جمال
الهمالي اللافي
التنوع هو ذاك الذي ينشأ بين
الحضارات والشعوب، وقد يتجلّى بين مدينة وأخرى داخل القطر الواحد. وهو انعكاسٌ
لقناعاتٍ تحترم قيم المجتمع واحتياجاته ومتطلباته، وثقافته ومؤثراته البيئية
وظروفه الاقتصادية. لا تلك العمارة المستوردة من وراء الحدود والبحار والمحيطات،
التي لا تأتي عن قناعة بجدواها، بل نتيجة تبعية وانقيادٍ أعمى.
يمكن لأي شعب أو أمة أن يستورد
ما يشاء بالمال. وبالمال يمكنه أن يناطح السحاب، ويغوص في أعماق البحار، ويجوب
القارات بحثًا عن كل ما يمكن استهلاكه من منتجات الآخرين. لكن المال، مهما بلغ، لا
يصنع حضارة. فالحضارة تولد من رحم المكان، ومن ظروفه ومعطياته، ومن الإبداع الأصيل
لأبنائه في طرح الحلول ومعالجة الإشكاليات التي تعترضهم في مختلف جوانب الحياة.
وهي تعكس آليات تفاعلهم مع المؤثرات البيئية، وتعبّر عن قناعاتهم وأفكارهم ورؤيتهم
للحياة، وتُجسَّد في شواهد معمارية ورموز فنية لا تُستورد، بل تنبع من ذواتهم بكل
تلقائية وعفوية.
أما الثورة في مجال العمارة،
فلا تتحقق إلا إذا صاحبتها ثورة محلية في عالم البناء والتشييد، من حيث مواد
البناء وطرق الإنشاء وتقنياتها. ونحن في ليبيا لا نزال نراوح في زمن الخرسانة
المسلّحة، ونظام الهيكل الإنشائي، والبومشي، والبلوك، والعمالة الأجنبية غير
الفنية. ولا تكتمل الثورة دون استعادة الحرفة المحلية،
التي كانت يومًا مرآةً للمعرفة العملية، قبل أن تُقصى لصالح عمالة لا تنتمي للمكان
ولا تدرك خصوصيته.
فأين نحن من تلك الثورات التي تجتاح العالم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق