أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الخميس، مارس 20، 2025

للواجهة قناع: دعوة لتحرير طرابلس من فوضى العمران


        دار هذا الحوار المثري بيني وبين أستاذي العزيز أحمد انبيص (رحمه الله وغفر له)، منذ عدة سنوات، ذكّرني بها الفيسبوك اليوم، حيث تناولنا فيه قبساً من موضوع شغل تفكيره وكان دائم الحديث عنه، ألا وهو دور واجهات المباني في صياغة هوية المدينة، ومسؤولية الجميع في الحفاظ على الفضاء العام
. أحببت اليوم أن أحيي ذكراه في نفوس كل من تتلمذ على يديه بقسم العمارة والتخطيط العمراني بجامعة طرابلس.

الأستاذ أحمد انبيص: "للواجهة قناع" كان العنوان الذي استوحيتُه من الملامح المعمارية التي ميزت المدينة الإيطالية "طرابلس". خذ على سبيل المثال شارع الرشيد في سوق الحوت؛ المباني هناك تبرز واجهات تشبه القناع، مؤلفة من أقواس ذات أعمدة قصيرة مكررة بإيقاع منتظم وعدد فردي، تتوسطه مدخلٌ واضحٌ في منتصف كتلة المبنى. إنها صيغة معمارية ظاهرة أيضًا في واجهات شوارع عمر المختار، الاستقلال، وحتى مبنى الخارجية. والسؤال هنا: هل يجب أن يساهم المبنى في صياغة ملامح المدينة؟ وأن يأخذ مقياسها، لتصبح واجهته ملكًا للشارع وللناس، لا ملكًا لصاحب المبنى؟ للأسف، نرى عكس ذلك كما هو الحال في شارع عمر المختار أمام مستشفى الأطفال، حيث لم يعد الرصيف أو الفضاء العام ملكًا للجميع، بل أصبح تحت سيطرة المالك.

جمال الهمالي اللافي: قبلتُ دعوتك يا أستاذ أحمد واستوعبت فكرتك، لكني لم أفهم تصرف مالك العمارة القريبة من مستشفى الجلاء سابقًا. ربما تكون هذه مسألة قانونية تحتاج لتدخل الدولة، لتحديد حدود ملكيته وسيطرته على الموقع. فالفكرة التي طرحتها حول ضرورة أن يتحول الرواق الموجود في أي عمارة إلى ملكية عامة، فكرة تستحق التأمل. ولكن ما فائدة هذا الطرح إن لم تتدخل الدولة بفرض سيطرتها على هذه الحيزات لصالح الاستخدام العام؟

الأستاذ أحمد انبيص: لا أقصد مبنى بعينه، لكننا نتحدث عن أمثلة متعددة، مثل المباني التي تبدأ من بعد محطة البنزين في شارع عمر المختار، حيث احتلت كل الشارع والفضاء العام دون أي احترام للمحيط أو سكان المدينة. هذه أمثلة تجرنا إلى مناقشات أوسع حول مسؤولية الجميع. إنها دعوة لتحرير المدينة مرة أخرى.

جمال الهمالي اللافي:  أتفق تمامًا مع طرحك يا أستاذ أحمد. تحديد حدود المسؤولية، سواء للدولة، للملاك، أو للمواطنين، هو ما يقود إلى التوازن بين الحقوق والواجبات. هذا النظام يخلق استقرارًا وازدهارًا ويُنهي الفوضى والصراعات. تحديد مركز لكل منطقة سكنية وإعادة التخطيط العمراني بما يُخصص فضاءات عامة مثل الرواق، سيخلق بيئة أكثر تنظيماً وراحة. ولكن هل يتحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه قرارات مثل هذه؟

الأستاذ أحمد انبيص: هذا يقودنا إلى فكرة المسؤولية المشتركة؛ أن المواطن يُسائل نفسه دائمًا عمّا يحدث حوله، يطرح الحلول ويشارك فيها. فالمدينة لنا جميعاً، وليس لأحد الحق في العبث بمخططها أو حرمان أهلها من فضاءاتها العامة.

جمال الهمالي اللافي : نعم يا أستاذ أحمد، فتحديد دوائر المسؤولية يدفع الجميع لتحمل أدوارهم. هذا التعاون هو ما يخلق النظام ويُسهم في تحقيق نهضة عمرانية شاملة. التخصيص الرشيد للحيز العمراني لصالح الناس هو جزء من مسؤولية مشتركة بين الملاك، المستخدمين، والدولة.

خاتمة:  هذا الحوار الثري يطرح قضية بالغة الأهمية تتعلق بحقوق الفضاء العام ومسؤولية كل الأطراف في الحفاظ على المدينة، ويُبرز الحاجة لتفعيل دور الدولة والمجتمع في تعزيز قيمة الفضاءات المشتركة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية