القيم الاستعمالية للميدان اليوم |
دكتور/ مصطفى
المزوغي
بالمناسبة، منذ يومين كان الاحتفال برفع الستار عن نصب
تذكاري جديد في ميدان الشهداء في ذكرى ابطال 20 فبراير ، وكانت ردود الفعل متباينة
بين من لم يعر (العمل التشكيلي) اهتماما بالقدر الذي أولاه للحدث الوطني ذاته،
وبين من ربط الحدث بصيغة التعبير الرمزية المطروحة فكان الحال بين تحفظ وبين أسف
من أن الحدث أبطال ٢٠ فبراير كان يجب أن يتم طرح مشروع معلم لإحيائه بصيغة
المسابقة فإن لم تكن دولية على الأقل تكون وطنية، وبمستوى يليق بعطاء الشهيد.
بالمناسبة،
هناك قصة ميدان الشهداء وتاريخه، عندما شرع اليساندرو ليمونجيللي Alessandro Limongelli ، بعد أن تم تكليفه من الجنرال Emilio De Bono سنة 1928 كمستشار فني ومعماري لمدينة طرابلس، بتقديم
مقترح لتطوير ميدان الشهداء، الذي عرف آنذاك باسم Piazza Italia سنة
1930، فكان أن أدرك بحساسية أهمية شارع عمر المختار، الذي هو الآخر تعارف على
تسميته آنذاك باسم
Corso Sicilia فكان تصميم مقترح
لمبنى بنك روما Banco di
Roma بالكيفية التي شيد بها بعد
وفاته سنة 1932 بواسطة
Alpago Novello Cabiati وهي لم تختلف كثيرا عن مقترحه،
فلقد كان الهاجس واضحا في تقديم حل عمراني بمفردات معمارية تحمل في طياتها التعبير
الكولونيالي المنشود من جهة وتوافقها والقيمة المعمارية القائمة لرصيد السرايا
الحمراء والمدينة القديمة من جهة أخرى.
مقترح ميدان الشهداء كما وضعه ليمونجيللي |
فالإزاحة
بزاوية 45 درجة بمثابة التمهيد لدخول الميدان بشكل ملائم لاسيما وأن الميدان ذاته
يشكل نقطة التقاء عدد من المسارات، هذه الإزاحة فسحت المجال لتحقيق مساحة ربط بين
واجهة شارع عمر المختار وواجهة ميدان الشهداء، الذي تمّ تعريفه بثلاث واجهات حديثة
تقابلها الواجهة الرابعة وهي سور المدينة القديمة.
مقترح مخطط لميدان الشهداء بتوقيع ليمونجيللي |
مبنى بنك روما بتوقيع ليمونجيللي |
بوابة شارع عمر المختار، الرؤية البديلة كما اقترحها دي فاوسطو |
ما
تجب الإشارة إليه أيضا أن في الضفة المقابلة كان ليمونجيللي قد أقترح تصميم لمبنى Banco
di Sicilia الذي لم يتم تنفيذه،
ولكن يجب الانتباه للبرج المناظر وكأنه بذلك يعلن بوابة الدخول للميدان ولشارع عمر
المختار على حد سواء.
بنك صقلية كما اقترحه ليمونجيللي |
يقوم
فلوريستانو دي فاوسطو
Florestano Di Fausto الذي كلفه
الحاكم إتالو بالبو
Italo Balbo بمهام سنة 1932عقب وفاة
ليمونجيللي المفاجئ بمهام مستشار المدينة إضافة إلى المسؤول الأول لحماية وصيانة
جماليات المدينة.
زنقة الفرنسيس |
في
سنة 1938 تمّ تكليف دي فاوسطو بتصميم مبنى مكاتب الحكومة وربطها بمقر مكتب الحاكم
بالبو في السرايا الحمراء عن طريق مسار علوي على أن يكون موقع مشروع مقر مكاتب
الحكومة في مكان بنك صقلية
Banco di Sicilia ،
شرع دي فاوسطو مباشرة في قراءة مقترح خلفه ليمونجيللي بشكل متمعن وحرص على تبني
روح الحل المتمثل في البرج والعمل على تحقيق التعبير الكولونيالي المنشود، إلا أن
قدرات دي فاوسطو التعبيرية في توظيف الاشكال النقية التي تتمتع بها عمائر طرابلس
التقليدية كانت ظاهرة دون إغفال الامتداد الرأسي والإزاحة الجانبية الغير مرئية
دفعت بالمدخل لأن يتبوأ الركن.
والجدير بالإشارة هو الصيغة التي وضعت بها الاقواس
في الممر بالدور الارضي التي أتت محاكاة لهيئة الاقواس وتكرارها بالمدينة القديمة
كوسيلة دعم للبيوت فأصبح الاحساس بها للمار تحتها كامتداد لشوارع المدينة القديمة
على الرغم من تفاوت مقياسها.
مسار الرواق بالدور الأرضي لمبنى مكاتب الحكومة (الداخلية) كما وضعه دي فاوسطو |
هل أدركنا (التشكيليين والمعماريين) الدرس، لماذا علينا قراءة ميدان الشهداء بتمعن حتى نفي ذكرى الأبطال حقها؟.
المصدر/ صفحة الدكتور مصطفى
المزوغي على الفيسبوك
https://www.facebook.com/mustafa.mezughi
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق