أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الخميس، ديسمبر 26، 2024

الثقافة المعمارية بين التأصيل والاغتراب: نقاش حول بنيوية العمارة المحلية


 جمال الهمالي اللافي

مقدمة

تُثار العديد من الأسئلة حول كيفية اكتساب الثقافة المعمارية وما إذا كانت تأتي من كثرة المطالعة للمراجع الأجنبية أم من معايشة البيئة المحيطة. في هذا الحوار، نعرض آراء مجموعة من المعماريين والمهتمين بالعمارة المحلية في ليبيا، ونسعى لاستكشاف جوانب هذه القضية المهمة.

الحوار:

جمال الهمالي اللافي:  هل الثقافة المعمارية تُكتسب بكثرة المطالعة للمراجع الأجنبية، أم تُورّث من كثرة معايشة البيئة المحيطة؟ سؤال موجه للمعماري الممارس للمهنة وليس للطلاب على مقاعد الدراسة بأقسام العمارة.

محمد الرمالي: العمارة ليس لها حدود، فهي مرتبطة بمواد البناء وكيفية الوضع الاجتماعي والمناخي لكل بلد.

 رضا عون: لا أعتبر نفسي معماريًا، لكن لدي خبرة ثلاث سنوات ونصف في العمل في محجر لقص وقطع الحجر الطبيعي في أوروبا. في ليبيا، ألاحظ أن الكثير من المتخصصين يهملون التفاصيل الصغيرة، رغم أهميتها الكبيرة في البناء.

محمد الشيخ: من وجهة نظري، المتابعة للبيئة وعلاقتك بالوظائف حولك مهم، ولا مانع من الاستعانة ببعض المصادر الأخرى لزيادة المعرفة ومعرفة ثقافات وتراث الشعوب. كل تجربة لها مميزاتها وعيوبها، ويمكننا الاستفادة من الجميع.

 رمضان بلقاسم: الثقافة، من وجهة نظري، هي مجموعة القيم التي يكتسبها المعماري، ومصادرها متعددة. هذه القيم هي التي توجه أو تتحكم في المواقف التي قد يتخذها المعني.

جمال الهمالي اللافي:  أتفق معك دكتور رمضان في تعدد مصادر الثقافة. ولكن هل نعتبر أن مطالعة المراجع، رغم قيمتها العلمية، تضيف شيئًا لواقع الحال في البلدان التي تتعارض معه بيئيًا وتقنيًا؟ الهدف من هذا الطرح هو الدعوة لتعزيز تواصل المعماري الليبي أكثر مع بيئته الجغرافية والثقافية، والبحث عن حلول عملية لإشكالياتها. شكرًا لمداخلتك القيمة.

Rio Tripoli: الثقافة المعمارية تأتي من الجمع بين المطالعة والنهل من كل ما يتيسر، وبين ما نستمده من بيئتنا. المعرفة لا حدود لها ولا قيود، لكن الاستخدام هو بيت القصيد وفي ذلك كلام كثير.

جمال الهمالي اللافي: "المهم في طرح الموضوع هو كيف ننهل من المعرفة التي يمكننا الاستفادة منها، لا تلك التي نتباهى بمعرفتنا بها.

 شيماء عويدات: أنا مهندسة ولدي أصدقاء معماريين يتأثرون بثقافات ومعارف مكتسبة من الدراسة والتطلع، لكنهم أيضًا يتأثرون بالطابع المعماري الليبي والإسلامي، ودائماً ما يحدثوني عنه، فأحببته من خلالهم.

ليلى شلادي: العمارة يجب أن تعالج المشاكل القائمة، سواء كانت اجتماعية أو بيئية أو اقتصادية. لذا تعتمد على دراسة البيئة والمحيط، ويمكن الاستفادة من الثقافات الأخرى في طريقة التفكير وأسلوب العلاج، وليس بنقل الأفكار مباشرة.

 رمضان أحمد: الثقافة المعمارية تأتي من المطالعة والمعايشة معاً.

Alamira Ben: من خلال المطالعة والمواكبة والممارسة. خاصة في عصر التطبيقات والإنترنت، تجد ما تحتاجه بتفاصيله ومواد تنفيذه وأساس فكرته.

سمية الأربد: هل البيئة المحيطة مصدر للثقافة المعمارية؟

جمال الهمالي اللافي: ليس في ذلك أدنى شك، فهي المرجع الأساسي لكل معماري.

طارق دياب: في سنوات الدراسة، طلب منا أستاذنا أحمد امبيص أن نقوم بجولة في محيط مدينة طرابلس، ويقوم كل طالب باختيار عنصر معماري لدراسته. بالنسبة لي، هذه التجربة فتحت آفاقًا كثيرة في عقلي، وجعلتني أدرك أهمية دراسة المحيط والخروج بحلول معمارية مبنية على تجارب سابقة، ومحاولة إيجاد حلول تناسب الظروف الراهنة.

جمال الهمالي اللافي:  بارك الله فيك مهندس طارق على سرد هذه التجربة مع الأستاذ أحمد امبيص، وعرضك للخلاصة التي توصلت إليها، ففيها جزء كبير من المستهدف من هذا الطرح.

أصيل الشيخ: في اعتقادي، المطالعة تساعد في معرفة العالم أين وصل وشن صار. لكن المطالعة الأكاديمية وحدها ليست كافية، فالبيئة المحيطة قد تكون طاردة إذا لم يكن هناك توجيه سليم. أفضل التوازن بين الممارسة والتجربة، مع مواكبة كل جديد ومحاولة تطوير النفس."

محمد ابورقيقة: هناك مثل يقول: (اللي ما ليه قديم، ما ليه جديد). المثل يتحدث عن أهمية التاريخ والحضارة السابقة. العمارة يجب أن تقف على أرضية صلبة تستمد من ماضيها لتتمكن من التبحر في العوالم الجديدة.

دعاء عبدالكريم: أنا عن نفسي أحس روحي في دوامة. كل جهة لديها أنماط معينة في التصميم، وأنت كمعماري تتبعها حسب تعاقدك معهم. كأنه سوق تجاري أكثر من كونه علم. أبحث عن نصيحة لأجد نفسي في العلم والفن.

جمال الهمالي اللافي: مشاركة متميزة جدًا م. دعاء، تضع مبضع الجراح على مكمن الداء في ممارسة المهنة والتعليم المعماري. رغم وضوح الرؤية عندي، إلا أن الرد على طلبك يحتاج مني لوقت لصياغته بصورة مختصرة. يمكنك من حيث المبدأ الاطلاع على منشوراتي بموقع الانستغرام، حيث حاولت اختصار الكثير من المواضيع على شكل بطاقات.

Gaida Mon: أنا عايشة في صراع بين ارتباطي بالمجلات المعمارية الأجنبية وجمال المعمار المحلي الذي عرفته من خلال منشوراتك. هل لأننا تم تدريسنا عليه كتاريخ فقط، أم أنا من أسأت الفهم؟ أضيف إلى ذلك أن جهات العمل تفرض علينا أشياء معينة، وإذا رفضنا يكون الرد بأننا موظفون، مما يجعلني أفكر في الاستقالة باستمرار. في العمل الخاص، أجد صعوبات أخرى بفرض صاحب المكتب أو رأي الزبون الذي يعتبر المعمار المحلي موضة قديمة.

جمال الهمالي اللافي: كلامك عميق م. غيداء، فهو يخوض في تجربتين، مطالب المنهج الدراسي والممارسة. في فترة دراستي بقسم العمارة، لم يكن أحد يرغب في تدريس العمارة المحلية. في ممارسة المهنة، فضلت الالتحاق بالعمل بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس، وفي القطاع الخاص، فضلت فتح مكتب مشترك مع بعض الزملاء لأجل أن أتسيد بأفكاري. من يحمل فكراً ورؤية عليه الاستقلال بنفسه، وهذا ما أفعله الآن.

لمياء سامي دخيل: المطالعة والبيئة والتأمل والربط بينهم يجعل منك معمارياً.

جمال الهمالي اللافي:  ماذا لو تفاجأتي أن مطالعة الكتب الأجنبية لا تتفق مع واقع الحال، فتتحول لزمن مهدور فيما لا ينفع؟

لمياء سامي دخيل: وارد جدًا، لذا الاعتماد على الأفكار يكون له نتائج أفضل.

جمال الهمالي اللافي:  لدينا مدن تاريخية يمكن أن تكون شاهداً ومرجعاً يربطنا بالواقع. علينا الاسترشاد بها والاستلهام منها، وتوظيف تقنيات العصر المتاحة في السوق الليبي.

علي شيبو: البيئة المحيطة فقيرة جدًا وملوثة أيضًا، لذا لابد من تغذية ذاكرة المهندس المعماري بالاطلاع على ما هو موجود في الحضارات المعمارية القديمة والحديثة.

جمال الهمالي اللافي:  البيئة التاريخية والطبيعية المحيطة زاخرة بالمعالم والدروس. التغذية من الخارج لن تفيد إذا كنت ترى أن البيئة فقيرة، لأن ما وصل العالم إليه اليوم لن تستطيع تطبيقه.

علي شيبو: قد تكون الأمور أفضل لو طبقنا ما وصل إليه العالم قبل مئة عام.

جمال الهمالي اللافي:  حتى لو تعارض مع معطيات بيئتنا وقيمنا؟ ألا ترى التخبط الذي يعايشه المجتمع الليبي جراء محاولاتهم المستميتة تطبيق كل ما أتى به الغرب؟ ألا ترى أن الغرب قد عاد يبحث عن عمارة الطين والتراب والرمل والعمارة الخضراء والتنمية المستدامة وكفر بما هو عليه؟

علي شيبو: ربما ما أقصده هو أن نستفيد من دراسة ما قام به الآخرون، خاصة في كيفية التفكير والأهداف المرجوة من أي عمل معماري. أيضاً، أسس المعمار تكاد تكون واحدة حول العالم. بينما البيئة المحلية، وهنا أقصد البيئة الحديثة في الخمسين عامًا الأخيرة، لا تعلمك حتى أسس التصميم المعماري.

ElHassan Ibn: الثقافة المعمارية هي فلسفة تجمع بين منظومة معرفية متعددة الموارد والواقع الاجتماعي والأصالة لكل أمة. أي كلا الأمرين معاً.

خاتمة:

من خلال هذا الحوار، يتضح أن الثقافة المعمارية هي مزيج من التجارب والمعارف المكتسبة من البيئة المحلية والمراجع العالمية. تعزيز تواصل المعماريين مع بيئتهم الجغرافية والثقافية والبحث عن حلول عملية يتطلب توازناً بين استلهام التراث والانفتاح على التطورات الحديثة. نسعى جميعًا للحفاظ على هويتنا المعمارية وتعزيزها، مع التطوير المستمر والاستفادة من جميع المصادر المتاحة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية