جمال الهمالي اللافي
- الزيارة الأخيرة إلى طلميسة بمدينة جادو[1]، التي كانت بتاريخ 17/11/2006 م، هي امتداد طبيعي لسلسلة الرحلات إلى الداخل، التي بدأت انطلاقتها مع أول رحلة تمت إلى مدينة درنة وضواحيها" المخيلي والعزيات" وما على امتداد الطريق إليها من مدن وجبال وسهول ووديان، أعقبتها رحلة أخرى إلى مدن ودان وهون وسوكنة في نفس الفترة وذلك في شهر أكتوبر من صيف 1985م[2]. ضمن فريق" جماعة التراث" التي أسستها مجموعة من طلبة قسم العمارة والتخطيط العمراني بكلية الهندسة/ جامعة طرابلس" جامعة الفاتح في ذلك الوقت" سنة 1983 م. وكانوا حين ذاك خمسة طلبة، دافعهم إلى تنظيم هذه الرحلة، الرغبة في توقيع مصالحة مع الذات والبحث عن الجذور. ومحاولة جادة لإدارة الحوار مع النفس عبر بوابة العقل... وفي حوار العقل للنفس هذا، تكبر الدائرة لتتجاوز قوقعتها الضيقة، إلى طرح العلاقة بين المعماري كذات ومحيطه الاجتماعي والحضاري كموضوع يعتمل في النفس وتتحرك مع حراكه.
- في إحدى محاضراته[3] التي اعتدنا على أن نتفاعل معها بإنصات، اختزل أستاذنا الفاضل/ علي سعيد قانة[4]، رحمه الله"- بخبرة العارف، وهو يشير بيديه إلى الداخل- تشخيصه لحالة التخلف التي يعيشها المجتمع، في عبارة موجزة ولكنها أصابت مكمن الداء، قائلاً:" الإنسان عدو ما يجهله".
ولكن ما الذي جهلناه حتى تخلفنا عن الركب وتجاوزتنا قوافل المجتهدين ولحقت بنا ركبان الطامحين حتى سبقتنا، وبتنا نتخبط في ظلام، خيّل إلينا من امتداد سواده الحالك أنه سرمدي؟
- قرأنا في مدارسنا وجامعاتنا مقررات التاريخ وتعمقنا في سيرة الحضارة الإنسانية على مر العصور وتعرفنا على ثقافات الشعوب، لكن تاريخنا ظل غائبا أو مغيبا عنّا في زحمة ما قراناه... غائبا بإهمالنا إياه ومغيبا بتجاهلنا له.
- زرنا معه وبعد رحيله مدنا في الساحل والجبل والصحراء، فوجدنا أن بعض أركانها قد تصدعت وبعض أحجارها قد تكسرت وتناثرت تفاصيلها هنا وهناك. إلاّ أنها لا تزال باقية صامدة، شاهدة على صفحة ناصعة من حضارة الأجداد... تنفسنا الصعداء ونحن نلحق بأثر قبل أن يزول وبتاريخ قبل أن يعتريه النسيان أو تتخطفه يد المنون من بين أظهرنا ونحن عنه غافلون... فآثرنا أن ننهل من معينه العذب، على أن نسير في ركب المغتربين أو ننزوي في جحر المقلدين.
الثلاثاء 12/12/2006 م.
[1] - تمت هذه الرحلة بالتنسيق بين المدرسة الليبية للعمارة والفنون- مهندسون استشاريون و شركة بلخير للخدمات السياحية، بمشاركة جميع أعضاء المدرسة، إضافة إلى م. رشيد كعكول، م.عزت خيرى، م. عادل أبو قرين.
[2] - في هذه الرحلة الطلابية والتي جاءت بمبادرة فردية من المجموعة- وبدعم معنوي ومادي من أستاذ مادة الرسم الحر، المرحوم. علي سعيد قانة- شارك فيها كل من / جمال الهمالي اللافي، نوري سالم عويطي، عزت علي خيري، عبد المنعم عبد السلام السوكني وأنظم إليها في مدينة درنة مفتاح الزايدي.
[3] - كانت محاضرة في مادة تنسيق المواقع حول الحديقة في المدن الليبية التقليدية، ربيع 1984 م. وذلك بناء على دعوة وجهها له أستاذ المادة أ. مصطفى المزوغي.
[4] - نحات وفنان تشكيلي واقعي. وأستاذ مادة الرسم الحر بقسم العمارة والتخطيط العمراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق