رفعت
الجادرجي : موجعة .. ولكنها رحلة ملحمية
Rifat Jaderji:
Painfull .. but epical Journy
وجع رفعت
الجادرجي
د.
مصطفى محمد المزوغي
بدعوة
كريمة من رابطة الأكاديميين العراقيين بالمملكة المتحدة لحضور احتفالية تكريم
المعمار العراقي رفعت كامل الجادرجي، بقاعة الخليلي في كلية الدراسات الشرقية
بجامعة لندن، فعزمت على تلبية الدعوة، ودخلت القاعة وكانت هناك بعض الكلمات
الافتتاحية، لزمن حتى دخول المعمار الجادرجي، الذي بدأ كلمته في ختام الاحتفالية
بأنه لم يتأخر يوما على موعده سوى في موعد الاحتفال بتكريمه.
رفعت
الجادرجي يتألم حتى الوجع، هكذا بدا لي في كلمته، عندما صرخ بكل عنف ‘أنا فقط
إنسان’ وكأن لسان حاله يرفض ما آلت إليه الأمور عراقيا اليوم من تقطع أوصال وفتن
ودمار، فهو يعلن: انا لست مع أي من الفرق أو الطوائف الفكرية أو الثقافية أو
العقائدية أو السياسية..
قصة
رفعت الجادرجي المولود في بغداد سنة 1926، الإنسانية لا يمكن فصلها عن رحلته
الفكرية المعمارية، فهو المعماري الذي كتب ‘قصة أب’ و ‘شارع طه وهامر سميث’، و
‘الأخيضر والقصر البللوري’ في سجنه المؤبد سنة 1978 والذي خفف عنه الحكم وأفرج عنه
سنة 1980. رفعت الجادرجي قصته الصادقة كما روتها للحضور السيدة حرمه بلقيس شرارة،
لم يكن لرفعت أن يرويها فالألم يعتصر نفسه ولم يعد يعنيه الأمر .. حين عُرِضت صور
تفجير مشاريعه في عهد صدام حسين وما بعده، كان الأمر بمثابة إتهام حضاري للعراق
خاصة والإنسانية جميعا دون استثناء.2
رشيد
الخيون الباحث العراقي، يذكرنا بعجز النخبة عن فعل أي شئ في زمن لم يعد مكانا فيه
للعقل.. ليس معنى ذلك سيطرة الجنون، بل أن العقل لا يمارس فعله، وهو يجد في
الجادرجي فعل العقل الإنساني دون انحيازات، تماما كالعقل الذي صنع العجلة، والعقل
الأخر الذي استعملها والعقل الذي وضع أسس معرفية لعلم ما والعقل الأخر الذي قام
بترجمتها، تواصل انساني عقلاني.
رحلة
رفعت الجادرجي لم تقف بل بدت لي أكثر حماسة بعزمه على تشييد متحف معماري في بغداد،
في معرض حديثه في مقابلة موثقة عرضت بالاحتفالية، يذكر الرصيد المعماري الخلاق في
شخوص العمارة العراقية كمحمود صبري الذي كان قريبا من فكر الجادرجي، وقحطان عوني،
ومحمد مكيه، ويذكر بعقلانية كاملة الفارق في ترحال كل منهم معماريا ، فهو يجدهم
مهنيين بالمنهج الأكاديمي، في حين يجد اختلافه عنهم تبني ,جدلية الشكل’ .
نظرية الجدلية التي يتبناها
رفعت الجادرجي تبحث في التفاعل بين الحاجة وأدوات وخامات وتقنيات صياغتها ليكون
ناتج هذا التفاعل هو الشكل، ولأن تغير الحاجة (نفعيا أو رمزيا أو جماليا) وتغير
التقنية قائم وبالتالي فإن محصلة التفاعل تفرز تغير الشكل المادي لهذا التفاعل.
برصيد يصل إلى 14 كتاب يسعى رفعت
الجادرجي لإصدار كتابه ‘وعى الإنسان بسمة الجمال’، حيث يبحث فيه الحاجة إلى صحوة
الحس الجمالي، وسؤال الكتاب هل للجمال قاعدة علمية متينة أم هي قاعدة ذاتية ؟، وما
الفارق في الإدراك الجمالي بين الغرب و مجتمعاتنا الشرقية؟. الجمال بالنسبة له، هو
حس الفرد والوعي بالمثالية
(Optimal). هي عملية يعمل على
صياغتها الفنان والمتلقي عبر مرحلتي الصياغة والعرض.
تحدث
في الاحتفالية أحد طلابه القدامى قائلا لا زال استغراب الأستاذ رفعت الجادرجي في
محاضرته الأولى لنا ماثلا أمامي حين وقف أمامنا متسائلا: “كيف يمكن أن نصمم بدون
موسيقى” في اليوم التالي أهدى طلابه مجموعة الاسطوانات خاصته.
يضع المعمار الجادرجي قراءة واعية وفاصلة
بقناعته في الفارق بين الحرفي (المهني) والفنان، فالأول رهين السلطة السياسية
والقانونية والمهنية وغيرها في حين الفنان على الدوام يقول ‘ ها أندا أنا وليس
غيري’.4
حين
اقتربت منه قائلا نحن جيل من المعماريين الليبيين الذين عرفناك من خلال مشاريعك
وكتبك، وأرجوأن تقبل تقديرنا لرحلتك المهنية الخلاقة، أجابني هذا يثبت قولي أن
الفنان يرحل للأخرين رغم قيود كل السلطات فلم أكن يوما حرفيا أو مهنيا.
المعمار
رفعت الجادرجي رغم رحلته الفكرية الخلاقة رافقتها معاناة إنسانية من سجن وغربة
ومعاناة إلا أن الدرس الذي يجب أن نقف عنده على الدوام: رفعت الجادرجي يحتفل حتى
بالفشل حتى لا يجعل لمرارة الفشل طريقا إلى حلقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق