التخطي إلى المحتوى الرئيسي

غياب المعنى في البيت الليبي المعاصر




جمال اللافي


المعنى، اصطلاحا هو القيمة المعنوية والمادية التي يحملها كل كائن ( حيا أو جمادا، متحركا أو ساكنا)، والتي تعبر عن تلك القيمة المعنوية أو المادية التي تختفي وراء مظهره الخارجي. وهي أيضا تعكس ما يحمله كل إنسان تحديداً من أفكار وقيم ومبادئ (سامية كانت أم منحطة). وفي العمارة، يمثل المعنى أحد أهم المحاور التي تشكل قيمة المبنى من عدمه، وأصالته من هشاشته، جدواه من عدميته.

يقول المعماري العربي حسن فتحي: "في بيت جدي كل خطوة لها معنى". وفي المقابل تفتقد بيوتنا المعاصرة لهذا المعنى أو يغيب عنها، أو لا يتحقق هذا الحضور بصورة واضحة المعالم يمكن رصدها وتحليلها والخروج بقيمة يمكن أن تحملها هذه المباني التي أنشئت أصلا لسد حاجة ملحة لتزايد الطلب على السكن نتيجة لما خلفته الحروب المتعاقبة من دمار شامل للمدن أو لهجرة العمالة العاطلة إلى المدن التي تشهد ازدهارا اقتصاديا أفضل حالا من غيرها.

هذا يجرنا إلى إعادة البحث عن هذا المعنى وتقصي جذوره من خلال دراستنا وتحليلنا لبيت الجد أو ما نعرفه اصطلاحا" بالبيت التقليدي". ذلك البيت الذي نشأ في ظروف تختلف كثيرا عن ظروف نشأة البيوت المعاصرة. وتشكّل بطريقة تختلف عنها من حيث التوزيع الفراغي أو مواد البناء والهيكلية الإنشائية أو المعطيات الاجتماعية والثقافية والمناخية. وأهم ما في ذلك أن الأسطى الذي شيده والفكر الذي شكل صورته هما نتاج البيئة المحلية.

إن الحاجة التي دعت لنشوء البيت التقليدي ليست حتما هي نفس الحاجات التي فرضت نفسها على البيوت المعاصرة. كما أن الفكر الذي شكلها لم يعد هو نفسه الفكر الذي يحرك صيغة ومفهوم البيت المعاصر. بل أن يد الإنسان التي طبعت بصمتها على جدران البيت التقليدي، لم تعد هي ذات اليد التي تبني بيوت اليوم. في الماضي كان البيت وليد بيئته بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، واليوم أضحى هذا البيت وليد صفقات تجارية تحصل بين رجال أعمال متعددي الجنسيات وحكومات تبحث عن حل لأزمتها مع شعوبها، بأي وسيلة ولو كانت غير مجدية على المدى الطويل. فأصبح ديدن الحال يبحث عن سرعة الإنجاز ويتجاهل كفاءة المنجز، فأضحت المشاريع الإسكانية التي تقام أشبه بمُسكن صداع الرأس سريع الفاعلية في قتل الشعور بالألم ولكنه لا يعالج موطن الداء، فلا تمر سنوات إلاّ وتتكشف الحقيقة عن حالة مرضية مزمنة قد لا تجدي معها نفعا كثرة المسكنات.

وهذا ما بتنا نراه بعد كل هذه السنوات التي أهدرت في طرح الحلول المستعجلة لأزمة السكن المستفحلة. مشاريع قدمت على عجل وهي اليوم تستعجل الخلاص منها ومما أفرزته من أمراض وعلل نفسية واجتماعية وأخلاقية حاقت بالمجتمعات التي تسكنها وباتت تشكل عبئا ثقيلا على نهضة الأمة وخياراتها الحضارية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...