الجمعة، أكتوبر 03، 2025

العمارة الفقيرة

 حين تفقد العمارة ذاكرتها

 


جمال الهمالي اللافي

تُعرَّف "العمارة الفقيرة" بأنها تلك التي تفتقد البُعد الجمالي، لا بسبب غياب الموارد، بل لغياب التفاصيل الصغيرة والمتجانسة التي تُضفي الحياة على الفضاءات، وتُثير مشاعر يصعب تفسيرها. وعندما نُعيد زيارة تلك الأماكن، تستمر الأحاسيس في العودة، حتى ندرك أنها تنبع منها، لا من أي مكان آخر.

المعماري الذي يُجيد إغناء المكان بتلك التفاصيل المُبهجة غالبًا ما يكون قد عاشها في طفولته. فالإبداع لا يُستمد من كثرة السفر أو قراءة الكتب فقط، بل من عمق التجربة الشخصية، من بيت الجد، ومن كل ما يُشبهه في الروح والتكوين.

ما يُقلقنا اليوم هو أن عماراتنا المعاصرة تفتقر إلى تلك التفاصيل التي تُدهش العين وتُحفّز الذهن للتأمل، مما يُضعف من قدرة الذاكرة على الاحتفاظ بالتجربة. عوضًا عن ذلك، نُشاهد تركيبًا غير متناسق من الحوائط الصماء، المختلطة الألوان، المثقلة بالحاجيات المستوردة، التي تجعل المكان يبدو متنافراً ومبتذلاً، رغم ارتفاع ثمن بعضها.

أما بيت الجد، الذي كان يُمثّل رمزًا للعمارة الأصيلة، فقد تحوّل في ظل العمارة المعاصرة إلى مثال على الفقر المعماري. لم يعد يُثير الإعجاب أو يُنقل للأجيال، بل أصبح رمزًا لعمارة فقدت روحها، مما يترك أثرًا عميقًا في ثقافتنا وهويتنا البصرية.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا:

كيف يمكننا إعادة إحياء العمارة الليبية المعاصرة من خلال التفاصيل التي تُعزز الانتماء للمكان والهوية؟
إنه التحدي الحقيقي الذي يُوجّهنا نحو مستقبل معماري أكثر صدقًا وابتكارًا
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...