التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المعماري: من تصميم الفضاءات إلى تشكيل التجربة الحياتية

 

فكرة أولية لتوزيع عناصر التأثيث، وارتباطه بمرحلة التصميم، في تحديد المساحات المناسبة لكل فراغ وتوزيع الأبواب والنوافذ في مكانها الصحيح قبل التنفيذ. والأهم تحديد نمط عناصر التأثيث الذي يتماشى مع الطراز المعماري للمبنى.

جمال الهمالي اللافي

مقدمة/

في المشهد المعماري الحديث، يواجه المعماري تحديات جوهرية تهدد رؤيته التصميمية، خاصة في السياقات التي تعاني من غياب التنسيق بين التخصصات. في ليبيا على وجه الخصوص، يُعاني المجال من تعددية الأدوار وتداخلها بين المعماريين والمصممين الداخليين وغيرهم من المتخصصين. في كثير من الأحيان، تصبح الرؤية الشمولية التي يضعها المعماري عرضة للتغييرات غير المدروسة أو التدخلات العشوائية، مما يؤدي إلى فقدان الانسجام وتقويض الفلسفة الجمالية والوظيفية للمشروع.

إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب من المعماري التعامل مع المشروع بمنظور شمولي يبدأ من الفكرة الأولى وحتى التنفيذ النهائي. هذا يعني العمل على تحقيق التكامل بين جميع الجوانب – من التصميم الداخلي وتنسيق الحدائق إلى التفاصيل اليومية – بما يضمن حماية المشروع من العبث العشوائي والتغييرات التي قد تخل بجوهره. يتطلب ذلك بناء ثقافة مهنية تعزز التعاون بين التخصصات ووضع معايير واضحة تُلزم الجميع باحترام رؤية المعماري ودوره الشمولي.

التوسع في أدوار المعماري/

المعماري هو أكثر من مجرد مصمم للخرائط أو موزع للفراغات. في حقيقة اختصاصه، يتعامل مع المشروع كمنظومة متكاملة ترتبط فيها الهندسة بالفكر الجمالي والوظيفي، حيث تتداخل جميع العناصر في تجربة حسية شاملة يعيشها المستخدم. تشمل مسؤوليات المعماري أبعادًا متعددة، منها:

·         التصميم الداخلي: اختيار المواد والألوان وتصميم الأثاث بما يتناغم مع رؤية المشروع الشاملة.

·         تنسيق الحدائق: التخطيط لاختيار الأشجار والنباتات، بما يعزز فلسفة التصميم ويراعي الطبيعة المحيطة.

·         التفاصيل اليومية: ابتكار حلول للمفروشات وأواني الطبخ، لضمان تحقيق بيئة متناغمة على جميع المستويات.

أمثلة واقعية لمعماريين رائدين/

لتوضيح هذا المفهوم، يمكن الإشارة إلى بعض رواد العمارة الغربية الذين جسدوا الشمولية في التصميم:

1.      فرانك لويد رايت:

·     يُعد فرانك لويد رايت نموذجًا للمعماري الشمولي، حيث كان يُصمم كل تفاصيل مشاريعه، بما في ذلك الأثاث والإضاءة وحتى البراغي. مشروعه Fallingwater مثال واضح على دمجه الطبيعة بالتصميم، بينما يعكس متحف سولومون غاغينهايم رؤيته للتكامل بين الشكل والوظيفة.

·     تعكس فلسفته مقولته الشهيرة: "الشكل يتبع الوظيفة – هذا تم فهمه بشكل خاطئ. الشكل والوظيفة يجب أن يكونا واحدًا، متحدين في اتحاد روحاني."

2.      لو كوربوزييه:

·     في مشروعه "Unité d'Habitation"، أظهر اهتمامًا كبيرًا بتصميم الأثاث الداخلي بما يتوافق مع احتياجات السكان، حيث استخدم خطوطًا بسيطة وأشكالًا هندسية لتحقيق الراحة والجمال.

·     تبنى مبدأ "آلة للعيش" (a machine for living)، وهو مفهوم يعكس تكامله بين جميع جوانب المشروع لضمان توافق كل عنصر مع الوظيفة اليومية.

التحديات وجذور المشكلة/

إن غياب التنسيق بين التخصصات يُعد أحد الأسباب الرئيسية للتشرذم في المشاريع المعمارية، مما يؤدي إلى التضارب في الرؤى وتنفيذ مشاريع تفتقر إلى الانسجام. يمكن تحليل جذور هذه المشكلة كالتالي:

1.      قلة التنسيق بين التخصصات: عدم وجود قنوات تواصل فعالة بين المعماري والمصممين الداخليين أو غيرهم يؤدي إلى تضارب الأفكار.

2.      الافتقار إلى رؤية موحدة: التعامل مع المشروع كأنه سلسلة مراحل منفصلة بدلاً من كونه منظومة متكاملة.

3.      انعدام الوعي بدور المعماري الشمولي: ضعف إدراك أهمية التكامل بين الأبعاد المختلفة للمشروع.

الحلول المقترحة/

لمعالجة هذه الإشكاليات، يمكن اتخاذ الخطوات التالية:

·         التوعية المهنية: نشر ثقافة العمل الجماعي وتعزيز فهم أن المشروع هو نتاج عمل تكاملي، وليس مجموعة جهود منفصلة.

·         وضع معايير واضحة: صياغة قوانين أو بروتوكولات تُلزم جميع الأطراف باحترام الرؤية التصميمية للمعماري.

·         تدريب المعماريين على التكامل: تضمين التصميم الداخلي وتنسيق الحدائق في عملية التصميم من البداية.

الخاتمة/

إن دور المعماري يتجاوز كونه مصممًا لفراغات أو موجهًا لتوزيع الأدوار. إنه المبدع الذي يبتكر تجارب حياتية متكاملة، حيث تمتزج العناصر الهندسية والجمالية والوظيفية لتشكل وحدة واحدة متناغمة. إن شمولية المعماري هي المفتاح لضمان تميز المشاريع واستدامتها، حيث يعمل كجسر يربط بين مختلف التخصصات ويضمن التوازن بين التفاصيل الكبرى والصغرى.

في ظل التحديات التي يواجهها المعماريون اليوم، يبقى الحل في بناء ثقافة مهنية تعزز التعاون وتحترم رؤية المعماري كشخص مؤتمن على جوهر المشروع. هذا يعني التأكيد على أهمية التكامل بين الأدوار، مع وضع آليات واضحة لحماية المشاريع من التعديلات التي قد تُفقدها طابعها الأصلي. وبذلك، يصبح المعماري ليس مجرد مُنفذ، بل مُبدعًا يقود المنظومة لتحقيق رؤية ملهمة تعكس أهداف التصميم وروحه.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...