أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الثلاثاء، فبراير 11، 2020

حوش القلعة... بين ثقافتي الهدم وإعادة التأصيل.

حوش القلعة بمنطقة تاجوراء- بضواحي طرابلس

جمال اللافي


يقع هذا البيت بمنطقة النعاعسة بتاجوراء بضواحي طرابلس، ويمثل نموذجا متميزا لبيوت المزارع بحجمه الكبير، زرته في أحدى أمسيات العام 2006 ، وكانت حالته الإنشائية جيدة جداً، صحبة مجموعة المعماريين بمكتب المدرسة الليبية للعمارة والفنون، بدعوة من فؤاد النعاس (رحمه الله وغفر له) أحد أبناء العائلة، في موعد لم يتم الترتيب له مسبقاً، بقدر ما كان وليد لحظة الالتقاء به والحديث عن العمارة وشجونها المحلية واهتمام مجموعة المكتب بكل ما يرتبط بها من شواهد لازالت قائمة تتحدى الإهمال والتشويه.


تكررت الزيارة في العام 2016 بموعد تم الترتيب له مسبقاً من طرف المهندس بشير بريكة مع الأخ جمال النعاس أحد أبناء العائلة، صحبة مجموعة من الزملاء المعماريين والمهندسين وأساتذة كلية الفنون الجميلة المهتمين بالعمارة المحلية. ولم يفت المجموعة في نفس اليوم فرصة زيارة بيت آخر لهذه العائلة يقع بالقرب منه ويقطن الأخ فتحي النعاس بيت حديث النشأة ملاصق له ومتصل به عبر ممر مشترك، وما ميز هذا البيت أنه بحالة جيدة، مقارنة بحوش القلعة الذي تهدمت حوائط وأسقف أجزاء كبيرة منه. وتم الاتفاق على العودة للقيام بأعمال رفع مساحي لحوش القلعة.



       وهذا ما تم بالتعاون مع المهندس خالد سالم المبروك والمهندس رشيد كعكول. حيث توليت أعمال توثيق تفاصيل المفردات المعمارية من أبواب ونوافذ وأقواس وأعمال خشبية وزخرفية أخرى، وتولى المهندس خالد المبروك أعمال الرفع المساحي بمساعدة من المهندس رشيد كعكول. وتكفل المهندس خالد بإنجاز رسم الخريطة المعمارية للحوش بأكمله في ظرف أسبوع واحد. ولم تتح الفرصة بعدها لتصحيح بعض الأخطاء في أعمال الرفع المساحي واستكمال النواقص نظراً لتعارض مواعيد عمل صاحب البيت مع مواعيدنا.

المهندس خالد سالم المبروك، أثناء أعمال الرفع المساحي للبيت
      وكلما نظرت إلى خريطة هذا البيت راودني شعور بالأسى على عدم التمكن من استكمال أعمال الرفع المساحي له، قبل أن يتم هدم البيت حسب ما افاد به صاحبه. إلاّ أنه في أحد الأيام كانت هذه النظرة إلى خريطة هذا البيت مختلفة عن سابقاتها، حيث تبادر إلى ذهني تساؤل مفاده، لماذا لا أقوم بإعادة تصحيح الأخطاء واستكمال النواقص من واقع معرفتي بتفاصيل البيت. ثم انتقل التفكير إلى منحى آخر وهو، لماذا لا أعيد رسم الخريطة المعمارية لهذا البيت وكأنه بُني حديثا وبزوايا قائمة مع الحفاظ على سمك الحوائط (60 سم) على حالها. على أن يتم في فترة لاحقة تقليص هذا السمك إلى (40 سم) للحوائط الخارجية، و (20 سم) للحوائط الداخلية، و(10 سم) لبعض الفواصل.


وهذا ما تم العمل عليه بفرضية أن البيت القديم لم يعد صالحاً للسكن بحكم تهدم أجزاء كبيرة منه. وأن إعادة ترميمه وصيانته ستكون مكلفة جداً، ولا تتوفر عوامل نجاحه بالصورة الصحيحة، وخصوصا فيما يتعلق بإعادة بناء حوائطه وأسقفه المتهدمة بنفس المواد والتقنيات السابقة.


وبالتالي في حالة أصبح أمر هدم مثل هذه البيوت أمرا واقعا ولا مفر منه، فهذا لا يعني أن هذا النمط من البيوت غير قابل لإعادة بعث الحياة فيه في بيوت جديدة ومتوافقة مع هذا العصر بكل متطلباته ومواد بنائه ونظم إنشائه المتاحة محليا، وخصوصا عندما نقف قليلا لنتدبر في حقيقة أن هذه البيوت لا يخالطها أي عيب أو قصور في قدرتها على التواؤم مع متطلبات الليبيين واحتياجاتهم المعاصرة. ولا تقف أيضاً حائلا أمام استيعاب التقنيات المعاصرة بضروراتها وكمالياتها. بقدر ما يحفظ لهذا النمط المعماري المحلي تواصله مع التاريخ وحفاظه على هويته المعمارية المتميزة، سواء في توزيعه الفراغي أو في تفاصيله ومفرداته المعمارية والزخرفية.



رابط المقالة على صفحتي بالفيسبوك لمزيد من الصور:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية