جمال
اللافي
أود
اليوم التركيز على نقطة مهمة أو الإشكالية الأهم التي تحدد لنا الفيصل بين الاتجاه
بالعمارة نحو الحداثة الغربية ومواكبة كل إرهاصاتها أولا بأول دون الشعور بالحرج
أو تأنيب الضمير أو المساءلة التاريخية. أو الاحتفاظ بماء الوجه والاكتفاء بتأصيل
عمارتنا المحلية شكلا ومضمونا ومواد بناء وطرق إنشاء.
على مستوى التعليم
المعماري،
ترتكز الدراسة على تجاهل التطرق للقيم الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية ومبرراتها
التي بنيت عليها مدارس عمارة الحداثة الغربية منذ بروزها كمشاريع معمارية في أواخر
القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا. والاكتفاء بالمرور العابر عليها كأشكال هندسية
ملفتة للنظر بموادها الحديثة والمتنوعة، المصنعة وفق تقنيات عالية الجودة وبأيدي
فنية ماهرة. وتشجيع الطالب على الاتجاه إليها بكل جوارحه، دون أن يسأل نفسه لماذا
وكيف؟
على المستوى الفكري،
لا رؤية معمارية ليبية معاصرة تواكب نظيراتها في الغرب. ولا عمل جماعي يسعى لتحقيق
منجز يحمل قيمة معمارية تعبر عن روح العصر. فقط هي حالة تماهي فردية مع الآخر
يعايشها كل معماري منفصلا عن أقرانه وانبهار يسد مسالك العقل عن التفكير السليم
والتقييم الصحيح لما قد يتصادم مع قيمنا أو ظروف بيئتنا المناخية والاقتصادية أو
يتفق معها.
على مستوى ممارسة
المهنة،
نرى أن كل مدرسة معمارية غربية فكرية يصحبها إلى جانب الشكل المعماري تقنيات إنشاء
ومواد بناء جديدة تعبر عنها أصدق تعبير. في حين أن الحالة الليبية لا زالت تعتمد
على مادة الخرسانة المسلحة بتقنية الهيكل الإنشائي التي تجاوزتها أوروبا في أواخر
القرن التاسع عشر وانطلقت مع قرن جديد بمواد أخرى جديدة وطرق إنشاء أكثر تعقيدا.
كما لا تزال الحالة الليبية تعيش فقرا شديدا في التقنية وفي مواد البناء والتشطيب
وفي العمالة الفنية المصاحبة لها، مما يعيق أي منجز معاصر عن التعبير عن حالته كما
هي عند نظيراتها في الغرب.
الحالة المعمارية
الليبية،
هي حالة تخبط عشوائي حطم الموجود. ولم يطرح أي بدائل تعبر عن العصر الذي تعيشه.
ومع ذلك يتباهي فيها المعماري بمخرجاته التي تجعل اللبيب حيران من مشاهد البؤس
والتنافر الحاد التي تعم مخططات مدننا بمبانيها التي تنسب نفسها لمشروع الحداثة،
وهو منها براء.
من
الممكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه عندما يقتنع المعماري الليبي بأن هذه مسؤوليته
الوطنية والتاريخية، فلا يرمي بتقصيره على المواطن أو أي جهة أخرى مسؤولة كانت أو
غير مسؤولة.