موضوع آخر رأيت من الأهمية طرحه
للنقاش، حتى تستقيم الأمور في مجال العمل الهندسي المرتبط بالمباني من حيث التصميم
والتنفيذ والإدارة ، وهي إشكالية تعترض العمل الهندسي في ليبيا على وجه الخصوص،
في حين تتجاوزها بكثير دول العالم المتقدم.
وهو موضوع لا يستهدف النيل من التخصصات
الهندسية المختلفة أو التقليل من شأنها أو الاستهانة بأهمية دورها في العملية التصميمية
والتنفيذية للمباني، بقدر ما يسعى إلى وضع النقاط على الحروف، للوصول إلى تحديد
ماهية العلاقة التراتبية المفترضة والواجبة بين المعماري والفريق الهندسي والفني.
وتحديد الأدوار والمسؤوليات وحدود الاختصاصات، المرتبطة بتصميم وتنفيذ المنشآت
المعمارية بصفة عامة.
من أين تبدأ كل واحدة من هذه
التخصصات وأين ينتهي دورها، والأهم:
·
من يقود هذه العملية برمتها على مستوى الإدارة والإشراف على
مراحل التصميم والتنفيذ المختلفة ؟
·
من يتحمل تبعات وعواقب أي عملية تقصير تحدث أثناء تنفيذ
مراحل المبنى المختلفة؟
·
من عليه أن لا يتجاوز الحدود، من باب ما يقتضيه الاختصاص
ومصلحة العمل وطبيعته؟
مما لا شك فيه أن التقصير في تنفيذ
أي مشروع معماري يتحمل مسؤوليته كل من شارك في تصميمه أو تنفيذه. ولكن على المعماري
تحديداً، يقع العبء الأكبر من هذه المسؤولية، لأنه في المقام الأول هو الجهة
الاعتبارية التي يقصدها مالك المشروع أولاً للتفاهم على جميع بنود مشروعه، بداية
من مرحلة التصميم المعماري ومرورا بمرحلة إعداد الخرائط التنفيذية وإعداد كراسة الكميات
والمواصفات، وانتهاءً بوضع جميع بنود الاتفاق على عملية التنفيذ والإشراف وإبرام
وتوقيع العقود مع مالك المشروع وأيضا مع التخصصات الأخرى لضمان سلامة العمل من
الناحية الفنية وأيضا لضمان تنفيذه في الزمن المتفق عليه.
وهي جميعها مراحل تتطلب
من المعماري متابعتها ومراجعتها وذلك تحسبا لأي إشكالية قد تواجهه أو تواجه
المقاول أو المهندسين أو الفنيين بتخصصاتهم المختلفة أثناء مراحل تنفيذ المبنى.
لأنها ستصبح بعد ذلك مكلفة وقد تكبد مالك المشروع خسائر كبيرة ناتجة عن أعمال
الهدم والتصحيح أو التعديل. وهو في غالب الأحيان من توكل إليه مسؤولية اختيار فريق
العمل الهندسي من مختلف التخصصات لتصميم الخرائط التنفيذية أو متابعة تنفيذها.
كما أن المعماري، هو الذي يفترض
عليه التواجد شبه اليومي في مرحلة تنفيذ الهيكل لتوجيه ومتابعة المقاول وتوزيع
المهام بين التخصصات الهندسية والفنية المختلفة. وهو من سيستمر في متابعة مرحلة
التشطيبات مع العمالة الفنية الداخلة في هذه المرحلة. وهو من عليه مراجعة الورش
الفنية خارج المشروع واعتماد الأعمال المنفذة والتأكد من الجودة وفق المواصفات
الفنية التي وضعها وكمياتها. وتستمر هذه المتابعة حتى يتم تسليم المفتاح لمالك
المشروع.
بينما يتوقف دور المهندس
الإنشائي بمجرد انتهاء مرحلة تنفيذ الهيكل الخرساني، كذلك تبدأ معه وبعده التخصصات
الهندسية والفنية الأخرى في الانسحاب تباعاً بمجرد اكتمال دورها، سواء في المتابعة
أو التنفيذ. كذلك فإنه على عاتق المعماري تقع مسؤولية أي تقصير أو خلل مستقبلي
ناتج عن سوء التنفيذ.
في المقابل يحصد المعماري نتائج جهود
جميع التخصصات المشاركة في العمل من الناحية المعنوية، وإليه يعزى نجاح المشروع من
فشله. وهنا نتوقف لنقول، أنه على كل معماري أو مسؤول عن تنفيذ أي مشروع معماري، أن
يسجل أسماء وتخصصات جميع مراحل تصميم وتنفيذ المشروع، وتقديرهم معنوياً قبل
تقديرهم مادياً، حتى لا يجحف بحق كل من بذل جهداً أو شارك في إنجاز ما يقال عنها
تحفة معمارية، تستحق أن تأخذ مكانتها في سجل تاريخ العمارة والفنون.
وهو ما يستوجب من المجتمع
ومؤسسات الدولة وجميع التخصصات الهندسية والفنية الأخرى أن تعي جيداً القيمة
الفعلية التي يحققها المعماري من خلال اضطلاعه بكل هذه المسؤوليات، التي يحملها
على عاتقه وحده، بحيث لا تسمح بالتعدي أولاً على اختصاصاته وثانياً على موقعه في
سلم القيادة أو الإدارة لأي مؤسسة أو مشروع يرتبط بالمنشآت المعمارية.
والسؤال المطروح: كيف السبيل
إلى إعادة تنظيم مسألة مزاولة المهنة في ليبيا وفق الاعتبارات التي أشرنا إليها، بحيث يحفظ
لكل ذي حق حقه من التقدير المعنوي والمادي؟ وذلك للارتقاء بمستوى الناتج المعماري
من حيث الجودة وكفاءة الأداء الوظيفي والملائمة البيئية.