جمال الهمالي اللافي
تعرت العمارة حين
تحولت الجدران من ساتر يحفظ الداخل إلى واجهات زجاجية تكشفه للعيون. تعرت حين صارت
الفضاءات الداخلية مكشوفة للغرباء، بلا حواجز تصون الخصوصية أو أسرار البيت. تعرت
حين غدت النوافذ الواسعة أداة عرض، لا منفذاً للضوء والهواء. إنها عمارة مكشوفة،
تُظهر ما كان يستتر، وتُحوّل المأوى إلى مشهد للفرجة. وفي زحمة هذا العري، تتكاثر
مشاعر الانبهار.
لكن
حين تعرت العمارة، تعرّى معها المنبهرون بها، وفقدوا ما يستر قيمهم ويحفظ أخلاقهم.
غدت العمارة للعرض لا للعيش الكريم والمستور. فالعمارة انعكاس لتردّي المجتمع أو ارتقائه؛
إنها تخبرنا بما سنكون عليه قبل أن نكونه. نحن نُحمّلها قيماً نصوغ بها رؤيتنا
لمستقبلنا، فنبدأ بها ثم نتبعها في انحدارها أو رُقيّها. وهكذا يصبح العُري في
العمارة مرآة لعُري الأخلاق، يسبقه ثم يتبعه الناس في انكشافهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق