أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأربعاء، مارس 19، 2025

التعليم المعماري بين الشهادة والجودة: تأملات في التجربة الشخصية

بعض من المحاضرات التي ألقيتها
في أكثر من مناسبة على مدار سنوات ممارسة المهنة

جمال الهمالي اللافي

يشكل التعليم نقطة الانطلاق الأساسية في تشكيل المهارات والخبرات لأي مجال مهني. ومع ذلك، لا يُقاس النجاح في مجال التعليم بمجرد الحصول على الشهادات الأكاديمية، بل يرتبط بمستوى جودة التعليم وأخلاقيات التدريس التي تؤثر تأثيرًا مباشراً على تميّز الخريجين وقدرتهم على مواجهة التحديات المهنية.

لقد خضت تجربة شخصية تعكس هذه المفارقة بشكل واضح. خلال دراستي لقسم العمارة والتخطيط العمراني، تلقيت نصيحة من أحد أعضاء هيئة التدريس، الذي كان أيضًا مشرفي الأكاديمي. بتغيير مجال تخصصي، بحجة أنني "غير مؤهل" لدراسة العمارة. كانت هذه اللحظة بداية لمسار مليء بالتحديات، لكنها كانت أيضًا حافزاً لي لإثبات العكس. ومع مرور السنوات، أثبتت لي الممارسة المهنية أن التأهيل والتميز لا يمكن اختصارهما برأي فردي أو تقييم سريع، بل يعتمد الأمر على المثابرة والتطوير الذاتي.

الفرق بين التعليم والشهادة

يمثل الحصول على الشهادة الجامعية خطوة أساسية نحو الانطلاق المهني، لكنها ليست الهدف النهائي أو المؤشر الحاسم على الكفاءة. يمكن الحصول على الشهادات بطرق مختلفة، بعضها يفتقر إلى معايير الجودة والأمانة العلمية. لكن ما يصنع الفارق الحقيقي هو المناهج الدراسية وأسلوب التدريس. الطالب الذي يتلقى تعليماً يركز على الإبداع والتحليل والنقد البنّاء سيكون بلا شك أكثر جاهزية للمجال المهني مقارنةً بمن يكتفي بالدراسة السطحية بهدف النجاح الأكاديمي فقط.

أخلاقيات التدريس: العامل الحاسم

إلى جانب المناهج الدراسية، تلعب أخلاقيات عضو هيئة التدريس دوراً كبيراً في تشكيل تجربة الطالب. الطريقة التي يتم بها توجيه الطلاب، والتفاعل معهم بصدق واحترام، يمكن أن تزرع فيهم الثقة والطموح أو تُسبب العكس تماماً. إن الثقافة التعليمية التي تشجع الحوار المفتوح وتعزز التفكير الإبداعي تعتبر أحد أهم مقومات النجاح التعليمي.

التعليم في السياق العالمي 

        من خلال مقارنة بسيطة بين الأنظمة التعليمية في الدول المتقدمة والدول المتخلفة، نجد أن هناك فجوة شاسعة تتعلق بجودة التعليم وأخلاقياته. بينما تركز الدول المتقدمة على التعليم القائم على البحث والابتكار، تظل بعض الدول المتخلفة تعاني من التعليم التقليدي الذي يفتقر إلى الديناميكية والتجديد. هنا يظهر الفارق في التحصيل العلمي وأثره المباشر على الأداء المهني.

التعليم في الدول المتخلفة

عند الحديث عن "الدول المتخلفة"، فإن هذا التوصيف لا يأتي بغرض الإساءة بل لتوصيف حالة محددة تعاني فيها الدول من تراجع منهجي ومتكرر في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم. هذه الدول غالبًا ما تفتقر إلى الإرادة الحقيقية للتطوير والتنمية، وتعاني من نظم تعليمية متجمدة، تفتقد للتجديد والإبداع. مقارنة بالدول التي تسعى إلى التقدم وتبذل جهودًا كبيرة نحو التطوير، نجد أن الدول المتخلفة تكرس التخلف من خلال ممارسات وأيديولوجيات تعيق نهضتها، مما ينعكس على جودة خريجيها ومستوى كفاءتهم في المجالات المهنية.

استنتاجات شخصية ودروس مستفادة

تعلّمت من تجربتي أن العقبات التعليمية لا يجب أن تكون عائقًا أمام تحقيق الطموحات. بل على العكس، يمكن للتحديات أن تصقل المهارات وتوجهها نحو الأفضل. كما أدركت أهمية المطالبة بتوفير تعليم جيد يركز على جودة المناهج وأخلاقيات التدريس، فهي الأساس لبناء مجتمع مهني متماسك ومبدع.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية