ما هي
المدينة، غير كونها مجموع الأنشطة التي تدور فيها بتنوعها، فتجعل من بعضها مدناً ريفية
وأخرى حضرية، ومدناً صناعية وأخرى تجارية، ومدناً زراعية وأخرى رعوية. ومدناً تستوعب
كل هذا التنوع، فتكون حاضرة كل تلك المدن. وما هي المدينة التي هنا وليست هناك، غير
تلك الخصوصية التي تميز طبيعة هذه الأنشطة عن تلك.
صورة
المدينة لا تتشكل وفق رغبة فرد أو اعتراض دولة، بل هي تتشكل بخيارات مجموع سكانها،
عندما تجمعهم رؤية مشتركة يؤطرها احترام الجميع للمكان الذي يتشاركون العيش فيه، فلا
قمامة ترمى في الشوارع ولا سلوكاً يؤدي الآخرين، وفي المقابل لا تحجر على أي نشاط يشكل
مصدر عيشٍ للبعض من سكانها أو من تضطرهم الظروف لقضاء بعض مصالحهم المؤقتة فيها.
ومهمة
مخطط المدن والمعماري تنحصر فقط في استثمار هذا التنوع في الأنشطة الحياتية للمجتمع،
ليصنع منها تلك البيئة العمرانية التي تثري المحيط ولا تخلق تنافرا معه.
التحضر
بمفهومه الأخلاقي، ليس نظاماً تخطيطياً أو شكلاً معمارياً يُغلّف المدينة بغلافٍ أنيق
لا يحتمل الاتساخ أو لا يستوعب المتغيرات الطارئة، يسعى مخطط المدن والمعماري لفرضه
أو تأطيره بقوة قوانين كيّفها لتتوافق مع مستوى إدراكه القاصر. بقدر ما هو سلوكاً يومياً
عفوياً يمارسه أفراد المجتمع داخل محيطهم العمراني، من خلال علاقاتهم الإجتماعية أو
النشاطات الاقتصادي التي يمارسونها والقيم التي يعتنقونها ويلتزمون باحترامها في إدراكهم
الجمعي.
بعضاً
من المعماريين حتى هذه اللحظة غير قادر على استيعاب هذه الحقيقة... أو هو لا يريد.
لهذا
لا زالت المدن القديمة، التي خط مساراتها العقل الجمعي لسكانها، تضج بعفوية الحياة،
بينما تقف المدن المعاصرة عاجزة عن خلق حياة طبيعية لسكانها والمحافظة على استدامة
مبانيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق