جمال الهمالي اللافي
ليست هذه
الكلمات رثاءً لرحيل معماري اشتهر بالاستعراض، بل وقفة نقدية أمام ظاهرة معمارية
صنعتها الأيديولوجيا الإعلامية والتعليم الممنهج. فما يُقدَّم اليوم كمنجزات كبرى
ليس سوى فقاعات هواء ملونة، تُضخَّم لتُبهر العيون، لكنها تحمل في داخلها بذور
الفناء. إن العمارة حين تُبنى على الوهم لا على الجوهر، لا تملك إلا أن تلحق
بصانعها، تاركة وراءها حساباً على ما قدّم وزوالاً محتوماً أمام شمس الحقيقة.
رحل فرانك
غِهري عن عالمنا، فعرضت وسائل الإعلام خبر وفاته وصوره ومشاريعه، وكأنها تسعى
لتكريس أسطورة لا أراها إلا وهماً مؤقتاً. بالنسبة لي، لا مجال للرثاء أو الأسف؛
فالهدم له عمر افتراضي ينتهي معه أثر صاحبه، ولا يبقى سوى الحساب على ما قدّم. أما
مشاريعه، فستشهد أجيال قريبة هدمها، لتلحق بمن صمّمها ومَوَّلها وأشرف على بنائها.
قد ينجح
الإعلام المؤدلج والتعليم المعماري الممنهج في تضخيم القزم لبعض الوقت، وفي ترسيخ
صورته في أذهان طلابه، لكنه في النهاية سيحتفي بزوالها. ليس لأن وعيه تبدّل أو
صحا، بل لأنه يدرك أن فقاعات الهواء الملونة لا يمكنها أن تصمد أمام شمس الحقيقة
الحارقة. وهكذا يعيد النفخ في فقاعات أخرى، ليُلهي بها صغار العقول وسفهاء الأحلام.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق