أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأربعاء، يوليو 30، 2014

تجذير مفهوم العمارة المحلية


جمال اللافي


أذكر في هذا السياق موقفا تعرضت له في أحد مشاريعي التصميمية خلال فترة دراستي بقسم العمارة والتخطيط العمراني، يتعلق بتصميم مشروع نادي رياضي بمدينة ترهونة (وهي مدينة ريفية جبلية). وقد استوحيت الطراز المعماري لهذا النادي من العمارة الغدامسية (غدامس مدينة صحراوية تميزت بخصوصية عمارتها المحلية)، من منطلق أن مدينة ترهونة لا تملك أي عمارة أو طراز مميز.

ولأنني حريص على أن أختم جميع مشاريعي بوسم العمارة المحلية، فكان اجتهادي أن اقتبس من هذا الطراز المعماري الغدامسي لتعويض هذا الافتقار لنمط معماري مميز، الذي تعانيه مدينة ترهونة. وعند عرض مشروعي للمناقشة أمام أستاذ المادة. أبدى هذا الأستاذ رفضه لفكرة الاقتباس من العمارة الغدامسية وطالبني بالبحث عن عناصر ومفردات تمتاز بها مدينة ترهونة واستخدامها في مشروعي هذا. فأخبرته بأن هذه المدينة تفتقر لأي ملامح معمارية يمكن إدراكها والتعاطي معها. فأصرّ على أن أبذل جهداً أكبر في البحث. فقلت له مغاضبا، عندما يستوحي الطالب من عمارته المحلية، تضعون أمامه كل العراقيل. أمّا عندما تأتي مشاريعه مغتربة عن واقعه، فلا تتأخرون في كيل عبارات الثناء والتشجيع له ودعمه ليستمر على هذا النهج. فلم يزد عن القول، ابحث أكثر وستجد.

وخلال فترة العطلة الصيفية، جلست يوما لأعيد التفكير في هذا الأمر، وبدأت أطرح على نفسي بعض التساؤلات حول إمكانيات أن أجد في مدينتي ترهونة أي ملمح لعمارة تخصها. وانطلقت من بيت جدي الواقع على مشارف مدخل المدينة، المكون من دور أرضي (لديه بيت آخر في نهاية المزرعة لا يختلف في نمطه عن بيوت مدينة طرابلس القديمة). فكانت البساطة في الكتلة مع بعض المفردات المتعلقة بشكل النوافذ والأبواب التي لا تختلف عنها في البيوت الطرابلسية مع التبسيط والتجريد. ولكن ظهر أمامي نسق مختلف في توزيع الفراغات، حيث يبدأ الدخول للبيت عبر حديقة صغيرة مسورة ومبلطة. جزء منها مسدى بدالية عنب، وتسمى هناك "لايده"، وبها مدخل جانبي يؤدي إلى غرفة الضيوف، للتخديم عليهم (وهي تفتح مباشرة على واجهة الشارع). ومدخل رئيسي يؤدي إلى داخل البيت، حيث تتوزع فراغات البيت على جانبي ممر يؤدي إلى حديقة خلفية أكبر، مسورة ومزروعة ببعض أشجار الفواكه وتحتوي على حضيرة للدواجن وبرج للحمام. وبها باب صغير يؤدي إلى المزرعة. وهذا النمط من البيوت تكرر داخل مركز هذه المدينة وفي أطرافها بصورة ملفتة للنظر. (للأسف جميع هذه البيوت هدمت في فترة مبكرة بعد انقلاب 69).

بيت جدي

وكان هذا بداية لإيجاد نمط لنموذج بيوت الضواحي والأرياف، الذي صممت منه مجموعة متنوعة، تم تنفيذ إحداها بمنطقة السبعة بضواحي مدينة طرابلس وآخر بضاحية مدينة الخمس واثنان بضواحي مدينة مصراته (أحدهما نفذ والآخر لا أدري عنه شيئا).



مثلما كانت هذه بداية لإعادة تقييم نظرتي لمسألة تأصيل العمارة المحلية، بحيث بدأت بالأخذ بعين الاعتبار مفهوم اختلاف التوزيع الفراغي في عمارتنا المحلية، تبعا لاختلاف البيئة الجغرافية والمناخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بين المناطق والمدن الليبية. وعدم الاكتفاء بالنظر إلى مفرداتها المحلية. ومراعاة هذه الاعتبارات عند تصميم أي مشروع معماري، بغض النظر عن طبيعته.

هناك تعليقان (2):

  1. هدى عبد الكريم الباشا19 يناير 2020 في 10:34 ص

    سلام عليكم
    لقد أدرجت صورة جوية عن المنطقة مبينا البيوت ذات الأفنية، هي قديمة بالتأكيد، لكن هل تستطيع تذكر تصميم هذه البيوت أو تستفسر من كبار السن فترسمها وتتحفنا بالاطلاع عليها .. ومن ثم تبقى مرجعا موثقا للبيوت القديمة في ترهونة؟

    ردحذف
    الردود
    1. وعليك السلام

      فعلت ذلك مع التحوير:
      https://web.facebook.com/jamalallafi/posts/2634855009858209

      https://web.facebook.com/jamalallafi/posts/2638742922802751

      حذف

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية