التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جدلية العلاقة بين العمارة والسياسة



جمال اللافي

يغلب الظن عند عامة الناس من غير المتخصصين في مجالات العمارة وما يرتبط بها، أن خوض المعماري في شؤون السياسة وركونه إلى تحليل مجرياتها هو من الأمور المعيبة التي تحسب عليه ولا تصح له. مما يستدعي منهم إلصاق تهمة التذاكي بالمعماري عندما يفهم الأمور على غير ما فهموه هم أو يعتقدون أنهم فهموه على أنه الحقيقة وليس غيرها.

لهذا وجب التنويه إلى أن التحليل كمسلك فكري ومنهجي، أخي العزيز معاوية، هو جزء أصيل من مجال العمارة، فلا يمكن الشروع في تصميم أي مشروع معماري مهما صغر أو كبر إلاّ بعد تحليل كافة عناصره بدءا بتحليل الموقع وانتهاء بتحليل المستعملين للمشروع (أفراد ومجتمعات). وعلم النفس التحليلي وعلم الاجتماع و(الفلسفة، التي تعزز ملكة التفكير والتحليل والتقييم والاستنتاج والاستنباط) تعتبر جميعها من أهم الركائز التي تنهض عليها العمارة ومنها تستمد مقومات نجاح مشاريعها. وفي المقابل هي رهينة للسياسة، مما يجعلها مرتبطة ارتباطا مباشرا بكل مجريات الأحداث السياسية باعتبارها مؤشرا على ما سيؤول إليه حال العمارة في واقعها الراهن ومستقبلها القادم.

وبالتالي،
·                    لا عمارة بدون تحليل لواقع المجتمع في حركته وسيرورته. ودون النظر إلى تطلعاته وآماله وهمومه وهواجسه.
·        ولا عمارة في غياب السياسة الرشيدة والحكيمة التي تجعل من همّ المواطن ومصالح الوطن شغلها الشاغل وأولويات اهتماماتها، فتسعى للإصلاح والإعمار وفتح الأبواب لمشاريع التنمية والنهضة الشاملة ودعم كل أسباب الاستقرار بنشر الأمن والأمان في ربوع الوطن.

وهذا يقود بطبيعة الحال، إلى تفهم طبيعة العلاقة بين المعماري والقضايا السياسية التي تشغل باله. أما مطالبته بالابتعاد عن الخوض في المواضيع السياسية فهو يندرج تحت نفس المطالبات بفصل الدين عن السياسة وعن الاقتصاد وعن العلم والفن والأدب والسلوكيات العامة، لتترك الساحة للفاسدين والمفسدين والمنحرفين والشواذ ليخضوا ويلعبوا كيفما شاؤوا بلا حسيب أو رقيب (بل قد يتم ذلك تحت حماية القانون وتشريعاته).

وأخيرا وليس بآخر... الخوض في المواضيع السياسية وتقييم الأحداث وتحليلها وتكوين تصور خاص عنها لا يعني بطبيعة الحال الأنحياز لطرف على حساب طرف آخر. ولا يتهم جهة في مصداقيتها ولا في حسن نواياها. ولكن هذه القراءات التي يجريها المعماري للأحداث تعتبر أمرا ضروريا لتوليد حالة وعي عامة مهمتها تقصي الحقيقة ونفض الغفلة عن عقل المعماري أولا قبل التفكير في نفضها عن عامة الناس وعوامهم.

وليس بالضرورة أن تكون مثل هذه التحليلات للوقائع دائما على صواب. فقد تغيب عن المعماري أو غيره من المحللين (السياسيين والاقتصاديين وعلماء الاجتماع) بعض الأمور فتأتي التوقعات في غير محلها. مع الأخذ بعين الاعتبار توقع دائما أن الحدث الواحد يقبل أكثر من قراءة مختلفة عن الأخرى اختلافا جذريا.

لهذا قد يفضل المعماري الخوض في تحليل كل شئ على القبول به على علاته. وخصوصا عندما نصل إلى قناعة تامة بأن الإعلام بوضعه القائم لا يسوق أبدا للحقيقة. وأن ساسة اليوم من شيمتهم الكذب والتضليل، وأنهم إذا ما أفلسوا وبارت بضاعتهم وافتضح أمرهم لجأوا إلى صناعة الإرهاب لتخويف شعوبهم وتكميم الأفواه.

مع الاحتفاظ بقناعة شخصية، أن الشعوب بصفة عامة والشعب الليبي بأكمله بصفة خاصة يفهم كل شئ على حقيقته، ولكن كل واحد منهم ينحاز إلى الجهة التي يعتقد بأنها ستحقق له مصالحه الشخصية ولو أتى ذلك على حساب الوطن والمواطن.


وعن نفسي اتمنى دائما أن أكون مخطئا في تحليلي للوقائع والأحداث. فالحقيقة دائما ما تكون أمرّ من الوهم الذي نعايشه، أو هذا ما آلت إليه الحقيقة في زماننا هذا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...