تجربة المدرسة الليبية للعمارة والفنون
2008-2004
الجزء الثاني
الجزء الثاني
جمال اللافي
الحديث عن أي تجربة هو في حقيقته يستهدف
بالدرجة الأولى استخلاص العبر وتمكين القادمين على تجربة معمارية جديدة من
الاستفادة منها إما بالإسترشاد بها أو لتلافي الأخطاء وأوجه القصور فيها.
وكل تجربة- حتى يمكن الاسترشاد بها- لابد لها
أن تقودنا إلى مقدماتها التي شكلت ملامحها وصنعت لها خصوصيتها المتفردة عن غيرها
من التجارب السابقة أو المواكبة لها، من حيث المنطلقات والأهداف والغايات وآلية
العمل لمواجهة المعوقات والتحديات وخلق الفرص وتحقيق الإنجازات.
التأهيل النفسي والفكري/
الولادة كانت في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، التي واكبت بدايات نشأة الدولة الليبية وبدايات نهضتها وتشكل ملامحها الجديدة على مختلف المستويات، وكانت النشأة، في مناخ عائلي تنوعت فيه الاهتمامات والمهارات والتخصصات وسادته أجواء التعاطي مع مختلف القضايا الدينية والسياسية والإجتماعية والثقافية. من حيث تبادل الحوارات والممارسة الميدانية (التعليم/ الخدمة الاجتماعية/ النشاط الإعلامي/ النشاط المسرحي/ النشاط الكشفي/ الرسم الحر والخط والتشكيل/ الكتابة الأدبية والبحثية).
لكل مشوار طويل دافع يحثه على
الانطلاق/
الدافع الأول:
كان في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، حيث كنت شاهدا على هجرة
الأسر الليبية لنموذج حوش العيلة التقليدي، الذي كان يضم في رحابه عائلة كبيرة ممتدة
(الجدين، الآباء، الأحفاد) إلى العمارات والمساكن الشعبية وأملاك الإيطاليين
المستردة، التي لا تستوعب غير أسرة صغيرة الحجم.
الدافع الثاني:
كان في منتصف السبعينيات، يوم وقفت للحظات أمام أحد دوبلكسات مدينة
الحدائق الذي بني حديثا على أنقاض إحدى الفلل الإيطالية التي كانت تحتل فيها
كتلتها مساحة صغيرة من الأرض والباقي كان حديقة تحفها الأشجار المثمرة والأزهار
العطرية. صدمتني ضخامة الكتلة التي جثمت على كل مساحة الأرض ولم تترك منها شيئا
للخضرة. صدمني لون الطلاء الجرافيتي الخشن الذي خلط بين الأخضر والترابي، ليكون
بديلا عن اللون الأبيض بملمسه الناعم، الذي كان يوحد المنطقة على اختلاف تشكيلات
مبانيها السكنية والعامة. صدمني زخرفة واجهة الكتلة بأحد رموز لعبة "الكارطة".
وما صدمني أكثر هو تهافت الناس على تبني هذا النموذج في سكناهم.
فكان ذلك دافعا للتفكير في إحداث التغيير من خلال دراسة مجال العمارة.
ولله الحمد وفقني الله سبحانه وتعالى إلى هذا الأمر.
بين أروقة قسم العمارة والتخطيط
العمراني- خريف 1980/
تركزت مرحلة الدراسة على
اكتساب الخبرة في تصميم مشاريع تنتمي للبيئة المحلية. كما اعتمدت على تبادل
الحوارات حول القضايا المعمارية مع بعض الزملاء إلى جانب تنظيم معارض للتعريف
بالموروث الثقافي داخل قسم العمارة وخارجه. كذلك تنظيم رحلة علمية إلى مدن المنطقة
الشرقية ووسط ليبيا، بوازع ذاتي صحبة أربعة من طلاب القسم خلال صيف 1985.
كما لم يمنع التوجه
الحداثي للقسم الذي كان يتعارض مع توجهي من الخروج منه بتوجيهات مهمة من بعض
الأساتذة كان لها دور في تصحيح المسار منذ بداياته.
النشاط الطلابي والتأسيس لجماعة
التراث بقسم العمارة والتخطيط العمراني/
من خلال الأنشطة الطلابية وسلسلة من المعارض التي تم تنظيمها بالقسم، تم
عرض وجهة نظري وتوجهي الفكري والمعماري الذي ينحاز للعمارة المحلية ولقيمها
الاجتماعية والثقافية، من خلال مجموعة مشاريعي الدراسية. وأيضا تم التأسيس لمجموعة
التراث (عبدالمنعم السوكني- عزت خيري).
وقفة مهمة خلال فترة الدراسة لا يمكن تجاوزها تعلقت بتلك الحوارات
المطولة التي نشأت بيني وبين زملاء الدراسة في ذلك الوقت (عبدالمنعم السوكني وعزت
خيري ورشيد كعكول). والتي كانت تبدأ مساء وتنتهي بطلوع الفجر. تناولنا فيها العديد
من القضايا المعمارية محل الخلاف. وكان لها دور كبير في إثراء التجربة.
