التخطي إلى المحتوى الرئيسي

درس غدامس .. ليبيا



  


د. مصطفى محمد المزوغي

لم يكن من المألوف منح البنائين المحليين في أي مجتمع(يتمتع بمعمار محلي) لقب المهندس أو المصمم المعماري، وقد لا يضير ذلك هؤلاء البنائين، إلا أنه يؤثر سلباً لعدم وجود الدراسة الوافية لمنهجية وأسلوب عمل تبلور بشكل متأن وواضح عبر الزمن.

إن منهجية عمل البنائين المحليين تبدوا متأصلة بشكل وثيق في التقاليد، إذ أن دور التقاليد هو رعاية العمارة (العمران) عندما تقوم العمارة برعاية البيئة التي تحمي التقاليد.

إن القراءة المتأنية للعلاقة النظرية بين التقاليد المعمارية والبيئة تبدوا أساسية للمعماري، فالتقاليد كجانب اجتماعي ثقافي تمثل ركيزة هوية المجتمع. فإذا ما تمّ استيعاب العمارة المحلية كعمارة تكاملية نجد أن الشكل المعماري التقليدي هو وليد اشترك كافة أفراد المجتمع في تشكله عبر الزمن، وهذا بالتالي يسهم في تحقيق الهوية الجماعية عمرانيا. والأمثلة في هذا الصدد كثيرة محلياً وعالمياً، فالمدن الصحراوية والجبلية كانت قد تباينت بيئيا ولكنها اشتركت في رسم ملامح واضحة للبيئة العمرانية لها، بنجاح العمارة المحلية. 


غدامس وغات ومرزق وأوباري وبراك وهون وسوكنة وغيرها مدن صحراوية، اشتركت جميعها في تحقيق هوية جلية، فمباني (العمارة المحلية) بكل منها استوفت دورها كمحدد اجتماعي ثقافي. فالبنائين التقليديين بكل هذه المدن أدركوا بوعي مقومات البيئة العمرانية، بمعنى؛ البحث في كافة المعطيات البيئية كمصدر لمواد بناء ملائمة للظروف المناخية من جهة ومستجيبة لاستمرارية الموروث الجمالي من جهة أخرى.

فالمتأمل للفضاء المعماري الغدامسي وماديته الإنشائية يجد صيغة معمارية براغماتية وضعت كل ركائز النجاح لها سنين المحاولة في صناعة البيئة، كان هاجسها الدائم أن عدم تكرار الخطأ بعد المحاولة. توظيف فعال لمادة بناء متوفرة وإدراك جلي لخواصها الإنشائية والمناخية والجمالية تكاملت ودور الحرفية الفنية في صياغة الإيحاء بهذا الفضاء.


إن الداخل إلى الفراغ من بعد مسيرته في دروب المدينة تتناقله إيقاعات الضوء والظلال تفاجئه إزاحات فضائية للدرب الضيق ليصبح ساحة تقف بها الحركة، ولتستمر من جديد حتى الدخول إلى أحد البيوت المتراصة.

ينسحب الداخل بخطواته متوازناً إلى مستوى وسط البيت الغدامسي حذراً متكئاً على الحائط، امتداد أنيق للشارع فالزقاق فالسقيفة فعتبة الفضاء المركزي. يقف مذهولا؛ فاللون ينفجر على السطوح بكل عنفوان، كل شيء يصبح مشدودا كأنه صندوق العجائب، خزنة مليئة بكل الفنون؛ رسومات زخرفية بلون أحمر غدامسي، تعلو خلفية الحائط البيضاء أرفف غائرة وبارزة وكأنها حجرات تسكنها أواني نحاسية لامعة، سطوح من المرايا الصغيرة، وغيرها، جميعها تعمل جاهدة إلى تفتيت الحائط المصمت.

تعليقات

  1. Howdy, I do believe your blog may be having browser
    compatibility problems. When I look at your blog in Safari, it looks fine however, when opening
    in IE, it's got some overlapping issues. I merely wanted to give you a quick heads up! Aside from that, great site!

    my webpage :: cuisinart stand mixer reviews (http://jagobookmark.16mb.com/News/arbocatalogus-horeca-arbocatalogus-horeca)

    ردحذف
  2. Excellent pieces. Keep posting such kind of info on your page.
    Im really impressed by it.
    Hello there, You have performed an incredible job.
    I'll certainly digg it and in my view suggest to my friends. I am confident they will be benefited from this website.

    Look into my site: cuisinart mixer

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...