التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التعليم المعماري 1969- 2019





جمال اللافي


"عندما يكون الاحتفاء بمرور 50 عاماً على التأسيس، لا يحمل بين طياته أي منجز حضاري".


لفت انتباهي وجود أقسام للعمارة وتخطيط المدن، تتبع لوزارة التعليم العالي في مدن ليبية لم اتوقع وجوده فيها. وهذا يعتبر مؤشراً طيباً لتنامي انتشار رقعة التعليم المعماري في ربوع ليبيا.

والمفترض أن الحاجة ليست إلى تكرار تأسيس أقسام للعمارة وتخطيط المدن، بل المطلوب التأسيس لمدارس للعمارة وتخطيط المدن يكون اتجاهها التعليمي ليس اجترار تجربة ومنهج وأساليب التدريس بقسم العمارة والتخطيط العمراني بجامعة طرابلس، إنما الاتجاه بالتعليم المعماري إلى مسارات جديدة تكون أكثر فاعلية وتأثيراً على الساحة المعمارية الليبية وتلبيةً لاحتياجات المناطق التي تأسست بها ومعطياتها البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

وأول نجاح يمكن أن يتحقق لأي مدرسة معمارية في أي مدينة ليبية هو الانتقائية الحريصة على استقطاب أصحاب الكفاءات والخبرات في مجالاتهم (العمارة/ تخطيط المن/ الهندسة المدنية... وباقي فرع العلوم التطبيقية والإنسانية وربطها بالمنهج المعماري والفائدة التي سيتحصل عليها طالب العمارة وتخطيط المدن منها) من الناحيتين العلمية والميدانية، بدلاً من الاعتماد فقط على حملة شهادتي الماجستير والدكتوراة. فمستهدفات هذه المدارس هو تخريج الكوادر المؤهلة لممارسة المهنة وإحداث التغيير المنشود. وما لم يتحقق ذلك تفقد هذه المدارس مبررات إنشائها والصرف عليها من ميزانية الدولة، ومن وقت الطالب وجهده في التحصيل الدراسي.

فالارتقاء بالعمارة الليبية يجب أن يسير فيه في خط متوازي التعليم الأكاديمي المبني على تشجيع التفكير الحر المنهجي والإبداع المنطلق من مقومات البيئة المحلية وظروفها الاجتماعية والبيئية والاقتصادية إلى جانب التطبيق الميداني الذي يؤهل الطالب لدخول معترك الممارسة المهنية بكفاءة واقتدار مع اتساع الأفق وشمولية التعاطي مع الإشكاليات التي تعاني منها المن الليبية المعاصرة.

وهنا أود لفت الأنتباه إلى أن الحرص على الشكليات التي تفترض أن المؤهل لتدريس من سيحملون يوما ما شهادات البكالوريوس العلمية والليسانس الأدبية، لابد أن يتوفر فيهم شرط حمل شهادات الماجستير والدكتوراة. هو شرط مجحف بحق الطالب الدارس، الذي يفترض أن يتلقى منهجا واضح المعالم من "معلمين" يمتلكون الخبرة والقدرة على توصيل المعلومة المطلوبة وليس غيرها من المعلومات التي ستنتفي حاجة الطالب إليها بمجرد نجاحه في امتحانات مقرراتها الدراسية، من طرف أعضاء هيئة تدريس كل مقوماتهم أنهم مجرد حملة لهذا الشهادات العليا، بعضهم إن لم يكن أغلبهم يفتقد لأبسط قواعد وأساليب التدريس الصحيحة والقدرة على توصيل المعلومة للطالب بغض النظر عن فائدتها العلمية. فما بالك بهم وهم يصعبون على طلابهم المنهج الدراسي ويصطنعون العراقيل التي تشتت انتباهه وتصرفه إلى هم واحد فقط وهو إرضاء أستاذ المادة الدراسية للفوز بدرجة النجاح، ليس أكثر. ناهيك عن التأثير النفسي لهذه الأساليب على الطالب ومحصلتها النهائية على الخرّيج في مرحلة ممارسة المهنة .

فلو سلمنا أن الجامعات الحكومية تعاني من البيروقراطية الإدارية التي تتمسك بهذه الشكليات، فعلى الجامعات الخاصة أن تتحرر من هذه العقدة وتحرص على تأهيل طلابها من خلال الاستعانة بالكفاءات القادرة على مد طلابها بالخبرات التي تؤهلهم فعلا لخوض معترك الحياة المهنية، وأن يجعلوا للتطبيق الميداني مساحة تفوق المنهج النظري في ساعاتها الدراسية، وأن تتميز كل مدرسة معمارية في كل مدينة بما يدعم خصوصيتها البيئية والاجتماعية ويحسن التعاطي مع ظروفها الاقتصادية.

إن الواقع الذي يفصح عن تنامي افتتاح جامعات تمتليء بها رقع كثيرة من الأراضي هنا وهناك، ما بين حكومية وأخرى خاصة، تُخرّج في كل يوم شباباً يحملون حروف الميم والما والدال، لا يفقهون من التزاماتها ولا مسؤولياتها ولا أدوارها شيئاً، غير أنها تزين صدورهم لتضفي عليهم قيمة اجتماعية بين أقرانهم، لهو من العبث القاتل والاستهتار الفاضح بمصير دولة، تقبع اليوم في مؤخرة العالم المتخلف، ولا ترى في حاضرها بصيص نور ينقلها إلى مراتب أفضل، كانت تحتلها في غابر الأيام.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...