التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التعليم المعماري بين الشهادة والجودة: تأملات في التجربة الشخصية

بعض من المحاضرات التي ألقيتها
في أكثر من مناسبة على مدار سنوات ممارسة المهنة

جمال الهمالي اللافي

يشكل التعليم نقطة الانطلاق الأساسية في تشكيل المهارات والخبرات لأي مجال مهني. ومع ذلك، لا يُقاس النجاح في مجال التعليم بمجرد الحصول على الشهادات الأكاديمية، بل يرتبط بمستوى جودة التعليم وأخلاقيات التدريس التي تؤثر تأثيرًا مباشراً على تميّز الخريجين وقدرتهم على مواجهة التحديات المهنية.

لقد خضت تجربة شخصية تعكس هذه المفارقة بشكل واضح. خلال دراستي لقسم العمارة والتخطيط العمراني، تلقيت نصيحة من أحد أعضاء هيئة التدريس، الذي كان أيضًا مشرفي الأكاديمي. بتغيير مجال تخصصي، بحجة أنني "غير مؤهل" لدراسة العمارة. كانت هذه اللحظة بداية لمسار مليء بالتحديات، لكنها كانت أيضًا حافزاً لي لإثبات العكس. ومع مرور السنوات، أثبتت لي الممارسة المهنية أن التأهيل والتميز لا يمكن اختصارهما برأي فردي أو تقييم سريع، بل يعتمد الأمر على المثابرة والتطوير الذاتي.

الفرق بين التعليم والشهادة

يمثل الحصول على الشهادة الجامعية خطوة أساسية نحو الانطلاق المهني، لكنها ليست الهدف النهائي أو المؤشر الحاسم على الكفاءة. يمكن الحصول على الشهادات بطرق مختلفة، بعضها يفتقر إلى معايير الجودة والأمانة العلمية. لكن ما يصنع الفارق الحقيقي هو المناهج الدراسية وأسلوب التدريس. الطالب الذي يتلقى تعليماً يركز على الإبداع والتحليل والنقد البنّاء سيكون بلا شك أكثر جاهزية للمجال المهني مقارنةً بمن يكتفي بالدراسة السطحية بهدف النجاح الأكاديمي فقط.

أخلاقيات التدريس: العامل الحاسم

إلى جانب المناهج الدراسية، تلعب أخلاقيات عضو هيئة التدريس دوراً كبيراً في تشكيل تجربة الطالب. الطريقة التي يتم بها توجيه الطلاب، والتفاعل معهم بصدق واحترام، يمكن أن تزرع فيهم الثقة والطموح أو تُسبب العكس تماماً. إن الثقافة التعليمية التي تشجع الحوار المفتوح وتعزز التفكير الإبداعي تعتبر أحد أهم مقومات النجاح التعليمي.

التعليم في السياق العالمي 

        من خلال مقارنة بسيطة بين الأنظمة التعليمية في الدول المتقدمة والدول المتخلفة، نجد أن هناك فجوة شاسعة تتعلق بجودة التعليم وأخلاقياته. بينما تركز الدول المتقدمة على التعليم القائم على البحث والابتكار، تظل بعض الدول المتخلفة تعاني من التعليم التقليدي الذي يفتقر إلى الديناميكية والتجديد. هنا يظهر الفارق في التحصيل العلمي وأثره المباشر على الأداء المهني.

التعليم في الدول المتخلفة

عند الحديث عن "الدول المتخلفة"، فإن هذا التوصيف لا يأتي بغرض الإساءة بل لتوصيف حالة محددة تعاني فيها الدول من تراجع منهجي ومتكرر في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم. هذه الدول غالبًا ما تفتقر إلى الإرادة الحقيقية للتطوير والتنمية، وتعاني من نظم تعليمية متجمدة، تفتقد للتجديد والإبداع. مقارنة بالدول التي تسعى إلى التقدم وتبذل جهودًا كبيرة نحو التطوير، نجد أن الدول المتخلفة تكرس التخلف من خلال ممارسات وأيديولوجيات تعيق نهضتها، مما ينعكس على جودة خريجيها ومستوى كفاءتهم في المجالات المهنية.

استنتاجات شخصية ودروس مستفادة

تعلّمت من تجربتي أن العقبات التعليمية لا يجب أن تكون عائقًا أمام تحقيق الطموحات. بل على العكس، يمكن للتحديات أن تصقل المهارات وتوجهها نحو الأفضل. كما أدركت أهمية المطالبة بتوفير تعليم جيد يركز على جودة المناهج وأخلاقيات التدريس، فهي الأساس لبناء مجتمع مهني متماسك ومبدع.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...