الاتجاه صوب المنبع 1990/
خيار الالتحاق بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة في العام 1990، لم تحكمه الظروف بل هو قرار وليد بدايات الألتحاق بقسم العمارة
والتخطيط العمراني، عندما حثني الوالد رحمه الله خلال زيارتي له بالمكتب الوطني الاستشاري
بمقره الجديد في زاوية الدهماني في العام 1982، قائلا: هيا تخرج بسرعة لتنظم إلينا.
فكان
ردي: لن يبهرني جمال هذا المبنى ويحيد بي عن الالتزام بهدفي الأسمى الذي دفعني
للألتحاق بقسم العمارة. مكاني الطبيعي سيكون في المدينة القديمة بإذن الله تعالى.
ابتسم الوالد ولم يعلق.
برنامج التدريب الصيفي لطلبة قسم العمارة والتخطيط العمراني- صيف 1991/
برنامج التدريب الصيفي لطلبة قسم العمارة والتخطيط العمراني- صيف 1991/
أهم تجربة مرتبطة بالموضوع يمكن العروج عليها خلال هذه الفترة إلى
جانب دراسة خصائص العمارة الطرابلسية من خلال دراسة للحوش الطرابلسي، كان إعدادي لبرنامج
التدريب الصيفي لطلبة قسم العمارة والتخطيط العمراني بجامعة طرابلس، الذي استمر
لثماني دورات متتالية. وكان المستهدف منه الشروع في التأسيس لتجربة مختلفة تربط
طالب العمارة بالممارسة العملية من جهة وبموروثه الثقافي من جهة أخرى.
التمهيد للطرح الفكري- ربيع 1993/
في هذا العام قدمت أول محاضرة لي بقاعة المحاضرات بالمشروع تحت عنوان
"نحو رؤية جديدة ومعاصرة لمفهوم البيت الاقتصادي"، إختتمتها بالدعوة إلى
التأسيس للمدرسة الليبية للعمارة والفنون.
ثم تلاها سلسلة من المحاضرات الدورية- وآخرها كانت في العام 2010 - التي
كنت أنضمها بفضاءات مدينة طرابلس القديمة (التي شاركت في أعمال ترميمها وصيانتها).
التأسيس لمجموعة من المكاتب الهندسية/
مرحلة أخرى ترتبط بممارسة المهنة من خلال التأسيس لمكاتب هندسية
واستشارية:
1.
الميراث- 1993:
في هذا العام تم طرح فكرة تأسيس مكتب هندسي على مجموعة المعماريين
بالمشروع، والتأسيس له تحت مسمى مكتب الميراث، ضم م. عبدالمنعم السوكني، م. رشيد
كعكول، م. عزت خيري، وثلاث من الزميلات في العمل من المعماريات. وكان الحرص أن
تكون لهذا المكتب منطلقات فكرية تدعو إلى إعادة إحياء العمارة المحلية في مشاريعنا
من خلال العمل الجماعي المنظم.
2.
أبعاد- مهندسون استشاريون 2001:
تأسس المكتب على نفس الطرح الفكري وضم م. رشيد كعكول، م. عزت خيري، م.
نوري عويطي. وما ميز هذه الفترة أن تم تنظيم برنامج تدريب وتأهيل خريجي قسم
العمارة والتخطيط العمراني للإشراف على تنفيذ المباني، أسهم فيه العديد من
الأساتذة والمعماريين والفنيين وتجار مواد البناء.
3.
المدرسة الليبية للعمارة والفنون-
مهندسون استشاريون 2004:
تأسست من
مجموعة من الخريجين الجدد أغلبهم كانوا من المجموعة التي التحقت بدورة التأهيل
للإشراف على تنفيذ المباني. (المعماري/ أحمد عصام ساسي، المعماري/ أشرف فرحات،
المعماري/ حاتم الشكشوكي، المعماري/ نعمان كرداش، المعماري/ نزار الحمداني،
المعماري/ أكرم العلوص، المصمم الداخلي/ أشرف نصر، مصمم الجرافيك والمونتاج/ إيهاب
ساسي. وتبنت المدرسة
في طرحها رؤية معمارية ليبية معاصرة تعتمد في منهجية البحث والتصميم على استلهام
عناصر التراث الثقافي والاجتماعي والبيئي والاقتصادي لإنتاج عمارة تتفـاعل مع حاجات
المجتمع الليبي المعاصر.
وكانت
المدرسة مشرعة أبوابها لكل من أراد التواصل معها، فكان للمعماري فوزي عزيز ركن
لكتابة سيرة والده. والمعماري/ نوري عويطي للإلتقاء بالمشاركين في الدفعة الثانية
من برنامج تأهيل الخريجين للأشراف على تنفيذ المباني. والمهندس الكهربائي عادل
بوقرين والمخرج السينمائي محمد المسماري مساحة لمونتاج الشريط الوثائقي حول سيرة
الفنان التشكيلي الأستاذ علي قانه (رحمه الله)، كذلك الفنان التشكيلي عمر الغرياني
الذي نظمت له المدرسة معرضا بأحد المباني الذي صممته بشارع خالد ين الوليد بمنطقة
الظهرة... وغيرهم.
وكان خلاصة هذه التجربة تنظيم سلسلة من البرامج والأنشطة التي لم يكن
متعارفا عليها في تلك الفترة بين المكاتب الهندسية والاستشارية التي اقتصر عملها
على تصميم المشاريع المعمارية منها:
- تأسيس وإدارة
موقع " الميراث- www.libyanheritage.com "، على شبكة
المعلوماتية الذي يعنى بشؤون إحياء التراث الثقافي في ليبيا والتعريف به.
- تنظيم
الدورات التدريبية المجانية في المجالات التي تدعم عمل المعماريين والفنانين
التشكيليين والحرفيين وتسهم في تأهيلهم في المجالات ذات العلاقة بالمهنة.
- نظمت الدورة الثانية للإشراف على تنفيذ المباني
للعام 2005 للمهندسين المعماريين.
- كما نظمت لأعضاء المكتب دورة" تعليم
التفكير" ولمدة سنة ونصف السنة.
- إقامة
محاضرات دورية تتناول مجالات العمارة والفنون والحرف في ليبيا.
- محاضرة مستجدات الأوتوكاد 2004 للمحاضر م. عمر بن
زاهية.
- محاضرة قراءة الرسومات التنفيذية للمحاضر م. عزت
خيري.
- محاضرة التصميم الصناعي للمحاضر أ. م. أحمد العجيل.
- محاضرة فلسفة الجمال وتطبيقاتها في العمارة للمحاضر
أ. م. فوزي عزيز.
- محاضرة حول استخدام الطوب الرملي في البناء للمحاضر
م. مصطفى بن بيه.
- استضافة للفنان التشكيلي عمر الغرياني في سرد لسيرته
الذاتية مع" الحروفية في الفن التشكيلي".
- إصدار
المطبوعات والدوريات العلمية والثقافية المختلفة التي تتناول مجالات توثيق
وإحياء التراث الثقافي.
- ساهم أعضاء المدرسة الليبية للعمارة والفنون في
تأسيس مجلة مربعات وهي تعني بشؤون العمارة والحرف اليدوية وتصدر عن مدرسة
الفنون والصنائع الإسلامية.
- المساهمة
في إنتاج مجموعة من الأشرطة الوثائقية والبرامج الثقافية المرئية والمسموعة
لتوثيق وإبراز الجوانب المضيئة في تراثنا الثقافي بمختلف مجالاته بالتعاون مع
ذوي الاختصاص.
- أنتجت المدرسة الليبية للعمارة والفنون شريطا وثائقيا حول السيرة الذاتية للفنان التشكيلي الليبي علي سعيد قانة.
- إقامة
المعارض المعمارية والتشكيلية والحرفية التي تعنى بإعادة صياغة التراث في
النتاج المعاصر.
- تنظيم معرض
للفنان التشكيلي عمر الغرياني بأحد المباني التي تم تنفيذها.
- تنظيم سلسلة من الرحلات العلمية للمدن القديمة للتعرف
على معالمها وخصائصها المعمارية والعمرانية.
- نظمت
المدرسة لأعضائها مجموعة زيارات لمدينة طرابلس القديمة.
- رحلة
علمية لمجموعة معالم تاريخية بمدينة مسلاتة.
- رحلة
علمية لمدينة تاورغاء.
- رحلة
علمية لمدينة كاباو.
- رحلة
علمية لمدينة القلعة
- رحلة
علمية لمدينة جادو.
- رحلة
علمية لمدينة نالوت.
- رحلة
علمية لمدينة الجوش.
- رحلة
علمية لبيوت الحفر بمدينة غريان.
صاحب جميع هذه الزيارات توثيق ثابت ومتحرك
للمعالم التاريخية بهذه المدن وتسجيل لقاءات مع الحرفيين والبنائين القدامى.
4.
العمل مستقلا- 2008:
بعد إغلاق المكتب استمر المشوار منفردا عبر مجموعة من الأعمال
المعمارية والإشراف على تنفيذها.
وما ميز هذه التجربة أنها لم تكن في حقيقتها تجربة فردية، مثلما لم
يكن المستهدف منها أن تكون تجربة شخصية أو فردية. فقد كان في كل محطة من محطاتها
إسهامات لأساتذة وطلاب ومعماريون وفنانون تشكيليون وحرفيون، سواء تم ذلك عن قناعة
ووعي وإدراك أو أن صدفة اللقاء أو العمل قادتهم ليكونوا جزءا منها.
و لا يزال المشوار مستمرا وتصحيح المسار متواصلا بحول الله وقوته،
وبعونه وتوفيقه.
https://www.facebook.com/jamalallafi/media_set?set=a.909417362401991.1073741833.100000012065161&type=3
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق