جمال الهمالي اللافي
عندما تصل إلى حالة الوعي كمعماري، ستواجه الحقيقة المرة: لستَ
مجرد مصمم، بل أنت "صانع غواية" تسخر علمك لتضخيم أناك المتعالية عبر
جيوب زبائنك. إن المعماري الذي يغري الزبون بأنماط سكنية باذخة، موهماً إياه بأن
وجاهته تُقاس بترف الواجهات وفخامة الرخام، هو في الحقيقة يشكل هذا الزبون كخامةٍ
تخدم صورته الذهنية عن نفسه.
لقد خلق المعماري بيئة تتسم بفوارق أخلاقية مرعبة؛ حيث انتقلت عدوى
"الأنا المتضخمة" منه إلى الزبائن، ليصبح همهم الشاغل التباهي بصروحٍ
خاصة تستنزف الميزانيات وتُهدر فيها الموارد. هذا الانشغال المحموم بتشييد ’متاحف
السكن‘ صَرَفَ أصحاب الأموال عن رسالتهم الحقيقية، وأعمى أبصارهم عن توجيه زكاة
أموالهم وصدقاتهم لتحسين البيئة التعليمية المتردية من حولهم.
بينما ننشغل نحن بتفاصيل التأثيث الأسطوري لفللٍ تسكنها عائلات قد
يغرق أفرادها في التخلف القيمي، تقف في الجوار مدارس وكليات لا يجد طلابها كرسياً
أو طاولة، ولا حمامات نظيفة، ولا ماءً صالحاً للشرب. صروحٌ تعليمية بلا معامل،
وبلا كتب، وبلا مبانٍ تحمي الأجيال من زمهرير الشتاء أو هطول الأمطار.
إن نهضة الأمة تبدأ حين يكسر المعماري قيد أناه، ويُعيد توجيه بوصلة
الزبون من "الاستعراض الباذخ" إلى "كفاية الاحتياج". فلو
وُجِّه جزءٌ يسير من ذاك الهدر الذي نُزينه للناس في بيوتهم نحو ترميم وتجهيز صروح
التعليم، لانتهى الجهل والمرض والتخلف. رسالتك كمعماري ليست تزيين القشور، بل بناء
الأمة عبر ترشيد عمارة المسكن وتعظيم عمارة العقل.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق