الخميس، أكتوبر 16، 2025

العمارة العصبية: حين يتكلم الفراغ بلغة الدماغ

 قراءة في البرمجة المعمارية العصبية وامكانيات تطبيقاتها الليبية


 جمال الهمالي اللافي

الافتتاحية: من منشور إلى فضول إلى بحث

في صباح الأمس، شارك د. إبراهيم الأصيفر على صفحته منشورًا لافتًا حول ما يُعرف بـ"العمارة العصبية" (Neuroarchitecture)، حيث كتب:

"حين ندخل مكانًا ونشعر بالراحة أو التوتر، السعادة أو الانزعاج، دون سبب واضح، فذلك ليس صدفة.
الأماكن تتحدث مع أدمغتنا بلغة لا نسمعها، لكننا نحسّها.
هذه هي لغة العمارة العصبية، حيث التصميم يتحول من شكل إلى شعور وإحساس، ومن ثم حالة نفسية."

وقد دفعني هذا الطرح إلى إعادة التفكير في العلاقة بين التصميم المعماري والمستعمل، لا بوصفها علاقة وظيفية أو جمالية فقط، بل علاقة عصبية عميقة. شاركت المنشور على صفحتي، ثم تواصلت مع المساعد الذكي "كوبيلوت" لاستكشاف هذا المجال الذي يربط بين البرمجة المعمارية وآليات عمل الدماغ.

العمارة العصبية: من علم الأعصاب إلى التصميم

العمارة العصبية هي تخصص بيني يجمع بين علم الأعصاب والعمارة، ويهدف إلى فهم كيف تؤثر البيئة المبنية على الدماغ البشري من حيث:

  • الانفعالات النفسية: مثل الراحة، التوتر، الطمأنينة، الانزعاج.
  • الوظائف الإدراكية: التركيز، الانتباه، الذاكرة.
  • الاستجابات الفسيولوجية: مثل معدل ضربات القلب، التنفس، إفراز الكورتيزول.

وفق دراسة منشورة في مجلة الفنون والعلوم التطبيقية (2024)، فإن الفراغات المعمارية تؤثر على الإنسان منذ اللحظة الأولى للدخول، عبر عمليات إدراكية وفسيولوجية لا شعورية، مما يجعل التصميم الداخلي أداة عصبية تؤثر على الصحة النفسية والرفاهية.

أمثلة معمارية تنطبق عليها المفاهيم العصبية

  • مركز سالك للأبحاث (Salk Institute) في كاليفورنيا: تصميمه يخلق شعورًا بالانفتاح والسكينة، ويُستخدم كمثال في دراسات العمارة العصبية.
  • مستشفى ماجيز (Maggie’s Centres) في بريطانيا: تعتمد على تصميمات تقلل التوتر وتدعم التعافي النفسي.
  • مكتبة بيركلي العامة: توظيف الضوء الطبيعي والمواد العضوية لتحفيز التركيز والراحة.

هذه الأمثلة تُظهر كيف يمكن للعمارة أن تكون علاجًا، لا مجرد مأوى.

 

نحو تطبيق العمارة العصبية في السياق الليبي

في ليبيا، حيث تتشابك العمارة مع الهوية والذاكرة ومواجهة الاستلاب الحضاري، يمكن للعمارة العصبية أن تكون أداة لإعادة بناء العلاقة بين الإنسان والمكان. كيف؟

  • إعادة التفكير في البرمجة المعمارية: بحيث لا تُبنى الفراغات على الوظيفة فقط، بل على الاستجابة العصبية للمستعمل.
  • توظيف المواد المحلية: التي ترتبط بالذاكرة الجمعية وتخلق شعورًا بالانتماء.
  • تصميم فراغات عامة: تراعي الإيقاع العصبي للإنسان الليبي، من حيث الضوء، الصوت، التوزيع، والرمزية.

يمكن أن تكون هذه المقاربة مدخلًا لنقد المشاريع المعمارية التي فشلت في احتضان الإنسان، رغم ضخامتها أو حداثتها الشكلية.

خاتمة

العمارة ليست صامتة. إنها تتكلم، تشتكي، تفرح، وتغضب. وما العمارة العصبية إلا محاولة لفهم هذه اللغة الخفية التي يتحدث بها المكان إلى الدماغ. في السياق الليبي، حيث العمارة ليست مجرد بناء بل خطاب، فإن فهم هذه اللغة قد يكون خطوة نحو تصميم أكثر صدقًا، أكثر إنسانية، وأكثر قدرة على احتضان الذات الجمعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...