التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الفكر المعماري: تحولات مأمولة من الشكل إلى الجوهر


جمال الهمالي اللافي

العمارة ليست مجرد بناءٍ يصمد أمام الزمن أو يتماشى مع المتطلبات العملية للحياة، بل هي انعكاسٌ لفكرٍ عميق يُعبّر عن رؤى الإنسان تجاه بيئته ومجتمعه وحتى قيمه. المشاريع التي قدمها رواد العمارة مثل فرانك لود رايت، لو كوربوزييه، ووالتر غروبيوس لم تكن مجرد تصميمات جميلة، بل كانت تجسيدًا لنظريات معمارية أعادت تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان.

فرانك لود رايت والنظرية العضوية:

عندما صمم رايت منزل "فيلا الشلالات"، لم يكن الهدف فقط تحقيق التوازن بين الطبيعة والبناء، بل تقديم فلسفة تعتمد على التكامل التام بين العناصر المعمارية والطبيعة المحيطة. هذه النظرية العضوية تحدت المفاهيم التقليدية، وأرست قواعد جديدة للعلاقة بين العمارة والبيئة.

لو كوربوزييه والوظيفية الراديكالية:

مشاريعه مثل "فيلا سافوي" جسدت النظرية الوظيفية بطريقة لم تكن مجرد استجابة للاحتياجات البشرية، بل خطوة نحو التفكير في التصميم كوسيلة لإعادة صياغة الحياة اليومية. كما أن كنيسة رونشامب قدمت مستوى روحانيًا في التعبير المعماري، يظهر كيف يمكن للعمارة أن ترتقي بروح الإنسان.

والتر غروبيوس وثورة الباوهاوس:

إن مدرسة الباوهاوس لم تكن مجرد أكاديمية لتعليم الفنون والتصميم، بل كانت منصة للتغيير الثقافي. تأثيرها امتد ليشمل مختلف المجالات الفنية، من التصميم الصناعي إلى الهندسة المعمارية، مضيفةً إلى العالم فلسفة ترى في البساطة والتكامل الحل الأمثل للإبداع.

المعماري الليبي والهوية المحلية:

على المعماري الليبي أن يتجاوز التصميم السطحي، ليبحث عن العمق الفكري الذي يمكن أن يقدمه في مشاريعه. الهوية الليبية غنية بتنوع ثقافي وبيئي يمكن استثماره لإنتاج عمارة تُجسد هذه الخصوصية. يجب أن يكون هناك تأملٌ مستمر في كيفية إعادة صياغة العلاقة بين العمارة والمجتمع، بين التصميم والوظيفة، وبين الجمال والقصد.

العمارة كتغيير اجتماعي:

المشاريع المعمارية العظيمة لا تسهم فقط في تغيير المشهد العمراني، بل تُحدث تحولًا في طريقة تفكير الناس وقيمهم تجاه الفضاءات التي يعيشون فيها. العمارة الحقيقية ليست مجرد هياكل، بل أداة لتشكيل وعي اجتماعي.

وكما قال لو كوربوزييه: "العظمة ليست في الحجم ولكن في القصد." دعونا ننظر إلى العمارة كفكر ومضمون قبل أن تكون شكلًا.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...