الأربعاء، مايو 13، 2020

بيوت الضواحي والأرياف



 تمهيد/

          هي محاولة دراسية لتصور ماهية البيت الليبي المعاصر في مناطق الضواحي والأرياف بالشريط الساحلي، وهي تستهدف معالجة إشكالية اختفاء ملامح الأرياف من مدن وضواحي الشريط الساحلي، سعياً للوصول إلى النموذج المثالي المتكامل للبيت الليبي المعاصر، الذي من أهم مقوماته:
         تلبية متطلبات الأسرة الليبية واحتياجاتها الضرورية من الفراغات المعمارية.
         بناؤه بمواد تتلاءم مع البيئة الساحلية والريفية.
         يأخذ مصادر الكهرباء من الطاقة الشمسية.
         يتوفر فيه بئر لمياه الشرب والغسيل. 
         استعمال الآبار البيضاء بدلاً من الآبار السوداء في تصريف المخلفات (وهذا يعني تدويرها).

محـــــــــــــــــــــاولة لتأصيل المسكن الريفي المعاصر/
يعتمد تصميم هذا المسكن في فكرته الأساسية على أمرين أساسيين وهما:
    العودة إلى نظام الفناء، دون الحاجة إلى الانتقال بين الحجرات عبره، حيث يتم الأمر عبر رواق مغلق وتفتح من خلاله نوافذ على هذا الفناء وباباً للخروج إليه. 
    إضافة مساحة خضراء كبيرة في الجهة الخلفية للبيت، بحيث تكون المساحة الإجمالية للبيت 800 متر مربع، بأبعاد 20 × 40 متر مربع (كحد أدنى)، تخصص مساحة 400 متر مربع الأمامية المطلة على الشارع لبناء البيت، وما يتبقى منها يضاف إلى 400 متر مربع الخلفية لتكون حديقة البيت المزروعة بالخضروات والأشجار المثمرة وحضيرة للدواجن وبعض الماشية.
وتأتي أهمية هذه المساحة الخضراء كدرس مستفاد من الظروف التي مرت بها البلاد وأدت إلى انقطاع أسباب توفير حاجات المواطن الضرورية، نتيجة اندلاع الحرب بين المدن وظهور الوباء الذي سبب حالة الحجر الصحي وما ترتب عنهما من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وصعوبة الحصول عليها وتدني جودتها.

التوزيع الفراغي للمسكن الريفي المعاصر/
يتكون هذا المسكن من دورين، تتوفر فيه متطلبات واحتياجات الأسرة الليبية من الفراغات المعمارية الموزعة على طابقين: 
الدور الأرضي يحتوي على:
         حجرة استقبال للضيوف الرجال+ حمام+ حجرة نوم للضيوف الرجال من العائلة والأقارب.
         المطبخ+ مخزن تحت السلالم.
         حجرة معيشة وضيافة نساء+ سدة لنوم الضيفات من النساء الأقارب+ حمام.
         الفناء ويحتوي على جلسة صيفية.
         المساحة الخضراء + بئر الماء + حضيرة المواشي والدواجن + فرن.
         جراج السيارات.

الدور الأول يحتوي على:
         حجرة نوم رئيسية+ حمام+ شرفة تطل على الفناء والحديقة.
         حجرتين للأبناء + حمام مشترك.
         سلالم يؤدي إلى السطح.















المسكن الغدامسي المعاصر




تمهيد/
          في مايو 1991 م. تعرفت على ملامح العمارة الغدامسية التقليدية، من خلال زيارة ميدانية لمدة 10 أيام.

لمحة عن خصائص المسكن الغدامسي التقليدي/
الطراز المعماري:
         نظام تخطيطي متضام وشوارع مسقوفة.
         تداخل كتل المباني مع البساتين المحيطة بالمدينة.
         ثراء في المفردات المعمارية والزخرفية.
         مواد بناء وحلول إنشائية من طين الأرض وجدوع النخيل.
         كفاءة عالية في معالجات البيئية الصحراوية.






التوزيع الفراغي:
         ارتفاع رأسي ضمن مساحة محدودة.
         تقسيم البيت إلى طوابق متفاوتة الارتفاع، تشكّل في مجملها ثلاث مستويات، وهي:
الطابق الأرضي:
         مدخل وسقيفة البيت.
         مخزن الغلال ومعدات الزراعة.
         سلالم إلى الطابق الأول.
         بستان وحضيرة مواشي.

الطابق الأول:
         فراغ المعيشة يتوسط غرفتي النوم، يستقبل إضاءته من فتحة مربعة في السقف، أبعادها 60 سم.× 60 سم.
    منسوبين: من 7-5 درجات، يتوزعان على جانبي فراغ المعيشة، أحدهما يضم غرفة النوم الرئيسية والآخر غرفة نوم الأبناء.

الطابق الأخير:
         مكان المطبخ في جميع البيوت الغدامسية في سطح البيت.
    يتم الوصول إليه عبر غرفة المعيشة من خلال سلالم مقسمة على مرحلتين، الأولى تقود إلى إحدى غرفتي النوم، لتتواصل بعدها  درجاته حتى تصل إلى السطح.

غدامس الجديدة

المتغيرات والإشكاليات/
         انتقال المجتمع الغدامسي المعاصر للعيش في أحياء خارج المدينة القديمة.
         مخططات جديدة لمشاريع سكنية بشوارع واسعة مكشوفة، تسيطر عليها حركة السيارات.
         نماذج سكنية متكررة، لا تختلف في شيء عن مثيلاتها في المدن الأخرى.
         قطيعة تامة مع النموذج التقليدي في الطراز المعماري والتوزيع الفراغي.
         انعدام الخصوصية السمعية والبصرية على مستوى البيت والشارع.
         مواد بناء غير ملائمة للظروف البيئية الصحراوية.
         غياب المعالجات البيئية الصحيحة على المستويين السكني والتصميم الحضري.
    تغير في النسيج الاجتماعي الغدامسي في بعض جوانبه، منها خروج المرأة الغدامسية إلى التعليم والعمل وبالتالي إلى شوارع المدينة المعاصرة.

محاولة لتأصيل المسكن الغدامسي المعاصر/
سنفهم العمارة المحلية عندما نحسن قراءتها. وعندما نفهمها سنحسن التعبير عنها بأدواتها ومفرداتها.
         
فهم العمارة المحلية، يتأتّى من استيعاب منظومة القيم التي شكلتها، فبها تتحقّق معادلة المواءمة بين:
         الشكل والمضمون.
         الجمال والمنفعة.
         المتانة والاقتصاد.
         الأنا والمجتمع.

في 1993م. كانت المحاولة الأولى- بمشاركة من الزميل المعماري عزت خيري- لتلمس ملامح المسكن الغدامسي المعاصر، على قطعة أرض بمدينة غدامس، بطلب من أحد ابنائها. تلتها محاولات فردية متكررة لإعادة النظر في التصميم الأول ومعالجة المآخذ عليه. ومحاولات أخرى مستقلة عن التصميم الأول جذرياً- خلال  السنوات اللاحقة- لم تسفر جميعها عن نتائج مرضية.

في مارس 2020 م. اقتربت أكثر من مرحلة التأصيل للبيت الغدامسي المعاصر، اعتمدت فيها على:
         تفهّم المتغيرات الاجتماعية والمتطلبات المستجدة.
         معالجة الإشكاليات في المسكن التقليدي.
         التعاطي مع التطور التقني والكمي في مواد البناء وطرق الإنشاء والمعالجات البيئية.

حيث اتجه نمط التفكير في التصميم إلى منحى جديد، آخذاً في اعتباره التوفيق بين:
الشكل، المتمثل في الطراز المعماري المميز لمدينة غدامس.
المضمون، الذي يعكسه نمط التوزيع الفراغي للبيت الغدامسي التقليدي.


التوزيع الفراغي للمسكن الغدامسي المعاصر/
الطابق الأرضي:
         مدخل وبهو البيت.
         صالة استقبال الرجال+ حمّام+ ميضأة.
         صالة استقبال النساء+ حمّام.
         سلالم إلى الطابق الأول.
         بستان بمساحة مناسبة.
         مخزن تحت فراغ السلالم.
         جراج للسيارات. 


الطابق الأول:
         المستوى الأول:
§        فراغ المعيشة.
         المستوى الثاني:
§        حجرة النوم الرئيسية + حمام.
§        حجرتي نوم الأبناء + حمام مشترك.
         المستوى الثالث:
§        يمثل امتدادا للسلالم بفارق درجتين ويضم المطبخ + شرفة.
§        يستمر السلالم في الصعود إلى السطح.






 
أخيراً/
          سيتم في مرحلة قادمة- بعون الله وتوفيقه- النظر في المسكن الغدامسي على المستوى الحضري، بما يحقق التوافق البيئي والمطلب الاجتماعي.

الاثنين، أبريل 06، 2020

منطلقات في التوجه الفكري والمعماري



  
تمهيد/

* التقليد، الاقتباس أو المحاكاة للموروث المعماري ليس بالضرورة عيباً أو قصوراً في المنهج الفكري للمعماري، فقد يكون حفاظاً على ما تحقق في الماضي من معالجات بيئية أو متطلبات اجتماعية لا تزال تؤدي وظيفتها المعمارية بكل كفاءة إلى يومنا هذا.

* الحداثة أو التجديد، لا يعني بالضرورة أمراً جيداً أو مقبولاً، حين يأتي معه بمعاول الهدم لكل ما هو متوارث، دون أن يستند على مبررات منطقية ومنهجية مدروسة العواقب ومضمونة النتائج، بحيث لا تترك آثارها السلبية على سلوك المجتمع واستقراره المادي والمعنوي.


من هذا المنطلق على المعماري الليبي- الذي يسعى للتواصل مع عمارته المحلية- أن يدرك هذه الجوانب وينطلق منها في مسيرة التأصيل للعمارة الليبية المعاصرة:
        أن ما وصل إليه الأجداد هو نتاج خبرة متواصلة ومتوارثة لأسطوات البناء التقليديين للتوفيق بين قيم ومعتقدات المجتمع ومتطلباته الحياتية اليومية والإمكانات المتاحة من مواد البناء والتشطيب وطرق الإنشاء وعناصر التأثيث.
        أن اسطى البناء التقليدي حينما تعاطى مع عمارته المحلية بكل تلك الكفاءة والاقتدار، إنما هو نابعٌ من إخلاصه وتفانيه في معالجة الإشكاليات وطرح الحلول الناجعة، التي أثبتت كفاءتها البيئية والوظيفية والاقتصادية، وملاءمتها لمتطلبات المجتمع. وقدرتها على استيعاب المتغيرات والمستجدات إلى يومنا هذا.
        العمارة المحلية تستمد مقوماتها، من قدرتها على المواءمة بين المتطلبات المادية والعاطفية للمجتمع من جهة، والمعطيات البيئية والاقتصادية من جهة أخرى.
        أن العمارة المحلية ليست نمطاً معمارياً واحدا، يقبل التعميم على باقي المدن، بقدر ما هي علاقة مترابطة بين الشكل والمضمون من جهة، والمحيط الاجتماعي والبيئي الذي أنتجها من جهة أخرى.
        أن العلاقة بين المفردات وتفاصيلها المعمارية والزخرفية من جهة والتوزيع الفراغي للعمارة المحلية من جهة أخرى، هي علاقة متينة الصلة ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض،بل هي كل متكامل يعكس أساليب التعبير المتنوعة للتعريف بهوية المكان والمجتمع الذي يقطنه.
        أن العمارة المحلية التقليدية تتنوع من حيث انتشارها الأفقي والعمودي. حيث تنتشر أفقيا في عمارة مساكن الريف وضواحي المدن الساحلية وبعض المدن الصحراوية، وتنتشر رأسيا للأعلى في عمارة مساكن غدامس، مثلما هناك عمارة تنحت في الأرض مساكنها كعمارة بيوت الحفر في غريان. وهناك عمارة تتدرح مع مناسيب الجبال وأخرى تخترق تلك الجبال وتحفر فيها عمقاً كعمارة الدواميس في الجبل الغربي. لهذا لن تكون هناك تصاميم لمباني سكنية بمفردات معمارية وزخرفية، بعيداً عن طبيعة التوزيع الفراغي المرتبط بها في بيئتها التي نشأت فيها.
        أن ما حصل من انقلاب جذري على هذا الموروث كان مرجعه بالدرجة الأولى إلى تفسخ المجتمع عن قيمه ومعتقداته وفقدانه لبوصلة التوجيه التي كان يستعين بها على معرفة ما يحتاجه فعلاً، حتى يمكن تحويله إلى شكل معماري وتوزيع فراغي يعكس هويته ويحقق له متطلباته المادية والعاطفية في رؤية معاصرة. (للإعلام دور كبير فيما حصل ويحصل).
        إضافة إلى أنصراف مؤسسات التعليم المعما ري والاتجاه بها فكراً ومنهجاً وتطبيقاً وتشريعاً عن التواصل مع هذا الموروث والانحراف بها إلى تبني مناهج وتشريعات بناء غربية، دون أن تحظى ولو بالقليل من المراجعة للتوفيق بينها وبين المعطيات البيئية والخصوصية الاجتماعية والظروف الاقتصادية لكل بيئة محلية.
                    أن الإبداع لا يكمن في البحث عن كل ما هو جديد وغير مألوف، في مقابل القطيعة مع الموروث المعماري.
        أن المنهج التصميمي للمشاريع المعمارية يعتمد بالدرجة الأولى على تلمس تلك الملامح الأصيلة لكل عمارة محلية من واقع الزيارات الميدانية لمعالم المدن التاريخية، والبحث في إمكانيات الحفاظ على أصالة التوزيع الفراغي وفرادة التفاصيل والمفردات المعمارية والزخرفية، التي تميز كل عمارة محلية عن الأخريات.
        أن المحاولات التصميمة الجادة في إعادة الاعتبار للعمارة المحلية، تنطلق في حقيقتها من احترام خصوصية كل نمط معماري منها واقتصار تصاميمه وتنفيذها على البيئة التي نشأ فيها كل نمط معماري منها، دون سواها من المدن، التي تمتلك بدورها نمطا معماريا يميزها.

        أن البحث في مسألة الابتكار في تصميم المشاريع المعمارية والتفاصيل والمفردات المعمارية والزخرفية، أو تطوير التقليدي منها، يستوجب من المعماري أن يستند في ذلك على دراسة واعية لمستدعيات هذا التجديد وضرورات الإلغاء أو التعديل.
        البحث عن تلك القواسم المشتركة التي تصنع (حقيقةً وليس وهماً) صورة العمارة المحلية التي تستحق أن توصم بالمعاصرة، من حيث قدرتها على التوفيق بين التوابث التي لا يمكن الخروج عنها بأي حال من الأحوال (ممثلة في الظروف البيئية وقيم المجتمع ومعتقداته)، والمتغيرات التي تشكل مساحة واسعة للمعماري للتعبير والتجديد من خلالها (كمواد البناء والعزل الحراري ومصادر توفير الطاقة الكهربائية وتقنيات الإنشاء التي لم تكن متاحة في الماضي، وأيضا الظروف الاقتصادية للمستعملين، التي تتحكم في حجم المبنى وثراء تفاصيله المعمارية والزخرفية).
        محاولة فهم أبعاد ومنطلقات ودوافع هذا التوزيع الفراغي ووظائفه، ومن تم الإبقاء على شكل وتوزيع كل فراغ وظيفي أثبت ملاءمته لمتطلبات العصر، والتعديل فيما يحتاج للتعديل من حيث الشكل والمساحة ليتلاءم الفراغ مع متطلبات العصر والتجديد في عناصر التأثيث (التي لا مناص من تعديلها لتكون أكثر فاعلية). ونقل فراغ من مكان إلى آخر حتى يواصل أداء وظيفته على أكمل وجه وتنتفي عنه أوجه القصور. وأخيرا إلغاء أي فراغ أو توزيع فراغي لم يكن في حقيقته ملائماً حتى في عصره، وإنما فرضته ظروف الواقع فرضا على مستعمليه بتلك الصورة لدواعي عادات اجتماعية تتعارض مع العقيدة الصحيحة، أو لتأثيرات اقتصادية أو إنشائية صِرفة.
        أن يحصر مساره المهني والبحثي، في التأصيل للعمارة الليبية المعاصرة، متجاوزاً بذلك كل دعوات التشكيك والتثبيط التي ترى في هذا المنهج تقليدا يتنافي مع مستدعيات الإبداع والتجديد من منظوري التغريب والتسطيح لرسالة المعماري وفهمه لأدواره في المجتمع الذي يعايشه.
        أن يحصر مناقشة مشاريعه وإدارة الحوار حولها ضمن دائرة مدى توفيقه في حل معضلة التأصيل من عدمها. وأن غير ذلك هو سعي للنأي به عن منهجه في العمارة الذي اختاره عن قناعة بجدواه كدرب في مسيرته المهنية لتحقيق رسالته السامية في الارتقاء بمجتمعه عمرانيا وحضاريا.


وما التوفيق من قبل ومن بعد إلاّ من عند الله سبحانه وتعالى.

المعماري/ جمال اللافي
الأحد 12 شعبان 1441 هـ.
5 إبريل 2020


أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...