التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التخطيط العمراني والمرحلة الانتقالية في ليبيا




د. أحمد محمد الحضيري


"مقال يحمل بعض المقترحات بشأن التخطيط العمراني في ليبيا خلال الفترة الانتقالية، أضعه بين أيديكم، لعله يطرح قضية قابلة للنقاش".


إن التخطيط العمراني عملية متواصلة مع نمو السكان وتطور العمران، فلا ينبغي أن تتوقف عند مرحلة معينة أو تعلق إلى حين. وما ظهور العشوائيات في المدن والتعديات على المخططات إلا بسبب عدم مواكبة التخطيط للنمو العمراني الحادث فيها. وعندما أقول التخطيط العمراني فإنما أقصد العملية المتكاملة بدءاً من الجوانب القانونية والدراسات التمهيدية وعمليات إعداد المخططات العامة والتفصيلية والتصاميم المعمارية إلى الإجراءات التنفيذية والرقابية والمتابعة وضبط وحماية المخططات.
إن الفترة الانتقالية التي تشهدها ليبيا في الوقت الراهن ما هي إلا فترة ممهدة لما بعدها، وهي فترة ليست بالقليلة على الرغم من محدوديتها. وفي ظل الاهتمام بالملفات العاجلة قد يتعرض التخطيط العمراني إلى عدم الاهتمام على اعتبار أن معظم قضاياه مستقبلية وغير عاجلة، وبذلك وجب التذكير بأن التخطيط العمراني يشمل النشاط العمراني اليومي سواء بالنسبة للأفراد أو للمؤسسات والهيئات، ونحن نحتاج إلى الانتباه لما قد يعتري المخططات العمرانية خلال الفترة الانتقالية من انحرافات جراء بعض الاختراقات العفوية أو غير المسئولة خصوصاً بسبب الحاجة إلى السكن أو ممارسة الأنشطة الاقتصادية والتي على رأسها النشاط التجاري.
وحتى إن كانت المخططات العمرانية "المعتمدة" والمعمول بها إلى الآن، تشوبها بعض العيوب أو تكتنفها بعض الملاحظات والانتقادات، أو لم تعد قادرة على تلبية حاجات المواطن الليبي في مواقع السكن والخدمات والترفيه وممارسة أنشطته اليومية، أو أنها لم تعد مقبولة أصلاً من الناحية الأيديولوجية، فلا ينبغي التصرف على أساس من ذلك ولكن على إجراءات متكاملة مبنية على أسس وركائز علمية سليمة تتناسب وتوجهات الدولة الحديثة التي يريدها الليبيون، وبعيداً عن الآراء والأهواء الشخصية التي لا تخدم أبداً مصالح المواطن الليبي في العيش الرغيد داخل المدن والقرى المنتشرة في كامل مساحة أرض ليبيا المحروسة بعناية الله.
ورب قائل يقول أنه مهما حدث من اختراقات أو مخالفات خلال هذه الفترة فلن يضاهي ما حدث خلال الفترات السابقة من اختراقات ومخالفات أدت إلى تشويه المخططات العمرانية والمساس بها. أقول بأن الاختراقات والمخالفات كلها لها ثمن غالي، ليس اقتصادي فحسب بل أيضاً اجتماعي ونفسي وثقافي وبيئي وغيرها، وإذا أردنا مستقبلاً أفضل لمدننا وقرانا فعلينا البدء منذ الآن وعدم الانتظار حتى الغد. وعليه فإن الدور الذي يمكن أن يلعبه التخطيط العمراني في المرحلة الانتقالية يشمل ما يلي:
1.     إعادة النظر في اختصاصات السلطات والهيئات والجهات القائمة على التخطيط العمراني وتطبيق وضبط وحماية المخططات.
2.     دراسة المناطق المتضررة في المدن والقرى الليبية واقتراح سبل تحسينها أو إعادة إعمارها، كل حسب مستوى الضرر الواقع فيها.
3.     التعاون والتنسيق مع الجهات المسئولة والهيئات والمؤسسات من أجل وقف كل مظاهر البناء العشوائي المنتشرة حالياً بسبب غياب دور الجهات المختصة بضبط وحماية المخططات.
4.     مراجعة وتقييم سياسات التنمية المكانية، والمخططات الإقليمية ومخططات المدن والقرى.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن هناك حاجة ماسة إلى مراجعة أو إعادة النظر في كثير من القوانين والإجراءات المتعلقة بالتخطيط العمراني والمؤثرة فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، منها علي سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
        قوانين التخطيط العمراني ولوائح البناء والتشييد وتصنيف المناطق.
        معايير التخطيط العمراني ومواصفات الطرق والمسالك وممرات المشاة والمعابر.
        قوانين الملكيات العامة والفردية. وإجراءات تسجيل وتحقيق ونقل الملكيات.
        القوانين المتعلقة بحماية الأراضي الزراعية ومصادر الثروات الطبيعية.
        إجراءات تراخيص البناء والصيانة والهدم والإزالة، والإجراءات المتعلقة بمتابعة التنفيذ.
        أسس وإجراءات إدارة وتشغيل وصيانة المنشآت والمباني العامة ومباني الإسكان العام.
        قوانين الاستثمار العقاري والسياحي، ومناطق التجارة والأعمال.
        معايير وضوابط ومؤشرات التنمية العمرانية المستدامة.

بجهود مكثفة من ذوي الشأن والاختصاص وبيوت الخبرة يمكن الانتهاء من جل هذه المواضيع، أو على الأقل قطع شوط كبير فيها، لتصبح جاهزة لما بعد الفترة الانتقالية. مما يساعد على توفير بيئة صالحة للعمل المنهجي المنظم، الذي يؤدي بالتالي إلى تحسين وضع المخططات العمرانية والمحافظة عليها، وتحقيق مستهدفاتها التي تراعي وتناسب تطلعات المجتمع الليبي في جميع المجالات، وبالتالي تحقيق بيئة عمرانية مستدامة.



المصدر/ https://www.facebook.com/Ahmed.Alhodairi?hc_location=stream

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...