التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العودة إلى البساطة: درس من حياة امرأة

 


جمال الهمالي اللافي

مقدمة

في عالم اليوم، نجد أنفسنا نتسابق لبناء القصور الكبيرة والفيلات الفارهة، متجاوزين احتياجاتنا الأساسية وغارقين في ملذات الحياة وبهرجتها. لكن هل حققت لنا هذه الحياة الفاخرة السعادة التي ننشدها؟

القصة الواقعية

بدلاً من ذلك، دعونا نتأمل في قصة امرأة تعيش حياة بسيطة ولكن مليئة بالاكتفاء. في أحد الفيديوهات القصيرة التي لا تتجاوز العشر دقائق، تظهر هذه المرأة وهي تحاول في برد الشتاء وعز المطر أن تضع فراشًا من النايلون على سطح حجرة لا تزيد أبعادها عن 3×3، وهي كل بيتها، لمنع تسرب قطرات المطر إلى الداخل. بعد أن فرشت النايلون وثبتته بمجموعة من الطوب الإسمنتي، قفزت من على سطح الحجرة برشاقة غريبة.

في داخل الحجرة، كانت بنتها البالغة من العمر ست سنوات ورضيع ينام في المهد، وبداخلها مدفأة. خرجت تحت رخات المطر وقطعت مجموعة من الأخشاب بالفأس وعادت لتضعها بالمدفأة، ثم بدأت في تحضير وجبة الغداء وعجنت الخبز وطهته على نار المدفأة.

التعلم من البساطة

هذا الفيديو، على الرغم من قصر مدته، يُخبرنا بالكثير من الحقائق التي أصبحنا نغفل عنها في خضم اللهاث على بناء القصور الكبيرة التي تخصص كل حجرة فيها لفرد من أفراد العائلة وتفيض عن الحاجة، إلى جانب مطبخ كبير للفرجة وآخر للطهي، وعشر حمامات وعشرون مكيفًا أو يزيد إلى جانب الأثاث الفخم وبلاط الجرانيت الغالي. ما الذي يجعلنا نعتقد أن الإسراف في الماديات سيجلب لنا السعادة؟ هل حقًا نحتاج إلى هذه الفيلات الفاخرة والمباني الشاهقة لنشعر بالرضا؟

حياة هذه المرأة مع بنتيها وزوجها، الذي يبدو أنه هو من يقوم بالتصوير، تلخص نقطة مهمة جداً. نحن انغمسنا في ملذات الحياة وبهرجتها والإسراف عليها بسخاء، مما جعلنا نصل إلى المرحلة التي افتقدنا فيها المعنى من وجودنا، إلى جانب متعة الحياة الحقيقية التي تعكسها بساطة العيش وليس تعقيداتها. كيف يمكن لحياة بسيطة في مساحة صغيرة أن تكون أكثر إشباعًا من القصور الكبيرة؟

التأمل في الفوائد

عندما نرى حالة الاكتفاء داخل هذا الفراغ الصغير، نستشعر مدى الإسراف المبالغ فيه في تشييد بيوتًا لم تحقق لنا السعادة التي ننشدها، بقدر ما أصابتنا بتخمة من الملل القاتل والعزلة بداخلها عن جمال الطبيعة بكل تنوعاتها. فقط جدران إسمنتية باردة كبرودة مشاعر ساكنيها، حتى فيما بينهم. هل فكرنا يومًا في تأثير هذه المنازل الكبيرة على علاقتنا مع الطبيعة ومع أنفسنا؟ هل نغفل عن جمال البساطة في سعينا وراء الكمال المادي؟

ربما يصادفكم هذا الفيديو أو غيره، الذي يحكي نفس القصة. وبالتأكيد ستخرجون منه بالكثير من العبر والدروس التي تنير بصيرتكم وتجلي بصائركم عن جمال موجود ولكننا لم نعد نستطيع رؤيته في ظل التهافت على تشييد الفلل الفارهة والعمائر الشاهقة. لماذا ننسى أن السعادة تكمن في اللحظات البسيطة والتفاصيل الصغيرة؟ كيف يمكننا إعادة اكتشاف قيمة البساطة والرضا في حياتنا اليومية؟

خاتمة

في النهاية، تذكروا أن سعادتنا ورضانا لا تأتي من الإسراف في الماديات، بل من البساطة والتقدير للأشياء الصغيرة التي تشكل حياتنا اليومية. لنعد التفكير في أولوياتنا، ولنستمد الإلهام من هذه القصص البسيطة كيف يمكن أن نجد السعادة في البساطة بعيدًا عن تعقيدات الحياة الحديثة. هل يجب علينا مراجعة أولوياتنا وإعادة التفكير في أسلوب حياتنا؟ لنكن رواد التغيير ونسعى لبناء مستقبل معماري يعكس قيمنا وهويتنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...