التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, 2025

الظاهر والباطن في العمارة المحلية الطرابلسية: تجليات الخصوصية والانفتاح في تصميم المسكن المعاصر

جمال الهمالي اللافي           تُعد العمارة المحلية في طرابلس، كغيرها من المدن العريقة في حوض المتوسط وشمال إفريقيا، تجسيداً عميقاً لفلسفة اجتماعية وثقافية متجذرة. تظهر هذه الفلسفة بوضوح في العلاقة المترابطة بين "الظاهر" و"الباطن"، في هذه المقالة تناولت هذه العلاقة بين الظاهر والباطن في العمارة المحلية الطرابلسية، مستنداً إلى تصميمي لمشروع المسكن الطرابلسي المعاصر- النموذج الرابع: 1. الظاهر: الحماية، الهوية، والاندماج الحضري يتمثل "الظاهر" في العمارة الطرابلسية التقليدية، وفي تصميمك المعاصر، في الكتلة الخارجية للمبنى. تتميز هذه الواجهة بخصائص تعكس أولويات المجتمع والقيم المناخية: ·          الكتلة المصمتة والفتحات المحدودة: تُبرز الصورة الخارجية لتصميمك الجدران البيضاء السميكة والفتحات الصغيرة نسبياً، خاصة في المستويات السفلية. هذا الجمود الظاهري ليس مجرد اختيار جمالي، بل هو استجابة عملية لعدة عوامل: ·      الحماية والخصوصية: توفر الواجهات المصمتة حاجزاً بصرياً وصوتياً، يحمي حياة الأسرة ...

تقييم الكفاءة في العمارة: جدلية الشهادة والخبرة

جمال الهمالي اللافي لقد أضحى تقييم الأحقية في الممارسة المعمارية، سواء النظرية أو العملية أو الخبرة المهنية، يعتمد بشكل شبه كلي على حيازة الشهادات الأكاديمية. هذا التوجه يثير تساؤلات جدية حول القيمة الحقيقية لحامل الشهادة في مجال الممارسة وكفاءة أدائه المهني الفعلي. يصبح الأمر أكثر تعقيدًا عندما تُمنح الدرجات التأهيلية بناءً على مدة الحصول على الشهادة، لا على الأداء المهني، مما يؤدي إلى تصنيفات مثل "معماري استشاري" أو "معماري رأي" استنادًا إلى عدد سنوات التخرج فقط. تأثير هذا التوجه على التعليم والممارسة هذا الاعتماد المفرط على الشهادات يخلق دافعًا خطيرًا نحو "التهافت" على الحصول عليها، مما ينعكس سلبًا على جودة التعليم وممارسة المهنة في مجال العمارة. من أبرز تجليات هذا التهافت: ·      فصل الخبرة عن التدريس: يصبح غير مسموح لحاملي درجة البكالوريوس بالتدريس في كليات وأقسام العمارة، بغض النظر عن عمق خبرتهم وكفاءتهم المهنية. هذا يحرم الأجيال الجديدة من فرصة الاستفادة من الخبرات العملية الثمينة التي لا يمكن للشهادات وحدها أن توفرها. ·      التركيز على ا...

ابتكار في التصميم السكني: مشروع يكسر نمطية 'المساكن الشعبية' بمقاربة ذكية

    جمال الهمالي اللافي مقدمة: في ظل التوسع العمراني المتزايد في بلداننا والعديد من دول العالم، تشهد المشاريع الإسكانية طفرة كمية بهدف تلبية الطلب المتنامي على السكن. إلا أن الكثير من هذه المشاريع تقع في فخ تكرار نموذج سكني واحد، غالبًا ما يكون ذلك سعيًا لخفض التكلفة. هذا التوجه، ورغم بساطته الاقتصادية، يفقد هذه المشاريع قيمتها المعنوية والجمالية، ويحيلها إلى ما يسمى بـ "المساكن الشعبية"، ما يؤثر سلبًا على هوية الساكنين وشعورهم بالانتماء، بغض النظر عن حجم المبالغ المدفوعة أو جودة التشطيب الداخلي. التحدي والمعضلة: إن القيمة المعنوية للمسكن تتجاوز كونه مجرد مأوى، فهي تتأثر بشكل كبير بالشكل الخارجي والتصميم المعماري. فعندما يرى الساكن واجهة منزله مطابقة تمامًا لعشرات الواجهات الأخرى في الحي، يتلاشى لديه الإحساس بالتفرد والتميز، ويحل محله شعور بالنمطية والتكرار. هذه المعضلة تواجه كل من المطورين العقاريين، سواء كانوا جهات حكومية تقدم السكن بالأقساط، أو مستثمرين من القطاع الخاص، فالمشروع يفقد بريقه المعنوي بمجرد تكرار النموذج، حتى وإن كان البناء والتشطيب على أعلى مستوى ...

مدن الجبل الغربي

  مدينة الجوش الأستاذ/ سعيد حامد باحث تاريخي تبعد عن طرابلس بنحو 200 كم وقبل الوصول إلى مدينة نالوت بنحو 70 كم وتقع في منطقة الجفارة وتبعد عن قدم الجبل بنحو 10 كم. كانت المنطقة تابعة لقضاء نالوت (سنجق الجبل ) وفي سنة 1876 أصبحت مع النوائل   وشكشوك وقصر الحاج تؤلف قضاء الحوض حل هذا القضاء 1899 فعادت الجوش إلى نالوت وأصبحت في سنة 1902 ناحية وفي سنة 1909 أصبح قضاء باسم نجاد تكريما لنجاد ابن رجب باشا (1904- 1908)   احتفظت الاستعمار الايطالي بهذا القضاء. إذا رجعنا إلى الفترة القديمة الرومانية فإننا سنعتمد على فرانشسكو كورو وهو قائد إيطالي كلف من قبل القيادة الإيطالية بالجوش باحتلال الجانب الغربي من منطقة جبل نفوسة سنة 1922 وهم مهتم بالآثار الرومانية يذكر أن المكان كان في القديم مزدهرا جدا وتشهد بقايا الأنقاض في حفرة الحمير والحجار ورأس الجبس وقصر الحمير والاخير كما يذكر عبارة عن كدس من من الحجارة تبرز بينها أسوار ضخمة طويلة وبقايا آثار بروج وهي خاصية أمازيغية شيدت بحجارة صغيرة مملطة بجبس وكلس يعتقد أنها من بناء الأهالي ويحتمل أن هناك قصر روماني تحت الأنقاض وهناك بقايا ...

العمارة: صياغة حياة، لا مجرد مبانٍ

بيت جبلي   جمال الهمالي اللافي إن جوهر العمارة الحقيقية يكمن في الشغف الذي يتجاوز كل الأهداف المادية، دافعًا بالمعماري نحو رسالة أعمق تجاه مجتمعه. ليست مهمة المعماري أن يعالج خللاً قائمًا، كما يفعل الطبيب مع مريضه؛ بل أن يسبق هذا الخلل. رسالتنا هي صياغة نمط حياة مثالي ، نسعى من خلاله لتحصين المجتمع وتجنيبه الأمراض الاجتماعية والبصرية والنفسية. نحن لا نبني جدرانًا فحسب، بل نصمم تجارب إنسانية، ونخلق بيئات تُلهم الصحة، وتعزز الترابط، وتثري الوجود البشري. هذا السعي وراء الكمال الحضري والمعيشي هو ما يحدد شغف المعماري الحقيقي ودوره الحيوي في بناء مجتمع أكثر صحة وسعادة.

مخاطر الانقياد الأعمى في الفكر المعماري: دعوة للتمحيص النقدي

  النموذج الرابع للمسكن الطرابلسي المعاصر 2025 جمال الهمالي اللافي كثيرًا ما يُنظر إلى اعتناق الأفكار المعمارية على أنه مسار للإبداع والتقدم، ولكن هذا الاعتناق، إذا لم يصاحبه تمحيص نقدي، قد يقود بالضرورة إلى استيعاب كامل وشامل لكل ما يحمله صاحب هذه الأفكار من قناعات ومعتقدات وقيم . إن هذا التماهي، أو ما يمكن وصفه بالاندماج الكلي مع فكر المعماري المؤثر، قد يصل إلى درجة خطيرة يتم معها إزاحة العقل جانبًا وإعفائه من أي مسؤوليات رقابية أو تحليلية أو تقييمية .   عندما يُعطل العقل النقدي تكمن الخطورة الحقيقية في أن يصبح كل ما يقوم به المعماري المتبوع أو يتلفظ به، مسألة تستوجب الاتباع والتقليد ، دون أن يصاحبها لحظة توقف للمراجعة والتمحيص. في هذا السياق، لا يعود هناك مكان للمساءلة أو التقييم المستقل؛ فالقناعات الشخصية للمفكر المعماري تتحول إلى حقائق مطلقة، وتغدو قيمه بمثابة معايير لا يمكن التشكيك فيها. هذا الوضع يفرغ الممارسة المعمارية من جوهرها الإبداعي النقدي، ويحولها إلى مجرد استنساخ باهت لأفكار الآخرين.   وهم النعيم الأبدي في هاوية التقليد إن أبلغ تعبير عن هذه الح...

مدن الجبل الغربي

قرية طمزين الأستاذ/ سعيد حامد باحث تاريخي هي من قرى جبل نفوسة القديمة تبعد عن مدينة طرابلس بنحو 250 كم وعن مدينة نالوت بنحو 55 كم و يتم الصعود إليها عن طريق يصعد إليها من تيجي ويعرف باسم شليوني طمزين. الاسم باللغة الأمازيعية وتعنى الشعير وحسب الرواية المتداولة بين أهلها باختصار أن رجلا غنيا كان يستشير من بين أهلها ولكنه افتقر ولم يعد يستشار و أكرمه الله بزرع كما يقال صابه فأصبح من من الأغنياء واستدعى مع جماعة للاستشارة وطلب منه الحضور فقام باحضار صرة صغيرة معه ولما تم الإلحاح عليه ليقول رأيه فتح الصرة وكان بها شعير وقال باللغة الأمازيغية ما معناه تكلم يا شعير كناية عن أن من دعى إلى الاجتماع المال وليس شخصه وهذه بالطبع من الروايات التي تؤل الاسم كما في بعض المدن الأخرى وهذه القرية كما يقول عنها الشيخ علي يحيى معمر كانت عامرة برجال فيهم علم وفضل. تذكر الرواية المتداولة بين أهالي طمزين أنها تأسست سنة 777 هجرية إذ وجد هذا التاريخ مكتوبا على صخرة بجوار قصرها   وأن أهل قرية تحارت والتي تبعد عنها بنحو 1 كم قد انتقلوا إلى موقعها وتم بناءها ومهما كان التاريخ فهي قرية قديمة إذ ينسب ب...

تأملات في العمارة الليبية: هل نحن في صحوة أم غفلة متجددة؟

مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية- صرح في التعليم الحرفي، تم تهميش حضوره. جمال الهمالي اللافي أُعيد طرح تأملات قديمة، نشرتُها قبل سنوات على صفحتي بفيسبوك ومدونتي "الميراث"، والتي عرضها علي الفيسبوك اليوم ضمن ذكرياتي اليومية. هذه التأملات، التي نُشرت بالتزامن مع احتفال قسم العمارة والتخطيط العمراني بذكراه الثلاثين في العام 1999، لا تزال تلامس واقعنا المعماري بشدة، وربما أكثر من أي وقت مضى. كانت تلك الفترة شاهدة على تحول لافت في الخطاب الأكاديمي. فبعد عقود من التعصب الشديد لـ عمارة الحداثة بين أعضاء هيئة التدريس في ثمانينيات القرن الماضي، استمعنا في الندوة المعمارية المذكورة إلى ورقات بحثية، قدمها أعضاء هيئة التدريس أنفسهم، تمجد العمارة المحلية . هذا التحول دفعني للتساؤل: هل هي صحوة بعد غفلة ، أم غفلة أخرى تعقب غفلات ؟ تزامن هذا التحول مع بروز عمارة ما بعد الحداثة في ليبيا ، وإن كانت متأخرة بما يزيد عن ثلاثة عقود عن العالم الغربي. حينها، خشيتُ أن يكون هذا مجرد امتداد للتبعية الفكرية، وهو ما رأيته "مصيبة". خاصة وأن تلك الفترة شهدت بداية بروز الحركة التفكيكية في أو...