![]() |
زاوية عمورة بمدينة جنزور |
اعداد/
م صالح بشير المزوغى
مكتب فسيفساء مهندسون استشاريون
مقدمة
كان للظروف الجغرافية
و المناخية و الاقتصادية و السياسية تاثيرا
واضحا على التكوين المعمارى للمبانى القليلة
و المحدودة العدد و المتناثرة بين المنطقة الساحلية أو الجبلية أو فى عمق الصحراء فى
ليبيا معظم هذه المبانى هى المساجد و الزوايا
و بعض القلاع و الحصون القديمة و القلة القليلة من البيوتالسكنية ...فليبيا بطبيعتها الجغرافية و التاريخية كانت ولازالت حلقة الوصل المفرغة بين المشرق العربى والمغرب اللذين ازدهرت فيهما
العمارة على مر القرون نتيجة التفوق المادى الناتج من تمركز الحكم و السلطة فيهما ولقد كانت
ليبيا و لازالت الفاصل بين المشرق و المغرب كما أنها الواصل بينهما و بين العمق
الافريقى الذى كان له اثره فى عمارة مبانى الواحات الصحراوية مثل غدامس و غات فى الجنوب
الغربى من ليبيا و هون و وودان و الجفرة فى منطقة الوسط الصحراوى من ليبيا و
نتيجة لهذه المؤثرات الجغرافية و المناخية والاقتصادية ظهرت أشكال المبانى وتكويناتها المعمارية بسيطة فى كل مناطق
ليبيا الساحلية و الجبلية والصحراوية، تتحقق الوظيفة المطلوبة فيها بالدرجة الاولى وتشكلت تكويناتها المعمارية معتمدة على الكتلة و جمالياتها الكامنة فى جوفها بتوفير
الراحة المناخية لمستخدميها من قسوة الطبيعة المحيطة بالدرجة الاولى ثم لتزين بزينة
الطبيعة المتواضعة و المتوفرة من غير تكلف اما بشجيرات النخيل المحيطة بها أو بأشجار الزيتون أو التوت التى توفر
ظلا داخل أفنيتها المحمية وأما التزين بنقوش
بسيطة بارزة عند مداخل القلاع أو المساجد أو على المحاريب.
![]() |
زاوية عمورة بمدينة جنزور |
بهذه البساطة حافظت
المساجد الليبية على المفاهيم الاولى لبناء المسجد الاسلامى الخال من الزخارف التى
كثرت فى المشرق و المغرب الاسلامى تقليدا للطرز الكنائسية أو مجارة لها أو نتيجة للأزدهار
المادى فى تلك البلاد و نتيجة لهذا التوفق المادى الذى طال بلادنا فى العقدين الماضيين
تشوهت صورة المسجد الاصلية و المتميزة فى ليبيا من الداخل و الخارج وفقد هويته الخاصة و المتميزة منذ قرون فأفرزت مبانى لاتحمل
أى قيمة تصميمية لامشرقية و لامغربية بل لاتتبع أى مدرسة معمارية بل انها مجرد بناءات مشوهة ناتجة من آراء وقرارات المتبرعين
بالبناء و تدخلات المقاولين التنفيذية الذين
لاعلاقة لهم ببيئتنا المعمارية المحلية...ومن
المعروف أن المفردات المعمارية هى مجموعة
من العناصر التى تكون لغة الانسان للتعبير
عن لغة التصميم المعمارى الذى يقدمه لبيئته المعيشية فان كانت هذه المفردات مركبة بطريقة
متناسقة كانت هويته المعمارية واضحة وستظهر
مبانيه جميلة وسط المحيط العمرانى الذى يعيش فيه و ان كانت غير متناسقة كان محيطه المعمارى و العمرانى مختلا وبيئته غير واضحة الهوية.
![]() |
الزاوية السنوسية بمدينة الجغبوب |
بالنظر مجددا الى حركة
بناء المساجد فى بلادنا نجد ضياعا واضحا فى الهوية المعمارية و العمرانية على حد سواء فى جميع مكونات البيئة العمرانية باعتبار
أن المساجد هى من أهم معالم بيئتنا العمرانية، فقد تكون تارة حدودا لأحيائنا العمرانية وقد تكون أحيانا أخرى عنوانا لشوارعها فهى المعالم الاكثر تميزا فيها و عادة ماتتشكل الميادين و الساحات و المناطق
الخضراء حولها فهى نواة مدينتنا
القديمة والجديدة وهى المبانى والعمارة الاكثر عمرا فيها ولأننا لانريدها انشاءات
و أكوام من الخرسانة بلا حس معمارى كان لابد من تبيين ملامحها المعمارية عبر
هذا البحث المتواضع الذى نرجوا أن يكون البداية لدراسة كاملة لعمارة المساجد فى بلادنا.
الاهداف:-
1-- الرجوع الى الهوية المفقودة فى التصميم المعمارى المحلى للمسجد فى
ليبيا. 2- تقديم بعض المفردات التى تمثل مدخلا للتصميم المعمارى للمساجد فى بلادنا.
3- توفير تشريعات ترتبط بالتصميم المعمارى للمساجد و الطرز المعمارية لكل
منطقة
فكرة التقرير
تعتمد فكرة هذا التقرير
على على ابراز المفردات المعمارية المحلية من المساجد القديمة الناتجة هندستها المعمارية الناتجة من مطاوعة الانسان لبيئته المعيشية على
حالتها آنذاك وتبيين الممارسات الخاطئة لتصميم وتنفيذ المساجد فى وقتنا الحاضر.
فمن المعروف جغرافيا
أن ليبيا بلاد شاسعة المساحة وممتدة الاطراف شمالا و جنوبا شرقا و غربا...لدرجة أن طرفها الشرقى قد ينسب أحيانا
الى المشرق...و لأن مركزها السكانى و السياسى
والاقتصادى و أرتباطها التاريخى كان ولا زال متواصلا عبر التاريخ مع المغرب
الاسلامى فانها تعد من الدول المغاربية التصنيف بالرغم من ان عمقها الصحراوى يمتد الى
جوف افريقيا تفصله المنطقة الجبلية التى تتميز بعمارتها الخاصة تاريخيا...لهذه الاسباب
كلها فان ليبيا تصنف دائما الى ثلاث مناطق أساسية هى المنطقة الساحلية الممتدة على
الساحل البحرى من أقصى مشرقها الى أقصى مغربها و المنطقة الجبلية التى تبدأ من مدينة الخمس عند جبل المرقب شرقا الى وازن غربا
على الحدود مع تونس...وثالثا هى المنطقة الصحراوية التى تمثل كل المناطق الواقعة جنوب واحة الجغبوب شرق
ليبيا الى واحة غدامس جنوب غرب البلاد.
سيتم البحث عن المفردات المعمارية لكل منطقة من هذه المناطق الجغرافية
الثلاث من خلال استعراض مبانى المساجد التاريخية التى بنيت فيها على مر الفترات التاريخية
الماضية الى حين ظهور الخلل فى هندستها المعمارية نتيجة لظروف و مؤثرات ذكرنا أهمها
فى مقدمة هذا التقرير و الغرض من هذا كله هو
الرجوع الى الهوية المفقودة فى التصميمات الجديدة و صياغة التشريعات الخاصة بها و متابعة
تنفيذها و الزام الجهات المنفذة لمشروعات المساجد باتباعها.
المنطقة الساحلية:-
يقصد بالمنطقة الساحلية المدن و القرى الواقعة فى الشريط الساحلى الممتد من رأس اجدير غربا الى امساعد
شرقا و التى يتركز فيها أكثر من ثلثى سكان ليبيا
المنطقة الجبلية:-
يقصد بها مجموعة
المدن و القرى المتوزعة على الجبل الغربى أكثر من المدن والقرى المحدودة الموجودة حاليا فى الجبل الاخضر نظرا للتميز الواضح لها عن
مدن وقرى الساحل.
![]() |
مسجد بمدينة يفرن |
المنطقة الصحراوية:-
يقصد بها مجموعة المدن و القرى و الواحات المتوزعة فى صحرائنا الشاسعة التى تمثل جزءا كبيرا جدا من الصحراء الكبرى.
![]() |
مسجد بمدينة غدامس |
الخصائص ا لاجتماعية و الحضارية
توثر الخصائص الاجتماعية
فى ظهور مفردات العمارة المحلية وتتكون منها مفردات
العمارة المحلية و نذكر منها على سبيل المثال:-
الدين و العادات و التقاليد
من خلاله ظهرت الخصوصية
و تعدد الفراغات و الفصل بينها والميادين وتواجد الساحات والاسواق لاحتواء الانشطة
الاجتماعية المتنوعة كصلوات العيدين ومناسبات الافراح و البيع و ماشابهها و الفصل بين
المستعملين من الجنسين.
الانتماء العرقى
منها ظهرت فنون الزخارف
و الخط و الكتابة و النقوش و الاشكال الهندسية وماشابهها.
ليبيا الشمال الافريقى
منها ظهر التمايز
الواضح عن مفردات العمارة فى ليبيا و تونس
و المغرب بالالوان و بساطة الزخارف و النقوش و التعدد
الواضح لمناطق الخصوصية فى الفراغات المعمارية و اختلافها عن تلك المماثلة لها
فى المشرق و أفريقيا .
البيئة المحلية
يظهر تأثيرها فى
مواد البناء و نوعيتها و النباتات و الاشجار
و تأثير المناخ و عناصره المتنوعة فى التكوين المعمارى للكتلة و الانغلاق على الطبيعة
القاسية
المعايير المعمارية و العمرانية:-
تتوفر المعاييرالتخطيطية
فى المدن والقرى القديمة فى ليبيا بما يتلائم
مع قوانين المبانى المعروفة فى نظريات تخطيط المدن الحديثة فعلى سبيل المثال
نجد الاتى :-
·
الطرز المعمارية
لكل منطقة متميزة جدا بحيث لايوجد بها تقليد
من منطقة لاخرى.
·
مطاوعة المناخ مبدأ
اساسى فى التخطيط و التصميم لكل المبانى.
·
موقع المبانى يكون وثيق العلاقة مع شبكات الطرق و الحركةالمجاورة
له.
·
تشيد المبانى بارتفاعات
لاتحجب الضوء و الرياح عن المبانى المجاورة.
·
مو اقع المبانى توضع
تلقائيا بحيث تسهل عملية التنقل والحركةلوسائل النقل والمشاة.
·
تكون مجموعة المبانى
اجمالا مرتبة بشكل ملائم جدا عمرانيا .
·
المبانى معدة للتعامل
مع المياه و الامطار و الصرف الصحى بما يتوافق مع العصر .
·
التوجيه محددا اساسيا
لاماكن الفتحات و أشكالها و عددها و طرق ومواد بنائها.
·
تصميم واجهات المبانى
يعتمد على أن الشكل يتبع الوظيفة دون أدنى تكلف .
·
الفراغات العمرانية
تصمم على اعتماد التدرج فى الخصوصية (عام/ شبه عام/ خاص)
الاتجاهات التصميمية للمساجد تاريخيا:-
كان للمؤثرات البيئة
فى المجتمعات الاسلامية مع الظروف و العوامل المختلفة واختلاف المناطق و المناخ و تنوع الثقافات تأثير واضح فى عمارة المساجد وظهرت تبعا لهذه المؤثرات عدة
اتجاهات فى تصميم المساجد
1-
الاتجاهات التاريخية
• الاتجاه النبوى الأصيل الذى تطور فى عهد الامويين و العباسيين
• الاتجاه المغاربى الاندلسى(وهو
محل دراستنا فى ليبيا خاصة)
• الاتجاه الفارسى
• الاتجاه العثمانى
• الاتجاه الحديث
2- الاتجهات
المعاصرة
• الاتجاه التقليدى المحلى
• الاتجاه التقليدى المحسن
• الاتجاه الكلاسيكى
• الاتجاه نحو المعاصرة
و التجديد
الضوابط الشرعية لعمارة المساجد فى الاسلام:-
لاشك ان المساجد
هى خير بقاع الارض و أن بناءها من أعظم القربات الى الله تعالى الا أن بناءها محتاج الى ضوابط شرعية مينية على أساس صحيح من فقه
سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فى عمارتها بل ان الاخلال بمنهجية بنائها يفترض أن
يبنى على فقه السنة النبوية الصحيحة كما هدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد المنحرف بمنهجية بنائه وهو مسجد( الضرار) الوارد ذكره فى سورة التوبة...حيث
كانت النية فى بنائه هو الحاق الضرر بالمسلمين
و السعى للتفريق بينهم فقد كان قريبا جدا من مسجد قباء بالرغم مما انفق فيه من مال لبنائه
بقصد التفاخر فيه عن مسجد قباء المتواضع آنذاك.
وقد وردت النصوص الفقهية الواردة فى الاحاديث الصحيحة التى تبين منهج بناء
المسجد فى الاسلام وتبيين عناصره الاساسية و الاشارة الى موقع و النهى عن زخرفته وتزيينه
بالشكل الذى يلهى عن القصد من بنائه وهو أقامة الصلاة و اجتماع المسلمين فى الحى العمرانى الواحد.
إن بناء مسجد بحجم ومساحة صغيرة فى منطقة ذات كثافة سكانية عالية
سيؤدى حتما الى ظهور مساجد أخرى مع الوقت الأمر
الذى يفرق الناس و يزيد من التكاليف المتعلقة بالبناء و التجهيزات و غيرها كزيادة
الخطباء والمؤذننين وتشتت المصلين و ظهور مناطق
ذات مركزية عمرانية منافسة فى المحيط العمرانى وعليه فقد رتبت جملة من النقاط الأساسية
تبين بعض الضوابط الشرعية لبناء المسجد فى المحيط العمرانى الاسلامى منها:-
1- موقع وحجم المسجد
المسجد نواة العمران
الاسلامى و أول مابنى عند وصول النبى صلى الله عليه وسلم المدينة...وفى حديث عائشة
( امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد فى الدور ( أى فى العمران وليس بعيدا
عنه) و أن لايكون مكان مرور للناس حيث أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقفل الابواب عن مسجده الا باب أبى بكر و أن يجنب المساجد
دخول الصبيان و المجانين و البيع و الشراء
و البث فى الخصومات ورفع الاصوات و اقامة الحدود وسل السيوف...و أمر باتخاذ
المطاهر فيه و تطييبها..(سنن ابن ماجه و المعجم الكبير للطبرانى)
2- منهج
بناء المسجد
الاصل الذى بنى عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن( الطين) و السقف من الجريد و الأعمدة من جذوع
النخل و بقى هكذا فى زمن أبى بكر وعمر الى أن زاد عثمان رضى الله عنهم زيادات كثيرة
فبنى الحوائط بالحجارة المنقوشة والاعمدة من
حجارة منقوشة و السقف من خشب الساج الذى كان يؤتى به من الهند آنذاك...وكان كل هذا
نتيجة لوفرة المال فى عهد عثمان بعد الفتوحات...ولم تدخل الزخرفة الى المسجد الا فى
عهد الوليد بن عبد الملك وقد أنكر العلماء على الزخرفة لورود الاحاديث الصحيحة الناهية
عليها فى المساجد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق