التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من فبراير, 2020

فقر العمارة

جمال اللافي العمارة الفقيرة، هي تلك التي تخلو من الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة المتجانسة، التي تضفي على المكان حيويته، فتبعث في النفس شعوراً بالبهجة، لا يُعرف سره ولا مصدره. وكلما تكرر وجودنا في هذا المكان راودتنا تلك المشاعر من جديد، حتى نُقر بأنه مصدرها الوحيد ولا شيء آخر . والمعماري القادر على إثراء المكان بتلك التفاصيل المُبهجة، لابد أنه عايشها يوماً ما في طفولته، فهي لا تأتي من مطالعة الكتب ولا من كثرة الترحال بين البلدان والمدن. إنما تنبع من الأعماق، من مخزون الذاكرة، من بيت الجد . ما نخشاه اليوم، هو خلو عمارتنا المعاصرة من هذه التفاصيل الباعثة على البهجة، التي تستدعي العين للتأمل فيها، فتُمكّن للذاكرة أن تستوعبها وبالتالي تختزنها. وما نراه فقط هو مصفوفة من الحوائط الصماء مختلطة الألوان، الباعثة على الملل. والمثقلة بالحاجيات المستوردة من هناك وهناك، المتنافرة والمبتذلة رغم غلو أثمان بعضها . بيت الجد في العمارة المعاصرة، غير قابل للترحيل إلى الأجيال القادمة، لأنه اصبح مثالاً حيّاً على العمارة الفقيرة .

ماهية المدينة

ما هي المدينة، غير كونها مجموع الأنشطة التي تدور فيها بتنوعها، فتجعل من بعضها مدناً ريفية وأخرى حضرية، ومدناً صناعية وأخرى تجارية، ومدناً زراعية وأخرى رعوية. ومدناً تستوعب كل هذا التنوع، فتكون حاضرة كل تلك المدن. وما هي المدينة التي هنا وليست هناك، غير تلك الخصوصية التي تميز طبيعة هذه الأنشطة عن تلك . صورة المدينة لا تتشكل وفق رغبة فرد أو اعتراض دولة، بل هي تتشكل بخيارات مجموع سكانها، عندما تجمعهم رؤية مشتركة يؤطرها احترام الجميع للمكان الذي يتشاركون العيش فيه، فلا قمامة ترمى في الشوارع ولا سلوكاً يؤدي الآخرين، وفي المقابل لا تحجر على أي نشاط يشكل مصدر عيشٍ للبعض من سكانها أو من تضطرهم الظروف لقضاء بعض مصالحهم المؤقتة فيها . ومهمة مخطط المدن والمعماري تنحصر فقط في استثمار هذا التنوع في الأنشطة الحياتية للمجتمع، ليصنع منها تلك البيئة العمرانية التي تثري المحيط ولا تخلق تنافرا معه . التحضر بمفهومه الأخلاقي، ليس نظاماً تخطيطياً أو شكلاً معمارياً يُغلّف المدينة بغلافٍ أنيق لا يحتمل الاتساخ أو لا يستوعب المتغيرات الطارئة، يسعى مخطط المدن والمعماري لفرضه أو تأطيره بقوة قوان...

ماهية العمارة

جمال اللافي العمارة، هي النقطة التي يلتقي فيها حاضر الأمة بماضيها وهي في طريقها إلى أن تصنع مستقبلها . لهذا فالعمارة التي تنفصم عن واقعها وتنغمس في الماضي، هي في حقيقتها ليست بعمارة معاصرة، بقدر ما هي لوحة كرنفالية تمجد الماضي. كذلك العمارة التي تنفصم عن ماضيها، بحجة البحث عن الجديد والهروب من التقليد، هي أيضا ليست بعمارة بقدر ما هي لوحة ساخرة لسلوك أحمق. والمحصلة لن يكون هناك وجود لعمارة في المستقبل، إذا ما انغمست في الماضي، أو انفصمت عنه . فالعمارة، روح تتجدد في أعماقها ومن دواخلها، ولا تبحث عن التغيير خارج كيانها الذي انبنت أركانها على اساساته .

حوش القلعة... بين ثقافتي الهدم وإعادة التأصيل.

حوش القلعة بمنطقة تاجوراء- بضواحي طرابلس جمال اللافي يقع هذا البيت بمنطقة النعاعسة بتاجوراء بضواحي طرابلس، ويمثل نموذجا متميزا لبيوت المزارع بحجمه الكبير، زرته في أحدى أمسيات العام 2006 ، وكانت حالته الإنشائية جيدة جداً، صحبة مجموعة المعماريين بمكتب المدرسة الليبية للعمارة والفنون، بدعوة من فؤاد النعاس (رحمه الله وغفر له) أحد أبناء العائلة، في موعد لم يتم الترتيب له مسبقاً، بقدر ما كان وليد لحظة الالتقاء به والحديث عن العمارة وشجونها المحلية واهتمام مجموعة المكتب بكل ما يرتبط بها من شواهد لازالت قائمة تتحدى الإهمال والتشويه. تكررت الزيارة في العام 2016 بموعد تم الترتيب له مسبقاً من طرف المهندس بشير بريكة مع الأخ جمال النعاس أحد أبناء العائلة، صحبة مجموعة من الزملاء المعماريين والمهندسين وأساتذة كلية الفنون الجميلة المهتمين بالعمارة المحلية. ولم يفت المجموعة في نفس اليوم فرصة زيارة بيت آخر لهذه العائلة يقع بالقرب منه ويقطن الأخ فتحي النعاس بيت حديث النشأة ملاصق له ومتصل به عبر ممر مشترك، وما ميز هذا البيت أنه بحالة جيدة، مقارنة بحوش القلعة الذي تهدمت حوائط وأسقف أجزا...