أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الثلاثاء، مارس 11، 2025

الفصام الثقافي: أزمة الموروث والتبعية


جمال الهمالي اللافي

التناقض بين حب الموروث ونبذه عملياً، العاطفة إذا اجتمعت مع الجهل، تصنع حالة من الفصام الفكري، حيث يسود تناقض صارخ بين التمسك الظاهري بالموروث الثقافي والرفض العملي له. يظهر هذا التناقض جلياً في منشورات مواقع التواصل الاجتماعي التي تحتفي بالماضي الجميل من خلال الصور الفوتوغرافية واستعراض الصناعات التقليدية، بينما في الواقع نجد عزوفاً عن إحياء هذا الموروث أو دعمه بشكل فعّال.

الانبهار بالثقافات الوافدة دون نقد، في المقابل، نلاحظ انبهاراً كبيراً بالثقافات الوافدة إلى حد التماهي معها دون تقييم مدى توافقها مع قيمنا وشريعتنا. ينعكس هذا الانبهار في قبول العديد من العادات والممارسات التي لا تتماشى مع هويتنا ولا مع ظروف مجتمعنا وبيئتنا، بل يزداد الأمر سوءاً عندما يمتد التأثير إلى المعتقدات، مما يوقع بعض الأفراد في أفكار فاسدة، ظناً منهم أنها الحل لما يعانيه المجتمع من أزمات.

غيبوبة الهوية والخضوع للواقع، وصلت هذه الحالة إلى درجة حرجة، حيث تحول المجتمع من مرحلة الغفلة إلى الغيبوبة، ومن النفور إلى التماهي التام مع الممارسات التي تضعف الشخصية وتطمس الهوية. نحن نشهد مسخاً تدريجياً للشخصية الليبية وذوبانها في قاذورات الثقافات التي لا تحمل أية قيم أخلاقية أو حضارية تُذكر.

الأصوات الخيّرة ومسؤولية التغيير، ورغم هذا الواقع المؤلم، هناك دائماً أصوات خيّرة تعلو وتحاول إيقاظ الوعي المجتمعي، لتعيد إليه توازنه. لا خير في من وعى الحقيقة إن لم يسعَ إلى نشرها وإيقاظ الآخرين من سباتهم. إنها معركة صعبة، لكنها ضرورية لاستعادة المجتمع لهويته وبناء مستقبل حضاري قائم على القيم الأصيلة.

الخاتمة: دعوة للتفاؤل والعمل المشترك، المجتمع الليبي، رغم أزماته، يملك كل ما يحتاجه للنهوض إذا تمسك بجذوره الأصيلة وسعى إلى تصحيح مساره. الحل يبدأ من إحياء القيم الصحيحة والموروث الثقافي النافع، وليس فقط بالتباهي به. علينا أن نعمل جميعاً، كأفراد وجماعات، لبناء مستقبل يعكس هويتنا الحقيقية بعيداً عن الانحراف والتقليد الأعمى.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية