التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من مايو, 2025

في مواجهة غياب الأصالة: تأملات في العمارة الليبية المعاصرة وجذور الإشكالية

  جمال الهمالي اللافي لا يمكن تأسيس معمار إسلامي، إنساني، أخلاقي في كنف سائد يتجاهل الجذور؛ إنه سعي مضاد للتيار، محكوم عليه بالمقاومة، بالإقصاء، وبالصمت. الكلمة لن تتجاوز حدود مدادها، والمشاريع ستُوأد في دروب الإهمال، يلاحقها الإنكار والتشكيك. في أعينهم، هي غربة؛ كل وميض أصيل يُخمد في مهده. سيعلن المنادي أن كلفته باهظة، وأن أيدي عمالته الفنية التي طالما أبدعت في فنون البناء التقليدية قد تلاشت، وأن مواده الطبيعية الأصيلة باتت شحيحة في سوق يسيطر عليه المستورد والجاهز. سيزعمون أن طرازه عفا عليه الزمن، وأنه يعجز عن مواكبة روح العصر ، التي يفسرونها بتبني النمط العالمي الموحّد دون تمحيص، متجاهلين أن الأصالة هي جوهر المعاصرة الحقيقية . إن جذور هذه الإشكالية تمتد عميقاً في بنية الوعي الجمعي والسياسات الثقافية والتنموية. فبعد عقود من التهميش الممنهج للهوية المعمارية المحلية ، وتغليب نماذج التنمية المستوردة التي لا تراعي السياق الثقافي ولا الجغرافي، ترسخ الانطباع بأن كل ما هو "حديث" يجب أن يكون قادماً من الخارج. أصبح "التطور" مرادفاً لـ"التبعية"، و"الحداثة...

مدرسة العمل الجماعي: دروس من مكاتب العمارة الكبرى وتحديات الواقع الليبي

  جمال الهمالي اللافي لطالما كانت مكاتب العمارة الكبرى، عبر التاريخ، بمثابة مدارس حقيقية لصقل المواهب وتشكيل الرؤى المستقبلية للمهنة. الصورة المرفقة، والتي تُظهر عدداً كبيراً من المهندسين والمعماريين يعملون جنباً إلى جنب في مساحة مشتركة، تجسد بوضوح هذا المفهوم. هذه المشاهد ليست مجرد لقطات أرشيفية من الماضي، بل هي شواهد على نهج مهني عميق الأثر كان يسعى إلى بناء القدرات وتوريث الخبرة. نموذج التعلم بالانغماس: إن التجمع الكثيف للمعماريين، رجالاً ونساءً، في مكتب واحد لإنجاز المراحل الأخيرة من مشروع ضخم صممه معماري بارز، لم يكن مجرد ترتيب لوجستي. لقد كان، في جوهره، نظاماً تعليمياً قائماً على الانغماس والممارسة المكثفة. الهدف الأساسي لم يكن حصر العمل في يد معماري واحد، بل تمكين هذا "المعلم" من نقل فلسفته المعمارية، منهجيته التصميمية، وتفاصيل رؤيته الفنية لجيل من المهندسين الشباب. لم يكن الدافع وراء هذا الالتزام هو الكسب المادي في المقام الأول، بل كان شغفاً بالتعلم العميق وتشرباً لفكر المعماري الذي آمنوا بمقاربته كسبيل نحو عمارة المستقبل في زمنهم. هذا النوع من التتلمذ، الذي ي...

عمارتنا الليبية التقليدية: فخر لنا، لا مجال للتشويه!

معالم من المعمار الليبي جمال الهمالي اللافي تخيل أن تسمع أحدهم يُرجع تاريخ أجدادك وحضارتهم إلى مكان آخر. هذا بالضبط ما نشعر به نحن الليبيين عندما تُنسب عمارة مدننا التقليدية، بكل ما فيها من إبداع وتفرد وقيمة فنية فريدة، إلى ثقافات بعيدة. هل يعقل أن تُنسب بيوت الحفر في غريان إلى مطماطة التونسية أو الصين؟ أو أن تُقارن عمارة غدامس ببيوت اليمن أو نجد أو مالي؟ أو أن تُعتبر بيوتنا الجبلية مجرد نسخ من العمارة الجبلية في اليونان أو إيطاليا؟ هذا المقال يناقش هذا التجاهل المؤسف لتراثنا المعماري الليبي ويدعو إلى وقفة جادة لحماية هويتنا. يا أهلنا الكرام في ليبيا، كم يؤلمنا ويُثير غضبنا أن نسمع أو نقرأ يوميًا من ينسب عمارة مدننا التقليدية، بكل ما تحمله من أصالة وعبقرية وجمال، إلى ثقافات وحضارات أخرى. من غريان وبيوتها الحفرية الفريدة، مرورًا بغدامس وتصميمها المعماري المتكيف مع الصحراء، وصولًا إلى مدننا الجبلية وبيوتها الشامخة، تراث معماري عريق يُحاول البعض طمس هويته ونسبته زورًا. هذا المقال هو صرخة غيرة على هذا الإرث الحضاري الذي يمثل جزءًا أصيلًا من هويتنا الليبية. بالنسبة لأهلنا في غريان: من ...

مسارات التأصيل: منطلقات فكرية لتشكيل العمارة الليبية المعاصرة

  جمال الهمالي اللافي تمهيد: ·      التقليد كمورد لا كقصور: إن الاقتداء بالموروث المعماري أو محاكاته ليس بالضرورة نقطة ضعف في المنهج الفكري للمعماري. بل قد يمثل صونًا لإنجازات الماضي القيّمة، سواء على صعيد المعالجات البيئية الذكية أو الاستجابة الفعالة للمتطلبات الاجتماعية التي لا تزال قائمة بكفاءة حتى يومنا هذا. ·      الحداثة ليست دائمًا تقدمًا: لا يمكن اعتبار التجديد أو الحداثة أمرًا محمودًا بإطلاق، خاصة عندما يصاحبه ميلٌ جارف لتقويض الأسس المتوارثة دون سند من مبررات منطقية أو منهجية مدروسة العواقب والنتائج. فمثل هذا النهج قد يخلف آثارًا سلبية على سلوك المجتمع واستقراره المادي والمعنوي. من هذا المنطلق، يصبح لزامًا على المعماري الليبي الطموح للتواصل مع عمارته المحلية أن يستوعب هذه الجوانب جيدًا وينطلق منها في رحلة تأصيل العمارة الليبية المعاصرة، مرتكزًا على الآتي: ·      إرث الخبرة المتراكمة: إن ما تركه الأجداد هو خلاصة تجارب متواصلة وتوارث للخبرات بين أسطاوات البناء التقليديين. لقد نجحوا ببراعة في تحقيق التو...

جمال الظاهر.. ورسالة الباطن: قراءة في العمارة والفن التشكيلي

  جمال الهمالي اللافي في صميم العمارة، وبعمق أوسع في رحاب الفن التشكيلي، يكمن افتراض جوهري: تضمين رسالة جلية، قادرة على استنطاق المتلقي وإدراكه بمجرد التحديق فيها. الحالة الجمالية ليست سوى واجهة مُغرية، بينما الرسالة هي الكنه الحقيقي. وعليه، فإذا تعثر فهم المتلقي في استشفاف هذا المضمون، يصبح الشرح المفصل ضرورة مُلحة لإزالة الغموض. وإن غاب التفسير المُجلي لمحتوى العمل المعماري والتشكيلي، أو جاء مُناقضًا له، مُدعيًا صفات لا يكتنزها، حينها يفقد العمل قيمته الحقيقية، ويتزعزع رصيد المصمم والفنان التشكيلي من المصداقية. ويجد المتلقي نفسه تائهًا في دهاليز الجهل بقيمة ودور ورسالة العمارة والفنون التشكيلية في شموليتها. ليصبح الجمال السطحي معيارًا وحيدًا للتقييم، مُتجاهلاً العمق والمحتوى وتأثيرهما البالغ. الجمال عنصر جاذب للأنظار، والقبح عنصر مُنفر للطباع، وكلاهما ليسا سوى قشرة خارجية، لا يمثلان جوهر العمل. فكم من عمل بهيج المظهر يُخفي في طياته قبحًا تستنكره النفوس السليمة. والعكس قد يكون صحيحًا، وإن كان القبح في ذاته مُستكرهًا ولا يُعوّل عليه في حمل أي رسالة قابلة للفهم والقبول وتحقيق ...

العمارة وتأثيرها على الكرامة الإنسانية: قراءة في أفكار سينكلير جولدي

جمال الهمالي اللافي مقدمة العمارة ليست مجرد تصميم وظيفي، بل هي لغة تبني العلاقات بين الناس. عندما يكون الفضاء المعماري مصممًا لتشجيع اللقاءات والتفاعل الإنساني ، فإنه يعزز الترابط الاجتماعي، حيث يكون التصميم موجّهًا نحو خلق بيئة تحتضن العيش الجماعي، التلاحم، وتعزيز الانتماء . هذا يعاكس الاتجاه السائد في المدن الحديثة، التي تضع الفرد في عزلة داخل مساحات معمارية ذات طابع منفصل عن السياق الاجتماعي . في كتابه تذوق الفن المعماري ، يطرح المعماري سينكلير جولدي رؤية عميقة حول تأثير البيئة المبنية على الإنسان، محذرًا من أن العيش في فضاءات غير ممتعة أو مفتقرة للتنظيم يمكن أن يؤدي إلى تآكل الكرامة الإنسانية، وانتشار مشاعر الإحباط واللامبالاة . يرى جولدي أن المجتمع الذي يتجاهل أهمية العمارة كعنصر أساسي في جودة الحياة يخاطر بتشكيل بيئة تدفع الأفراد إلى تكيف قسري يفوق طاقاتهم النفسية ، مما يخلق مواطنين غير مبالين وفاتري الشعور . البيئة المعمارية وتأثيرها النفسي والاجتماعي : بين الراحة والاغتراب الفضاء يمكن أن يكون مصدرًا للأمان أو للاغتراب، بحسب كيفية تصميمه. يشير جولدي إلى أن الفضاءات غير...

المعمار العربي: بين التقليد المتأخر وفقدان الهوية

نموذج معاصر للحوش الطرابلسي محوره الفناء جمال الهمالي اللافي في رحلة تطور المجتمعات، تمثل العمارة مرآة تعكس التحولات الثقافية والاجتماعية، حيث لا يمكن فصلها عن مسار الفكر السائد والقرارات الاقتصادية والسياسية. إلا أن ما نلحظه في الواقع العربي المعاصر هو نوع من التقليد المتأخر، حيث تُعتنق الأفكار المعمارية بعد أن اختبرها الغرب، واستنزف عيوبها، ثم تخلى عنها. وعندما يتبين للعالم العربي فشلها، يأتي الدور الليبي ليكرر التجربة، ليس فقط دون تحليل أو مراجعة، ولكن عناداً وكِبراً، كما لو أن مجرد رفض الاعتراف بالخطأ يمنحه شرعية النجاح . التقليد غير الواعي وغياب البصمة المحلية المعمار العربي لم يكن يوماً مجرد تراكم من الجدران والأسقف، بل كان يحمل في طياته فلسفة العيش، ويوازن بين البيئة والوظيفة والجمال. بيد أن دخول الحداثة، بشكليها العشوائي، أدى إلى استيراد نماذج معمارية غير متكاملة مع السياق المحلي، حيث غابت المعايير التي كانت تضبط التناسب بين المساحة والمناخ والثقافة، ليحل محلها التقليد الأعمى لما يبدو " حديثاً " و " عصرياً " ، بغض النظر عن ملاءمته للواقع . يمكننا أن ...