أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الاثنين، أكتوبر 17، 2016

منظومة القيم


مدخل سوق الظلام بمدينة بنغازي

جمال اللافي


       قَيِّم، في معجم المعاني الجامع هي، صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من قامَ / قامَ إلى / قامَ بـ / قامَ على / قامَ لـ . وهي تعني السيِّدُ وسائس الأمر وقيِّمُ القوم، الذي يقوم بشأنهم ويَسُوس أَمرَهم. وهي جمع لكلمة قيمة وقائم وقائمة.


لكل ثقافة قيمها التي تستند عليها نظم وقوانين وضوابط تحكم العلاقات والمعاملات والتعاملات بين أفراد المجتمع الواحد أو الأمة الواحدة. كما تسهم بدورها في التأسيس لهوية محلية وقومية ذات خصوصية متفردة تميزها عن المجتمعات الأخرى.          

دائما ما يتم الحديث عن مجموعة من القيم وليس قيمة واحدة فقط، لأنه لا يستقيم مجتمع بدون منظومة من القيم التي تتناول كل مناحي وتفاصيل حياته، كبيرها وصغيرها، حاضرها ومستقبلها، يجتمع حولها وتوحد صفوفه وكلمته تحت راية واحدة تعبر عن تلك القيم وتحميها من أي تهديد خارجي، سواء كان ثقافيا أو عسكريا. وفي غالب الأحيان تشكل منظومة هذه القيم مسألة حياة أو موت مجتمع، تستدعي منه التضحية بالغالي والنفيس لأجل الحفاظ عليها وحمايتها من أي تدنيس. ولهذا يحرص العدو أولا ودائما على ضرب منظومة القيم حتى يسهل عليه السيطرة على أي مجتمع يدين بها وكسر الحاجز النفسي الذي يقف سدا منيعا أمام أطماعه. مستخدما في ذلك عدة وسائل وأدوات وشخوص.   

ولكل قيم مرجعية تنطلق منها، مردها إلى عقيدة سماوية أو قوانين وضعية، تتبناها مجتمعات مختلفة وتطبقها على قدر فهمها للنصوص التي تشرح القيمة وأبعادها ومنطلقاتها وأهدافها وغاياتها المادية والمعنوية والروحية. وفي أغلب المجتمعات الإسلامية وخصوصا في عهودها الأولى تستند فيها مجموعة  القيم  في مرجعيتها إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.  


ودائما ما يكون لهذه القيم انعكاسات شتى تظهر على سلوكيات وتعاملات الناس، مثلما تظهر في فنونهم وأدابهم وعاداتهم وتقاليدهم. وتتنوع بتنوع المعطيات البيئية في كل مجتمع، لتشكل خصوصية متفردة تتفق أو تختلف أو تتباين بين مجتمع وآخر، بما في ذلك المجتمعات التي تتفق على نفس القيم وتتباها كمنهج للحياة.  

العمارة كمنجز مادي بشري، هي واحدة من انعكاسات أو تطبيقات هذه القيم على المستويين الفكري والمادي. ولكن هناك قيم عامة مستمدة من عقيدة وأعراف المجتمع. وهناك قيم خاصة تتعلق بالمنشأ المعماري الذي يساعد على فهمه وقراءته بسهولة ويسر، بحيث يمكن التمييز بين استعمال وآخر. بين المسجد والبيت أو المدرسة والمصنع والمستشفى، مثلما نستطيع تمييزها من حيث الطرز المعمارية عن الثقافات الأخرى المختلفة والمتباينة والمتفقة في المنطلقات والأهداف والغايات. فالعمارة الإسلامية تشكل إطارا عامة لمجموعة من العمائر المحلية المتباينة بين بيئة إسلامية وأخرى، تخضع في تشكيلها لعدة معطيات بيئية واجتماعية وثقافية واقتصادية وفي بعض الأحيان المتغيرات السياسية يكون لها دور كبير، لتصنع هذا التمايز والتنوع داخل ذلك الإطار العام.  

ولا يمكن للعمارة بأي حال من الأحوال الانطلاق في تشكيلها من عدم. بل هي تتشكل وفق قيم مجتمعية، تستقل أو تتبع أو تخضع لمجموعة من القيم الأصيلة أو الدخيلة، التي ترتقي أو تنحدر على قدر وعي المجتمع وإداركه لأهمية دور العمارة في تشكيل أو إعادة صياغة مفاهيمه عن الحياة وعما يريد أن يحققه أو لا يريده.   

ومثلما تكون العمارة في تشكيل صورتها النهائية نتاجا لمفاهيم وقيم بشرية. فهي تتحول بعد تموضعها في مكانها وعبر فترة زمنية ليست ببعيدة إلى مؤثر قوي في تغيير سلوكيات المجتمع ومنظومة قيمه التي كان يعتنقها إيجابا أو سلبا، تبعا لكفاءة المنجز والقيم التي يراد له أن يعكسها أو يعيد صياغتها أو تم إهمالها وتجاهلها. وهي المرآة العاكسة لحالة المجتمع كيفما كان وكيف سيكون.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية