التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عمارتنا الليبية التقليدية: فخر لنا، لا مجال للتشويه!

معالم من المعمار الليبي

جمال الهمالي اللافي

تخيل أن تسمع أحدهم يُرجع تاريخ أجدادك وحضارتهم إلى مكان آخر. هذا بالضبط ما نشعر به نحن الليبيين عندما تُنسب عمارة مدننا التقليدية، بكل ما فيها من إبداع وتفرد وقيمة فنية فريدة، إلى ثقافات بعيدة. هل يعقل أن تُنسب بيوت الحفر في غريان إلى مطماطة التونسية أو الصين؟ أو أن تُقارن عمارة غدامس ببيوت اليمن أو نجد أو مالي؟ أو أن تُعتبر بيوتنا الجبلية مجرد نسخ من العمارة الجبلية في اليونان أو إيطاليا؟ هذا المقال يناقش هذا التجاهل المؤسف لتراثنا المعماري الليبي ويدعو إلى وقفة جادة لحماية هويتنا.

يا أهلنا الكرام في ليبيا، كم يؤلمنا ويُثير غضبنا أن نسمع أو نقرأ يوميًا من ينسب عمارة مدننا التقليدية، بكل ما تحمله من أصالة وعبقرية وجمال، إلى ثقافات وحضارات أخرى. من غريان وبيوتها الحفرية الفريدة، مرورًا بغدامس وتصميمها المعماري المتكيف مع الصحراء، وصولًا إلى مدننا الجبلية وبيوتها الشامخة، تراث معماري عريق يُحاول البعض طمس هويته ونسبته زورًا. هذا المقال هو صرخة غيرة على هذا الإرث الحضاري الذي يمثل جزءًا أصيلًا من هويتنا الليبية.

بالنسبة لأهلنا في غريان: من غير المقبول بتاتًا أن يُنسب فن حفر البيوت في باطن الأرض، هذا الإبداع الهندسي الذي نشأ وترعرع في أرضكم ليناسب طبيعتها ومناخها، إلى أي مكان آخر. بيوت الحفر في غريان ليست مجرد مساكن، بل هي شاهد حي على ذكاء أجدادكم وقدرتهم على التكيف مع البيئة. إنها جزء أصيل من تاريخكم وثقافتكم.

وبالنسبة لأهلنا في غدامس: عمارتكم الفريدة، بتصميمها المتراص وشوارعها المسقوفة التي تحمي من حرارة الصحراء، هي بصمة خاصة بكم. لقد استلهم أجدادكم هذه التصاميم من بيئتهم وحاجاتهم، وهي تعكس عبقرية في استغلال الموارد المتاحة. من المؤسف حقًا محاولة ربط هذه العمارة المتميزة بأي نمط آخر.

وأمّا أهلنا في المدن الجبلية: فتلك البيوت الشامخة التي تتحدى وعورة التضاريس، والتي بُنيت بحجارة جبالكم الصلبة، هي دليل على قوة إرادتكم وعمق ارتباطكم بأرضكم. إنها تعكس فهمًا عميقًا لطبيعة المكان وانسجامًا فريدًا معه.

ولنا جميعًا كليبيين: من المحزن والمؤسف أن نرى هذا التجاهل لتراثنا المعماري الغني والمتنوع. إن عمارة مدننا التقليدية ليست مجرد مبانٍ قديمة، بل هي جزء من ذاكرتنا الجماعية، وتحمل في طياتها قصصًا وحِكمًا وتعبيرًا عن هويتنا الليبية المتفردة.

إن هذا التداول الخاطئ للمعلومات، سواء كان ناتجًا عن جهل أو إهمال، يستدعي منا جميعًا وقفة جادة. علينا أن نعمل على نشر الوعي بقيمة هذا التراث وأصالته، وأن نُعرّف الأجيال القادمة بجماله وأهميته. يجب أن نفخر بعمارتنا التقليدية ونعتبرها جزءًا لا يتجزأ من هويتنا الوطنية.

فلنتكاتف جميعًا لحماية هذا الإرث الثقافي العظيم وتوريثه للأجيال القادمة بكل فخر واعتزاز.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...