جمال اللافي: ”المشهد
المعماري في ليبيا متأزم. ويعاني…“
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السقيفة الليبية: لكل
بلد ومدينة طابع معماري خاص، يسعى المسؤولين في هذا البلد أو ذاك، لإبرازه والاهتمام
به، وكذلك أهل هذا البلد، وخاصة إن كانت مدن أثرية تحمل التاريخ على أسوارها، وتحفظ
أصالتها لتهدي العابرين جمال النظر، ومغامرة رحلة لأزمنة بعيدة، عبر نوافذها وأبوابها
وأقواسها وقلاعها، هي ثقافة مكانية زمانية تنتقل من جيل إلى جيل. وسط تغول الحداثة،
واختلاف الأذواق والاحتياجات، اختفى هذا الطابع الجميل ولم نعد نراه كثيراً في ليبيا،
لكن هناك دوماً الباحث عن مكامن الجمال في الموروث المعماري الليبي.
ماذا سيحدث لو فكرنا
بطريقة مختلفة عندما نتعاطى كمستثمرين عقاريين مع مجموعة من الوحدات السكنية؟
سؤال يطرحه باحث
ومصمم معماري، مهتم بدراسة العمارة الإسلامية المحلية في ليبيا، وعبر مدونته
"الميراث" يطرح رؤية معمارية إسلامية معاصرة، تعتمد على إعادة إحياء روح
التكامل بين المعماري والحرفي لإنتاج عمارة تتفـاعل مع حاجات المجتمع المعاصر المادية
والروحية وتطويع التقنيات الحديثة واستخداماتها لصياغة رؤية مشتركة لعمارة بيئية، تراعي
الخصوصية الثقافية والظروف المناخية والاقتصادية لمختلف المناطق والبيئات المحلية.
جمال اللافي يسعى
لتصحيح مفهوم العالمية في أذهان المبدعين المحليين، وذلك من خلال تسليط الضوء على حقيقة
مرامي الدعاة إليها أو المنساقين وراءها. وكي لا تشكل العالمية هاجسنا الأول الذي يدفع
بنا إلى أن نرمي باحترامنا لذواتنا خلف ظهورنا جريا وراء سراب اسمه تفوق الآخر.
وللتعريف بمدونة
"الميراث" أكثر يقول مؤسسها الباحث والمصمم المعماري جمال اللافي، استدعت
حاجة المعماريين والتشكيليين والحرفيين في ليبيا إلى منبر إعلامي ملتزم بقضايا المجتمع
يتم من خلاله تواصلهم اليومي مع شرائحه المختلفة، إلى إطلالة هذه الصفحات النقدية،
لترسيخ عدة قيم قد يكون مفهومها غائبا عن بعضنا وقد تحمل معاني مختلفة عند البعض الآخر،
ولكننا نتفق مع الكثيرين حولها. ولا بأس من تكرار طرحها بمقتضى الضرورة القصوى إلى
إعادة التذكير بما نكون قد نسيناه أو تناسيناه في زحمة السعي وراء فضاء يأوينا بعد
أن هجرنا ألفة بيت العائلة الحميمة، ونحن نتطلع إلى البدائل المستوردة وهي تغتال فينا
كل يوم إحساسنا بكل ما هو أصيل وجميل.
قيمة أخرى تعيد طرحها
هذه المدونة على مائدة الحوار بين أصحاب المهنة الواحدة تحديدا وبين أفراد المجتمع
على وجه العموم، وهي احترام الرأي الآخر والتفاعل معه على أساس أنه يهدف بالدرجة الأولى
إلى الارتقاء بالعمل الإبداعي "المعماري والتشكيلي والحرفي" إلى مرحلة التفاعل
مع هموم واحتياجات المجتمع والتعبير عن تطلعاته إلى حياة أكثر استقرارا وإنتاجية.
السقيفة الليبية تواصلت
مع الأستاذ جمال اللافي وكان لها معه هذا الحوار:
- أين درس جمال اللافي
وبمن تأثر؟
·
درست العمارة بقسم
العمارة والتخطيط العمرانية بكلية الهندسة جامعة طرابلس 1980. ولم اتأثر بأي أحد خلال
دراستي بقسم العمارة ولا بعدها. وذلك لأنني التحقت بقسم العمارة منطلقا من رغبتي في
الإسهام في الارتقاء بعمارتنا الليبية المحلية وكان دافعي الأول إعادة الاعتبار لحوش
العائلة كنظام إسكاني يضم في رحابه الأجيال الثلاثة (الجدين والأبوين والأحفاد). وقد
واجهت تصادما مع توجهات قسم العمارة في تلك الفترة، حيث كان يغلب على أعضاء هيئة التدريس
التوجه الحداثي الذي يرفض كل أنماط العمارة التقليدية والقيم التي تنطلق منها. أحدهم
يخبرني بأن توجهي هذا لم يعد له وجود إلاّ في المقابر (أي بمعنى أنه مات وعفى عنه الزمن).
- هل لجمال اللافي أي إنتاج فكري
أو نشاطات ثقافية أو فنية اخري؟
·
بالتأكيد وكما أشرت
في ردي على السؤالين السابقين فمسألة أن يحمل المعماري رؤية ولا يعمل على التعريف بها
هو بمثابة وأد لها في مهدها. وحلم لا يقابله فعل على أرض الواقع، لهذا بدأ نشاطي العلمي،
الذي يستهدف استنكاه مكامن التميز والخصوصية في موروثتا الثقافي إلى جانب التعريف به
والدعوة إلى إعادة إحيائه في النتاج المعاصر، منذ مرحلة الدراسة بقسم العمارة والتخطيط
العمراني، من خلال سلسلة من المعارض التي تعرف بهذا الموروث داخل قسم العمارة وخارجه.
إضافة إلى القيام بمجموعة من الرحلات العلمية إلى المدن الليبية القديمة بمبادرة ذاتية
صحبة أربعة من زملاء الدراسة. ستجدون على هذا الرابط المرفق سيرة ذاتية تحتوي على مختلف
الأنشطة العلمية والثقافية التي ساهمت فيها استكمالا للرسالة التي أحملها ودعما لها.
- حدثنا عن مدونة ”الميراث“
· اهتماماتي بإعادة
إحياء العمارة المحلية برؤية معاصرة واجهت الصد، كما أشرت في السؤال الثاني ليس فقط
من أساتذة قسم العمارة ولكن أيضا من زملاء الدراسة ومن بعدهم المعماريون الممارسون
للمهنة وكذلك من المستثمرين العقاريين الذين كان يتردد بعضهم على مكتبنا الهندسي في
بدايات الألفية الجديدة. لهذا رايت من الواجب التركيز على جانب الإعلام كأهم وسيلة
للتعريف بقيم عمارتنا المحلية وجمالياتها (التي تفتقر إليها عمارة الحداثة بطبيعة الحال)،
لهذا توزع نشاطي المعماري بين التصميم والنشاط الإعلامي التثقيفي منذ مرحلة الدراسة
مرورا بفترة عملي بقسم الديكور بالإذاعة المرئية في الفترة من 1988-1990 ومن بعدها
عملي بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس بعد التحاقي به في العام 1990، عبر
إدارة تحرير مجلة آثار العرب. ومن بعدها المشاركة في تأسيس مجلة مربعات وعضوية تحريرها،
إلى أن انتشر الإنترنت وأصبح متاحا للجميع فكانت هذه بمثابة إنطلاقة أخرى للتعريف بموروثنا
الثقافي، ترتب عنها تأسيس هذه المدونة الشخصية في شهر يوليو من العام 2008 م. وذلك
للتعريف بالعمارة المحلية من خلال نشر مقالاتي وكل ما توفر لدي من معلومات وبحوث ومقالات
ودراسات لكتّاب آخرين ليبيين ترتبط موضوعاتهم بأهداف المدونة وهي مستمرة بفضل الله
في أداء المهمة على أكمل وجه.
- كيف يري جمال المشهد المعماري الليبي؟
مما يعاني؟ ومن هم أهم رموز العمارة في ليبيا؟
· المشهد المعماري
في ليبيا متأزم. وهو يعاني - رغم وجود حركة بناء واسعة ومتسارعة - من حالة فصام عن
موروثه الثقافي وتخبط في تحديد توجهات معاصرة للعمارة الليبية يمكن التعويل عليها واحترامها،
هكذا أراه. بالنسبة لرموز العمارة في ليبيا، لو تعلق الأمر بمن يصمم أفضل من الآخر،
فهناك مجموعة لا بأس بها من المعماريين الليبيين المتميزين على الساحة الليبية. أما
إذا تكلمنا من حيث وجود توجه معماري ورؤية يمكن تلمس ملامحها الفكرية وانعكاساتها المعمارية
على أرض الواقع، فحتما نحن نتكلم عن الأستاذ والمعماري أحمد إمبيص. كذلك نتحدث عن الفنان
التشكيلي الأستاذ علي قانة، الذي كانت له إسهامات في أكثر من مشروع معماري مع الأستاذ
أحمد إمبيص بالإضافة لكونه يحمل رؤية فكرية وبعد نظر لقيم العمارة المحلية ومجالات
الفنون التشكيلية الأخرى من منظور ثقافي محلي، وله في هذا إسهامات كبيرة أيضا. وفيما
يتعلق بما يمكننا أن نطلق عليه عمارة الحداثة اصطلاحا، فجميع المعماريين الليبيين يتخبطون
في هذا الاتجاه على رمال هذا الشاطئ في حالة عمه.
- ماهي المعالم المعمارية الليبية
التي لحقها الإهمال؟ أو التي تخشي أن يلحقها الضرر بسبب الاهمال والتسيب؟
· جميع المدن الليبية
التاريحية تم تخريبها بالكامل ولم يبق من بعضها إلاّ الأطلال التي تنعى ماضيها. باستثناء
مدينة غدامس القديمة. وهي التي أخشى عليها أن يلحقها الضرر والتشويه من طرف بعض من
سكانها ممن بدأ يطنب في زخرفة جدران شوارعها الأمر الذي لم يكن متعارفا عليه إلاّ في
البيوت الغدامسية. وفنون الزخرفة في مدينة غدامس يعتبر نشاطا تستقل به المرأة الغدامسية
عن الرجل الغدامسي، في حين أن شوارع غدامس كانت حكرا على رجالها دون نسائها. وكانت
تمتاز بلونها الأبيض وبعض النقوش البيضاء التي تختلف اختلافا ملموسا عن النقوش التي
تنتشر في البيوت الغدامسية. وهذا التشويه يلقى قبولا عند الكثيرين منهم. وما لم يوضع
له حدا فسيتمادى أولئك المفسدون بدعوى التنشيط السياحي. وبالنسبة لمدينة طرابلس، فالخراب
عمها من طرف سكانها. وتجار العملة. والمحسوبون على المؤسسة التي أنشئت منذ العام
1985 بهدف الحفاظ عليها وترميم معالمها التاريخية وإعادة إحياء صناعاتها الحرفية التقليدية
وأسواقها التجارية التراثية.
- من هو معلمك المعماري المفضل في
ليبيا؟
· فيما يتعلق بمعلمي
فهي عمارة وتخطيط مدينة طرابلس القديمة بالدرجة الأولى، ثم باقي المدن الليبية التاريخية.
فهي كانت ملهمي منذ انطلاقي في مجال العمارة، حيث شح التوجيه وافتقرت مكتباتنا إلى
المراجع التي يمكن التعويل عليها… ولكن يبقى الأستاذ علي قانة (رحمه الله) الأقرب إلى
نفسي بما يحمله من روح الانتماء لكل ما هو مرتبط بالموروث الثقافي الليبي وعلى رأسه
العمارة المحلية. لم يكن له تأثير على مسيرتي من الناحية الفكرية أو التوجيهية لأنه
كان يدرسنا مادة الرسم الحر، وحوارتي معه خلال فترة الدراسة لم ترتق إلى مستوى التبادل
الفكري، بقدر ما اقتصرت على مجموعة من الأنشطة الطلابية. وتواصلي الحقيقي معه بدأ عندما
قررت أن أوثق سيرته الذاتية من خلال شريط وثائقي للمخرج محمد المسماري في العام
2004 بعد تقاعده عن التدريس وعندها اكتشفت ثراء حصيلته المعرفية في جميع مجالات الفنون
الجميلة والتطبيقية.
- من هو معلمك المعماري المفضل خارج
ليبيا؟
· ليس لدي أي معلم
خارج ليبيا، لأن الفترة التي تلقيت فيها تعليمي خلال فترة الثمانينات، لم تكن لدينا
اي مصادر معمارية يمكن الاستلهام منها. كما أن توجهي المعماري هو توجه محلي بالدرجة
الأولى ورؤيتي لا يمكن استلهام مصادرها من خارج ليبيا. ولكن في منتصف الثمانينات منحت
جائزة الآغاخان للمعماري المصري حسن فتحي ثم تلاها منح هذه الجائزة لمجموعة أخرى من
المعماريين العرب في فترة التسعينيات وعلى رأسهم المعماريين العراقيين رفعة الجادرجي
ومحمد صالح مكية والمعماري الأردني راسم بدران. وهذا الأمر جعلني انتبه لوجود معماريين
عرب يشاركونني هم عمارتهم المحلية ولكن بمنظور يتفاوت من معماري إلى آخر. وما اسعى
إليه يبتعد كثيرا عن توجهاتهم الفكرية من حيث الطرح والتصميم المعماري لمشاريعهم. أتابع
أخبارهم دون أن أشعر أنهم اضافوا جديدا لتجربتي المعمارية.
- أنت مهتم ومتابع للمشهد التشكيلي
الليبي أيضا… كيف جاء هذا الاهتمام؟ وما هي ملاحظاتك علي هذا المشهد؟
· لست رساما ولكني
ولدت في بيئة أسرية تزخر بالمواهب في مجال الرسم الحر والخط العربي ولهذا كان هناك
العديد من الأعمال التشكيلية التي يتحفنا بها كل يوم أحد الأخوة خلال فترة طفولتي المبكرة،
سواء تعلقت بالرسم الحر أو التشكيل بالطين أو الخط العربي. بالإضافة إلى علاقة القرابة
التي تربطنا بالفنان التشكيلي علي العباني ورسمته الشهيرة للشرشارة على أحد جدارن مربوعة
جدي بمدينة ترهونة، وما دار حولها من تعليقات الإعجاب والثناء من الأقارب يجعل لعلاقتي
بالفن التشكيلي قصة أخرى. ولكن الاتصال الحقيقي مع اللوحة التشكيلية وما ترتب عنها
من متانة العلاقة بهذا الفن بدأت بعلاقتي مع أستاذنا الفاضل الفنان التشكيلي علي قانة
(رحمه الله) استاذ مادة الرسم الحر بقسم العمارة. ودراسة تقنيات الرسم الحر في ذاته
يجعل التواصل مع الفن التشكيلي أمر طبيعي. ومن خلاله تم خلال فترة الدراسة التواصل
مع الفنان التشكيلي الطاهر المغربي رحمه الله وزيارته في بيته وإجراء حوار مطول معه.
وزيارة أخرى للفنان التشكيلي بلقاسم الزنتاني (الفروج) إضافة لزيارة للفنان التشكيلي
علي العباني في بيته والاطلاع على أعمالهم وتجربتهم الشخصية. وفي العام 1991 بدأت علاقة
أخرى مع سلسلة من المعارض التشكيلية بدءا بمعرض المستنسخات الذي افتتحت به الدار الليبية
للفنون باكورة معارضها التشكيلية بالبرج رقم 3 بدات العماد وتلتها سلسلة من المعارض
التشكيلية في قاعات عرض أخرى خلال السنوات التالية لهذا المعرض. والأهم من كل ذلك إطلاعي
على هذا المجال ومدارسه عبر مجلة الحياة التشكيلية السورية ومجموعة من الكتب التي اقتنيتها
من معارض الكتاب. إلى جانب صداقتي المتينة بمجموعة كبيرة من الفنانين التشكيليين الليبيين
والخطاطين المبدعين…. وبالنسبة للمشهد التشكيلي في ليبيا فهو حي ومتدفق العطاء ويعج
بالقامات الطويلة في هذا المجال بدءا برواد الفن التشكيلي الليبي في القرن التاسع عشر
وحتى يومنا هذا. وإن كان لدي أي ملاحظة حول هذا المشهد فقد عبرت عنها من خلال مقالتي
المنشورة بمدونة الميراث على هذا الرابط:
- كيف يتعامل جمال
مع مواقع التواصل الاجتماعي؟
· انظر إلى منصات التواصل
الاجتماعي على أنها فرصة لي للتعريف بموروثنا الثقافي المعماري والدعوة إلى إعادة إحيائه
في مشاريعنا المعاصرة. هي مجال لحملة توعية بين أوساط المجتمع الليبي، وليست مجالا
لتمضية أوقات فراغ، فهذه الأوقات ليست موجودة عندي، فأنا بطبيعتي دائم الانشغال بشي
ما، يتراوح ما بين التصميم المعماري. والكتابة التخصصية. والرحلات العلمية إلى مدننا
القديمة أو المواقع والجهات التي يمكنني من خلالها إضافة شئ جديد لمشاريعي المعمارية.
أو المشاركة في بعض الأنشطة العلمية المرتبطة بمجال اختصاصي. أو التجهيز لمحاضرة جديدة.
- ماهي الرسائل التي
يريد جمال ايصالها للمعماريين الليبيين وإلي المسؤولين؟
· الرسائل الشفوية
المعتمدة على الحوارات الطويلة والمتكررة في كل لقاء بيننا والرسائل المكتوبة عبر الدوريات
ومواقع التواصل الاجتماعي لم تجد نفعا. اليوم أخاطبهم عبر نجاحي في إقناع العديد من
المواطنين والمستثمرين بأهلية عمارتنا المحلية للتواصل مع هذا العصر ونجاحها في تلبية
احتياجات المواطن الليبي العاطفية والمادية، في مقابل هزيمة عمارة التغريب. وانحسار
بريقها حتى في البيئات التي ولدت فيها.
أشكركم على حسن الاستضافة،
مع تمنياتي لصفحة السقيفة الليبية بالتوفيق والسداد في توصيل رسالتها الثقافية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تجدون
على هذا الرابط سيرة ذاتية تحتوي على مختلف الأنشطة العلمية والثقافية التي ساهم فيها
الأستاذ جمال اللافي:
المصدر: صفحة السقيفة
الليبية على موقع الفيسبوك:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق