدة.

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن:  نعم أستاذ جمال، هذا الرأي كان ولا يزال قائماً، ولكنه أحد الأسباب الرئيسية وراء ظهور نظرية الباوهاوس الألمانية - Bauhaus - التي طرحت حلاً للمشكلة:

·         الانتقال من التصميم الفردي إلى التصميم الديمقراطي الجماعي الذي يعتمد على لغة تصميمية واحدة مشتركة بين الجميع.

·     نظرية الباوهاوس قدمت نظاماً للتصميم الجماعي يتيح لجميع الأطراف العمل دون تضارب في الأفكار والاتجاهات، حيث تم دمج جميع الأبعاد في اتجاه واحد يتماشى مع الجميع.

هذا رأيي الشخصي حول كيفية تقديم مقترح لمعالجة المشاكل التصميمية التي تظهر عند اشتراك فريق من المصممين في مشروع واحد.

جمال الهمالي اللافي: دكتور عبدالمجيد عبدالرحمن، هذا ما نسعى لتحقيقه؛ نموذج عمل يقوم على تضافر جهود جميع التخصصات تحت رؤية مشتركة.

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: نعم، ولكن إذا نظرنا بعمق إلى تاريخ نظرية الباوهاوس أثناء تأسيسها نجد أنها كانت تهدف إلى القضاء على التصميم الفردي للفنون والحرف اليدوية السبعة وعلاقتها بالتصميم المعماري، ولكنها واجهت تناقضات وصعوبات نتيجة اختلاف الاتجاهات بين تصميم الأثاث، الإضاءة، الأرضيات وغيرها.

ولهذا السبب عملت الباوهاوس على توحيد لغة التصميم وتقديم أسلوب بسيط يجمع الشكل والوظيفة في قالب موحد ليُقبله الجميع.

جمال الهمالي اللافي: دكتور عبدالمجيد عبدالرحمن، نعم، الاختلاف لا يمكن معالجته إلا من خلال توحيد لغة التصميم، وهذا ما نفتقده في بلدنا. نحتاج إلى تبني تجربة الباوهاوس في ليبيا، وربما تأسيس مدرسة معمارية خاصة يمكن الاعتماد بعدها على خريجيها لإحداث الفارق المطلوب.

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: نعم، هذا ما نحتاجه: إدراج تجربة ونتائج الباوهاوس بعد 100 سنة من تأسيسها. والأهم أن ندرس كيف يمكن تطبيق نموذج الباوهاوس في المناطق الحارة.

فالجدل يدور حول كون الباوهاوس قد تأسست في مناطق باردة وانتقلت من استخدام الحجر في المرحلة الأولى إلى استخدام الزجاج والمعادن بشكل أكبر. والسؤال هو: كيف يمكن أن تكون المباني بتصاميمها الخارجية والداخلية قادرة على مقاومة الحرارة، مع الحفاظ على المعايير التي وضعتها الباوهاوس؟

بالنسبة للأثاث والإضاءة وغيرها من العناصر الداخلية، لا توجد عوائق أمام البيئة والمناخ. ولكن التحديات تكمن في التصميم الخارجي وملاءمته للحرارة المرتفعة.

جمال الهمالي اللافي: الرؤية العامة لفكر الباوهاوس وكيفية ملاءمة منهجها لقيمنا الاجتماعية وظروف بيئتنا، أعتقد أن منهج الربط بين المعماري وكافة الفنون الجميلة والحرف الفنية وخطوط الإنتاج يمثل الخطوة الأكثر أهمية، والتي من خلالها يمكن توظيف رؤية هذه المدرسة لاستنباط منهج يؤصل للعمارة المحلية المعاصرة.

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: نعم، تأسيس كلية تعتمد نهج الباوهاوس في المناطق الحارة سيكون خطوة جوهرية. هذه الكلية يجب أن تشمل دراسة تخصصات العمارة، التصميم الصناعي للأثاث، والفنون التطبيقية السبعة مجتمعة. بمعنى أن المعماري يكون مسؤولاً عن تصميم كل التفاصيل، من الأثاث الداخلي إلى الشكل الخارجي للمبنى، ليسلّم المشروع كاملاً وجاهزاً من الصفر إلى تسليم المفتاح.

هذه هي فلسفة الباوهاوس التي نجحت في القضاء على الفوضى التي كانت شائعة في مجالات التصميم الداخلي والخارجي، وكذلك في العمارة وتصميم الأثاث والديكور والفنون التطبيقية الأخرى.

جمال الهمالي اللافي: دكتور عبدالمجيد عبدالرحمن، مادامت هذه المدرسة قد نجحت في حل هذه الإشكاليات، فلماذا لا نسارع بتبنيها وتطبيقها في بلادنا؟

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: لتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى مجموعة مثقفة من المخططين والمعماريين والمصممين والفنانين، الذين يمكنهم قيادة حركة فكرية جديدة داخل المجتمع. تجدر الإشارة إلى أن مؤسسي الباوهاوس بدأوا بمبادرة من القطاع الخاص، وأقنعوا الدولة لاحقاً بتبني هذه الفلسفة.

كانت الباوهاوس حركة جماعية ذات بُعد اجتماعي واقتصادي، وقدمت حلولاً فعّالة لألمانيا التي كانت تعاني من آثار الحرب العالمية الأولى. هذه التجربة كانت امتداداً لأهداف حزب العمال الألماني SPD، الذي كان يسعى إلى تصميم مساكن اجتماعية تحقق العدالة بين مختلف فئات المجتمع، وتقضي على الفجوة بين الغني والفقير.

جمال الهمالي اللافي: أرى أن تحقيق ذلك ممكن.

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: الباوهاوس تميزت باتجاهها الاجتماعي القوي، والذي ركز على تلبية حاجة المجتمع إلى السكن الاقتصادي والاجتماعي. في مرحلة انتشارها الثانية، عندما انتقلت من مدينة فايمر إلى ديساو، ركّزت الباوهاوس أكثر على خدمة المجتمع. فقدمت نماذج حديثة لتصميم المجاورات السكنية، بما في ذلك المجمعات السكنية المتكاملة في مدينة برلين.

في هذه المرحلة، ظهر التخطيط الحضري الذي يربط بين الإسكان والفراغات الاجتماعية الخارجية، لتلبية احتياجات المجتمع داخل وخارج المسكن أثناء أوقات الفراغ والعطلات. كانت هذه المبادئ أسساً لتصميم يخدم الفرد والمجتمع على حد سواء.

جمال الهمالي اللافي: لا يوجد أي تعارض بين هذه المبادئ وما يحتاجه مجتمعنا اليوم.

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: لتعميم هذه التجربة، يجب فتح كلية على نهج الباوهاوس، حيث يتعلم الطلاب تخصصات الفنون التطبيقية، التصميم العام، العمارة، والتخطيط الحضري. هذه هي مبادئ الباوهاوس الألمانية التي تحتاج إلى الانتشار في دول العالم الثالث، ومنها ليبيا.

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: تأسيس كلية تعتمد نهج الباوهاوس في المناطق الحارة سيكون خطوة جوهرية. هذه الكلية يجب أن تشمل دراسة تخصصات العمارة، التصميم الصناعي للأثاث، والفنون التطبيقية السبعة مجتمعة. بمعنى أن المعماري يكون مسؤولاً عن تصميم كل التفاصيل، من الأثاث الداخلي إلى الشكل الخارجي للمبنى، ليسلّم المشروع كاملاً وجاهزاً من الصفر إلى تسليم المفتاح.

هذه هي فلسفة الباوهاوس التي نجحت في القضاء على الفوضى التي كانت شائعة في مجالات التصميم الداخلي والخارجي، وكذلك في العمارة وتصميم الأثاث والديكور والفنون التطبيقية الأخرى.

جمال الهمالي اللافي: دكتور عبدالمجيد عبدالرحمن، مادامت هذه المدرسة قد نجحت في حل هذه الإشكاليات، فلماذا لا نسارع بتبنيها وتطبيقها في بلادنا؟

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: لتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى مجموعة مثقفة من المخططين والمعماريين والمصممين والفنانين، الذين يمكنهم قيادة حركة فكرية جديدة داخل المجتمع. تجدر الإشارة إلى أن مؤسسي الباوهاوس بدأوا بمبادرة من القطاع الخاص، وأقنعوا الدولة لاحقاً بتبني هذه الفلسفة.

كانت الباوهاوس حركة جماعية ذات بُعد اجتماعي واقتصادي، وقدمت حلولاً فعّالة لألمانيا التي كانت تعاني من آثار الحرب العالمية الأولى. هذه التجربة كانت امتداداً لأهداف حزب العمال الألماني SPD، الذي كان يسعى إلى تصميم مساكن اجتماعية تحقق العدالة بين مختلف فئات المجتمع، وتقضي على الفجوة بين الغني والفقير.

جمال الهمالي اللافي: أرى أن تحقيق ذلك ممكن.

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: الباوهاوس تميزت باتجاهها الاجتماعي القوي، والذي ركز على تلبية حاجة المجتمع إلى السكن الاقتصادي والاجتماعي. في مرحلة انتشارها الثانية، عندما انتقلت من مدينة فايمر إلى ديساو، ركّزت الباوهاوس أكثر على خدمة المجتمع. فقدمت نماذج حديثة لتصميم المجاورات السكنية، بما في ذلك المجمعات السكنية المتكاملة في مدينة برلين.

في هذه المرحلة، ظهر التخطيط الحضري الذي يربط بين الإسكان والفراغات الاجتماعية الخارجية، لتلبية احتياجات المجتمع داخل وخارج المسكن أثناء أوقات الفراغ والعطلات. كانت هذه المبادئ أسساً لتصميم يخدم الفرد والمجتمع على حد سواء.

جمال الهمالي اللافي: لا يوجد أي تعارض بين هذه المبادئ وما يحتاجه مجتمعنا اليوم.

الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: لتعميم هذه التجربة، يجب فتح كلية على نهج الباوهاوس، حيث يتعلم الطلاب تخصصات الفنون التطبيقية، التصميم العام، العمارة، والتخطيط الحضري. هذه هي مبادئ الباوهاوس الألمانية التي تحتاج إلى الانتشار في دول العالم الثالث، ومنها ليبيا.

ملخص الحوار:

يركز الحوار على أهمية تبني فلسفة الباوهاوس في ليبيا كحل للتحديات التصميمية والمعمارية التي يواجهها المجتمع. يشدد الدكتور عبدالمجيد عبدالرحمن على أن نموذج الباوهاوس، الذي نجح في توحيد التخصصات المختلفة تحت رؤية تصميمية مشتركة، يمكن أن يحقق نقلة نوعية في التصاميم المحلية، بشرط تكييفه مع الظروف البيئية والاجتماعية للبلاد. جمال الهمالي اللافي يرى أن هذه المبادئ لا تتعارض مع احتياجات المجتمع الليبي، مؤكداً إمكانية تطبيق هذا النهج عن طريق تأسيس كلية تعتمد على فلسفة الباوهاوس لتكوين جيل جديد من المصممين والمعماريين القادرين على تحقيق التكامل والإبداع في المشاريع المستقبلية.

ويتفق الطرفان على أن نجاح هذا النموذج يعتمد إلى حد كبير على التعليم المستمر والابتكار. يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء برامج تدريبية قصيرة الأمد بمشاركة محترفين عالميين أو عبر شراكات مع جامعات ومدارس تصميم دولية. هذه البرامج تمثل خطوة أولى نحو تطبيق تجربة الباوهاوس محلياً، إلى جانب تأسيس الكلية. كما يُمكن تعزيز هذا النهج باستخدام التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك برامج التصميم الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتكييف الحلول مع البيئة المحلية. هذه الخطوات ستكون أساسية لإحداث تحول شامل في مجال التصميم بما يخدم المجتمع ويُسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

خاتمة:

في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها قطاع التصميم المعماري والفنون التطبيقية اليوم، تبرز الحاجة الملحّة إلى تبني منهجيات أكثر تعاوناً وشمولية. إن غياب رؤية مشتركة ولغة تصميم موحّدة بين التخصصات المختلفة يؤدي إلى تفاقم التباين والانقسام. ومع ذلك، نجد في تاريخ العمارة وتصميم الفنون أمثلة على مبادرات رائدة، مثل تجربة الباوهاوس الألمانية، التي نجحت في توحيد جهود المصممين والمعماريين والفنانين، مما جعلها نموذجاً يُستلهم لتحقيق تكامل إبداعي ينهض بالمجتمع.

قد تكون هذه التجربة درساً قيّماً لدول العالم، وخصوصاً في منطقتنا، حيث يمكن إعادة صياغة مبادئها لتتلاءم مع السياق البيئي والاجتماعي والثقافي المحلي. إن تبني مفهوم التصميم الجماعي لا يساعد فقط على التغلب على الفجوة بين مختلف الفنون والتخصصات، بل يفتح الباب لإبداعات حقيقية تلبي احتياجات المجتمعات وتُسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

السبت، مارس 22، 2025

المعماري: من تصميم الفضاءات إلى تشكيل التجربة الحياتية

 

فكرة أولية لتوزيع عناصر التأثيث، وارتباطه بمرحلة التصميم، في تحديد المساحات المناسبة لكل فراغ وتوزيع الأبواب والنوافذ في مكانها الصحيح قبل التنفيذ. والأهم تحديد نمط عناصر التأثيث الذي يتماشى مع الطراز المعماري للمبنى.

جمال الهمالي اللافي

مقدمة/

في المشهد المعماري الحديث، يواجه المعماري تحديات جوهرية تهدد رؤيته التصميمية، خاصة في السياقات التي تعاني من غياب التنسيق بين التخصصات. في ليبيا على وجه الخصوص، يُعاني المجال من تعددية الأدوار وتداخلها بين المعماريين والمصممين الداخليين وغيرهم من المتخصصين. في كثير من الأحيان، تصبح الرؤية الشمولية التي يضعها المعماري عرضة للتغييرات غير المدروسة أو التدخلات العشوائية، مما يؤدي إلى فقدان الانسجام وتقويض الفلسفة الجمالية والوظيفية للمشروع.

إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب من المعماري التعامل مع المشروع بمنظور شمولي يبدأ من الفكرة الأولى وحتى التنفيذ النهائي. هذا يعني العمل على تحقيق التكامل بين جميع الجوانب – من التصميم الداخلي وتنسيق الحدائق إلى التفاصيل اليومية – بما يضمن حماية المشروع من العبث العشوائي والتغييرات التي قد تخل بجوهره. يتطلب ذلك بناء ثقافة مهنية تعزز التعاون بين التخصصات ووضع معايير واضحة تُلزم الجميع باحترام رؤية المعماري ودوره الشمولي.

التوسع في أدوار المعماري/

المعماري هو أكثر من مجرد مصمم للخرائط أو موزع للفراغات. في حقيقة اختصاصه، يتعامل مع المشروع كمنظومة متكاملة ترتبط فيها الهندسة بالفكر الجمالي والوظيفي، حيث تتداخل جميع العناصر في تجربة حسية شاملة يعيشها المستخدم. تشمل مسؤوليات المعماري أبعادًا متعددة، منها:

·         التصميم الداخلي: اختيار المواد والألوان وتصميم الأثاث بما يتناغم مع رؤية المشروع الشاملة.

·         تنسيق الحدائق: التخطيط لاختيار الأشجار والنباتات، بما يعزز فلسفة التصميم ويراعي الطبيعة المحيطة.

·         التفاصيل اليومية: ابتكار حلول للمفروشات وأواني الطبخ، لضمان تحقيق بيئة متناغمة على جميع المستويات.

أمثلة واقعية لمعماريين رائدين/

لتوضيح هذا المفهوم، يمكن الإشارة إلى بعض رواد العمارة الغربية الذين جسدوا الشمولية في التصميم:

1.      فرانك لويد رايت:

·     يُعد فرانك لويد رايت نموذجًا للمعماري الشمولي، حيث كان يُصمم كل تفاصيل مشاريعه، بما في ذلك الأثاث والإضاءة وحتى البراغي. مشروعه Fallingwater مثال واضح على دمجه الطبيعة بالتصميم، بينما يعكس متحف سولومون غاغينهايم رؤيته للتكامل بين الشكل والوظيفة.

·     تعكس فلسفته مقولته الشهيرة: "الشكل يتبع الوظيفة – هذا تم فهمه بشكل خاطئ. الشكل والوظيفة يجب أن يكونا واحدًا، متحدين في اتحاد روحاني."

2.      لو كوربوزييه:

·     في مشروعه "Unité d'Habitation"، أظهر اهتمامًا كبيرًا بتصميم الأثاث الداخلي بما يتوافق مع احتياجات السكان، حيث استخدم خطوطًا بسيطة وأشكالًا هندسية لتحقيق الراحة والجمال.

·     تبنى مبدأ "آلة للعيش" (a machine for living)، وهو مفهوم يعكس تكامله بين جميع جوانب المشروع لضمان توافق كل عنصر مع الوظيفة اليومية.

التحديات وجذور المشكلة/

إن غياب التنسيق بين التخصصات يُعد أحد الأسباب الرئيسية للتشرذم في المشاريع المعمارية، مما يؤدي إلى التضارب في الرؤى وتنفيذ مشاريع تفتقر إلى الانسجام. يمكن تحليل جذور هذه المشكلة كالتالي:

1.      قلة التنسيق بين التخصصات: عدم وجود قنوات تواصل فعالة بين المعماري والمصممين الداخليين أو غيرهم يؤدي إلى تضارب الأفكار.

2.      الافتقار إلى رؤية موحدة: التعامل مع المشروع كأنه سلسلة مراحل منفصلة بدلاً من كونه منظومة متكاملة.

3.      انعدام الوعي بدور المعماري الشمولي: ضعف إدراك أهمية التكامل بين الأبعاد المختلفة للمشروع.

الحلول المقترحة/

لمعالجة هذه الإشكاليات، يمكن اتخاذ الخطوات التالية:

·         التوعية المهنية: نشر ثقافة العمل الجماعي وتعزيز فهم أن المشروع هو نتاج عمل تكاملي، وليس مجموعة جهود منفصلة.

·         وضع معايير واضحة: صياغة قوانين أو بروتوكولات تُلزم جميع الأطراف باحترام الرؤية التصميمية للمعماري.

·         تدريب المعماريين على التكامل: تضمين التصميم الداخلي وتنسيق الحدائق في عملية التصميم من البداية.

الخاتمة/

إن دور المعماري يتجاوز كونه مصممًا لفراغات أو موجهًا لتوزيع الأدوار. إنه المبدع الذي يبتكر تجارب حياتية متكاملة، حيث تمتزج العناصر الهندسية والجمالية والوظيفية لتشكل وحدة واحدة متناغمة. إن شمولية المعماري هي المفتاح لضمان تميز المشاريع واستدامتها، حيث يعمل كجسر يربط بين مختلف التخصصات ويضمن التوازن بين التفاصيل الكبرى والصغرى.

في ظل التحديات التي يواجهها المعماريون اليوم، يبقى الحل في بناء ثقافة مهنية تعزز التعاون وتحترم رؤية المعماري كشخص مؤتمن على جوهر المشروع. هذا يعني التأكيد على أهمية التكامل بين الأدوار، مع وضع آليات واضحة لحماية المشاريع من التعديلات التي قد تُفقدها طابعها الأصلي. وبذلك، يصبح المعماري ليس مجرد مُنفذ، بل مُبدعًا يقود المنظومة لتحقيق رؤية ملهمة تعكس أهداف التصميم وروحه.

 

الجمعة، مارس 21، 2025

رؤيتي المعمارية

 

منزل أسامة الفرجاني- طرابلس

جمال الهمالي اللافي

        أسعى إلى تقديم رؤية معمارية إسلامية ليبية معاصرة ترتكز على إعادة إحياء العلاقة التكاملية بين المعماري الليبي والحرفي، ليس فقط كمتعاونين، بل كجزء من منظومة إبداعية شاملة. تهدف هذه الرؤية إلى إنتاج عمارة ليبية ذات بُعد مادي وروحي، تستجيب بمرونة لحاجات المجتمع الليبي المعاصر، مع الاستفادة الذكية من التقنيات الحديثة وتطويعها لصياغة بيئة عمرانية مستدامة ومتوازنة.

تركز هذه الرؤية على:

  • التفاصيل المناخية: تطبيق حلول تصميمية مبتكرة تُراعي الظروف المناخية المحلية مثل الحرارة المرتفعة وتوفير التهوية الطبيعية.
  • التنوع الثقافي المحلي: استلهام التراث الحرفي والجماليات المحلية الليبية وإعادة تقديمها بطرق إبداعية تُبرز هوية المكان.
  • الموارد الاقتصادية: الاعتماد على استخدام مواد محلية مستدامة ومنخفضة التكلفة، مما يُعزز الاقتصاد المحلي ويُشجع التنمية المستدامة.
  • المساحات المجتمعية: تصميم مساحات تعزز من التفاعل الاجتماعي، وتقوي الروابط بين أفراد المجتمع الليبي.

بالإضافة إلى ذلك:

  • التوجه الفلسفي للعمارة: تنطلق رؤيتي من قناعة بأن العمارة ليست مجرد بناء مادي، بل هي أداة للتعبير الثقافي ولإحداث تغيير إيجابي يعكس قيم المجتمع وهويته.
  • الاستدامة البيئية: أؤمن بأن العمارة يجب أن تلعب دوراً فعالاً في حماية البيئة من خلال تطبيق حلول تصميمية تعتمد على الطاقة المتجددة وتقليل الأثر البيئي.
  • العمارة التشاركية: أتبنى نهجاً معمارياً يُشرك أفراد المجتمع في مراحل التصميم والبناء، مما يعزز ارتباطهم بالمكان ويضمن تلبية احتياجاتهم الفعلية.
  • الإبداع التقني: أطمح إلى الاستفادة من التقنيات الحديثة لابتكار تجارب معمارية تفاعلية تُلبي تطلعات المستقبل وتتماشى مع الروح المعاصرة.
  • رؤية تعليمية: أضع ضمن أهدافي نقل المعرفة والخبرات المعمارية والحرفية إلى الأجيال القادمة، لضمان استمرارية الهوية الثقافية المحلية وإلهام المصممين الشباب.

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية