التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الفصام الثقافي: أزمة الموروث والتبعية


جمال الهمالي اللافي

التناقض بين حب الموروث ونبذه عملياً، العاطفة إذا اجتمعت مع الجهل، تصنع حالة من الفصام الفكري، حيث يسود تناقض صارخ بين التمسك الظاهري بالموروث الثقافي والرفض العملي له. يظهر هذا التناقض جلياً في منشورات مواقع التواصل الاجتماعي التي تحتفي بالماضي الجميل من خلال الصور الفوتوغرافية واستعراض الصناعات التقليدية، بينما في الواقع نجد عزوفاً عن إحياء هذا الموروث أو دعمه بشكل فعّال.

الانبهار بالثقافات الوافدة دون نقد، في المقابل، نلاحظ انبهاراً كبيراً بالثقافات الوافدة إلى حد التماهي معها دون تقييم مدى توافقها مع قيمنا وشريعتنا. ينعكس هذا الانبهار في قبول العديد من العادات والممارسات التي لا تتماشى مع هويتنا ولا مع ظروف مجتمعنا وبيئتنا، بل يزداد الأمر سوءاً عندما يمتد التأثير إلى المعتقدات، مما يوقع بعض الأفراد في أفكار فاسدة، ظناً منهم أنها الحل لما يعانيه المجتمع من أزمات.

غيبوبة الهوية والخضوع للواقع، وصلت هذه الحالة إلى درجة حرجة، حيث تحول المجتمع من مرحلة الغفلة إلى الغيبوبة، ومن النفور إلى التماهي التام مع الممارسات التي تضعف الشخصية وتطمس الهوية. نحن نشهد مسخاً تدريجياً للشخصية الليبية وذوبانها في قاذورات الثقافات التي لا تحمل أية قيم أخلاقية أو حضارية تُذكر.

الأصوات الخيّرة ومسؤولية التغيير، ورغم هذا الواقع المؤلم، هناك دائماً أصوات خيّرة تعلو وتحاول إيقاظ الوعي المجتمعي، لتعيد إليه توازنه. لا خير في من وعى الحقيقة إن لم يسعَ إلى نشرها وإيقاظ الآخرين من سباتهم. إنها معركة صعبة، لكنها ضرورية لاستعادة المجتمع لهويته وبناء مستقبل حضاري قائم على القيم الأصيلة.

الخاتمة: دعوة للتفاؤل والعمل المشترك، المجتمع الليبي، رغم أزماته، يملك كل ما يحتاجه للنهوض إذا تمسك بجذوره الأصيلة وسعى إلى تصحيح مساره. الحل يبدأ من إحياء القيم الصحيحة والموروث الثقافي النافع، وليس فقط بالتباهي به. علينا أن نعمل جميعاً، كأفراد وجماعات، لبناء مستقبل يعكس هويتنا الحقيقية بعيداً عن الانحراف والتقليد الأعمى.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...