التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قراءة في معايير البيت الليبي المعاصر



حوش القره مانللي بمدينة طرابلس القديمة- تصوير/ الفنان أحمد السيفاو

جمال اللافي


ربما يعتقد البعض أن التساؤل حول ماهية معايير البيت الليبي المعاصر، التي على أساسها يمكن اعتبار أي مسكن يصمم يمثل نموذجاً للبيت الليبي المعاصر بكل المقاييس، قد يبدو سهل المنال ولا يحمل وراءه أبعد من مضمونه. ولكنه في حقيقته يمثل إشكالية اجتماعية، بكل ارهاصاتها الثقافية والاقتصادية وربما العقائدية، يقف أمامها الطرح المعماري عاجزاً عن وصفها بإجاباته التقليدية، التي اعتدنا على نقلها جيلا معماريا بعد جيل، ولا تكلف المجيب عناء التفكير والبحث والتقصي. بقدر ما هي قالب جاهز للاستعمال عندما تستدعي الحاجة. ولننظر لبعض الإجابات البديهية. ثم ننظر كيف أنها إجابات خاطئة وابعد ما تكون عن واقعنا المعاصر.

حيث يرى البعض أن أولى هذه المعايير، أن يأتي هذا البيت ملبياً لجميع متطلبات الأسرة الليبية المعاصرة من فراغات، دون زيادة أو نقصان، مراعيا لخصوصيتها الاجتماعية والثقافية. هذا ما تقوله الإجابة التقليدية التي اعتدنا على اللجوء إليها تدون أن يعترينا عناء التفكير والتمحيص.

في حين أن متطلبات الأسرة الليبية المعاصرة، لم تعد في حقيقتها واحدة ومشتركة ومتفق عليها. بل أنها تعددت بتعدد مصادر الثقافة التي أصبحت تنهل منها الأسرة الليبية عبر عدة قنوات مؤثرة جدا على العقلية الليبية، على رأسها وسائط الإعلام المختلفة. حيث دخلت المسلسلات التلفزيونية وما تبثه من ثقافة العيش، كمؤثر على جل الليبيات ثم الليبيين. كذلك إقامة البعض من العائلات الليبية خارج ليبيا كان لها الدور في مسألة التأثر بمعيشتهم في تلك البلاد باختلاف ثقافاتها. إضافة لكثرة الزيجات من غير الليبيين والليبيات ومن غير المسلمين والمسلمات في مجتمعنا الليبي. لذلك فنحن اليوم أمام تعدد متطلبات وتنوع احتياجات واختلاف طبائع وعادات. وربما اختلاف تقاليد مستحدثة، ناتجة عن التأثر بثقافات دخيلة على مجتمعنا الليبي المسلم، كاحتفال بعض العائلات الليبية بعيد الكريسماس وكل ما يتطلبه من استعدادات مبكرة وتجهيزات عدة، قد يصبح مستقبلا من ضمنها تجهيز صالة كبيرة داخل البيت لوضع شجرة الميلاد والاحتفاء حولها. وقد نصل يوما- إذا استمر الحال على ما هو عليه من التغريب الثقافي والفصام الاجتماعي- أن تصبح المدخنة، التي سينزل عبرها بابا نويل ليقدم هداياه للأطفال، مطلب اجتماعي، يستلزم من المعماري مراعاته عند التصميم. وذلك بتحويل صالة المعيشة التقليدية إلى صالة كبيرة تتوسطها المدخنة، والاستغناء عن حجرة الضيوف. والأهم من كل ذلك فقد ساهم ارتفاع أسعار الأراضي إلى تشكل مجتمعات ومستوطنات ومناطق لا يسكنها إلاّ طبقة الأغنياء ورؤوس الأموال، بينما تسكن الطبقة المتوسطة والفقيرة، العمارات متعددة الطوابق ومتشابهة التصميم، في مناطق أخرى تحددها الدولة لهم.

وحتى لا يقول قائل ما هذا الهراء. أقول انظروا حال المسكن في المجتمعات العربية المسلمة في الدول المجاورة لنا، التي سبقتنا إلى هذا الانحدار والتفسخ في القيم والسلوكيات والعادات والتقاليد الاجتماعية، وانعكست بدورها على تصميم المسكن في تلك البلدان، حيث لا وجود لخصوصية استعمال الفراغات بين الضيوف (رجالا ونساء) وأصحاب المنزل. ولا مكان للخصوصية بين الجيران في إطلالات النوافذ والشرفات. وبدأت تأخذ مجراها في التأثير بسلبياتها وبعض إيجابياتها على العقلية الليبية، من خلال المؤثرات التي سبق الإشارة إليها. والتي لا تمتلك مقومات التصدي لها ولا مواجهتها ببدائل مقنعة.

وللحديث بقية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...