أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الاثنين، يوليو 21، 2025

مدينة جريجن

أطلال مدينة جريجن


الأستاذ المؤرخ/ سعيد حامد

من مدن بلدية الحرابة في جبل نفوسة تبعد عن  طرابلس  بنحو 220 كم ويمكن الوصول إليها عن طريق طرابلس العزيزية قصر الحاج وعند الجوش  يوجد طريق معبد على اليسار يتم منه صعود إلى الجبل ويصل إلى جريجن يشتهر باسم شليوني الحرابة وتبعد عن مدينة نالوت بنحو 60 كم.

تشتهر منطقة الحرابة بوجود مجموعة من المدن والقرى أهمها مدينة شروس عاصمة جبل نفوسة في القرون الهجرية الأولى وكان فتحها على يد عمرو بن العاص سنة 22 هجرية وذكرها المؤرخون والرحالة العرب ومنهم ابن حوقل في كتابه صورة الأرض والبكري في كتابه المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب ولم يذكر هذان الكتابان من مدن جبل نفوسة إلا شروس وجادو وإن كان به الكثير من المدن الأخرى. وبالحرابة الكثير من القرى والمدن ومنها ويغو ومرقس وبغطورة ودركل وتنزغت وأم صفار وبقيقيلة وبقالة وبعض المواقع الأثرية الأخرى.

في الفترة العثمانية كانت نالوت تشكل قضاء من الدرجة الثانية تابعا لسنجقية الجبل وفي فترة الاحتلال الإيطالي استمرت التبعية وأنشأت ناحيتين داخليتين هما كاباو والحرابة.

يتميز موقع جريجن القديمة بوجودها على هضبة تحيط بها ثلاثة أودية متسعة قليلا مع عدة روافد لها مما مكن الأهالي من استغلالها في الزراعة مع توفر بعض العيون التي مايزال بعضها يجرى منها الماء ويطلق عليها الأهالي السانية ومعظم الأعمال الزراعية تعتمد على مياه الأمطار من أهم الأشجار الزيتون الملائم لمناخ المنطقة حيث توجد بالمدينة القديمة عدة معاصر لاستخراج الزيت إضافة إلى أشجار التين وغيرها.

ومن أهم معالم جريجن التي يمكن تصنيفها من مدن الملاذ حسب مصطلح جون ديبوا في كتابه جغرافيا جبل نفوسة أي المدن التي شيدت ليلتجأ إليها وأهلها قادرون على الدفاع عنها لطبيعتها الحصينة. ومن أهم معالمها  القديمة قصرها وهو على طراز القصور في جبل نفوسة ويتميز بصغره وتحيط به البيوت من كل جانب و هذه القصور يطلق عليها في اللغة العربية الأهراء أو بالنسبة للغة النفوسيين  غسرو وهي مخصصة لتخزين غلال الأهالي من زيت الزيتون والتين المجفف والحبوب وغيرها و هي المهمة الرئيسة له على أنه في بعض  القصور يتم الاحتماء بها عند الإغارة على المدينة.

بنى القصر بالحجارة والطين والجبس مع استعمال جذوع النخل وأغصان شجر الزيتون في التسقيف والأبواب والنوافذ . والقصر حاليا متهدم.وبجانبه جامع يعرف بجامع القصر وهو قديم ويوجد بخارجه محراب ومساحة تستعمل  لصلاتى المغرب والعشاء في فترات الصيف.

وهناك جامع يعرف باسم جامع الخربة أو جامع القصبات ويبعد بمسافة عن القرية واشتهر بالاسم الأخير لأن يقع بجوار ثلاث قصبات( أبراج مراقبة) ولم يعرف تاريخ بناءه ويبدو أنه من المساجد المبكرة في المنطقة وتبلغ  أبعاده نحو 6x18. مترا ويتكون  من رواقين بكل منهما عدة عقود وبالجامع مدخلين و هو يستعمل في المناسبات فقط كصلاة الاستسقاء ويذكر السيد عمر برغش أن صيانته  الأخيرة تمت على يد أهل نالوت كما توجد مصطبة ملاصقة لجدار الجامع ترتفع نحو متر شيدت من الحجارة والطين وأرضيتها من الأسمنت ويبدو  أن الغرض منها تجميع مياه الأمطار في الصهريج ( الماجل) الملاصق لها عن طريق أنبوب.

القصبات : وهي عبارة عن أبراج مراقبة وهو  طراز اشتهر به جبل نفوسة إضافة إلى مناطق قدم الجبل  وهناك نوعين منها القصبات الدائرية و المربعة أو المستطيلة من أهمها قصبة الجامع القريبة من جامع الخربة أو القصبة وهي تقريبا مربعة الشكل 5x5  متر وهي ترتفع نحو 10. أمتار ويلاحظ الاتقان في بناءها وجمال مدخلها مع وجود درج بداخلها للصعود إلى أعلاها.

إن المنطقة غنية بالآثار القديمة  وتحتاج للتفرغ والدراسة  وأمل أن يكون أحد الطلبة الذين تخصصوا في الآثار  من المنطقة أن يتناولوا تاريخ منطقة الحرابة بالدراسة والبحث وقد قام صديقنا د محمد سالم المقيد الورفلي بدراسة بعض معالم جبل نفوسة وركز الأستاذ محمود الكودري على الحياة العلمية في كتابه الحياة العلمية في جبل نفوسة من القرن  الثاني إلى الثامن الهجري.

هذه ملاحظات عن عجل وكان الزيارة ضمن رحلة قصيرة مع الأستاذة طلال بريون و يسرى بن يعلا وعبد المطلب بوسالم أيام 6،. 7. ، 8 يونيو 2023 وكان من المقرر زيارة بعض المعالم الأخرى بالحرابة إلا الحرارة المرتفعة و الرياح والغبار تم إلغاء الزيارات لفرصة سانحة أخرى إن كان للعمر بقية وترافقه صحة البدن والعقل إن شاء الله.

نشكرك الأستاذين نجيب علي وعمر برغش على مرافقتنا لزيارة هذه المعالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية