الأسطى الليبي، الذي قامت على اكتافه نهضة العمارة المحلية في ليبيا |
الباحث
المعماري/ جمال اللافي
- · التعريف
بماهية العمارة ومهام المعماري في العمارة التقليدية.
- · التعريف
بالمراحل التي يمر بها كل مبنى والتخصصات التي تدخل في إنجازه في العمارة
التقليدية.
- · نبذة
عن عينة من أنماط العمارة المحلية تبعاً للتنوع الجغرافي:
§
العمارة
الساحلية.
§
العمارة
الريفية.
§
العمارة
الجبلية.
§
العمارة
الصحراوية.
- · مشاريع
معمارية معاصرة صُممت وفق هذا التنوع الجغرافي، بعضها تم تنفيذه. وبعضها بقي كحالة
دراسية مستمرة:
§
الحوش
الطرابلسي المعاصر.
§
بيوت
الضواحي والأرياف.
§
مساكن
المزارع.
§
مسكن
جبلي.
§
المسكن
الغدامسي المعاصر.
· وأختمها بطرح رؤيتي لمستقبل العمارة الليبية، التي طالما ناديت بها في
مقالاتي ومنشوراتي على مدونتي الميراث وصفحاتي على الفيسبوك والانستغرام.
ماهية العمارة ومهام المعماري في العمارة التقليدية/
العمارة حرفة/
العمارة حرفة. وليست مهنة، كما يصفونها في وقتنا هذا. فهذه مغالطة بكل
تأكيد. فالمعماري في حقيقة أمره يمارس حرفة البناء. ولا يزاول مهنة العمارة. يمارس
حرفة مرتبطة بالحالة الإبداعية ومتطلباتها، وأهمها الوعي بالتزاماتها تجاه
المجتمع. وإتقان لمهاراتها المتعددة. وحسن إدارة لفريق العمل، متعدد الأدوار
والاختصاصات الحرفية.
المعماري/
المعماري التقليدي
معروف باسم الأسطى، مهمته لم تكن مقتصرة على تصميم الخريطة المعمارية لأي مشروع،
بل تعدت ذلك إلى تحمل مسؤوليات تنفيذها على أرض الواقع بيديه، بصفته أسطى البناء
واللياسة والبلاط والطلاء (وفي مرحلة متقدمة تنفيذ أعمال الصرف الصحي وأعمال
الكهرباء). ولا يوكل الأمر لما نعرفه اليوم بالمقاول ولا إلى عمالة فنية أجنبية.
فقط ثلاث مهام كان يوكلها إلى غيره من الحرفيين الليبيين بعد تسليمهم المقاسات
المطلوبة وهي:
- حرفة
النجارة، يقوم بتنفيذ جميع أعمال النجارة التي يتطلبها المبنى وعناصر تأثيثه.
- حرفة
الحدادة، يقوم بتصنيع جميع المشغولات المعدنية التي يتطلبها المبنى أيضاً.
- حرفة النحت والنقش على الحجارة.
وهو يمتلك الدراية التامة بثلاثة أمور أساسية في عملية البناء وهي:
التصميم المعماري/
فأسطى البناء هنا
مسؤول عن عدة نواحي تستهدف تحقيق النتائج التالية:
- الوصول للحل "الأمثل" للفراغات، وترابط العلاقات الوظيفية بينها، بحيث تتوفر فيها سهولة الانتقال بينها والخصوصية والراحة.
- توفير الإضاءة الطبيعية لكل فالراغات. مع عدم وجود مساحات ضائعة لا لزوم لها.
- ضمان التوزيع المثالي لعناصر التأثيث، بحيث توضع كل قطعة في مكانها الصحيح، دون أن تشكل أي قطعة أثاث عائق للحركة داخل الفراغ أو عائق أمام فتح الأبواب والنوافذ.
- تحقيق عنصر الجمال، من خلال حسن دراسة وتنسيق كتلة المسكن وواجهاته وتصميم وتوزيع فراغاته .
- التوفير في تكلفة التنفيذ، في مرحلتي الهيكل وحسن اختيار مواد التشطيب والعلاقة الجمالية بينها.
- جودة التنفيذ، مع جودة المواد الداخلة في مرحلتي الهيكل والتشطيب.
التصميم الإنشائي/
فهذا الأمر يقع ضمن
مسؤولياته وأعبائه، فالمبنى يجب أن يبقى صامداً في وجه التقلبات الجوية وثقل أحمال
السقف، فلا يتعرض للإنهيار.
تقنية ضرب الباب بتقنية التراب المخلوط بالجير في بناء الحوائط الحاملة |
العلم بخواص المواد الداخلة في عملية البناء/
يراعي في عملية
البناء ثلاثة أشياء وهي:
· اختيار مادة بناء للحوائط، أثبتت
فاعليتها في العزل الحراري للدار عن تقلبات الطقس. جميع مكوناتها من أرض الموقع،
من مادة الطين أو التراب والجير الحي أو الحجارة، واضعاً في اعتباره أمراً مهماً
وهو أن تستقيم أركان حوائط الدار لتكون قادرة على حمل السقف لفترة زمنية طويلة.
· تحديد التقنية المستخدمة في التصنيع، الطوب
المجفف بالشمس للطين. وضرب الباب للتراب والجير الحي. أما الحجارة فتربط بينها
مادة التراب والمخلوط بالجير الحي. ويعتمد الهيكل الإنشائي على نظام الحوائط
الحاملة، لهذا فسمك هذه الحوائط يتراوح ما بين 80-100 سم.
·
اختيار
مواد تسقيف، تحمي سكانها من تقلبات الطقس، من جدوع
الأشجار أو النخيل. لهذا عرض الدار غالباً يتراوح ما بين 2.70- 3.00 متر.
المراحل التي يمر بها كل مبنى والتخصصات التي تدخل في إنجازه في العمارة التقليدية/
اخترت «المسكن»، للحديث
في هذا الموضوع، فهو الحاضنة في بدايات تأسيس أركانه لكل المهارات الحرفية
والتشكيلية والرؤى الفكرية والجمالية التي نجتمع حولها كمعنيين بها.
الدار، نواة كل بيت |
سنختزل الحديث عنه في النواة التي يتشكل منها كل مسكن مهما كبُر أو صغر وهي "الدار. فيها تتم ممارسة عدة أنشطة حياتية يومية بهذا الترتيب:
- المعيشة.
- الطبخ.
- النوم.
- استقبال
الضيوف، (في الغالب يكونون من النساء.
وفي الحالات الاستثتائية يتم الفصل بين النساء والرجال الأقارب بستارة مؤقتة).
- بيت
الأدب، يقع خارج هذه الدار ليشكل مكعب
آخر أصغر حجماً، مستقلاً تماماً عن هذه الدار.
- الطهارة
البدنية، تتم داخل هذه الدار.
صناعة الحصائرة في مدينة تاورغاء
مرحلة توفير كافة مستلزمات الأسرة؟
لكي تؤدي هذه الدار
جميع الأنشطة اليومية، مع المرونة في التوظيف حسب الحاجات اليومية والمستجدة،
تتدخل مهارات (الحرفي أو الحرفية) في توفير الأدوات اللازمة، من مفروشات وأواني
طهي ولوازم تنظيف وحفظ المؤونة لشهور، تتنوع في تصنيعها من المواد المتاحة في
المنطقة القريبة من الدار وبعضها تقوم بتصنيعه صاحبة أو صاحب هذه الدار:
·
صانع
الأواني الفخارية من الطين.
·
صانع
السلال والأطباق من جدوع شجرة الزيتون ونبتة الديس أو سعف النخيل.
·
صانع
الحصائر والسجاد(الحمول والكليم والمرقوم).
·
صانع
الأغطية الصوفية.
هذه الصورة للدار الطرابلسية. وهي مشوهة عن الواقع، بخلط عناصر تأثيث لمراحل زمنية مختلفة
مرحلة التصميم الداخلي وتوزيع عناصر التأثيث/
تقوم بها المرأة صاحبة الدار، في تصنيع أو توزيع عناصر التأثيث داخل هذا الفراغ بما يحقق كفاءة التوظيف للأنشطة المطلوبة.
هناك أيضاً جانب أخر مهم يضاف إلى ما سبق وهو تنسيق الموقع وتجميله بعناصر الخضرة حول فضاء الدار، أو فناء المسكن، مساحة تخصص لزراعة بعض الأشجار المثمرة والخضروات، تكثر أو تقل على حسب مساحة الملكية خارجها. عملية التنسيق أو الزراعة تشارك فيها صاحبة الدار زوجها.
في جميع المراحل
السابقة تكون روح الفنان التشكيلي المبدع حاضرةً في كل هذه الحرف والمهارات، التي
تم سردها. فالمسألة لا تتعلق بتحقيق كفاءة التوظيف ولا بمتانة المنجز ولا
بتوفير عناصر التأثيث ومستلزمات الحياة اليومية من مفروشات وأدوات. المسألة
هنا مرتبطة عند الحرفي والحرفية بعامل مهم جداً وهو تحقيق الجمال في كل شيء تم
إنجازه. أن تظهر في الصنعة وفي حسن التوزيع عناصر الجمال، بما فيها تناسق
الألوان ودورها جميعاً في صياغة هوية المكان.
التنوع البيئي ودوره في تشكيل صورة المسكن/
مخطط مدينة غدامس كنموذج للبيئة الصحراوية
في بعض المناطق
والمدن، في ظل ازدهاراقتصادي مع توفر مواد البناء وتطور تقنياته الإنشائية، في
وجود الحرفيين المحليين المهرة، صارت الدار أوسع وكل نشاط يومي في الدار أضحى له
خصوصية في فراغ معماري مستقل. ومعمارها تنوع بين مستدعيات البيئة المحيطة والثقافة
التي تشكل هوية مجتمع. نسوق منها أمثلة تلخص أربعة بيئات مناخية وجغرافية تميزت
بها بلادنا:
- الحوش الطرابلسي التقليدي- كمثال للبيئة الساحلية الحضرية.
الحوش الطرابلسي |
- حوش القلعة بتاجوراء- كمثال للبيئة الزراعية/
حوش القلعة بتاجوراء- كانت منهارة منه أجزاء كبيرة عند القيام بأعمال توثيقه |
- حوش الحفر بغريان- كمثال لبيوت الجبل الغربي، حيث يتم الحفر في الأرض.
- غار تفوشيت بنالوت- كمثال أخر لبيوت الجبل الغربي، حيث يتم الحفر في الجبل وتسمى أيضا الدواميس.
- المسكن الغدامسي- كمثال لمساكن الصحراء.
المسكن الغدامسي |
هل المسكن ظاهرة أنثوية أم ذكورية؟
هو ظاهرة مشتركة في
عمومها، تتفاوت فيها مشاركة المرأة والرجل من منطقة إلى أخرى ومن حرفة إلى أخرى.
·
في
عمارة المسكن الطرابلسي نرى بوضوح حضور تأثير الرجل في صياغة التفاصيل والعناصر
الزخرفية وعناصر التأثيث والحماية. ويبقى للمرأة صناعة بعض المفروشات وأعمال
التطريز.
يتولى أسطى البناء نقش هذه الزخارف في مرحلة اللياسة |
·
على
العكس من ذلك نرى حضور المرأة قوياً في عمارة المسكن الغدامسي، من خلال العناصر
الزخرفية وصناعة المفروشات وغيرها من احتياجات الأسرة.
تقوم النساء الغدامسيات بزخرفة بيوتهن بعد انتهاء مرحلة البناء |
بماذا أخبرتنا قصة هذه الدار والمسكن التقليدي؟
أن
كل ما مر من مراحل وخطوات تمّ بفعل أناس بسطاء، من عين البيئة، يمتلكون مهارات
حرفية وجمالية عالية جداً، متوارثة عبر أجيال، لها خصوصية متفردة، ضمن إطار
اجتماعي يتفق على الإطار العام ويترك للإبداع الشخصي أن يتميز ضمن هذا الاطار.
ليتشكل لنا ما نعرفه اليوم بالهوية الثقافية.
نماذج معاصرة تلامس هوية المكان/
تعتمد فكرتي
التصميمية في جميع مشاريعي على الالتزام بهذا الخط في إحياء العمارة المحلية برؤية
معاصرة:
•
المحافظة
على كل ما ثبت صلاحيته وملاءمته للاحتياجات المعاصرة.
•
تعديل
ما يمكن إصلاحه ليتوافق مع الاحتياجات المعاصرة للعائلة الليبية.
•
الاستغناء
على كل ما لم يعد متوافقاً مع متطلبات العصر ويعاني من قصور في الأداء الوظيفي أو
الحماية البيئية، لا يمكن معالجته.
•
احترام
بيئة المكان وهويته المعمارية والعمرانية.
الحوش الطرابلسي- (حوش العيلة)/
في غالب المدن والأرياف، كان البيت التقليدي يضم عائلة ممتدة من الأبوين والأبناء والأحفاد. لهذا صُمم ليستوعب جميع متطلبات هذه العائلة من فراغات توفر لهم الاستقلالية من خلال فكرة الدار، التي تضم جميع الأنشطة المطلوبة لكل أسرة. وتشترك العائلة في استعمال مضافة الرجال والمطبخ وبيت الأدب.
بيوت المزارع والأرياف/
بيوت الجبل/
المسكن الغدامسي المعاصر/
وجهة نظالر في مسألة التعليم الأكاديمي/
ماذا فعل التعليم الأكاديمي؟
- استحوذ على
مهارات الآسطى الحرفي الليبي المبدع، وفتم بفتتها إلى تخصصات دقيقة توزعت على
عدة كليات وأقسام، لا ترتبط فيما بينها بأي علاقة تواصل وثيقة. ثم أقصاه بعيداً باسم اساليب التعليم
الحديثة.
- ترسيخ
معلومات عامة سطحية حول تاريخ ومهام المجال، يغيب عنها التطبيق العملي، مما جعل
الطالب يفتقد للمهارات الحقيقية في مجال اختصاصه.
- تغريب
الفكر من خلال التركيز في المنهج الداراسي على مجموعة من النظريات العربية
وربطها بالمعاصرة. واعتبارها المرجعية التي يفترض بالطالب الاستناد عليها
واستلهام مشاريعه من روادها، فتولدت من بين ثنايا هذا المنهج ثقافة الانبهار
بالآخر، وفي المقابل رسّخ للشعور بالدونية في وجدان الطالب.
كيف هو واقع الحال اليوم؟
وأين موقعنا في التصنيف الحضاري؟
ولماذا؟
فقدنا بوصلة
التوجيه، فضاع من الطريق. وتهنا في دهاليز التغريب والتسطيح المعرفي. وصار كل من
المعماري والمهندس الإنشائي وعالم المواد والمصمم الداخلي ومنسق الحدائق والفنان
التشكيلي يتصفحون المجلات الغربية عسى أن يجدوا فيها الإلهام.
أما الحرفي فلم يعد لا جدي ولا عمي ولا أبي ولا أخي ولا جارنا، بل هو
مجرد شخص قادم من خارح الحدود يبحث عن لقمة عيش. في بلاد لم تعد صالحةً للعيش، فكل
شيء فيها مستورد من الخارج، حتى العادات والتقاليد والقيم والأفكار والمناهج
والأساليب والأدوات ومواد البناء والتشطيب، بل وعناصر التأثيث والإضاءة، بجودة
رديئة وأثمان باهضة.
وكيف السبيل لتغيير واقع الحال للأفضل؟
ومن أين تبدأ الانطلاقة ويقودها؟
- الحل يبدأ
بإعادة النظر في مناهج وأساليب التعليم وربط المناهج النظرية بالتطبيق العملي
بالواقع المحلي.
- الحل يبدأ
بإعلام يؤسس لهوية ثقافية تواجه موجة التغريب.
- الحل يبدأ
بإعادة الاعتبار للحرفي الليبي وتأهيل الشباب. بتأسيس مدرسة االحرف الفنية، التي تمنح
لطلابها فرصة الدراسة بعدها في كليات العمارة والفنون.
- إعادة
الصلة المقطوعة بين المصمم والحرفي والفنان التشكيلي ومصانع انتاج مواد
البناء المحلية. لإنتاج عمارة محلية معاصرة، تحترم التنوع البيئي والثقافي
بين مختلف المناطق والمدن الليبية.
تجربة غربية تستحق الألتفات إليها برؤية محلية معاصرة/
مدرسة باوهاوس الألمانية
جمعت المعماري بالفنان التشكيلي بالحرفي بمصانع الإنتاج.
هاجس التأسيس لمدرسة ليبية للعمارة والفنون والتصميم/
مدرسة
يشترط قي تأسيسها أن تمتلك كل مقومات التغيير امتلاكها لأربع عناصر أساسية مهمة
وهي:
- تنوع
التخصصات المرتبطة بالمجالات الإبداعية.
- أساتذة
مبدعون في مجالاتهم يمتلكون القدرة على تأهيل طلابهم.
- خريجون
مبدعون وصلوا إلى العالمية في مجالاتهم.
- خريجون أنجزوا رسائل الدكتوراة في مدرسة الباوهاوس الألمانية.
تحتاج هذه المرسة إلى جانب إعادة النظر في المناهج التي تدرس حالياً، إضافة
مجموعة من التخصصات الضرورية لزيادة فاعلية الأداء:
- العمارة والتصميم
البيئي.
- نظم الإنشاء
وخواص مواد البناء.
- التصميم
الداخلي وتصميم عناصر التاثيث.
- تصميم
وتوزيع الإضاءة على المستويين المعماري والحضري.
- تنسيق
المواقع والحدائق.
- التصميم
الصناعي.
- الورش والمهارت الحرفية بتعدد أنواعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق