![]() |
مدينة طرابلس القديمة |
جمال الهمالي اللافي
العمارة
ليست مجرد مجال تقني يقتصر على أهل الاختصاص، بل هي جزء حيّ من حياتنا اليومية
التي نعيشها ونحمل فيها ذكرياتنا وأحلامنا. منذ ولادتنا وحتى وفاتنا، العمارة تحيط
بنا وتشكّل تفاصيل حياتنا. في منازلنا التي تعلمنا فيها خطواتنا الأولى، في
طرقاتنا التي نمشي عليها، في المؤسسات التي نعمل بها ونُنتج، وفي المشافي التي نجد
فيها العلاج. وعندما نسافر، نقصد الأبنية والمعالم التي تحكي قصص الحضارات. في
الفرح والثراء، تُصبح العمارة انعكاسًا لأحلامنا، فنشيّد مشاريع سكنية أو تجارية
أو خدمية، وفي الفقر والتشرد، نجد أنفسنا محرومين من هذا الاحتضان العمراني، نسكن
الشوارع ونبات في طرقاتها. حتى الموت، لا ينفصل عن العمارة؛ نُدفن في أصغر
المساحات العمرانية التي تُكرم فيها أجسادنا.
العمارة ليست فقط جدراناً وأبنية، بل
هي الحكاية التي تُروى عن كل مجتمع، وهي المرآة التي تعكس هوية الفرد وثقافة
المجتمع. فمن العمارة التقليدية التي تحتضن عبق التاريخ، إلى العمارة الحديثة التي
تدفع حدود الإبداع، نجد في كل زاوية وركن صوتاً يخاطبنا بلغة تفهمها قلوبنا.
دعوة للتفاعل والاستمتاع بالعمارة
إذا كانت العمارة جزءاً من حياتنا
بهذا العمق، فلماذا لا نجعلها جزءاً من حديثنا اليومي؟ لِم لا نستمتع بفنها
وفلسفتها ونبحث عن القصص وراء كل تصميم؟ لماذا لا نسأل المعماريين الذين حولنا عن
أفكارهم؟ من أين أتوا بهذه الفكرة؟ كيف توازنوا بين الجمال والوظيفة؟ متى ستتحول
هذه الأفكار إلى واقع نراه ونلمسه؟
لماذا لا نرى العمارة كفن عام يمكن للجميع المساهمة في تشكيله؟ لِم لا يُصبح الحديث عن تصميم المدن ومعمارية المباني جزءاً من أحاديث العائلة والأصدقاء؟
عندما يُصبح المجتمع واعياً بالعمارة،
فإنه يُصبح شريكاً في تشكيل ملامح المستقبل بدلاً من مجرد متلقٍ أو مشاهد. الحديث
عن العمارة يُقرّبنا من فهمها ويُشجّعنا على المشاركة في تشكيل بيئتنا العمرانية.
لنتحدث عنها، نفكر فيها، ونضيف إليها نبضاً إنسانياً يعكس حياتنا وأحلامنا.
في النهاية، العمارة ليست ملكاً للنخبة فقط، بل هي انعكاس للحياة التي نعيشها جميعاً. لننظر إلى الجمال من حولنا، لنتعلم عنه، ولنشجع الجميع على المشاركة في صنعه. لنجعل العمارة حكاية يومية نرويها ونعيشها بكل شغف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق