التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العمارة: التزام ومسؤولية

 


جمال الهمالي اللافي


مقدمة

خطابي المعماري لا يندرج تحت مسمى "عمارة الفقراء" التي دعا إليها حسن فتحي، ولا أتبع منهجه. إنما ألتزم بمنهجي الخاص، الذي دخلت لأجله إلى قسم العمارة، والذي يشمل جميع فئات المجتمع بغض النظر عن وضعهم المادي. هدفي هو تقديم حلول معمارية متكاملة تُخاطب الجميع، سواء كانوا من الطبقة القادرة على تحمل تكاليف البناء، المستثمرين، أو مشاريع الدولة.

أهمية احترام الذات والاعتزاز بالهوية

بالنسبة لقناعة المجتمع الليبي بالعمارة المحلية، أراها مسألة تتعلق باحترام الذات والاعتزاز بها عند أفراد المجتمع. عملية التدمير الممنهج التي تعرض لها المجتمع خلال الخمسين عامًا الماضية أوصلته إلى الشعور بالدونية في مقابل الآخر وما عند الآخر. زد على ذلك السلوك الغوغائي لأساليب التدريس ومنهج قسم العمارة المغترب والمعادي لأي محاولة لتأصيل العمارة المحلية والعمل على قهرها وعرقلة حراكها. لهذا، يقع المعماري في هذا الوحل وهذا التناقض بين الإعجاب بالعمارة التقليدية ورفض التعاطي معها في المشاريع المعاصرة.

قصص واقعية وأمثلة

عندما بدأت مشواري المهني في تصميم المباني، واجهت العديد من التحديات في إقناع العملاء بأهمية العمارة المحلية. على سبيل المثال، عملت على تصميم عدة مشاريع سكنية تجمع بين المعاصرة واللمسات المعمارية التقليدية. على الرغم من الصعوبات التي واجهتها، نجحت في إقناع العملاء بجدوى التصميم المحلي، وكانت النتيجة رائعة. أصبحت هذه المشاريع نموذجًا يحتذى به، حيث استعان بها طلبة الدراسات العليا الليبيين في رسائلهم كنماذج لتأصيل العمارة المحلية، مستدلين بها على أن العمارة المحلية يمكن أن تكون معاصرة وجذابة في نفس الوقت.

غياب التآزر بين المعماريين

غياب تظافر جهود المعماريين (حسب التربية التي تلقوها على مقاعد قسم العمارة) جعلهم يعيشون حالة من التصادم والتشرذم والتقوقع على ما يمكنهم تقديمه وليس ما يفترض بهم تقديمه. يدافعون عن ذلك دفاع المستميت من أجل قطعة عظم. هذا الاتجاه يعد أحد الأسباب التي ساهمت في عزوف المجتمع عن التعاطي مع عمارته المحلية المعاصرة والخوف منها، في غياب دعم التوجه إليها.

التوثيق والإحصاءات

وفقًا لتقرير منظمة اليونسكو لعام 2020، فإن نسبة الخريجين الذين يمتلكون مهارات تصميم معمارية تقليدية لا تتجاوز 20%. هذا الانخفاض يعكس الفجوة الكبيرة بين التعليم المعماري الحديث واحتياجات السوق المحلية. إضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى أن 70% من مشاريع البناء في ليبيا تتبع تصميمات مستوردة، مما يؤثر سلباً على الهوية المعمارية المحلية.

الإيمان بالنوايا

إنما الأعمال بالنوايا. فإما لدنيا يصيبها أو لآخرة. ولكل امرءٍ ما نوى. تذكر أيها المعماري أننا نحمل مسؤولية العمارة في بلادنا، وسنُسأل عنها يوم القيامة. تأثيرها في سلوك الناس وأخلاقهم عظيم، إما تقودهم إلى الخير أو إلى الشر. فمن سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سنّ سنة سيئة فله إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم الدين. العمارة ليست أكل عيش، بل هي مسؤولية في رقبة كل معماري.

خاتمة

العمارة هي انعكاس لهويتنا وقيمنا كمجتمع. من خلال التزامنا بالتصميم المعماري المحلي وتكريس الجهود لدعمه، يمكننا تعزيز الهوية الثقافية والإسلامية لبلادنا. دعم العمارة المحلية ليس مجرد خيار، بل هو واجب ومسؤولية نحملها جميعًا. لنكن رواد التغيير ونسعى لبناء مستقبل معماري يعكس قيمنا وهويتنا. وفقنا الله وإياكم لكل خير وأعاننا عليه. وجعل نياتنا فيه خالصة لوجهه الكريم.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...