جمال الهمالي اللافي
الفصل
الأول: الشاطئ – بداية اللعبة
على شاطئ
البحر، حيث الرمال تلمع تحت الشمس، يجلس المهندس المعماري بجوار زوجته. هي تمدد
جسدها بلا خجل، كأنها تعرضه على المارة، وهو يبتسم، لا يغار، بل يراها انعكاسًا
طبيعيًا لما يبنيه في عمله.
الأطفال يركضون، الشباب يلتقطون الصور، النساء
يتبادلن النظرات، والرجال يضحكون. لم يعد أحد يخجل من جسده، بل صار كل واحد يتلذذ
بعري الآخر أكثر مما يلتفت إلى نفسه.
الزوجة تهمس له: "أترى كيف ينظرون
إليّ؟" فيجيبها: "هذا هو الجمال، أن تكوني مرئية."
هكذا يبدأ المسرح الأول: الشاطئ، حيث الحرية
المزعومة تتحول إلى فرجة جماعية، والستر يُخلع كأنه عباءة ثقيلة.
الفصل
الثاني: البيت – الشاطئ الآخر
حين
يعودان إلى بيتهما، لا يتركان العري على الرمال. البيت نفسه نسخة من الشاطئ، لكنه
من زجاج. واجهة شفافة، نوافذ بلا ستائر، شرفة مفتوحة على الشارع. الزوجة تجلس معظم النهار على الشرفة، تستعرض مفاتنها على المارة، وهو
يبتسم بفخر، كأنها جزء من تصميمه المعماري. البيت عنده ليس مأوى، بل معرض حيّ. الجار يمرّ في الشارع، يرفع رأسه، يبتسم، وهي ترد بابتسامة أوسع.
المشهد يتكرر يوميًا، حتى صار البيت مسرحًا دائمًا، لا مكانًا للسكينة. الطفل يسأل أباه: "لماذا يروننا ونحن نأكل؟" فيجيبه:
"هكذا نعيش اليوم، لا شيء يُخفى."
الفصل
الثالث: الشاشات – الاستباحة الكبرى
في
المساء، يفتح المهندس هاتفه، يبدأ بثًا مباشرًا من الصالة المواجهة للشارع. خلفه،
زوجته تتحرك في الخلفية، مكشوفة كما البيت نفسه. يقول لمتابعيه: "هذا هو بيت المستقبل، بلا جدران ولا أسرار." التعليقات تنهال: "رائع"، "حرية"،
"شفافية". لم يعد أحد يسأل عن الكرامة، لأن الكرامة نفسها صارت كلمة
قديمة، لا مكان لها في قاموسهم. هكذا صارت الشاشات
امتدادًا للبيت، والبيت امتدادًا للشاطئ، وكل شيء امتدادًا للغيبوبة الجماعية.
الفصل
الرابع: العمارة – مرآة الغيبوبة
في
مكتبه، يرسم خطوطًا جديدة لبيت زجاجي، بينما يطل من نافذته على بيته المكشوف. يرى
في ذلك انسجامًا كاملًا: ما يبيعه للناس هو ما يعيشه هو. هو لا يرى تناقضًا، لأن الغيبوبة أزالت كل شعور بالحدود. العمارة عنده
ليست فنًا للسكينة، بل فنًا للعرض. يقول لصديقه: "الناس يريدون أن يُروا، وأنا أعطيهم ما يريدون." هكذا تتحول العمارة إلى مرآة للانكشاف، لا أداة للحماية، بل أداة
للفرجة.
الفصل
الخامس: الرسالة واليقظة – الحكاية المضادة
لكن وسط
هذه الغيبوبة، يظهر صوت آخر، يسأل: هل يمكن أن يكون البيت مكانًا للسكينة لا
للعرض؟ هل يمكن أن تعود العمارة لتكون سترًا، لا شاشة؟ الرسالة هنا ليست مجرد نص،
بل دعوة إلى أن نُسوّق للستر كما سُوّق للعري، أن نُعيد للناس معنى الحدود، وأن
نُقنعهم أن البيت الذي يحفظهم هو بيت يحررهم، لا يقيدهم. اليقظة الجماعية لا تأتي من التنظير وحده، بل من إعادة تشكيل الذوق
العام عبر قصة جديدة، تُظهر أن الانكشاف ليس حرية بل غيبوبة، وأن الستر هو الكرامة
الحقيقية.
الخاتمة
المهندس المعماري وزوجته ليسا مجرد شخصيتين، بل رمز للمدينة كلها. هما بائع الزجاج وزوج العراة، الوجه الإنساني للانهيار، الدليل على أن العمارة ليست مجرد جدران، بل انعكاس لوعي الناس. مدينة العراة ليست مكانًا بعيدًا، بل هي واقعنا اليوم، حيث الشاطئ والبيت والشاشات والعمارة كلها مسارح للتعري الجماعي. لكن الرسالة ما زالت ممكنة: أن نوقظ الناس من غيبوبتهم، أن نعيد الاعتبار للستر والكرامة، أن نُبني بيوتًا ونصوصًا تحفظ الإنسان لا تعرضه.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق