أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، أبريل 06، 2018

بدايات البيئة العمرانية فى ليبيا وتأثيرالسلوك الاجتماعى للافراد فيها عبر الزمن






المعماري/ صالح المزوغي



من المعروف أكاديميا أن البيئة العمرانية هى التى تعيد تشكيل السلوك الاجتماعى للافراد فيها  بعد تحولهم اليها من مناطق استقرارهم الى داخل البيئة العمرانية أى الى المدينة.... الا أنه ومن من خلال  المعايشة الشخصية لتأثير سلوكيات الافراد والجماعات في تركيبة وتكوين  البيئة العمرانية  فى ليبيا  منذ 50 سنة مضت  بالاضافة الى الاطلاع على تشكل هذه البيئة العمرانية المحدودة منذ نشأتها  فى بعض المراجع المحدودة  جاءت فكرة اجراء دراسة مبدئية حول تأثير هذا العامل في المخططات القادمة مستقبلا وذلك لتجنب سلبياته التى ساهمت بشكل واضح  فى تشوه البيئة العمرانية فى ليبيا بشكل سىء جدا لأن توجيه السلوك الاجتماعى للافراد نحو الانضباط  تلقائيا أو تحت سلطة القانون  فى البيئة العمرانية  من خلال التخطيط سيخدم مصلحتهم المعيشية فيها  ويحقق لهم مستوى تحضر أفضل  كما يحقق للدولة مصلحة كبرى من خلال استقرار السكان بمحافظتهم على  ببيئتهم العمرانية.

تهدف هذه الورقة الى التعريف بالسلوك الاجتماعى للافراد فى ليبيا  داخل  البيئة العمرانية   التى عاش الليبيون  فيها سواءا أكانت هذه البيئة العمرانية  داخل المخططات المعتمدة قديما أو داخل العشوائيات المنتشرة حول المدن الكبرى كما تهدف الدراسة الى توضيح دور السلوك الاجتماعى كعامل ضبط أو انفلات   الافراد فى  المجتمع الليبى  داخل التجمعات العمرانية قديما  وحديثا على النحو التالى :-
1-    فترة العهد العثمانى الثانى 1858-1911 .
2-    فترة  الاستعمار الايطالى1911-1942 .
3-    فترة الهجرات نحو المدن الكبرى .
•        هجرة  ما بعد الحرب العالمية الثانية1942-1960
•          هجرة ما بعد  ظهور النفط1960-1969.
4-    فترة حكم القذافى.1969-2011
•        فترة الافراط فى توزيع  أملاك الدولة 1969-1973.
•        فترة تعطيل القانون والسلطة التنفيذية1973-1978.
•        فترة اللجان الثورية 1978-1988.
•        فترة الانفلات والحصار 1988-2002
•        فترة استخدام القانون لمصلحة أجهزة الدولة2002-2007 .
•        فترة فساد سلطات الضبط القضائى2007-2011
5-    فترة ما بعد 17 فبراير2011-

سيتم اعتماد مدينة طرابلس  كحالة دراسية وذلك لتوفر المصادر والمراجع الى حد مقبول بالاضافة الى معايشة الباحثين لهذه الفترة ومعاصرتهم لمن عاشوا فى معظم هذه الفترات.

كما تهدف الورقة الى توضيح نقاط الضعف والقوة  التى صاحبت كل فترة زمنية تشكلت فيها البيئة العمرانية   سواءا بشكل قانونى او من خلال سلوكيات الافراد والجماعات فبها كما ستبين  الورقة البحثية  الفرص التى كانت متاحة و والمخاطر  التى نرتبت فى كل فترة الأمر الذى ساهم  مساهمة فعالة في عملية  تشكيل  البيئة العمرانية فى  ليبيا بشكل سلبى او ايجابى أحيانا   والغاية القصوى المرجوة من هذه الدراسة هو توجيه السلوك الاجتماعى للافراد نحو اعادة تكوين  بيئة عمرانية مستقرة اجتماعيا  واقتصاديا و بالتالى أمنيا.
ومن المعروف  ان البيئة العمرانية تتشكل من التخطيط بشكل عام ومهما كانت بدائية البيئة العمرانية فهى عملية بداية  لتنظيم التجمع البشرى بعد قرار مجموعة من  الافراد  الاستقرار فى مكان ما  من هذه الارض .

كانت البيئة العمرانية تبدأ عشوائيا فى المجتمعات القبلية ثم بدأت تنظيمية ومخططة فى المجتمعات الامبراطورية  العسكرية المنظمة  كالرومان والاغريق والصينيين  وحديثا  يقوم المتخصصون ذووا الخبرة بالتخطيط لمنطقة جغرافية  ما  تكون بها تجمعات  د يموغرافية يراد التحكم في سلوكياتها   للحصول على أفضل وسيلة لضبط السكان وتنظيم عمرانهم والاستفادة من الطبيعة الطوبوغرافية والحفاظ على  الموارد الاقتصادية المتوفرة بها  .

ومعلوم أن للتخطيط  درجات تبدأ من التخطيط الاقليمى الى التخطيط الحضرى الى التخطيط العمرانى الى التصميم الحضرى  الذى يمثل الرابط الوثيق بين المخططين والمعماريين الذين يقومون بالتصميم المعماري و يتابعون تنفيذ تفاصيله التنفيذية مع باقى التخصصات الهندسية، فكل هذه التقسيمات التخصصية  فى التخطيط للبيئة العمرانية تهدف  لايجاد الحلول للزيادات السكانية  وحركتهم وتفاصيل حياتهم ونشاطاتهم التى تنتج من التأخر فى معالجتها   عشوائيات عمرانية غير مخططة أو فى أفضل الحالات تجمعات عمرانية رديئة التخطيط  تسبب أزمات  فى حركة المواصلات والمرور والسبب الرئيسى فى ذلك هو عدم توفر الخدمات الاساسية للافراد   فى مناطق السكن العشوائى فيتجه الافراد تلقائبا وبدون وعى الى المدينة المخططة و القائمة بحركة  مرور ومواصلات لا تستوعبها شوارع المدينة المخططة  لأن هذه العشوائيات بنيت  بشكل غير منظم فى مناطق غير مخططة ودون خدمات ولا تتوفر فيها أقل الاشتراطات التخطيطية كاتساع الشوارع مثلا  الأمر الذى أنتج  سلوكيات فردية عند  بدايتها ثم تصبح سلوكيات  جماعية متعارف عليها أو مسكوت عنها فتتحول السلوكيات الى تصرفات  تؤدى الى  اهلاك الموارد الطبيعية كالاراضى الزراعية الخصبة والتسبب فى التضخم الاقتصادى الكبير الناتج من ازدياد الطلبات على مواد البناء وارتفاع الطلب على الاراضى داخل المخططات المعتمدة وازدياد أسعارها بشكل رهيب الأمر الذى يساهم فى تفاقم السلبيات الناتجة من بناء هذه العشوائيات كعدم الرغبة فى توفير أراضى للخدمات الضرورية بهذه العشوائيات كخدمات الصحة والتعليم و التزود بالطاقة و المياه و الصرف الصحى كما أن هذه العشوائيات العمرانية غير المنظمة ستوفر  فيما بعد مناخا خصبا للاستقلال الاجتماعى المنفصل عن قانون الدولة والذى سيساهم تلقائيا  فى تكون جماعات فكرية وعقائدية قد  تخرج عن  القانون والنظام العام للدولة وبهذا تفلت هذه الجماعات من السيطرة  والتحكم  فى سلوكيات أفرادها الامر يسبب فى عدم توفر الامن أو نشوء قوى وسيادات عرفية فى أفضل احوالها  موازية لسيادة الدولة والقانون ان لم تكن على النقيض من ذلك.

وكما هو معلوم أيضا أن هناك نظريات متعددة للتخطيط الإقليمي والعمراني تهدف إلى تنظيم الحياة العمرانية للسكان. فالتخطيط مع مراعاة تأثير السلوك الاجتماعى للافراد  سيصبح  سمة من سمات العصر ويؤثر بكل المجالات وبمختلف الابعاد  خاصة بعد تنامى التواصل الاجتماعى للافراد والجماعات باستخدام ثورة المعلومات عبر الانترنت.

وعليه فان التخطيط  للبيئة العمرانية مع  مراعاة الاحتياجات النفسية  والبيئية والاجتماعية للفرد والجماعة  دون اهمال التطور التقنى والمعلوماتى للحياة المعاصرة هو استقراء مسبق  لاحتياجات السكان من مختلف الاجناس و الاعراق عندما يتجمعون في مكان ما وفى  زمن ما نتيجة لطفرة ديموغرافية عارضة كظهور النفط او نشوب حرب او هجرة جماعية  وهذا هو  المفهوم الشامل لتنسيق  أى تجمع سكانى قبل أن يتحول الى قرية  كأمر واقع ثم الى مدينة وهذا التنسيق يقترض  أن يشمل دراسة  كل النواحي الوظيفية والجماليات البصرية والاحتياجات الاقتصادية و الاجتماعية  و الامنية للجماعة البشرية محل الدراسة.

          ومن هنا فالتخطيط للبيئة العمرانية لهؤلاء الافراد  يمثل يوفر فرصة  ايجابية تهدف  لخدمة المجتمع فيصبح لزاما ان يكون السلوك  الاجتماعي للافراد  والجماعات عاملا أساسيا  في تشكيل و بناء المخططات  وبالتالي توفير الامن الاجتماعي كواحد من أهم متطلبات التخطيط العام الذى يخدم استقرار الدولة .
فنشاط  الافراد وسلوكياتهم  تحكمه حاليا   العادات والتقاليد والأعراف المتأصلة في هذه الجماعات البشرية المترابطة عرقيا  فى مناطقهم التى يهاجرون منها الى المدن الكبرى ولا يحكمه النظام العام للدولة نتيجة  لعدم مسارعة  الدولة الى تطبيق للمخططات التى عادة ما تسبق  تكون التجمعات البشرية وتوفر لها احتياجاتها المعيشية وتسيطر عليها بالقانون.

البيئة العمرانية  في ليبيا غالبا ما  تمثل  مكان إقامة واستقرار للافراد الذين  هاجروا من مناطقهم بالدواخل فجأة وليس بشكل  تدريجي وهكذا أصبحت    محل ثقافة متميزة  لجماعات بشرية  تشمل أعراف السكان   وعاداتهم  و معتقداتهم  وانتماءاتهم العرقية وتتميز  كل  منطقة داخل كل مدينة  كبيرة بنمط  ثقافي خاص وسلوكيات فردية متميزة عن غيرها.

إن اختفاء التصنيفات السكنية ذات الاراضى المتراصة والمتلاصقة  التى تميزت بها المناطق السكنية المسماة  داخل المخططات المعتمدة حاليا فى مدينة طرابلس بالمناطق المتخلفة من المخططات الجديدة والتى تحمل الرمز التخطيطى ( س4)و(س5) ذات الاراضى التى تتراوح بين 150-300متر مربع والاكتفاء بالرمز (س3)و (س2) و(س1) ذات الاراضى التى لتتراوح مساحتها بين 400 و 1000متر مربع هو الذى دفع كل المواطنيين التى تشوه مفهوم المسكن ومفهوم الخصوصية  ومفهوم الاحتياجات والامكانيات  لديهم ودفع بهم دون وعى منهم الى الهروب خارج المخططات المعتمدة وتكوين العشوائيات فى قطع اراضى معظمها 500متر مربع  بعيدا عن مناطق الخدمات و  بشوارع ضيقة ودون صرف صحى ودون  طرق معبدة ودون مدارس ولا خدمات صحية..ولا مرافق خدمية وبعيدا عن مناطق العمل .كما ان اختفاء التصنيفات السكنية ذات الاراضى المتراصة والمتلاصقة  من المخططات التى اعتمدت بعد الثمانينات من القرن الماضى قد ضاعف مساحات الاراضى المستغلة فى المخططات السكنية الى مايزيد عن 60% مما قد يحتاجه التوسع السكانى للاسر المتكونة حديثا والتى لاتحتاج الى قطع ارضى كبيرة ولا مساحات مسقوفة كبيرة للوحدة السكنية ذات الكثافة المنخفضة ..كما ان اعتماد النظم التخطيطية الغربية  والاوربية فى تقسيم الاراضى بأفنية محيطة بالنسكن بمساحة تشكل اكثر من 70% من مساحة الارض المخصصة للوحدة السكنية الواحدة  وفرضها بقوة القانون  بدلا من ان تكون هذه الافنية  داخل المسكن نفسه  وبمساحة لاتصل حتى الى 25% من مساحة الارض المخصصة للوحدة السكنية الواحدة وبحوائط متلاصقة بين الوحدات السكنية بحيث توفر الخصوصية التى يطمح اليها كل مواطن كما تضمن الحماية من الظروف البيئة السلبية كالحرارة والبرد وتوفر بيئة سكنية حميمة ومريحة مناخيا للاسرة...لا تتوفر الى الان مخططات بهذه التصنيفات الاصيلة للبيئة السكنية المحلية فى ليبيا ولم تشرع لها قوانين لتنفيذها بل وصار من المتعارف عليه بين السكان أن هذا مخالف للقانون فى حين ان القانون هو المخالف للبيئة العمرانية الاصيلة فى ليبيا ولهذا

ستتجه هذه الدراسة الى  تحقيق النقاط التالية :-
1- الاتجاه إلى اعتماد نظام  التخطيط الاسكانى المتراص والمتلاصق بقطع اراضى ذات أفنية داخلية فسيحة بدلا من الافنية المحيطة من كل الجهات  بالمسكن الذى يطمح اليه كل مواطن  ليبى حاليا  مع ضمان الحد الادنى  والحد الاقصى للاحتياجات  السكنية للاسرة الليبية حسب حجمها واحتياجاتها وامكانياتها .
2- تحديد حجم كل مجاورة سكنية من خلال طريق محيط بها يمنعها من التوسع الافقى ويوفر نظام حركة سيارات السكان والنقل العام دون السماح باختراق مركز المجاورة الذى سيستخدم الطرق المبلطة للمشاة بدلا من الطرق المعبدة للسيارات.
3- توفير الخدمات التعليمية والصحية والترفيهية للسكان حول ساحة عامة فى مركز المجاورة المتراصة يصلها كل السكان سيرا على الاقدام وتوفير الحد  الادنى الذى يسمح بدخول  حركة السيارات للضرورة  .
4- التركيز على توفير النقل العام بكل الوسائل وبشكل ميسر ومخفض التكاليف  ( حافلات- ترام –مترو...الخ) لتقليل الرغبة فى اقتناء المركبات الالية الخاصة للسكان.
5- التحكم فى تقسيم الاراضى  والمبانى داخل وخارج المخطط من خلال اصدار اللوائح والقوانين التى تضمن عدم تقزيم الاراضى من خلال التركات والمواريث والهبات والمقاسمات بين الشركاء.
6- التوعية الاعلامية المتواصلة والمتجددة للمواطن باهمية اتباع المخططات وتبيان مصلحته فيها والمفاسد المترتبة على مخالفتها باستخدام الاعلام المرئى والمسموع والمقروء.
7- محاصرة العشوائيات القائمة بهدف تهذيبها والشروع فى شراء الاراضى الزراعية المحيطة بها للدولة بشكل قانونى بدلا من الهدم والازالة التى تكلف الدولة مبالغ باهضة وفى نفس الوقت لاتحل مشكلة العشوائيات.
8- فتح الاستثمار للقطاع الخاص بشكل قانونى فى أراضى الدولة التى تشتريها حول  العشوائيات والبدء فى فتح المسارات المخططة فيها وتوفير الخدمات فيها وذلك لتخفيض التنافس الذى يسبب التضخم وازدياد سعر الاراضى و مواد البناء .
9- وضع الاسس التصميمة الجديدة من خلال المقياس الانسانى ومن خلال  دراسة الحياة الاجتماعية والسلوكيات الخاصة  التى تميز المجتمع الليبى فى تصميم الوحدات السكنية و مسارات الحركة المرورية و الازقة والساحات والاماكن العامة داخل الحيز السكنى .
10- الانفتاح الى الداخل من خلال الافنية المغلقة الخاصة والانغلاق عن الخارج من خلال تراص المبانى واعتماد نظام البناء بالحوائط الحاملة لتقليل الحاجة الى الخرسانة والبناء الهيكلى بحديد التسليح.
11- استخدام المفردات المعمارية والفنية  المحلية والالوان البسيطة والنباتات المحلية داخل الافنية والساحات العامة.
12- العمل على  بناء تجمع سكنى بهذه المواصفات  يخصص جزء منه كنموذج مفتوح بشكل دائم  للمعاينة وذلك لتوعية المواطن من خلال المعايشة الحقيقية لهذا النوع الاصيل من البيئة السكنية المناسبة لنا والتى افتقدناها من خلال اعتماد النظم الغربية للسكن فى ليبيا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية