الجمعة، أكتوبر 17، 2008

كتابة الفن التشكيلي الليبي المعاصر... المحاولة أم المخاطرة!





د. مصطفى المزوغي *





عندما يتسأل المرء عن حاجتنا الى الكتابة عن العمل الفني التشكيلي بما فى ذلك من ضرورة لأن نتجاوز متعة المشاهد العفوية، فانه لن يجد سوى الميل الفكري لسد الفراغ بين الكلمة والمشاهدة كإجابة موضوعية. فمع المحاولة المرتقبة لكتابة الجزء الخاص بالفنون التشكيلية الليبية المعاصرة، تلوح لنا خطورة المحاولة فى أن نجهض وليدا لطالما ترقبناه وما طرح جملة التساؤلات هنا الا لغرض تبين جوانب المحاولة وتحديد آفاقها والتمعن فى فلسفة طرحها . فسيرتكز النقاش فى هذه القراءة على ثلاث تساؤلات رئيسة ، يرتبط أولها بمدخل تدوين التجربة الفنية التشكيلية فى ليبيا ومدى توفيق المنهجية البحثية العلمية كمدخل لموضوع الدراسة. فى حين يقوم التساؤل الثانى على خلفية وعمق التجربة الفنية ذاتها ومدى أهليتها للكتابة عنها.

وفى ظل الفرضية- إن لم نجزم بقناعتنا- بثراء المخزون التشكيلي، يختم النقاش بكيفية البحث فى مركبات التجربة التشكيلية من رؤية فنية وآلية ترجمة تعبيرية و...مشاهد ! بدت لى الكتابة عن الفن التشكيلي الليبي المعاصر وكأنها محاولة إدراكية تحليلية عندما ترتبط بهدف تصنيفى ونقدى.

وهذه المحاولة ضرورية لحركة تشكيلية آخذة فى التبلور إلا أن ما يدفعنا إلى أخذ الحيطة هنا هو العارض الطارىء الذى قد يطرأ كحالة تضاد بين الكتابة النقدية والموضوع . فالإختلاف يكمن فى الادراك التحليلى يتطلب تجزئة العمل التشكيلي إلى عناصر والتعامل معها بشكل منفصل وتفصيلى فى حين يتطلب الادراك الجمالى تكامل العمل الفني لاتجزئته والمساحة الذهبية البشرية لن تفسح المجال إلى تواجد الحالتين الادراكيتين فى آن واحد معا!
من هنا يبرز التساؤل عن القيمة الحقيقية لهذا المشروع فهل ذلك يمكن فى محاولة تاريخ الحركة التشكيلية ؟ أم هى فى الكتابة ذاتها ؟
أم هى فى كلتيهما ؟! وبتسليط الضوء على إشكالية الكتابة ذاتها وحتى تتوافق وحركة وتنوع الموضوع يفترض أن تتجاوز الأسلوب التصنيفى الناقد إلى البحث عن رؤية أدبية جديدة بدلالاتها الفنية والزمنية، رؤية تكون معها الصيغة الطموحة للمسيرة التشكيلية، وبشكل تنتفى معها حالة التضاد بين إدراكنا الجمالى والنقدى التحليلى، وبالتالى يغيب الفارق فى الرؤية للعمل الفني" كمعاناة تجربة" أو" كقامة مصنفة من العناصر" فالمنهجية البحثية والمتعددة أشكالها من تاريخية أو وصفية أتحليلية أو تجريبية وأساليب النقد المتباينة فى بحث مكامن الابداع والضعف بالعمل الفني التشكيلي قد لاتشكل بداية موضوعية إن لم يتم تبصر القيمة الحقيقية لمثل هذه "الكتابة" فالمادة الفنية ذات العلاقة على درجات من التفاوت الفني والزمنى فضلا عن كونها بحالة بحث مستمر.

فكل هذا إن لم يتم استقرار بتروي فقد يتمرد الموضوع على المدخل المنهجى المتقن، لسلبية "المنهجية التقنية " التى كثيرا ماتملى النتائج بدلا من أن تكون أداة بحث عنها.

إن هذا يعني وجوب إلمام قلم الكتابة بشروط المنهجيات البحثية مع رفض أى منهجية بحثية محددة سلفا بل أن تتحدد أساسا بطبيعة المعلومات التى يتم تجميعها.

فى حالة الكتابة عنه انطلاقة لها من المرونة الكافية التى تفسح المجال لقراءة ومعايشة كل من خاض التجربة التشكيلية فى بلادنا وقاسى همومها. فبذلك نرسم فلسفة الطرح للفن التشكيلي الليبى المعاصر كصيغة تواصل بين أجيال التشكيليين خلال قرن من الزمان وبذلك يتسنى لنا تسليط الضوء على المحطات الرئيسية فى مسيرة الرواد الإبداعية وتحديد الانعطافات الخلاقة بها. إن كل ذلك سيتم بكيفية موضوعية لا مجال فيها إلى خلط الاسماء بل البحث فى العمل الفني الحدث للفنان ويكون سياق منهجية البحث معها متعمد بشكل أساسى على خصائص العمل لادوافعه، فالأعمال التشكيلية الحدث قد يكون تلك التى ألهمها الزخم الثقافى الموروث والمستمدة جمالياتها من الصفار الصحراوى الحار والزرقة المتوسطية الدافئة.

إذن فالقالب النجى الصرف قالب متقنن لن يلبس العملية الإبداعية ثوبا متكلفا فحسب بل سيفقدنا فرصة الجديد فى كتابة تاريخنا التشكيلي! أما النقاش المتعلق بحقيقة التجربة التشكيلية الليبية يتمحور تساؤله عن خلفية التجربة؟ وهل هى بالعمق الكافى للكتابة عنها؟. فالمراقب للحركة التشكيلية الليبية تحديداً يجد أنها اعتمدت كثيرا على الصقل الذاتى! وإذا ما تتبعنا مكانة التعبير التشكيلي فى مختلف مؤسساتنا التعليمية لن يفوته غيابها إن لم يكن" تغييبها ". فهى لم تدخل فى أى مرحلة من المراحل التعليمية الأساسية مجموع التقييم التعليمى العام، بل تقف خجولة بجوار التربية البدنية والسلوك" كتربية فنية"! وقد يكون مرد ذلك قناعة القائمين على العملية التعليمية بعدم جدوى الحاجة التعبيرية للنشء! علما بأن أول أساليب التعبيرية البشرية تبدأ دائما من التشكيل.

فبعد غياب "التربية الفنية" عند مشارف التعليم الثانوى نلحظ عودتها وبقوة ضمن مؤسسات التعليم العالى التى قامت بتخريج (لا تأهيل) أعداد غفيرة تجعلنا نتسأل عن حاجتنا للمزيد من التشكيليين أو حتى لمثل هذه المؤسسات! وعلى الرغم من ذلك لم يفوتنا بزوغ عدد من الأســـــماء (لا الأعمال) بل ومقارنتها بشكل عقيم مع جيل رائد من التشكيليين.

هنا تزداد الحاجة إلحاحا إلى التحقيق من الأعمال التشكيلية "الحدث" على كافة المستويات من هواة أو محترفين، رواد أو ناشئين قبل الشروع فى عملية الكتابة أو حتى تبنى منهجية ما. وأن تكون البداية بإثارة النقاش على أكبر مقياس ممكن، فمن خلال استفزاز ذاكرة أجيال الحركة الفنية التشكيلية خصوصا الرواد منهم وتعصيف أدمغتها للبحث عن المحطات الخلاقة وتحديد القيم الجمالية والفكرية لها دون النظرإلى الخلفية البيئية أو الزمنية لها . بهذا المحطات الانتقائية تتشكل الركائز لجديد الطرح الذى من خلاله تكون الكتابة ذاتها عملا رائدا ويتحقق معها الأساس المتين لحركة تاريخية طموحة.

إن المسح العلمى المجرد للأعمال الشكلية والمنطق من أن قيمة العمل الفنية تكمن فى حقيقتها الشكلية ، يقودنا إلى استعراض ركائز هذا المسح من كيفية تشكيل العمل الفني وكيفية استقباله من قبل المشاهد . فالكيفية التشكيلية للعمل الفني هى الأخرى تعتمد على تكامل كلا من الرؤية الفنية من جهة وآلية ترجمتها إلى تشكيل مرئى جهة أخرى .والرؤية الفنية تضل المادة الخام الأساسية للعملية
التشكيلية وهى وليدة أخرى حالتين إدراكيتين حسية أو فكرية ،فالرؤية الحسية هي بمثابة إعادة صياغة الواقع من خلال وجدان التشكيلي فى حين تستمد الرؤية الفنية الفكرية ملامحها من المخزون المعلوماتي بذاكرة التشكيلي.

وما يثرى الأعمال الفنية التشكيلية هو تنوع الرؤى الفنية، فقد يختلف تعامل تشكيليين مع موضوع واحد ومنجده في الشكل(1) و(2)
إلا مثال جيد لذلك كان قد عرضه (م.أ. بفلن) فلقد قاما الفانان التشكيليان (جون مارين)John Marin 1913 و(جوزف ستيللا)1922 Joseph Stella على التوالى بتقديم رؤيتين متباينتين لذات الموضوع. فلقد أظهر (مارين) مبنى "الوول وورث" بمدينة نيويورك ضمن رؤية مناخية حساسة فهو قد أنجزمعضم أعماله مع بداية القرن بالقرب من شاطىء البحر الضبابى، الأمر الذى يقترح فى عمل الحفر شكل (1) تأجح المبنى الناطح للحساب وكأن الإنشاء الإنسانى لن يصمد ضد قوى الطبيعة. فى حين نجد رؤية (ستيللا) تبدو مغايرة، فهو يضيع ذات المبنى ضمن مجموعة... مجموعة الناطحات مؤكدة (تشكيليا) على الدقة الهندسية والخطوط الصلبة الحادة، وكأنها لن تنحنى أبدا للرياح. إن الرؤية المستقلة لكل تشكيلى تبدو مختلفة رغم وحدة الموضوع.

كما أن معالجة الرؤية تشكيلياً من خلال ترجمتها مرئياً، عملية تتطلب مساراً فكرياً تكون انطلاقته فى البحث عن" فكرة" إلى انتقاء المادة التشكيلية مرورا بالتقنية التشكيلية. كما يضع التشكيلي ضمن هذا المسار التنفيذى رصيده من أسس العلاقات التشكيلية وأسرارها. وكثيرا ما تكون الحاجة التعبيرية هى المحدد لإختيار المادة التشكيلية المناسبة، وأحيانا أخرى يكون الشكل الرئى هو المحدد الأساسى لإختيار المادة التشكيلية. فالتباين هنا صفة ملازمة للطبيعة التشكيلية الفنية بل قد تتباين آلية الترجمة المرئية لدى التشكيلي الواحد فى مجموع أعماله. فاستثمار الخواص التعبيرية والجمالية لمادة مافى تشكيل مرئى تظل أولوية هامة ضمن الآلية التنفيذية فعلى سبيل المثال نجد فى العمل التشكيلي"الأم والطفل " شكل (3) (لأستر ورثايمر) 1985 Esther Wertheimer تم توظيف البرونز اللامع والناعم لتوفير خواص يتحقق معها الشعور بالاستمرارية ضمن رمزية قوية من القوة والارتباط الأمر الذى دفع بتكوين حلقة غير مكتملة تجنبا للتعبيرية المباشرة فى دائرة مغلقة التى قد تحدث تأثيرا أضعف فى مضامين العمل.

من هنا نخلص إلى حقيقة تشكيلية وهى أن نجاح العمل الفني مرتبط بصدق "الشعور" لدى التشكيلي تجاه المواد وخواصها التعبيرية، فالخواص المرنة للمادة الطينية الرطبة تختلف عن تلك التى يحققها الأزميل والمطرقة على الرخام وإن استشعرالفنان التشكيلي غياب فرصة النجاح للعمل بصدد تنفيذه، كثيرا مايشرع فى بداية جديدة . وهنا نصل إلى معايير نجاح العمل الفني التشكيلي والتى لا أجد حرجاً فى تلخيصها كمتعة عفوية نجد صداها فى نفس المشاهد . فمتعة المشاهد العفوية تتولد من تكامل العمل الفني التشكيلي لتستقبله ذاكرتنا الجماعية وترسم له محطة ضمن المسيرة الفنية التشكيلية الليبية المعاصرة . من هنا هل لنا جميعا بمراجعة ذاكرتنا والبحث عن هذه المحطات ولتكن هى بداية الكتابة؟


* معماري واستاذ مشارك بقسم العمارة والتخطيط العمراني بجامعة الفاتح.


تساؤل مطروح حول" مفهوم الأصالة والمعاصرة" *




علي عمر ارميص**


اغلب الظن أن هذا الموضوع الذي أود التحدث عنه بمثابة المحيط الذي لا قرار له. ذي الأمواج العاتية الهائلة والأفاق الشاسعة النائية. وكما يصعب الإبحار كذلك يصعب الإرساء عند شاطئ محدد أو خليج آمن. حيث أن الآراء تتعدد إلى درجة أن يصبح لكل شخص رأيان على الأقل رأى يوافق عليه حسب ضرورة الواقع و رأى يأمل أن يكون عليه الحال وكمثال على ما أقول فأنى دخلت هذه المتاهة. وما أشرت إلى موضوعها وما حددت لها عنوانا.
و السؤال: ماذا تعني الاصالة و المعاصرة ؟ التي أتخذ منها الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب تفسير للشعار الموضوع على جبينه، والتي وضعت في الشعار على شكل زخرفة أسلامية وقد قطعت منها قطعة علي هيئة المثلث. لتوضع مكانه دائرة حمراء؟.
والتفسير، الذي سمعته لذلك من القائمين على الاتحاد أن الزخرفة المشطورة تعنى الاصالة والدائرة الحمراء المحشورة بين فكيها تعني المعاصرة. يا تري ما هي الاصالة التي قصدت من ذلك ؟ وما هي المعاصرة ؟ ومن خلال الإطلاع على بعض المعارض العربية وقراءة شيء من الفصول المكتوبة في عدد من المجلات المتخصصة وغير المتخصصة. والحديث مع نفر من الفنانين التشكيليين العرب تبيّن لي أن الاصالة المقصودة في الفنون التشكيلية العربية الحديثة في واقع العرب المعاصرين أنما هي تجميع نماذج زخرفية وقوالب معملية. كانت يوماً نماذج متطورة فنية ذات صيغة صناعية أو حرفية أو تأملية واكتشافات ذهنية لمعادلات جمالية.

إلاّ أن أغلب نماذج الفنون التشكيلية إبان الحضارة العربية الإسلامية كانت تطويراً صناعياً لأدوات حياتية في الصناعات الكبرى أو الصغرى، كل ذلك لفائدة الإنسان المباشرة في ملبسة ومسكنة ومأكله ومتأملّه. وكل ذلك كان يجلب الفائدتين المتلازمتين وهما الفائدة المادية البحتة والتي هي اللبس أو ذلك السكن أو غيره. ولذا كان التطور (المطرد) يتم دائماً بتقديم الأجود و الأجمل والأرفع ولم تكن تلك النماذج ترسم على لوحات زيتية أو مائية. ولا كان ينظر إليها كعمل منفصل ولا توضع في إطارات وتعرض على نظام عرض رواقي بالمعني أو الأسلوب الذي نعرفه الآن ولا حتى قريباً منه. أما أن يقول بعض نحن فنانون عرب بالأ صالة على وزن بالوراثة. ويكون عملهم الصادق هذه النماذج والقوالب التي ذكرت أو بعضها تفي لوحاتهم ويفسرون ذلك بأنهم فنانون أصليون من حيث أنهم يتعاملون مع العناصر الأصيلة في الفنون العربية الإسلامية. تميزاً عن الذين ينقصهم ذلك من الفنانين التشكيليين أو الذين يدعون المعاصرة.

وأرجو أن يتجمل الذي لا يسرهم هذا القول بشيء من الحلم وسعة الصدر وأنه ليلزمنا جميعاً حسن التدبر والقياس العدل عندما ننظر في مثل هذه المسألة. و أنه ليظهر لي ذلك من جهة وكأنه تجمع للقواقع البحرية من شواطئ المحيطات. وليس هو اكتشاف لمعطيات جديدة عن طريق أدراك لا حساسات مخضرمة بين القديم والحديث وليس من الغريب أن يستعمل الفنان بعض من هذه النماذج والقوالب أحياناً في لوحاته إذا تأتي من ذلك عمل جميل. ولكن الغريب أن يأمل من وراء ذلك حل حضاري لمعضلة الفنون التشكيلية العربية الراهنة وأني كثيراً ما أرى أنه من الضروري أن يتناول الفنانون العرب بعض من النماذج الجيدة المختارة من الفنون العربية الإسلامية المتوارثة على أساس أنها بداية للتطوير... وكبذور تلقى الرعاية والعناية لتصبح أشجار باسقة في حقول شاسعة تنتج ثمراً طيباً وزهورا عبقة. وشتان مابين الأمرين فأنك عندما تزرع بذورا ... لا تريد أن تجني نفس مقدار البذور التي زرعت ولا أن تبقى تلك البذور في نفس الطور. تريد أشجار كثيرة وأطواراً من الأشجار" مختلفة". لأنك تريد كل ما ينتج من وعن ذلك تريد التطوير للأحسن والاكثر والأعمق سواء من الناحية التأملية أو من الناحية المنهجية التقنية.

ولكني في المقابل عندما أتأمل الكثير من لوحات الفنانين العرب سواء علي مشهد من اللوحة نفسها أو علي سطح مجلة مصورة أو كتاب، أرى أن اغلب تلك النماذج تؤخذ وكأنها قطعة تذكارية وضعت في زاوية. إذ هي في النهاية ليست من صميم لحمة العمل الفني وانما شأنها شأن أعقاب سيجارة في منفضة تدلك على أن مدخنا قد قضى منها وطره ... وليس هذا بالطبع حل حضاري لموضوع الأصالة بأسلوب المعاصرة. ولعل لمستدرك أن يقول أن الأصالة في الفنون التشكيلية هي أن يصل الإنسان إلي أن يتأمل الكون والمخلوقات بإدراك بصري حريص فيتعرف الإنسان على العلاقات الجمالية التي تربط الأشياء ببعضها. وتفاصيل الجمال في كل شيء مباح قادر على إدراكه بالنظر الحسي أو ألتأملي. ومابعد هذا التآلف اللوني. وهذا التناسق الشكلي. وفي كل ما يحيط بالإنسان من جوانب الكون من سماء وأرض ومخلوقات كالإنسان والحيوان والنبات والجماد وما يمكن أن يكون من عناصر أخرى. ثم يترك الإنسان هذه الصور الجميلة المتآلفة المتناسقة تصنع من حسه مثالا يقضاً لكل ما يطرأ على عقله أو متفقداً بكل ما هو قادر على أن يجمعه ببصره أو ببصيرته. بشرط أن لا يكون هدفه هو التقليد لهذه الصور والأشكالمن عمله الفني إنمل ذلك التعبير عن هذا الإدراك، لأن التقليد الأعمى أنما هو في النهاية نوع من العبث وإضاعة عمر. فتقليد شيء خلقه الله العلى العظيم فأحسن خلقه وأضفى عليه من فضله التناسق والتكامل في كل شؤونه والاستعداد لاستيعاب ما قد خلق له.

إنما التعبير الذي هو أقرب إلي الفطرة أن ينطلق الإنسان من هذا الجوهر ومجمل هذا الإحساس الفطري أن يصنع الإنسان لنفسه وبنى جنسه ما يرى أو يأمل أن يزيد من تحسين مداركهم ويؤكد استيعابهم لهذه الحقيقة الكلية أو يزيد من اكتشافهم لمدى التناسق المحكم والجمال الرفيع حتى في الجزيئات فضلا عن الكليات ولعل في ذلك ما يقربنا لفهم أسباب تحريم الإسلام منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام للتشخيص فضلا عن عبادة الأشخاص والشخوص. وكل ما فيه تقليد للإنسان بصورة خاصة. وأقول بصورة خاصة لأن الإنسان يتمثل فيه العنصر الغيبي أكثر مما يتمثل في غيره وهو الروح أو حيث أن الروح لا يمكن أن تشخص بأي شكل من الإشكال المعروفة. وغالبا ما يتم تشويه العمل فيخرج عن صورته الإلهية التي خلقها الله عليها إلي شبح قميء ومشوه على قماش أو ورق أو غيرها من المواد صورة عاجزة عن الاستنكار لما هي عليه وهي غير قادرة على الفرار من الإطار الذي وضعت فيه. وينطبق ذلك علي الرسوم والصور التي ليست لها أطر أيضا والنحوت التي لها قواعد. ذلك أن التقليد الذي درج عليه الإنسان في رسومه وصوره وجميع فنونه التشكيلية أتى من عجزه على أن يؤلف لتصوراته نظاما معتدلا متناسقا من المقاييس الجمالية. فلجأ الى تقليد المخلوقات والتي بالطبع بها أفضل المقاييس الجمالية. وعند ذلك وقع في التشويه الكريه. ولهذا السبب وغيره يظهر جليا أن التحريم الإسلامي لذلك لم يكن فقط كما يقول البعض لقرب المسلمون الأوائل من الوثنية الجاهلية. وقد بعدت عنا الآن فبطل التحريم. وفضلا أن الجاهلية والوثنية لم تبعد عنا في هذا العصر وإنما هو أيضا لأسباب خالدة لا تتأثر بالزمان ولا بالمكان ومنها إضاعة العمر سدى في تقليد شيء قد أحسن الله خلقه وفطرته كما قلت وهذا يعتبر من العبث. والإنسان العاقل في غنى عن ذلك. ومنها للتشويه القبيح الذي يحدث من تأخر في تطوير عقل الإنسان من اكتشاف النماذج الكاملة والجزئية التي اشرنا إلى بعضها فهو إذن خسارة إنسانية على مستوى عمر البشرية وعلى مستوى التقدم المادي والروحي.

ورجوعاً إلى موضوعنا الأصلي فان الفنون العربية الإسلامية أخذت تسعى من البداية لعمل قواعد روحية وعملية لاكتشاف إمكانيات حديثة في كل يوم جديد تفيد في تطوير الحياة ومرافقها والتحسين من ظروفها في نطاق الحق. ومن تحسين الأرواح والعقول ومدركها في المجالات التي طرقها الإنسان الذي كان يسمى ضمن نطاقها ... أو تمكن من الإطلاع على مآثرها. وكمثال على ذلك فان أغلب الأمثلة الحضارية التي قامت عليها الصناعات المختلفة من كل موقع كان للفنون العربية الإسلامية اليد الطولي في وضع قواعدها واكتشاف دروبها وتسهيل صعابها وإزالة عوائق الوثنية وعبادة الذات من أمامها.

ومعلوم لدى الكثير أن الحضارة الإسلامية دفعت بالفنون والحرف والصناعات المختلفة إلى الأمام وصنعت لنفسها من ذلك نهجاً شهيراً. حتى إذا ضعف حال العرب والمسلمين لأسباب تعرفونها وتلقف الغرب زمام الحضارة المعاصرة. وجد الطرق ممهدة ووسائل العمل مشروحة. ومحاذيرها منعوتة ولنا في الوثائق الموجودة في اغلب متاحف العالم ومكتباته خير دليل فضلاً عن الآثار الباقية في بلاد الحضارة العربية والإسلامية. وقد وجد أن عصب الحياة الاقتصادي والذي تكون فيه الفنون التشكيلية عنصرا خطيرا. وبادر الغرب إلي صنع نماذج فنية. تحمل سماته علي النسق الذي يفهمه ويريده. ومثال ذلك" مرحلة النهضة" وقلد من ذلك اليونان والرومان في وثنيتهم. ولكن بعد هذه الطفرة العاطفية وبعد أن أدرك أن هذه الطريق لا يؤدي إلي غير المتاهة أصبح يتفقد تراث الشعوب الأخرى وتراث الحضارات القديمة. فابتدأوا بالفراعنة وحضارات ما بين النهرين وكذلك الهندية والصينية والأفريقية وأخيرا وبعد أحجام وعناد ومكابرة وجد أنه لا مفر من الاعتراف بأن الحضارة العربية الإسلامية هي المثل الروحي والمادي الذي إن تعرف عليه الإنسان استغنى به عن غيره وإن جهله لم يستغن بغيره عنه وأصبح الغرب والحضارة المعاصرة تستهلك من هذا المستودع الهائل الغني بالأفكار والأعمال كثيرة ومن النشاطات الأروبية التي تخص ذلك على سبيل المثال مهرجان العالم الإسلامي بلندن من 72 /1976 م.

وعندما أقول أن الحضارة المعاصرة تستهلك من مستودع الحضارة الإسلامية الملئ بشتى صنوف الجمال والأفكار فإني لا أعني أن تأخذ الأشياء بالضرورة كما هي بل هي تأخذها لتنسج على منوالها أو أن تقيس المدارك ... وتجرب الأحاسيس وتستفيد من التجارب وتتعظ من المحاذير. وتدخل كل ذلك ضمن أسلوب معاصر. وتلبسه مواد جديدة وبذلك نشط الجانب العلمي من الفنون التشكيلية، في الحضارة المعاصرة لأن العاملين عليها إستفادوا أيما استفادة من تراثنا العملي، أما الجانب الروحي و الذي غالباً ما يكون له علاقة الديني فالخلاف قائم نظراً للحالة التي عليها المسلمون والتي يظهرون فيها وهم في شغف لتقليد الغرب وتنكر لحضارتهم، الأمر الذي لا يشجع الطرف المقابل أن يترك مكانه المتبوع ويشغل مكانه التابع.

ومن بعد هذا يتبين بالقياس أن النماذج التي يتعامل معها أغلب الفنانين العرب على أنها نماذج الأصالة وبالروح التي يتلبسونها ليست إلاّ من قبيل تجميع الحفريات مادام الاتجاه الذهني مخالفاً لروح الأصالة الإسلامية. وأن المعاصرة والتي تعني أن يستعمل الأساليب والوسائل العصرية في معالجة العمل لا تعني فعلاً المعاصرة النافعة مادامت تقتصر على نقل تصورات عما تم منذ سنوات في عواصم الحضارة المعاصرة.

إنما المعاصرة أن تسبق الحضارة لا أن تتبعها، أن تسبقها بالقدوة والاكتشاف والريادة .والاصالة أن تفعل كل ذلك بالمنهج الحضاري العربي الإسلامي وأن تدفع بهذا المنهج الحضاري العربي الإسلامي الأصيل ليشق طريقه المميزة عن سائر الطرق والذي يجمع بين الفطرة السليمة والمنهج الإسلامي في الاعتقاد مع تأكيد مبدأ تحسين المدارك الحسية وتطوير العوامل المساعدة على الرفع من مستوى الدوق والحياة وذلك ما ينفع الناس ...
وذلك كان التساؤل عن مفهوم الاصالة والمعاصرة شعار اتحاد الفنانين التشكيلين العرب ولازال السؤال قائماً .

وكما قلت في البداية، فأن الموضوع أقرب على أن يكون مثل المحيط الذي لا قرار له. ذي الأمواج العاتية والأفاق الشاسعة وكما صعب عليّ الإبحار يصعب عليّ الإرساء عند شاطئ محدد أو خليج أمن، وكان لزاماً على من كانت في البحر حياته أن يتعلم العوم.
والله اعلم ...والحمد لله أولاً وأخيراً .
طرابلس 10/12/1979 ف


* مشاركة الكاتب في المؤتمر الثالث لإتحاد الفنانين التشكيليين العرب
** فنان تشكيلي ليبي

الناقد المعماري/ د. رمضان الطاهر أبو القاسم


الدرجة العلمية ومكان العمل: أستاذ،
قسم العمارة، جامعة الفاتح

المؤهلات العلمية: بكالوريوس عمارة جامعة الفاتح
طرابلس، الجماهيرية العظمى 1987

ماجستير هندسة عمارة جامعة واشنطن
سانت لويس، ميزوري، الولايات المتحدة الأمريكية 1982

دكتوراة هندسة عمارة جامعة بنسلفانيا
فيلادلفيا، بنسلفانيا، الولايات المتحدة الأمريكية 1978

الاهتمامات البحثية:عمارة المدينة. تخطيط و تصميم و استخدام الفراغ في المباني التقليدية.
التعبير المعماري و التكوين الفراغي. النسيج العمراني و تطوره عبر التاريخ.
المدينة المستدامة.

شارك في عدد من المؤتمرات العلمية المحلية و الدولية.
نشر عدد من الأبحاث في مجلة الهندسي و أثار العرب
نشر عدد من المقالات العلمية في جريدة الشط اليومية.

استشاري برنامج الأمم المتحدة الإنمائي،
مشروع إعادة تأهيل مدينة غدامس القديمة، 1999-2002

رئيس مكتب البحوث و الاستشارات الهندسية
جامعة الفاتح.1993-1994.

الأحد، أكتوبر 12، 2008

أخبار



المعرض التركي العائم






في ظل النشاطات الاقتصادية الذي تشهدها ليبيا ندعوكم للتواصل مع:


المعرض التركي العائم (BLUEXPO)الذي يزور ميناء طرابلس البحري (سيدي الشعاب) بدعم من السفارة التركية في ليبيا وبالتعاون مع نمور أفريقيا لتنظيم المعارض ، حيث سيرسوا المعرض على رصيف الميناء على متن سفينة للنشاطات الصناعية وأخرى للنشاطات الإنشائية




وذلك في يومي 18 – 19 /10/2008 صحبة أكثر من 150 شركة تركية متخصصة


حضوركم مرحب به وسعداء دائما بالتواصل معكم وتفضلوا بقبول جزيل الشكر والإحترام.
للاستفسار الاتصال على الأرقام التالية :
هاتف : +218 21 334 2193
فاكس : +218 21 333 8926
للمزبد من المعلومات: http://www.atex.com.ly/pdf/BLUEXPO_MAIL_ARABIC.pdf

السبت، أكتوبر 11، 2008

لغة العمارة




جمال الهمالي اللافي


     تمثل لغة العمارة في سياقها العام دلالات ورموز ثقافية منبعها العادات والتقاليد والقيم الثقافية والروحية والمؤثرات البيئية، والتي لا يمنع الاستمرار في توارثها أو استحداث دلالات ورموز جديدة تنسجم مع التطور الحاصل في ثقافة المجتمع ووسائل التقنية.
     ولفهم مركبات العمارة وآلية تشكلها، يجب علينا أن نتعامل مع العمارة على أساس أنها كائن حي يتفاعل معنا ونتفاعل معه من خلال لغة خاصة بها، تم الاصطلاح على تسميتها لغة العمارة. الأمر الذي يدفعنا إلى ضرورة استيعاب مفرداتها وعناصرها وتراكيبها التي تعطيها معنى واضح ومفهوم. يشكل للعمارة بنيتها وشخصيتها الواضحة المعالم والتي تمكننا من نسبتها إلى أمة معينة أو مجموعة ثقافية أو مرحلة زمنية.

     ومثلما الحال عندما نريد تكوين علاقة ما مع أي أمة تختلف معنا في لغتها وثقافتها، فإن أول خطوة نبادر إليها هي تعلم لغة تلك الأمة حتى يسهل التفاهم ومن تمّ التعايش معها إذا اقتضى الأمر ذلك، وبالتالي فإن أول ما نتعلمه هو مفردات تلك اللغة وطريقة رسمها أو شكلها وبعد ذلك نحاول أن نكون من هذه المفردات كلمات ومن الكلمات جملا مفيدة وكلما أبحرنا في محيط هذه اللغة وحفظنا الكثير من الكلمات وتركيبها في جمل مفيدة وجدنا أنفسنا ننساق طواعية إلى أهمية الإلمام بقواعد هذه اللغة حتى تأتي الجمل مكتملة المعنى واضحة المغزى. وكلما زادت ثقافتنا في هذه اللغة كلما استطعنا أن نكون من تلك الجمل مواضيع تطول أو تقصر بقدر قدرتنا اللغوية أولا والتعبيرية ثانيا، حتى نصل إلى المرحلة التي نتمكن فيها من صياغة مجموعة من المواضيع في شكل أدبيات خالدة، تشكل بدورها منهجا في التعبير وتتحول مع مرور الزمن إلى إرث ثقافي يعبر عن هوية وشخصية تلك الأمة.

     وبالتالي فإن فهمنا للعمارة في عمومها يستدعي بطبيعة الحال الإلمام بمفرداتها وعناصرها الأولية( باب، نافذة، ضواية، مشربية، قبة، قبو... الخ) ومن هذه المفردات تتشكل فراغات محدودة( حجرة، مطبخ، حمام... الخ) ومن مجموعة هذه الفراغات تتكون المباني( بيت، مسجد، مدرسة، متجر، مستشفى، مصنع... الخ) ومن مجموعة هذه المباني يتشكل الحي والقرية والمدينة.

     ويبقى التفاوت في القدرة على تشكيل العمارة بين معماري وآخر، فكلما اجتهد المعماري في الإلمام بالمفردات المعمارية وقواعد تشكيلها والظروف التي تحيط بها والثقافة التي تصنعها، كلما جاء عمله أكثر إبداعا. أي أن فهمنا لدلالة كلمة باب من الناحية المعمارية وما تفضي إليه هذه الدلالة من وظيفة لهذا العنصر أو المفردة المعمارية، يقودنا إلى الخوض في جانب آخر ينبثق أيضا من اختلاف استعمالات هذه المفردة باختلاف موقعها من الفراغ المعماري، وهي الشكل والحجم الذي يأخذه هذا الباب باختلاف الوظيفة أولا وباختلاف الثقافة ثانيا.

     فلو سلّمنا بأن الحرف العربي جزء مهم كشكل للتعبير عن انتمائه إلى اللغة العربية، ورفضنا التسليم بفكرة الفصل بين شكل الحرف والمعنى المراد إيصاله للقارئ أو السامع، أي أننا لم نقبل أن تكتب الكلمات العربية بأحرف لاتينية ونقول أن المعنى قد وصل وبالتالي لسنا بحاجة إلى الحروف العربية لتكون أداة وحيدة لتوصيل المعنى. فأولى بنا وعلى نفس المنوال أن ننتهج نفس الطريق في تعاملنا مع العمارة ومفرداتها، فالعمارة العربية تقابل اللغة العربية وأحرف الهجاء العربية يفترض أن تقابلها مفردات العمارة العربية.

     وللتوضيح أكثر لنأخذ حركة تطور الكتابة العربية من الجانب الفني والمتمثل في تطور الخط العربي فقد كتبت أول مرة بالرسم الكوفي القاسي وبدون تنقيط الحروف ثم تطور الرسم وبدأ الرسم يتنوع مع تطور الخط العربي فظهر الكوفي اللين والمزدهر والثلث والفارسي" خط التعليق" والرقعة والنسخ والديواني والحجازي والمغربي وغيرهم من الخطوط الحديثة، ولكن ظلت الباء هي الباء والألف هي الألف والباء هي الباء في كلمة باب، تنوع الخط وبقى الروح والجوهر واحد.

     وعندما رفض الخطاط العربي أن يكرر نفسه أبدع خطا جديدا لم يخرج عن هذا الجوهر وهذه الروح وهذا الرسم التي لازم جميعها الحرف العربي.... نرى اليوم خطاطون وفنانون تشكيليون يبدعون تشكيلات من المعاني بأنواع مختلفة من الخطوط العربية، لم نتهمهم بالتقليد ولم نخرجهم من دائرة الإبداع، ولم نرفض اقتناء أعمالهم بزعم أنهم لم يأتوا بالجديد. وذلك لأننا نعي جيدا أن هذه هي قواعد الخط العربي وهذه هي خطوطه تنوعت في أشكالها وتوحدت في جوهرها ورسمها العام.... فإذا كان هذا حكمنا على الخطاط العربي وحكمنا على لوحاته بالإبداع في دائرة التراث فلماذا لا نحكم للمعماري بالإبداع الذي لم يخرج به عن دائرة التراث... لماذا نصرخ بأعلى صوت مطالبين منه التجديد والحداثة ونصمه بالجمود والتقليد.
     ومثلما نرفض الكّتاب العرب الذين يستعملون اللغة العربية للتعبير عن قيم تخالف منهجنا فلا أقل أن نرفض المعماري الذي يستخدم عمارة تخالف بيئتنا ومنهجنا أيضا، مهما كانت المسميات، التحديث التطوير مجارة العصر أو الإبحار في ركب الحداثة أو التفتيت أو العولمة، ومثلما نحاكم كاتبا أو مفكرا عربيا استخدم أدوات اللغة العربية فيما يخل، فلماذا لا نحاكم مفكرا معماريا استخدم أدوات العمارة فيما يخل.
وخلاصة القول/

     إن القدرة على الإتيان بعمارة جديدة ومتميزة وخالدة يقتضي الإلمام بقواعد تشكيل مفرداتها وعناصرها المعمارية وهو بدوره يقودنا إلى تفهم القواعد التي تحكم عمارة الشعوب بمختلف ثقافاتها والمنطلقات والمعايير التي شكلت الاختلاف في العمارة والتنوع والطرز والتفاصيل. الأمر الذي سيقودنا إلى الإتيان بعمارة ذات معنى وتحمل دلالات ثقافية راسخة الجذور من خلال فهمنا الواضح للغة العمارة.

الجمعة، أكتوبر 03، 2008

أخبار

ندوة حول البناء العشوائي

تنظم مصلحة التخطيط العمراني ندوة علمية عن البناء العشوائي. وذلك يومي الأثنين والثلاثاء بتاريخ 7- 8 شوال 1429 هـ . الموافق 6- 7 من شهر الحرث ( أكتوبر) 2008 م. بمبنى ذات العماد بقاعة المؤتمرات، الساعة 9.30 صباحا.


لأهمية الندوة فإن مصلحة التخطيط العمراني تأمل من الجميع المشاركة وخصوصا ذوي التخصصات العمرانية والتخطيطية.

الجمعة، سبتمبر 26، 2008

المسكن المعاصر... أزمة اقتصادية أم فكرية؟




جمال الهمالي اللافي



يقدم البيت التقليدي للدراس مجموعة من القيم الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية التي حملها ذلك البيت عبر مسيرة تشكّله التي امتدت لقرون عايشها ساكن البيت مع أسطى البناء- الذي لم يكن يوما غريبا على محيطه مثلما لم يكن مغتربا عن ثقافة مجتمعه- وذلك لتحقيق معادلة المواءمة بين الشكل والمضمون، بين الجمال والمنفعة، بين المتانة والاقتصاد، بين الأنا والمجتمع، معادلة اعتمدت على التجربة والخطأ المنطلقة من معطيات المحلية بكل ما تحمله من إرث ثقافي واجتماعي وبيئي، والتي لم تمنع من التفاعل الواعي مع الحضارات الأخرى والتقنيات المعاصرة لزمنهم.

يمكنه أن يلاحظ بجلاء الخصائص الاجتماعية داخل هذا البيت، في هذا التنظيم البديع لعائلة متكاملة مكونة من الأبوين والأبناء والأحفاد تربطهم نظم اجتماعية تحكمها عادات وتقاليد متوارثة مرجـعها الشرع والعرف. ويلعب الأب والأم( الجدين) في هذا البيت دور القيادة العليا التي تدير شؤون البيت وتوزع المهام وتفض الخلافات وتتحمل المسؤولية الكاملة عن كل فرد من أفراد هذه العائلة فيما يتعلق بأمور حياته ومستقبله.

وأن يستخلص كذلك مجموعة من النظم الاقتصادية سواء التي تتعلق بالعلاقة الاقتصادية التي تربط أفراد العائلة والتي تعتمد على مبدأ المشاركة والتكافل. أو تلك التي تتعلق بهيكلية البيت التي تتركب من نظم إنشائية بسيطة وذكية، تعارف عليها عمالة البناء المحليين إلى جانب استخدامهم لمواد بناء مصدرها البيئة المحلية.

كما ينكشف للمتأمل فيه، الخصائص المعمارية والفنية الداخلة في تشكيل هذا البيت من حيث توزيع فراغاته أو في المساحات المتقاربة لهذه الفراغات والتي لا تزيد عن الحاجة، بل إنها تتميز بمرونة الاستعمال من خلال عناصر التأثيث التي تعتمد أساسا على المفروشات. إلى جانب تعدد الأنشطة التي تدور بداخل هذه الفراغات( نوم، معيشة، أكل، تخزين، استقبال نساء). كذلك ما توفره هذه العلاقات المعمارية من خصوصية تمنحها للبيت عن المحيط الخارجي ولأفراد العائلة فيما بينهم، إضافة للخصائص الفنية للعناصر الزخرفية والأعمال الخشبية والمشغولات المعدنية المحلية التي تثري جماليات البيت وتزين واجهات المباني.

ولم يهمل البيت التقليدي التعاطي وبمهارة فائقة مع الظروف المناخية حيث كان لسمك الحوائط الزائد وإطلالة الفتحات إلى الداخل وتلاصق المباني واستخدام مادة الطين والحجارة في البناء دوره الفاعل في تلطيف درجات الحرارة والتخلص من السطوع الشديد للشمس وتأثيره على راحة العين، إلى جانب دور الشوارع الضيقة وانحناءاتها المتكررة في التقليل من سرعة الرياح وحبس الأتربة وتوفير الجيوب الباردة أثناء الصيف. كما أسهمت سطوح المدينة البيضاء في رسم صورة واضحة المعالم للعلاقة الجمالية بين الضوء والظل.

هذه الخلاصة السريعة لمجموعة القيم التي افتقدناها في مخططات المساكن المعاصرة، ولا زلنا نفتقدها عند تصميم أي مشروع إسكاني جديد يتم تنفيذه من قبل الجهات الشعبية أو القطاع الخاص، تطرح أمامنا سؤال بدا وكأنه يريد أن يفرض نفسه علينا بإلحاح شديد:

لماذا حدث هذا الانفصام الحاد بين المجتمع وقيمه المتوارثة، وبمعنى آخر كيف ومتى أصبحت هناك فجوة بين الموروث الثقافي ودعاة العصرنة أو الحداثة؟

والإجابة عن هذا السؤال تجرنا إلى استعراض موجز لبدايات هذه الأزمة في منتصف القرن التاسع عشر ومن أوربا تحديدا: حيث واكب الانهيار العقائدي والأخلاقي والاجتماعي في أوروبا بعد رواج نظرية داروين1 ، تداعيات أحدثتها نظرية فرويد في التحليل النفسي والذي تأثر تأثرا كبيرا بالنظرة الداروينية إلى الأنسان- التي تنكر سمو الإنسان ورفعته عن المرتبة الحيوانية وتنفي قصد الخالق (الذي هو الطبيعة) في خلقه- ( وكان في الواقع امتدادا قويا لها في مجال الدراسة النفسية وعلم النفس التحليلي، حيث جاء فرويد يفسر السلوك الإنساني على أساس حيوانية الإنسان المطلقة، وخلاصة قوله: إن الأفكار والمشاعر والعقائد ليست هي التي تحرك الناس أو ترسم لهم سلوكهم بل أن الجنس هو كل شيء وكل شيء نابع من الجنس وهو المحرك الأول والدافع الأصيل لكيان البشرية، وسمى هذا بأنه الفهم الواقعي" للطبيعة البشرية". وأصبح بذلك الإنسان كما رسمه فرويد عريانا من كل خُلق ومن كل دين ومن كل شعور نظيف) 2.
"وكما انعكست الأفكار الداروينية على الدين والأخلاق والتقاليد، فكذلك انعكست أفكار فرويد الجنسية على الدوائر ذاتها، بل كانت أشد تأثيرا فيها لأنها تمس الأخلاق والتقاليد مباشرة بل تسعى إلى تقليعها من الجذور... فإذا كانت" العائلة والأسرة" بمفهومها التقليدي شيئا جميلا في الماضي، ومناسبا لمرحلة معينة من التطور فليس من الضروري أن يكون هذا المفهوم اليوم مناسبا وجميلا... بل ليس من الضروري أن توجد أسرة على الإطلاق... فليس الله الذي صنع الأسرة كما فهم الناس خطأ من قبل، وإنما هي احتياجات المجتمع... والمجتمع حر اليوم في الإبقاء على العائلة والأسرة أو تفكيكها... وقد قرر التفكيك3.

كما أحدثت الثورة الصناعية تحولات كبيرة في سير المجتمع الأوروبي، تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية وُخلقية... فخيل للناس في وهلتهم من التحول السريع المتلاحق أن كل ما حدث جديد كل الجدة, لم يحدث له شبيه من قبل، ومن تم ركبهم هذا الوهم: أنهم خلق جديد لا ارتباط بينه وبين الخلق السابق ولا تشابه. وإذاً ليس هناك خط متصل في الحياة البشرية، ولا كيان ثابت أسمه الإنسان4.

وقد انتقلت هذه المفاهيم والأفكار إلى العالم الإسلامي مع بداية الاستعمار الغربي، وتغلغل مناهجه التعليمية وبرامجه الثقافية عبر النظم الدراسية والتربوية التي استحدثها لتكون أداته في تخريج كوادر من المعتنقين والمروجين لهذه الأفكار والقيم الداروينية الفرويدية تحت ذريعة الأخذ بأسباب الحضارة الغربية، والترويج لها عبر وسائل الإعلام المختلفة.
ولن نطيل الوقوف عند هذه النقطة ومدى منطقية طرحها داخل المجتمع الإسلامي الذي لم يحصل بداخله يوما ما تضاربا بين عقيدته الدينية وبين الأخذ بأسباب العلم والتطور كما لم يكن فيه كهنة يسيطرون على أفكار الناس ومصائرهم- ولم يحصل فيه خلط لدى علمائهم بين ثبات الخالق- سبحانه وتعالى- وتطور الحياة البشرية.

وأختم ورقتي بهذه التوصيات الموجهة تحديدا إلى المؤسسات والهيئات ذات العلاقة/
·        إعادة النظر في المناهج التعليمية وتأسيس مراكز بحثية تقوم على الدراسات التحليلية لمشاكل المجتمع وعلاقتها بالعمارة، وتمهد لحركة إبداعية أصيلة في مجالات العمارة والفنون التشكيلية والحرف اليدوية. تستقي منهجها الفلسفي والفكري من القيم الحضارية لتراثنا العربي الإسلامي. وتتعامل مع التجربة العالمية في هذا المجال من منطلق التواصل الحضاري بين الشعوب والحضارات وتبادل الخبرات وتحتفظ لنفسها بخصوصية محلية نابعة من معطيات بيئية ومخزون حضاري وفكري، تحركها دوافع المجتمع واحتياجاته الراهنة وتطلعاته إلي مستقبل أفضل يحقق من خلاله الانسجام بين متطلباته المادية وقيمه الروحية.

·        إعادة الثقة المفقودة في العناصر المحلية( المعماري/ الفنان التشكيلي/ الحرفي) وإتاحة الفرصة لها لوضع رؤية للعمارة المعاصرة في ليبيا وتشجيعهم على تقديم حلولهم المبتكرة وتطويع التقنيات الحديثة واستخداماتها لخدمة العمارة المحلية وطرح الحلول التي تراعي مقومات البيئة الثقافية والمناخية وتلبي المتطلبات الاجتماعية للسكان. وذلك من خلال/
§         دعوة الجهات العامة المسؤولة عن تنفيذ المشاريع الإسكانية، إلى تبني المسابقات المعمارية بين المكاتب الهندسية المحلية، عند الشروع في اقتراح مشاريع تخطيطية أو إسكانية جديدة، واختيار المشاريع التي تستلهم من التراث حلولا إبتكارية أصيلة.
§         دعوة جميع هذه المؤسسات الشعبية للمساهمة في إنشاء جائزة لإحياء التراث الثقافي. تكرّم من خلالها المحاولات الجادة والإبداعية والتي تسعى لتأصيل القيم الحضارية الإسلامية في عمارتنا الليبية المعاصرة.

·        إعادة النظر في قوانين ولوائح وتشريعات المباني المعمول بها حاليا، والتي لم تراع مقومات البيئة المناخية وتنوعها بين مختلف مناطق الجماهيرية، كما أنها لم تحترم القيم الثقافية والمتطلبات الاجتماعية المحلية.

·        ضرورة حماية أجيالنا من الانسياق وراء الثقافات الدخيلة وانسلاخهم عن ثقافتهم العربية الإسلامية الأصيلة. وذلك بنشر الوعي المعماري والفني والأثري بين أفراد المجتمع بمختلف شرائحه والتعريف بتراثنا الثقافي المحلي وإعادة الرابطة المفقودة بين تراثنا بخصائصه البيئية والثقافية وبين المجتمع باحتياجاته المعاصرة والنهوض بهذا الموروث الثقافي ليواكب حركة التطور الإنساني، وذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة.

·        تغطية النقص في هذه النوعية من المحاضرات والندوات وحلقات النقاش والبرامج الثقافية التي تمس حياة المواطن والمجتمع، والرفع من قيمة الحس الجمالي لديه.



[1]- جاء دارون ليقول في كتابه الأول" أصل الأنواع" سنة 1859 وكتابه الثاني" أصل الإنسان" سنة1871 إنه لا شيء " ثابت" على وجه الأرض: لا النبات... ولا الحيوان... ولا الإنسان. وليس هناك قصد ثابت في الخليقة... والخالق- الذي هو الطبيعة- لم يقصد في الأصل أن يخلق الإنسان، إنما هو قد جاء هكذا نتيجة لعملية التطور البطيئة التي استغرقت ملايين السنين. ولم يكن " الإنسان" في منشئه إنسانا كما هو اليوم... وإنما أصله حيوان. لم يكن ينطق، ولم يكن يعقل، لم يكن يقف على قدمين اثنتين، وبطبيعة الحال لم تكن له تلك الخاصية التي أسبغها عليه التصـور الديني... لم تكن له" روح". وبالتالي صار الإنسان- على هدى الداروينية- حيوانا لا رفعة فيه ولا روحانية، وصار من جهة أخرى مطلقا من كل قواعد الخُلق وقواعد المجتمع وقواعد التقاليد، لأن هذه كلها ثوابت زائفة لا ثبات فيها، وناشئة عن ضلالة سابقة مستمدة من الدين.
[2]- كتاب معركة العادات والتقاليد لمحمد قطب
[3]- نفس المرجع السابق
[4]- نفس المرجع السابق

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...