التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العمارة: الفن الذي يجمع بين الجمال والعلم والهوية

المسكن الغدامسي

جمال الهمالي اللافي

     العمارة ليست الابنة العاقة للفنون الجميلة، ولا هي المرأة الناشز كما يصفها البعض. إنها الأم الحاضنة التي تمتد ذراعيها لتحتضن كل الفنون الجميلة والحرفية، بل وتمتزج مع العلوم الإنسانية والتطبيقية لتخلق كياناً فريداً من نوعه. العمارة هي المجال الإبداعي الوحيد الذي أذن به الخالق سبحانه وتعالى للإنسان أن يشابهه فيه من حيث الإبداع والخلق، دون المساس بقدسية الخلق الإلهي.

     كما نتأمل جمال خلق الإنسان وننبهر بملامحه الخارجية البديعة، دون أن ندرك ما يكمن خلفها من تعقيدات مذهلة كتفاعلاته الكيميائية ونبضات خلاياه الكهربائية، كذلك الحال مع العمارة. عندما ننظر إلى المباني، ننبهر بجمال واجهاتها وتفاصيلها الخارجية دون أن نرى المواد التي صُنعت منها، أو الهيكل الخرساني الذي يدعمها، أو الأسلاك التي تمدها بالكهرباء، أو أنابيب المياه التي تدعم حياتنا اليومية. العمارة، مثل الجسد البشري، تخفي خلف جمالها الكثير من العلوم والوظائف.

     ولكن الأمر لا يتوقف عند الجمال الظاهري؛ فالعمارة تحمل أيضاً رسالة عميقة تعبر عن تاريخ الشعوب وهويتها الثقافية. تماماً كما تميزنا ألوان البشر وأجناسهم، تُعرّفنا التفاصيل والأنماط المعمارية بأصالتنا وانتمائنا. إنها ليست مجرد بناء صامت، بل هي كتاب مفتوح يحكي قصص الأجداد ويرسم ملامح المستقبل.

     العمارة ليست سجينة في قفص الغيرة مع الفنون الجميلة، بل هي تاج الفنون الملكي. إنها تخلق حواراً بين الخطوط والألوان، وتمزج بين التقاليد والابتكار، وتجمع بين الجمال والوظيفة. على سبيل المثال، تحكي العظمة الكامنة في مسجد قرطبة في إسبانيا قصة التاريخ الإسلامي، بينما يجسد تاج محل في الهند مزيجاً من الجمال والحب والهوية الثقافية.

     وفي هذا الإطار، لا يجب أن نغفل أهمية الجانب التقني والعلمي للعمارة. فالخرسانة المسلحة، ونظم التهوية الذكية، وتقنيات التصميم المستدام كلها تبرز كيف تسهم الهندسة في إحياء العمارة وجعلها قابلة للعيش والدوام.

     كما قال المعماري لويس سوليفان" : الشكل يتبع الوظيفة."  هذا المبدأ يجسد دور العمارة ليس فقط كفن، بل كعلم يخدم الإنسان والمجتمع. وعليه، عندما نعشق جمال الواجهة، يجب أن نتأمل أيضاً العمق الذي يقف وراء هذا الجمال.

     لذلك، دعوة لكل قارئ: انظر من حولك. تأمل المباني التي تعيش فيها وتراها يومياً. خلف كل واجهة قصة، خلف كل جمال كمال. العمارة ليست مجرد مشهد بصري، بل هي حياة تنبض بالفن والعلم معاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...