التخطي إلى المحتوى الرئيسي

للواجهة قناع: دعوة لتحرير طرابلس من فوضى العمران


        دار هذا الحوار المثري بيني وبين أستاذي العزيز أحمد انبيص (رحمه الله وغفر له)، منذ عدة سنوات، ذكّرني بها الفيسبوك اليوم، حيث تناولنا فيه قبساً من موضوع شغل تفكيره وكان دائم الحديث عنه، ألا وهو دور واجهات المباني في صياغة هوية المدينة، ومسؤولية الجميع في الحفاظ على الفضاء العام
. أحببت اليوم أن أحيي ذكراه في نفوس كل من تتلمذ على يديه بقسم العمارة والتخطيط العمراني بجامعة طرابلس.

الأستاذ أحمد انبيص: "للواجهة قناع" كان العنوان الذي استوحيتُه من الملامح المعمارية التي ميزت المدينة الإيطالية "طرابلس". خذ على سبيل المثال شارع الرشيد في سوق الحوت؛ المباني هناك تبرز واجهات تشبه القناع، مؤلفة من أقواس ذات أعمدة قصيرة مكررة بإيقاع منتظم وعدد فردي، تتوسطه مدخلٌ واضحٌ في منتصف كتلة المبنى. إنها صيغة معمارية ظاهرة أيضًا في واجهات شوارع عمر المختار، الاستقلال، وحتى مبنى الخارجية. والسؤال هنا: هل يجب أن يساهم المبنى في صياغة ملامح المدينة؟ وأن يأخذ مقياسها، لتصبح واجهته ملكًا للشارع وللناس، لا ملكًا لصاحب المبنى؟ للأسف، نرى عكس ذلك كما هو الحال في شارع عمر المختار أمام مستشفى الأطفال، حيث لم يعد الرصيف أو الفضاء العام ملكًا للجميع، بل أصبح تحت سيطرة المالك.

جمال الهمالي اللافي: قبلتُ دعوتك يا أستاذ أحمد واستوعبت فكرتك، لكني لم أفهم تصرف مالك العمارة القريبة من مستشفى الجلاء سابقًا. ربما تكون هذه مسألة قانونية تحتاج لتدخل الدولة، لتحديد حدود ملكيته وسيطرته على الموقع. فالفكرة التي طرحتها حول ضرورة أن يتحول الرواق الموجود في أي عمارة إلى ملكية عامة، فكرة تستحق التأمل. ولكن ما فائدة هذا الطرح إن لم تتدخل الدولة بفرض سيطرتها على هذه الحيزات لصالح الاستخدام العام؟

الأستاذ أحمد انبيص: لا أقصد مبنى بعينه، لكننا نتحدث عن أمثلة متعددة، مثل المباني التي تبدأ من بعد محطة البنزين في شارع عمر المختار، حيث احتلت كل الشارع والفضاء العام دون أي احترام للمحيط أو سكان المدينة. هذه أمثلة تجرنا إلى مناقشات أوسع حول مسؤولية الجميع. إنها دعوة لتحرير المدينة مرة أخرى.

جمال الهمالي اللافي:  أتفق تمامًا مع طرحك يا أستاذ أحمد. تحديد حدود المسؤولية، سواء للدولة، للملاك، أو للمواطنين، هو ما يقود إلى التوازن بين الحقوق والواجبات. هذا النظام يخلق استقرارًا وازدهارًا ويُنهي الفوضى والصراعات. تحديد مركز لكل منطقة سكنية وإعادة التخطيط العمراني بما يُخصص فضاءات عامة مثل الرواق، سيخلق بيئة أكثر تنظيماً وراحة. ولكن هل يتحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه قرارات مثل هذه؟

الأستاذ أحمد انبيص: هذا يقودنا إلى فكرة المسؤولية المشتركة؛ أن المواطن يُسائل نفسه دائمًا عمّا يحدث حوله، يطرح الحلول ويشارك فيها. فالمدينة لنا جميعاً، وليس لأحد الحق في العبث بمخططها أو حرمان أهلها من فضاءاتها العامة.

جمال الهمالي اللافي : نعم يا أستاذ أحمد، فتحديد دوائر المسؤولية يدفع الجميع لتحمل أدوارهم. هذا التعاون هو ما يخلق النظام ويُسهم في تحقيق نهضة عمرانية شاملة. التخصيص الرشيد للحيز العمراني لصالح الناس هو جزء من مسؤولية مشتركة بين الملاك، المستخدمين، والدولة.

خاتمة:  هذا الحوار الثري يطرح قضية بالغة الأهمية تتعلق بحقوق الفضاء العام ومسؤولية كل الأطراف في الحفاظ على المدينة، ويُبرز الحاجة لتفعيل دور الدولة والمجتمع في تعزيز قيمة الفضاءات المشتركة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...