ناصر المقرحي
شهدت
الساحة الفنية السنوات الأخيرة رحيل أربع فنانين تشكيليين ليبيين وهم على التوالي الفنان
يوسف معتوق الذي ظلت ريشته تنوس ما بين الرمزية والأنطباعية والواقعية والمحاولات التجريدية
بحماس قل نظيره وغزارة في الإنتاج ومشاركات لا تتوقف داخل الوطن وخارجه.
والفنان
الطاهر المغربي صاحب التجربة التي تميل إلى الفطرية بألوانها الاولية – من الأنبوب
إلى السطح مباشرة – وخطوطها التحديدية الواضحة واتساع مساحة لوحاته وتناوله للحياة
الأجتماعية والزوجية في أبسط صورها لنحصل في نهاية المطاف على لوحة مشبعة بالدفء والحب
والمودة، خاصة مع تلك اللوحات التي تحاول أن تقبض على معنى التنزه أو ( الزردة ) باللهجة
العامية، إذ لا ينفك الفنان يصور أفراد العائلة في نزهتهم الربيعية في أماكن طبيعية
مختلفة في جو من المحبة والأُلفة والهدوء.
ثالث
هؤلاء الراحلين هو الفنان خالد حمد بن سلمه صاحب الأسلوب الواقعي السلس بلوحاته متنوعة
المواضيع والتأثيث بما فيها احتفاءه بالطفولة.
رابع
الفنانين هو عمران بشنة الذي يختلف عن الفنانين الآخرين بأنه صاحب قلم تم تسخيره للنقد
التشكيلي بجميع أنواعه إذ كتب عن الكثير من الفنانين وأضاء بكلماته الجادة والمسئولة
تجاربهم الفنية في محاولة منه لإثراء المشهد التشكيلي ليس محليا فقط بل على مستوى الوطن
العربي، إذ كتب عن فنانين من جل أقطاره تقريباً.
هذا عن
كتاباته وتنظيراته التي تعكس حبه للفن وانشغاله الدائم بتفاصيله، أما عن ممارساته الفنية
فقد اتخذت تجربته أبعاداً عدة وسارت بالتوازي في مسارات شتى، ذلك أن الفنان رسم إلى
جانب الطبيعة والطبيعة الصامتة البورتريهات واللوحات التي تصور التراث الليبي الأصيل
والحياة اليومية البسيطة خاصة تلك التي عرفها الفنان صغيراً ببدايات عمره وتفتح وعيه،
بدافع من الحنين والأشتياق إلى تلك الأيام المليء بالمحبة والتآلف الأجتماعي والأنسجام
الأسري، رسمها الفنان، إلى جانب كل هذا الفضاء الذي طرقه الفنان بريشته التي لا تكاد
تجف لتتالي لوحاته وتدفقها بغزارة، رسم الفنان بتعبيرية عالية لوحات تجريدية ورمزية،
ولم يكتفي بذلك إذ اتجه إلى إنجاز أعمال شبه تكعيبية تعتمد الخطوط المستقيمة والزوايا
الحادة، هذا ناهيك عن لوحات الكولاج في خطوة تنحو في اتجاه التجريب سيراً وراء التوق
والتطلع واستماعاً لذلك الصوت الذي يسكن روح الفنان والداعي إلى خلق معالجات جديدة
وطرق أداء مبتكرة كل مرة وكأن الفنان كان يعي بأن تطوير الفن وخلق أسئلة تجدده هو أحد
أهم أهداف التشكيل عامة إلى جانب أهدافه الأخرى.
ولا شك
في أن رحيل هؤلاء المبدعين يشكل خسارة كبيرة للمشهد التشكيلي الذي يعاني من الركود
والأرتباك، سيما وأن الفنانون الراحلون وبغض النظر عن اختلاف أساليبهم ورؤاهم يجمعهم
معاً ويضعهم في خط واحد حبهم الشديد للفن بل عشقهم الكبير له وانحيازهم التام أو تعصبهم
لعوالمه ودفاعهم عنه ومحاولاتهم المستميتة لإحياءه وتوعية الناس والمجتمع بضرورته،
من خلال إنتاجهم الغزير أولا ثم من خلال مشاركاتهم المتتالية في المعارض في كل مناطق
ليبيا وخارجها وتشجيعهم للمواهب الجديدة وسعيهم الدؤوب لمتابعة المعارض والورش والملتقيات
الفنية.
والملاحظ
في أمر هؤلاء الفنانين أنهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى وهم في أوج عطاءهم وفي ذروة
حيويتهم وعنفوان تجربتهم الفنية، ولهذا السبب تعتبر الخسارة مضاعفة والفقد كبير، وتظل
الحسابات المفتوحة على الفيس بوك لثلاثة منهم تذكر بأنهم مروا من هنا غير أن مرورهم
لم يكن كأي مرور بطبيعة الحال بالنظر إلى ما تركوه من سير مضمخة بالعطاء وإبداعات تقاوم
الزمن.
وهنا
نستثمر الفرصة لنذكر بإبداعات هؤلاء الفنانين ونستحضر بعضا من مآثرهم الفنية ومجهوداتهم
لخدمة بلادهم بواسطة هذا الإبداع، إذ لا يمكن أن نعتبر ما أنجزوه وتركوه خلفهم من أعمال
إرثاً شخصياً بل هو إرث جماعي يخص ليبيا والإنسانية ككل وهذ يرتب على الورثة ومؤسسات
الدولة المختصة مسئولية الحفاظ عليه وصونه وإتاحته للمتلقين من خلال المعارض والمتاحف.
هذه إذن
مجموعة لوحات للفنانين نرفقها بهذا المقال حتى تتضح الأفكار المطروحة فيه ولا ننسى
في الختام أن نستمطر شآبيب الرحمة على أرواح الفنانين وندعو الله أن يشملهم بواسع عفوه
وغفرانه.
المصدر: صفحة بلد الطيوب على موقع الفيسبوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق