أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، يونيو 26، 2009

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا








المسكن الطرابلسي التقليدي
المنزل ذو الفناء " الحوش "



جمال الهمالي اللافي


مقدمة/

يعتبر( نموذج الحوش ) من أهم المكونات الأساسية لبيوت مدينة طرابلس القديمة، وتختلف أشكال وأحجام هذه البيوت تبعا لاعتبارات مختلفة أثرت في المنزل كما أثرت في كافة مكونات المدينة، وعند النظر إلى مساكن المدينة القديمة نلاحظ تقسيمها إلى ثلاث مناطق ، منطقة يقطنها المسلمون وأخرى لليهود والثالثة للمسيحيين ، وهذا التقسيم أوجد العديد من الاختلافات البسيطة في الحوش، فنلاحظ مثلا أن مداخل البيوت اختلفت فنجدها في بيت المسلم تتميز بالخصوصية حيث أن لها مداخل غير مباشرة تؤدى إلى وسط الحوش( السقيفة) وخلاف ذلك في البيت اليهودي والمسيحي حيث نرى أن المدخل يؤدى مباشرة إلى وسط الحوش دون وجود أي عائق وإلى غير ذلك من الاختلافات.
عموما فإن تكوين البيت في المدينة القديمة بالرغم من هذا التصنيف فهو واضح الملامح ويشترك في جل هذه الملامح تقريبا حيث يظهر الحوش كفناء داخلي مكشوف له أروقة أحيانا ويحف محيطه جدران وتتوزع عليه الفراغات .

وفي الواقع فإن استعمال المنازل ذات الأفنية في ليبيا بدأ منذ العهد الروماني ( الأتريوم ) في لبدة وصبراتة وعدة مدن أخرى في ليبيا. ويعبر عن المنزل ذو الفناء على أنه النوع الإسلامي للمنازل ( الحوش ) وذلك لأن الفتحات بكاملها تفتح على داخل الحوش في الفناء .
وقد انتشر هذا النوع من المنازل منذ قرون عدة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وبعض المناطق من البحر المتوسط ، ولكنه في الوقت الحاضر قد قل استعماله في مناطق كثيرة.




مقدمة عن المنازل ذات الأفنية في المدينة القديمة/
المنازل ذات الفناء المكون من طابقين في العصر التركي في المدينة القديمة/
هذه المنازل عادة توجد في شكل خطى وهى تملك واجهة واحدة طولية على اتجاه الشارع في المدينة القديمة، أما الجوانب الأخرى فهي محاطة بمنازل أخرى، والواقع عادة يحكمنا بأن يكون الفناء في المنتصف في شكل مستطيل محاط بالحجرات الأساسية ، وحجم هذه المنازل يصل إلى 300 متر مربع . وبالنسبة للدور العلوي فإنه ممتد إلى مساحة عرض الشارع حيث تمتد منه حجرة إلى أن تصل إلى الحوائط المقابلة في الحوش المقابل وبذلك تظلل مساحة من الشارع تدعم من الأسفل بأقواس مسمية بما يعرف بالساباط ، وفى بعض الأحيان يقتصر التدعيم على أقواس متكررة في الشارع فقط بدون عمل الساباط ، حيث يقام القوس ما بين المنزل والآخر على كامل عرض الشارع.

المنازل ذات الفناء المكون من طابق واحد/
ويوجد هذا النوع من المنازل في المناطق التي لا توجد فيها كثافة سكانية عالية بحيث يمتد الحوش أفقيا وليس رأسيا ، وهذا النوع معروف في المناطق الشعبية بكثرة ، وعادة ما يكون المنزل يملك فناءا واحدا ويكون موضع المدخل والمربوعة مماثل للمنازل ذات الفناء المكون من طابقين ـ ويكون حجم الفناء من 25 ـ 50 متر مربع ، فهو أصغر من المنازل ذات الفناء من دورين ، ويكون ارتفاع الدور من 3 ـ 4 أمتار . وأغلب المنازل ذات الفناء المكون من طابق واحد تكون فيها أبعاد الفناء حوالي 4 * 6 متر ، والارتفاع يصل إلى 3.5 متر بحيث نسبة أبعاد الفناء قريبة جدا من الأبعاد الإنسانية human dimension ولكننا نجد أن هذه الأبعاد تساهم في خلق جو مريح داخل الفناء ، فالفناء كله مظلل في الصيف مما يجعله بارد وأما في فصل الشتاء فإن زاوية انعكاس الشمس تساهم في إيصال كمية عالية من الشمس للمحافظة على دفء الجو والحماية من الرطوبة .




المكونات المعمارية للحوش الطرابلسي/
من خلال ما يعرف بالحوش الطرابلسي ، نقول إن هذه التسمية قد جاءت بعد تساؤل غير منتظر عن أوجه ما يجب أن نعرّف به من جوانب أخرى مثل الجانب التراثي والتاريخي لهذا الحوش ، حيث لم نجد ما يجعلنا نضع أصابعنا على المصادر أو المراجع التي يمكن أن نسير على منوالها في هذه الدراسة ، ولكن بالرغم من ذلك كان الاعتماد على الاجتهاد الشخصي وكذلك الاحتمالات التي يعتقد أنها قد تقترب بنا من عين الحقيقة بما توفر لنا من معلومات شفوية وغيرها .


وعندما نبدأ في تقليب هذه الأوراق بحثا عن مكونات الحوش الطرابلسي ، نجد أن هذا الحوش سواء الذي يوجد منه في المدينة أو الضاحية ، لا يختلف كثيرا عن أنماطه أو طرازه المعماري ، فهي في الغالب ما تتكون في بادئ الأمر من دور واحد ، ذات أقبية مفتوحة ، تطل عليها نوافذ الحجرات والغرف بينما لا تظهر هذه النوافذ والشبابيك على الخارج .


كما نجد بعض هذه الأبنية سواء في المدينة أو الضاحية يتوسطها حوض ترابي ( جدولة) به شجرة أو أكثر ، بينما نجد مثل هذه الأبنية في المدينة يتوسطها نافورة مياه تسمى ( شاذروان).


كما أن سقائف هذه المنازل المؤدية إلى الأفنية لا تأخذ وضعا مواجها للطريق ، وإنما كانت دائما في وضع يحجب رؤية هذه الأفنية عن الطريق العام بشكل يجعلها تنفرج إلى اليمين أو اليسار.
ويبدو أن هذا النمط المحلى من الأبنية كان قد تأثر عبر مراحل بأنماط وطرز أخرى ، منذ الفتح الإسلامي إلى نهاية العهد العثماني وقد بدأ وكأنه يكوّن لنفسه نسيجا معماريا متميزا مما يجعل هذه الأبنية في تطور مع الزمن حتى أصبحت تتكون من طابقين بدلا من طابق واحد وكذلك أصبح أغلبها متميزا بالعديد من العناصر المعمارية المتنوعة مثل فتحات النوافذ على واجهاتها الأمامية والأعمدة والعقود وبروز الحواف وغيرها .


والآن نود ذكر هذه أهم العناصر الأساسية المكونة للمنزل بصورة عامة في المدينة القديمة من ناحية التكوين وهى :ـ
أ ـ المدخل : وهو الفراغ الذي يتم منه الدخول إلى كافة الفراغات الأخرى الموجودة بالكتلة، ويتميز المدخل بالخصوصية التامة، وهو يؤكد على المرحلة الانتقالية من الشارع إلى البيت فيتكون ما يعرف بالسقيفة ثم إلى الفناء الداخلي بطريق غير مباشر.
وعادة ما يكون المدخل مكون من ممر يتم الدخول إليه عبر باب في شكل قوس مزخرف بزخارف من جميع الجوانب ونقوش غالبا ما كانت نباتية وزهور بين أغلب الأنواع المستخدمة في المداخل وأحيانا يستعمل بلاط في أعلى القوس، وتوجد أحيانا ً أعلى هذا الباب حجرة فوق المدخل عادة ما يستعمل بها نوع من المشربيات المسمى محليا " عين الزرزور " مع ثقب في أسفلها حتى يتسنى للساكن رؤية أي زائر من خلالها دون أن يراه الزائر. وفتحة المدخل تكون في إحدى أركان الفناء لتفادى الرؤية المباشرة لكامل الفناء .

السقيفة : وهى الممر المؤدي إلى فناء المنزل عبر المدخل وهي عبارة عن مستراح صغير ومربع ويطل مباشرة على الفناء وتفتح به المربوعة ، وتزين السقيفة من أعلى بأسقف خشبية منحوتة وملونة بألوان زاهية بالإضافة إلى حزام زخرفي على الحائط عليه رسومات هندسية أو نباتية.

ب-المربوعة: وهى حجرة بالدور الأرضي ويدخل إليها من السقيفة وتكون عادة مخصصة لاستقبال الضيوف الرجال. أخذت في السابق الشكل المربع أو يميل إليه وله مدخل قريب من المدخل الرئيسي وأغلب الأحيان لا يكون لها فتحة على الفناء وذلك لفصل الضيوف تماما عن باقي المنزل . وعادة ما تكون هناك صالة استقبال أخرى أكبر منها يتم الدخول إليها من الفناء من الجانب المقابل للمدخل وهذه تسمى ( دار القبو ) أو دار القبو وتستخدم لضيافة الأقارب أو النساء.


ومن خلال دراستنا لمجموعة من الحياش بالمدينة القديمة نجد أن هناك نموذجان مختلفان في وضع مكان المربوعة،النوع الأول تكون فيه ملتصقة بالسقيفة.والنوع الثاني يكون في الطابق العلوي باستراق مساحة إضافية من الزقاق عن طريق إنشاء ساباط بدون إثارة سخط الجيران. وهو ما حدث بالنسبة إلى حوش الخوجة مع اختلاف بسيط في أنه تم استراق المساحة من الحوش نفسه فيما يسمى(العلي)ولها مدخل خاص بها يفتح إلى الشارع ولها حمام خاص بها بالإضافة إلى باب آخر في الدور الأول يفتح في الرواق للتخديم على الضيوف.بالإضافة إلى مطبخ في الدور العلوي يكون محاذيا المربوعة.

ج ـ دار القبو : تكاد تكون منزل داخل منزل وهى تقع بجانب دار الخزين وصحن السلم المؤدى إلى الطابق العلوي، وتنقسم دار القبو إلى القبو والوسط والسدتان والمكسورتان.

د ـ حجرات النوم : وتعرف أيضا بدار القبو، يكون موضعها في الطابق الثاني ويدخل إليها من الرواق المحيط بالفناء، وهي حجرات مستطيلة الشكل لا يزيد عرضها عن 2.5 متر ولكن طولها يتجاوز 6 أمتار أحيانا، والسبب في ذلك قد يكون إنشائيا وذلك أن الكمرات التي يتم بها تسقيف هذه الحجرات (السنور) لا تتجاوز قدر التحميل لديه الطول2.7 م ، فيما يتبعها جناحان بكل منهما سدة أي مسطبة للنوم تحتها حجرة للتخزين تسمى (الخزانة)، وهي معزولة تماما عن المدخل الرئيسي والاستقبال. وغالبا ما كانت حجرات النوم ضيقة في عرضها 2.5 م وطول هذه الحجرات يصل إلى 6 م . وينتهي كلا الجانبين بسرير مؤثث ومصنوع من الخشب (السدة) .

هـ ـ المطبخ والحمّام : ما يميز المطبخ والحمّام هو صغر المساحة، وغالبا ما كانت المطهرة( وهى الحمّام المستعمل للاستحمام فقط) والمطبخ تقع في الجهة الجنوبية للفناء بفتحات ذات مستوى أعلى وتشرف على الشارع من الخارج وهذه مفيدة للتهوية ، أما الأبواب المفتوحة على الفناء فتكون لها فتحات تهوية وإضاءة أعلى الباب، وذلك من أجل تهوية وإضاءة المطبخ والحمّامات وأبعاد هذه الفتحة حوالي 30 * 30 سم.

و – الماجل أو الماجن/ يحتوي كل بيت( حوش) تقريبا على"ماجن ماء" في الدور الأرضي يقع على الحائط القريب من المطبخ مما يسهل على ربة البيت الوصول إليه وهذا أمر متعارف عليه في بيوت المدينة القديمة.

ي ـ الفناء : جاء الفناء كحل مناخي، وهو فراغ مفتوح على السماء يتوسط المسكن الطرابلسي، ويمكن أن نعبر عنه بالفراغ المعيشي بالحوش فأغلب الأعمال اليومية تتم فيه. وغالبا ما يكون مستطيل الشكل وأقرب إلى المربع، ومساحته تتراوح من 70 ـ 100 متر مربع وذلك حسب مساحة الحوش والنسبة بين معدل حجم الفناء وأبعاد الحوائط في الفناء نفسه تكون نسبة1: 1 حتى تساعد في جعل الفناء مظلل أغلب النهار. ومدخل الفناء عادة ما يكون من أحد الأركان ويكون محاط برواق معمد يوصل إلى كامل الحجرات الموجودة حوله بحيث يكون منسوب الرواق أعلى من منسوب الفناء وسقف الرواق عادة ما يكون متكون من أقبية حجرية متقاطعة أو سقف خشبي ممتد على الرواق بكامله ومتصل مع سقف الحجرات بحيث يكون السقف مزخرف أحيانا ببعض الزخارف النباتية والتي تدل على الطراز الإسلامي.


وتتوزع حول الفناء الحجرات، وتفتح عليه جميع الأبواب والنوافذ، ومن مزاياه أنه يوفر دائما ـ لمن يتوقف في وسطه ـ حيزا مظللا مهما كان اتجاه جوانبه وفى أي فصل من فصول السنة وأي ساعة من ساعات النهار .
وأحيانا ما يكون في وسط الفناء نافورة أو بعض النباتات الخضراء مثل الياسمين والفل والحنة، للمساعدة في تحقيق الراحة المناخية داخل الفناء وتلطيف الجو أثناء ساعات النهار.

      ويستخدم الفناء كمجال للحركة ما بين الحجرات وملعب للأطفال ويتم فيه الغسل والطبخ وغيرها من النشاطات اليومية. وكذلك أعطى فرصة لتوثيق الترابط الاجتماعي للأسرة، وللأم السيطرة الكاملة على حركة الأطفال سواء المحتاجين منهم إلى الرعاية أو المعرضين للتهلكة بشيطنتهم مع سهولة التخاطب عن بعد بدون حاجة للتنقل من زاوية داخل البيت كما يحصل في الشقق الحديثة.

      كما اشتهرت بعض العناصر والمفردات المعمارية الأخرى بأسماء يرجع بعضها إلى مفردات عربية، أما البعض الآخر فهي كما يبدو أنها من اللهجة المحلية إن لم تكن مأخوذة من اللغة التركية . ومن هذه الأسماء :ـ
الرواق: وهو الممرات العلوية التي تربط الممشى بين الغرف الموجودة بالدور الأول ، وتمثل أيضا هذه الممرات الشرف التي تطل على فناء المنزل .

الكنيف: وهى حجرة المرحاض .

المطلع: وهو السلم المؤدى إلى باب السطح ويعرف بحجرة الدرج .

الكشك: وهى حجرة على السطح تعرف بدار الصابون ولكن هذه الحجرة كانت تستعمل في بعض الأحيان للجلوس فيها أثناء الصيف .

المكسورة: وهى حجرة صغيرة ليس لها نافذة تستعمل في التخزين .

حوش الخدم: ويكون جناح آخر من الحوش الطرابلسي ، وهو عبارة عن حوش صغير به حجرة أو حجرتين ومطبخ وحمّام وبئر وماجن ، ويدخل إليه عبر ممر أو مدخل من الحوش الرئيسي ويستغل هذا البيت لغرض تقديم الخدمات وإقامة الخدم .




العوامل المؤثرة في تصميم المسكن/
• عوامل مناخية:
عالج المهندس القديم مسكنه بإدخال عدة مفردات معمارية تؤكد على براعة المهندس في نجاحه في هذه المعالجات فالفناء يكسب المنزل هواء نقيا باردا ليحميه من جو الحر ويوفر مكانا مظللا خلال وقت طويل وهناك عدة عناصر ساهمت في المعالجة المناخية .
ـ النافورة : لتلطيف الجو .
ـ ملقف الهواء : لتلطيف الجو .
ـ الفتحات الصغيرة : للحماية من أشعة الشمس .

· العامل الديني:
لما كان الإسلام قد نزل كدين ودولة لإسعاد الإنسان في دنياه وآخر ته على السواء وقد هيأ لذلك الغرض الوعاء المناسب للفرد والأمة بالنموذج المثال للمنزل والحي بحيث توفر في الأول ضمان الحميمية والحشمة وفى الثاني معطيات الاستقلالية والألفة معاً . وهكذا اتخذ المنزل الإسلامي "المباطن" والحي تكوينه "التراص" والمنزل المباطن هو الذي تتفتح فراغات المعيشة فيه على مجال واحد للتهوية والنور الممثل في "الفناء" المسمى "وسط الحوش" . ولما اقتضت الحياة الإسلامية المحافظة التفرقة بين الجنسين ، حوِّر المنزل الإسلامي في المدينة القديمة عن النموذج المقتبس باقتطاع قسم منه للرجال "المربوعة" بالنسبة للطابق الأرضي وغرفة "السقيفة" بالنسبة للطابق العلوي إن وجد ، وفى كلا الحالتين يكون الباب الرئيسي والباب المؤدى إلى الفناء غير متساويين بحيث لا ينكشف وسط الحوش للناظر من الشارع من خلال السقيفة .
وقبل كل شئ انطوى السكن على فناء يغنى عن فتح النوافذ على الخارج ويعطى وفرة من الخصوصية اللازمة لأهل ذلك البيت .

· عوامل اجتماعية:
من خلال دراسة الوضع المعيشي في ليبيا وخاصة مدينة طرابلس نلاحظ أنه لم يكن هناك نسبة كبيرة من الأغنياء ميسوري الحال بين الليبيين ، فقد كانت هناك طبقة غنية تتألف من أصحاب الصناعات والحرف المزدهرة ومن الموظفين ورجال الدين المقربين من الحكام الأتراك وكذلك من التجار، وتستوطن هذه الفئة المدن وأهمها مدينة طرابلس ، ويعكس غنى هؤلاء حياة البذخ وما كانوا يصرفونه في حفلات الزفاف وغيرها وكذلك المنازل الفخمة التي كانوا يسكنونها ومن المؤكد أن اختلال حياة المواطن المعيشية والاقتصادية في العهد العثماني إنما مرده إلى اضطراب الأحوال والفوضى والمغالاة في فرض الضرائب والإتاوات على المواطنين وخاصة الفلاحين منهم.
من المحتمل أن العامل الأساسي في تصميم الحوش بالنسبة لنوع المبنى السكنى هو تحقيق الفصل بحيث يتم الفصل ما بين الضيوف من الرجال والنساء وأهل البيت .. حيث يتم تقديم الخدمات من داخل البيت للضيوف مع تحقيق كامل الخصوصية أي بمعنى الفصل بين الشارع والحوش .

· عوامل اقتصادية( الوظيفي ):
الحوش يأخذ أقل مساحة ممكنة للعائلة ويعطيها مساحة كافية لقيام كافة النشاطات فيه تحت شروط مناسبة معماريا محتوية على الغسيل والطبخ وملعب أطفال ومكان للجلوس والراحة بأقل تكلفة ممكنة وبقطع أقل مسافة ممكنة ما بين الفراغات لتحقيق الوظائف المطلوبة.

· الكثافة والاستعمال:
الحوش يعطينا حل مناسب وظيفيا مع مساحة المدينة حيث تحقق لنا أفضل توزيع فراغي ممكن وأقل مساحة ممكنة من مساحة المدينة ، فمساحة الحوش لا تتجاوز 130 سم مربع من كثافة أكثر 150 سم مربع شخص في المساحة .

· الإضاءة/
يتمتع السكان بالإضاءة المباشرة والغير مباشرة بنسبة 50% إلى 75% حسب اتجاه نوافذ الحجرات ، كما أنهم لا يتلقون أشعة الشمس باكرا فجأة عند صحوتهم من النوم حيث تتعود العيون على الضوء تدريجيا قبل الخروج إلى الشارع .

· التهوية/
يعتبر وسط الحوش( الفناء) أكثر أداة للتنوير والتهوية والمرح وهو مسرح في ذاته للأفراح بحيث لا يحتاج آباؤنا لنصب الخيام في الشوارع في مناسباتها. حيث تكون التهوية تدريجية أيضا مع احتماء فسحة الفناء عند القيلولة بالتهاب التيارات الصاعدة ودخول الهواء الجديد من الأسفل من السقيفة المشتعلة بجرة تبريد في الصيف بدون تسبب في تيار هوائي مضر بسبب انكسار المجرى ولذا لم يلجئوا إلى تناول الأسبرو رغم دخوله البلد في أواخر عمرهم أيضا .
أما في الشتاء فالبرد لا يتعدى درجة حرارة ماء الآبار والمواجن في الحجرات ولذا كفاهم للتدفئة أن يستعملوا كانون فحم نباتي ، وقد جعلت فوق أبواب الحجرات فتحات صغيرة لمنع الإصابة بالاختناق الناتج عن أكسيد الكربون .




المفردات المعمارية والعناصر الزخرفية في الحوش الطرابلسي/
أما بالنسبة للمفردات المعمارية التي نجدها تأخذ دورا بارزا في إظهار بعض الأنماط المستعملة في الحوش الطرابلسي نجد ما يأتي :ـ
الأبواب/ أما بالنسبة لأبواب المداخل الرئيسية ومداخل أبواب الغرف والحجرات فكانت تعد من الأخشاب أما مقابضها ومطارقها ( الطقطاقة ) وغيرها فهي تعد من مادة الحديد الصلب .

ولكن هذه الأبواب تأخذ أنواع مختلفة قد نورد منها الأنواع التالية :ـ
1 ـ باب أبو خوخة : وهذا الباب يركب مقوس الشكل وهو من الخشب يفتح بطريقة مزدوجة حسب ما تتطلبه الحاجة حيث يفتح الباب بالكامل ثم يفتح جزء منه بمفرده ، وهو الجزء الذي يظهر مقوس الشكل .
2 ـ باب بو فردة : وهو باب خشبي يتكون من طرف واحد .

3 ـ باب على اثنين : وهو باب خشبي يتكون من جزأين ، جزء ثابت وجزء متحرك .

4 ـ باب على ثلاثة : وهو باب خشبي يتكون من ثلاثة أجزاء ، جزء ثابت وجزءان متحركان.

5 ـ باب على أربعة : وهو باب خشبي يتكون من أربعة أجزاء ، جزء ثابت وثلاثة أجزاء متحركة.

6- الروشن/ وهى النافذة التي تكون عادة مستطيلة الشكل تفصل بباب خشبي ، وتحكم بشباك خارجي من قضبان حديدية.

7- القلالية/ وهى الشرفة الخارجية التي تطل من المبنى ، وهذه الشرفة قد تكون محاطة بشباك خشبي والمعروف ( بعين الزرزور ) أو بخشب مضلع أو تكون محاطة بساند قصير من القضبان الحديدية المعروف ( بالقرقطون ).

ومن العناصر المعمارية المستعملة في الحوش الطرابلسي ما يلي :ـ
الساباط/ وهى غرفة معلقة بين جدارين متقابلين .

الضواية/ وهى فتحة صغيرة في أعلى باب المدخل والغرض منها توفير الإضاءة والتهوية للسقيفة.

الركابة/ وهى بسطة من البناء ملاصقة لأحد جدران المنزل .

العتبة/ وهى عتبة مدخل الباب الرئيسي للمنزل ، وكذلك عتبات مداخل الغرف والحجرات الخاصة بالمنزل .


الميزاب/ وهى ماسورة صرف مياه الأمطار المجمعة فوق سطح المنزل والتي يعمل على صرفها إلى مواجن المنزل أو خارجها .

القرقطون/ وهو الساند الخاص بالسلم والمصاعد والساند للشرفات المعروفة ( بالمساتريح ) وللشرفات المعروفة ( بالقلاليات ) ويتكون هذا الساند من الخشب الخالص أو من الخشب المدعم بالقضبان الحديدية .

القرنيزة/ وهى عبارة عن بروز نسبى يأخذ شكلا أفقيا على امتداد واجهة المنزل .

الشاشية/ وهى قمة الجدار للواجهة الأمامية أو الخلفية للمنزل .

الزليز/ وهو عبارة عن بلاط ملون يسمى في ليبيا وتونس " زليز " ويتكون من عناصر ملونة ويستخدم في المنازل الليبية وبالأخص في الحوش الطرابلسي ويغلب استخدامه في الداخل وقليلا جدا في الخارج وفى السطوح وكان هذا مستعملا في حوائط المباني التركية القديمة في طرابلس في ممرات صغيرة مكونة بذلك نماذج هندسية مختلفة متأثرة بالفن الأندلسي ، ولقد أستخدم الزليز في مساحات أكبر في نماذج متكررة وأحيانا يغطى مساحات كبيرة في الفناء وأحيانا يغطى المساند ، وأبعاد الزليز تكون 7/7سم ، 15/15سم .

تيجان الأعمدة والأقواس/ إن أغلب التيجان في المنازل الإسلامية كانت نماذج بيزنطية ، وحتى يعطى لها طابع إسلامي وضع الهلال على كل الجانبين وكذلك استعمل اللون الروماني كالطراز الأيوني والدوري والكورنثي ، وكانت تستعمل أغلب الأقواس على هيئة حدوة الفرس وتستعمل في الأبواب والمداخل وكذلك أروقة الأفنية وحجرات الراحة المفتوحة على الأفنية وكانت هناك نقوش ونحوت على الطراز البيزنطي .

عين الزرزور/ وهى في شكلها مثل المشربية وكانت تستخدم في الفتحات المستعملة للإضاءة لعزلها عن الخارج ولا تستعمل في الحجرات المطلة على الفناء وأغلبها مستطيل الشكل ولها شباك مرتفع يسمح بالرؤية خلالها للشارع ، أما النوع الآخر فهو مدور ومنفتح عند السطح وأغلب هذا النوع متواجد في تونس .




عناصر التأثيث في الحوش الطرابلسي/
من المؤكد أن أي فراغ معماري لا يقوم بنشاطه الوظيفي في الحياة اليومية إلا باكتمال مجمل عناصره وتحديدا الأثاث والمكملات الداخلية للفراغ.وبالتالي كان للحركة العمرانية فلسفة تشمل مفاهيم اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية،بدءا بحركة الفنون والصنائع،حيث التقى المعماريون مع الفنانين وتركز اهتمامهم على الفراغ الداخلي للمبنى وعلاقة المصمم بالحرفي وعلاقة التصميم والتنفيذ بالجملة،ومع الأخذ في الاعتبار دور الأثاث كعلامة للثراء والمكانة الاجتماعية العالية والذوق الرفيع والهوية والذات.
1. السدة:

تعتبر عنصرا مهما من عناصر تأثيث الحوش الطرابلسي حيث تعتبر ميزة من مميزاته،وتلعب السدة دورا وظيفيا منفعيا من
قبل المستعمل حيث تقوم بعدة وظائف متداخلة في مستوى وظيفي واحد. وتأخذ السدة موضعا جانبيا متطرفا داخل الفراغ الداخلي لحجرة القبو حيث تستقبل المتجه إليها عند نهاية محور الحركة المؤدي إليها(باعتبارها نقطة توقف). وتأخذ السدة مستويين:
• المستوى الأول:
يبدأ من سطح الأرض ويشغل هذا المستوى وظيفة التخزين(من أمتعة واحتياجات أخرى للحياة اليومية).وتقوم عملية التعامل مع هذا المستوى بفتحة في أسفل السدة(باب صغير)، وتقدر نسبة ارتفاعها عن مستوى الأرض بحوالي 60-100سم.

• المستوى الثاني:
أما المستوى الثاني فيتم الصعود إليه بدرجات في منتصف عرض السدة ويستخدم هذا المستوى كفراغ للنوم. واعتمدت خامة الخشب كخامة أساسية لصنع السدة يدويا وتحتوي عناصر السدة على بعض النقوش منها:
1. الحفر على الخشب.

2. النحت البارز والنحت الغائر.
وللسدة واجهة رئيسية وحيدة لها مدخل على هيئة قوس المشغول بالحليات النباتية المنقوشة على الخشب. وفي بعض الحالات تكون للسدة غرفة خاصة بها تسمى غرفة السدة. وفي بعض الحالات الأخرى تتكون السدة من جزأين حيث يخصص الجزء الأول للنوم ، والجزء الثاني هو ما يعرف بمخدع النساء ويفتح على نفس مستوى النوم. وهذا النوع تحديدا نادر جدا وهو موجود عند بعض الطبقات الميسورة حيث تكون لصاحب البيت أكثر من زوجة. وبالتالي من منطلق هذه النقطة الهامة تمكن القول بأن للوضع الاجتماعي والاقتصادي تأثير مباشر على مواصفات ومقومات عناصر السدة والبيت، حيث نلاحظ أن خصوصية هذا العنصر(المخدع)عادة ما تكون خارج تكوين المنزل حيث تكون مطلا على الشارع مباشرة وهو ما يعرف"الساباط" والذي يطل على شارع عام أو شبه عام ويأخذ وضعيته التكوينية فوق قوس في الشارع. وتكون نوافذ هذا المخدع مشغولة بالأعمال الخشبية وهو ما يعرف"المشربية".
2. الخزانة الحائطية
3. البنك
4. المنادير
5. الحصيرة
6. الحمل والمرقوم والكليم
7. الحيطية




فلسفة اللون في الحوش الطرابلسي:
تختلف الألوان في المدينة القديمة تبعا لعقيدة وديانة أصحاب هذه المباني وذلك على النحو التالي:
· اللون عند المسلمين:
يميل المسلمون إلى استخدام اللونين الأخضر والأبيض بكثرة في مبانيهم وذلك لأسباب رمزية، فاللون الأبيض يرمز إلى الطهارة والنقاء، بينما يرمز الأخضر إلى الجنة والخضرة.
لذلك نجد أن منازل المسلمين ومساجدهم في المدينة القديمة يظهر بها هذين اللونين بوضوح في طلاء المسطحات الخارجية والداخلية لكتل المباني، بينما يغلب اللون الأخضر على طلاء العناصر المعمارية كالأبواب والنوافذ والمشربيات والضوايات. إلى جانب مآذن المساجد.
· اللون عند المسيحيين:
حيث يميل المسيحيون إلى استخدام الألوان الهادئة كالأبيض الترابي والبني الفاتح إلى جانب استخدام الأبيض والأصفر وهو لون علم البابا والذي يرمز عندهم للسلام. بالإضافة إلى اشتقاق اللون من ألوان الغروب، حيث استخدموا اللون الوردي الهادي، وهم لا يستخدمون الزخارف الملونة.
وبصفة عامة يمكن القول أن المسيحيين يميلون إلى استخدام هذه الألوان في منازلهم وكنائسهم.
· اللون عند اليهود:
أما اليهود فيميلون إلى استخدام اللون الأزرق بدرجاته المتفاوته بكثرة في منازلهم وزخارفهم، وذلك لمدلوله الرمزي لديهم، حيث يرمز إلى النهرين وهو شعارهم الديني والسياسي، حيث يعتقدون أن بلادهم تمتد من النيل إلى الفرات.




مواد البناء وطرق الإنشاء التقليدية/

أولا: مواد البناء المستعملة/

      لقد تطورت تقنية وطريقة بناء المنزل ذو الفناء الليبي منذ العهد الروماني والعربي والعثمانيين خلال زمانهم بنوا البيوت من مواد مثل الرمل والحجر الجيري والطين والخشب واخترعوا الطوب الزجاجي والقيشاني وكانت طريقة البناء المعتمدة على الحوائط الحاملة في المباني ذات الطابق والطابقين وثلاث طوابق شائعة جدا ولكن هناك نوع خاص من البناء المستخدم في هذه المباني وهى بناء الساباط الذي تمتد فيه الحجرة من المبنى إلى الحوائط الحاملة للمبنى المقابل في الشارع وهى محملة على الحوائط الخارجية للمبنيين المتقابلين وتسمى الحجرة الطائرة أو الساباط باللغة المحلية .

أما بالنسبة لمواد البناء المستعملة في إقامة الجدران والتفاصيل المعمارية للحوش الطرابلسي كانت مكونة من:ـ
1 ـ الطوب : ويشمل الطوب الصخري والجيري والرخام والمصنع مثل الياجور .

2 ـ الرمل : ويشمل القزة البحرية وقزة الوديان البرية .

3 ـ الجير : ويشمل الجير الحي والجير المطفأ .

4 ـ الشهبة : وتؤخذ من رماد الأفران الشعبية ( الكوشة ) .

سمك حوائط المبنى تختلف أبعاده معتمدة في ذلك على الارتفاع ونوع المواد المستعملة فالحوائط الشائعة هي " حائط ضرب باب " وهو مكون من الحجارة بأبعاد غير منظمة مع الطمي ، وبعض المباني استخدم في بناؤها حجارة مقطوعة ومنظمة من الحجر المالطي ، وهذه الحوائط كانت تبنى في الواجهات وتترك بدون لياسة خارجية .
والملاحظ في المدينة القديمة أنه توجد بعض المباني الأثرية القديمة التي بنيت من الحجارة الرومانية والتي تم جلبها من مباني قديمة وأحيانا يتم تكسيرها إلى حجارة صغيرة وتخلط مع الطين وهى الطريقة القديمة التي استخدمت في البناء والبنّاء الماهر هو الذي بنى الحوائط المهمة في المبنى وذلك لضمان ربط الحوائط مع بعض من أجل تجميل الدور العلوي فوقها .

تركيب الأسقف/

الأسقف المسطحة والمستخدمة في المبنى ذات الطابق الواحد تعتبر أحسن من أسقف المباني ذات الطابقين وذلك أن الأسقف تعمل من أجزاء جذوع النخيل التي تعمل ككمرات بحيث تصفف في الاتجاه العرضي للكمرة وتوضع فوقها طبقة من الألواح الخشبية الرقيقة تم يوضع فوقها طبقة من الطين والحجارة بحيث تسوى في شكلها النهائي بحيث يصل سمك السقف أحيانا إلى 35 سم .
وتستعمل أحيانا الأقبية المتقاطعة وهذه يجب أن تستعمل في الدور الأرضي فقط وذلك بسبب وزنها الزائد وهذه الأقبية تتكون من حجارة صغيرة يتم تصفيفها وربطها جيدا للمبنى وتكون عادة في المدخل أو المربوعة للمنزل ذو الفناء المكون من دور أرضى .
أما القباب فلا يوجد منزل مسقف قبة في المدينة القديمة وإن وجد قديما فإنه لا يوجد حاليا حوش مسقف بقباب بالمدينة القديمة .

الأرضيات والتشطيبات/

أغلب الأفنية الموجودة في أقدم المباني ذات الطابق الأرضي تركت بدون تبليط ولكن المباني ذات الطابقين وجد فناؤها مغطى ببعض الحجارة التي قصت ورصفت بأشكال هندسية . والأرضية عادة تغطى بأحد هذه المواد أو بطبقة إسمنتية ملونة ، والأرضيات الخشبية لا توجد ولا تستعمل في المنازل ، والملاحظ أ، طبقة اللياسة عادة تحتوى على الرمل والحجارة وتستخدم في الحوائط الخارجية وفى بعض الأحيان تجمع مع بعض البلاطات الملونة .

ثانيا: طرق الإنشاء التقليدية/

استعملت المواد المحلية كالرمل والطين والحجر الجيري والمواد المستوردة في بيوت الأغنياء ومثل الرخام الذي أستعمل في الأعمدة والتيجان .
وقد كان البناء عبارة عن حوائط حاملة سميكة من النوع العادي ، حوائط حاملة سميكة تستخدم بنسب مختلفة حسب ارتفاع المبنى ، بالإضافة إلى وجود دعامات خاصة كلما أمكن ذلك وهى تساعد في تدعيم الحوائط بين مبنيين مختلفين .
أ ـ الحوائط الحاملة :ـ استعمل الطين المجفف بالشمس أما الطوب المحروق فكان نادراً جداً ، وغالبا ما يستخدم في الزوايا ، ويتميز الساحل الطرابلسي بأنه غنى بالحجر الجيري مما أدى إلى كثرة استعماله حتى الآن ، وهناك مباني مبنية بطوب مقطوع بشكل دقيق وهذا النوع يعرف بالحجر المالطي وقد استخدمت طريقتين في تصفيف الحوائط :

1 ـ حجر منتظم + مونة من الجير والرمل .

2 ـ طريقة مشتقة من الرومان .

أما الأساسات فلم تكن تمثل مشكلة لأن التربة رملية أو صخرية مع ارتفاع المباني المحدود فكانت توضع أرضية مستمرة من الخرسانة والحجارة . أما الأعمدة فاستخدمت لدعم الرواق وتبنى من الحجر الجيري والرخام الأبيض.

ب ـ بناء الأسقف :ـ تبنى من الخشب الصنوبري أو خشب الثميل وتغطى بألواح مسطحة من الخشب وطبقة من الخرسانة الناعمة أو النخيل " السنور " هذا في حالة الأسطح المستوية ،أما في حالة القباب المتوازية أو المتقاطعة فكانت تبنى بالطوب المحروق المزود بالخرسانة أو عند وجودها أما القباب فهي نادرة جداً.

ج ـ الأرضيات :ـ في منازل الطابق الواحد كانت الأفنية تترك بلا أرضية ، أما في المنازل ذات الطابقين فتوضع مسطحات حجرية أو رخامية وأحيانا الفسيفساء في أشكال هندسية أو بلاط ملون، أما البلاط الخشبي فلم يستعمل مطلقا ، أما البلاط الخرساني " فهو مكون من الرمل والطين والجير" ، ولقد استخدم البلاط والخشب والأقواس على شكل حدوة الحصان والمكون من الطوب في بعض الفتحات .

1. بناء الحوائط /
كانت طريقة البناء المستعملة في الإنشاءات المعمارية لبناء الحوش الطرابلسي ، الوسائل الآتية:ـ
أ ـ البناء بطريقة ضرب الباب : وتتم هذه الطريقة بدك الرمال الطينية والحصى بين قالبين مع الجير والرمل المعروف ( بالقزة ) .

ب ـ البناء بالطوب الصغير ( الرشاد ) : ويستعمل فيه الحجر الصغير . وتعرف هذه الطريقة ببناء ( روس الكلاب ) .

ج ـ البناء بطريقة الطوب الجوازي : ويستعمل فيه الطوب المتوسط ، حيث يتم البناء بطريقة بناء الطوب بشكل مزدوج .

د ـ البناء بواسطة الحجر المقطوع : ويستعمل فيه الطوب المقطوع من الجزر الصخرية وكذلك الطوب المقطوع من المحاجر البرية ومنها الحجر المعروف بالقرقارشي .

هـ ـ البناء بالحجر المالطي : ويستعمل فيه الحجر المالطي ويبدو أنه أحد أنواع الرخام الخاص بالبناء ويأخذ اللون الأصفر . وكان هذا الطوب يجلب من جزيرة مالطية .

و ـ البناء بواسطة الطوب الصناعي ( الياجور ) : ويستعمل فيه الطوب المصنوع من المواد الجيرية ويعرف هذا الطوب ( بالياجور المليان ) .

2. ثانيا: بناء الأسقف/
أما الأسقف فهي تأخذ أيضا عدد من الأنماط والأشكال التي أتت حسب المراحل التاريخية التي عرفها الحوش الطرابلسي وهى :
1 ـ سقف السنور : ويستعمل فيه جذوع النخيل المقطوعة على ستة أو ثمانية أجزاء مع الجريد وتبن البحر.
2 ـ سقف المرتك : ويستعمل فيه الخشب المتكون من الأضلاع المعروفة ( بالمرتك ) وألواح الخشب المسطحة وتارة ما يستعمل معه القناطر الحديدية لشد الخشب .
3 ـ سقف الكمر : ويستعمل فيه الطوب الصناعي المجوف ( الياجور ) مع القناطر الحديدية لشد السقف .

3. ثالثا: تبليط الأرضيات/
أما بالنسبة لاستعمالات البلاطات الأرضية فهي الأخرى قد تعددت فيها الأغلاط والأشكال التي أتت حسب تسلسل المراحل التاريخية التي مر بها الحوش الطرابلسي وهى :

1 ـ طريقة التبليط بالكراسان ( الستاك ) : وتتم بدك الأرضية تم وضع طبقة من الجير والرمل مع بعض الأصباغ المعروفة ( بالغبرة ) .
2 ـ التبليط بالرخام المالطي : ويستعمل فيه نوع من الرخام المالطي الصلب بمقاييس وأحجام كبيرة تبلغ بين (50*50 سم) (60*60 سم) تقريباً .

3 ـ التبليط بالرخام المصنع : ويستعمل فيه البلاط المصنوع من الرخام ذي الألوان الأبيض والأسود بمقاييس وأحجام كبيرة تبلغ ( 50*50 سم) تقريباً .

4 ـ التبليط بالبلاط الإسمنتي ( الزليز ) : ويستعمل فيه البلاط المصنوع من مادة الإسمنت والفرمل والجير وتأخذ ألوانه من الأسود الخالص والأبيض .

5 ـ التبليط بالبلاط الزخرفي الإسمنتي ( الزليز ) : ويستعمل فيه البلاط المصنوع من مادة الإسمنت والرمل والجير مع بعض الأصباغ التي تعرف ( بالغبرة ) ويعرف هذا البلاط ( بالزليز المور ) .

6 ـ التبليط بزليز القرانيليا : ويستعمل فيه البلاط المصنوع من مادة الإسمنت والرمل والجير مع حصى صغيرة من الرخام المعروف ( بالقرينيليا ) الجرانيت .

7 ـ التبليط بالبلاط الخزفي الزخرفي المعروف ( بالقيشاني ) : وهو بلاط خزفي يستعمل لتغطية الجدران وأعالي المداخل الرئيسية لإضفاء نوع من الأبنية على أفنية الحوش الطرابلسي .




الخلاصة/
من خلال استعراضنا لخصائص الحوش الطرابلسي التقليدي، يمكننا أن نستخلص مجموعة من القيم الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، التي صاحبت مسير تشكّله عبر التاريخ صاغها ساكنوه وأسطى البناء، الذي لم يكن يوما غريبا عن محيطه مثلما لم يكن مغتربا عن ثقافة مجتمعه، قيم تحقّق معها موائمة الشكل والمضمون، الجمال والمنفعة، المتانة والاقتصاد، الأنا والجماعة. قيم اعتمدت على إرث ثقافي واجتماعي وبيئي، تفاعلها مع الحضارات الأخرى والتقنيات كان دائما واعيا.

والمتمعن في تركيبة هذا البيت يلحظ بوضوح التنظيم الاجتماعي البديع لبيت العائلة، فالأبوان والأبناء والأحفاد تربطهم نظم اجتماعية أساسها عــــــــــادات وتقاليد متوارثة مرجـعها الشرع والعرف. للأب والأم“ الجدين“ في هذا البيت دور الإدارة العليا التي تدير شؤون البيت وتوزع المهام وتفض الخلافات وتتحمل المسئولية الكاملة عن كل فرد من أفراد هذه العائلة فيما يتعلق بأمور حياته ومستقبله.

كما نستخلص أيضا مجموعة من النظم الاقتصادية التي تتعلق بالعلاقة الاقتصادية التي تربط أفراد العائلة والتي تعتمد على مبدأ المشاركة والتكافل. أو بهيكلية البيت التي تتركب من نظم إنشاء بسيطة ومتعارف عليها لدى عمالة البناء المحليين إلى جانب مواد بناء مصدرها البيئة المحلية ( طين وجير ورمل وحجارة).
كما ينكشف للمتأمل فيه الخصائص المعمارية والفنية الداخلة في تشكيل هذا البيت من حيث توزيع فراغاته حول فناء مفتوح على السماء أو في مساحاتها التي تميزت بمرونة الاستعمال في تأثيثها وأدائها الوظيفي الفائق، حيث توافقت الأنشطة المتعددة التي تدور في فراغات البيت من نوم، معيشة، أكل، تخزين وغيرها، والخصوصية التي تمنحها العلاقات الفراغية لأفراد العائلة.

هذه هي خلاصة سريعة لمجموعة القيم التي افتقدناها في مخططات مدننا ومساكننا المعاصرة ولا نزال نفتقدها عند تصميم أي مشروع إسكاني جديد يتم تنفيذه من قبل الجهات الشعبية أو القطاع الخاص.

السبت، يونيو 20، 2009

التنمية المستدامة للمدن القديمة






أ. د. رمضان الطاهر أبو القاسم



تقديم:

تشكل المدن التاريخية القديمة نواة لتطور العديد من المدن الحديثة في العالم. في كثير من الدول النفطية النامية تجاوزت مخططات التنمية المدن القديمة و اعتبرتها عبئا على متطلبات الحياة العصرية.
كان الاعتقاد بأن القديم يرمز للتخلف و أن متطلبات التطور تستوجب الاهتمام بالاحتياجات العصرية و هو ما أدى في كثير من الحالات إلى إهمال نسيج المدن القديمة و عدم إدماجها في المخططات الجديدة للمدن.
لقد انعكس هذا الإهمال في ازدياد تردي حالة المدن القديمة و تغير بنيتها الاجتماعية في عدد كبير من المناطق نتيجة هذا التجاوز. ضعف وهشاشة برامج المحافظة على المدن التاريخية و حصر أهداف مخططات إعادة إحياء المدن التاريخية القديمة على عمليات الترميم ساهم أيضا في تدهور حالة المدن القديمة و جعل هذه البرامج عاجزة عن تحقيق الأهداف الكاملة المطلوبة منها. إن هجرة ألسكان الأصليين للمدن القديمة و تراجع مستوى خدمات البنية التحتية المتوفرة و غياب استراتيجية شاملة و واضحة للتعامل مع المدن التاريخية القديمة شكك في جدوى برامج و مشاريع إحياء المدن القديمة و بالتالي دور المدن التاريخية القديمة في حياة المدن المعاصرة. لازال الكثيرون ينظرون إلى المدن القديمة كرمز للفقر والتخلف الذي يعيق مخططات التنمية.

إن المدن القديمة تمثل إرثا حضاريا زاخرا ببعده التاريخي، و نمطه الحياتي المميز و نسيجه العمراني المتماسك و أهمية المدن القديمة جاءت من كونها نتاجا يحتوي على طبقات متوالية من التاريخ البشري طبيعيا و معنويا والمشاكل التي تواجه المدن الحديثة يمكن التعامل معها باعتبار المدن التاريخية القديمة سبيلا لتذليل تلك المصاعب و ليس تعقيدا لها.
ان إعادة تأهيل المدن التاريخية القديمة و إدماجها في محيطها الحضري بطريقة فاعلة يضمن استمرارية الدور الحضاري لهذه المدن و يحافظ على مواردها و يساعد في التغلب على بعض المشاكل الاقتصادية. إن النمو الملحوظ في حركة السياحة لفت الاهتمام بالمدن القديمة و الموروث العمراني حيث رأى الكثيرون في هذا التحول فرص اقتصادية جيدة. لقد أصبحت السياحة عنصرا فاعلا في تنمية المدن التاريخية القديمة و برامج صيانة مركباتها. هذا التوجه نحو تهيئة المدن التاريخية للاستثمار السياحي يتطلب خطة أو استراتيجية محكمة لضمان تحقيق أكبر قدر من النجاحات.

استراتيجية تنمية المدن التاريخية القديمة يجب أن تعتمد على فكرة التنمية المستدامة كمدخل للمحافظة عليها و إعادة تأهيلها للتغلب على بعض مكامن الضعف التي تواجه برامج أجهزة إدارة و تنمية و صيانة المدن القديمة في الجماهيرية و حتى لا تقتصر الاهتمامات على المكاسب السريعة. إن استراتيجية التنمية المستدامة للمدن القديمة يجب أن تتضمن ثلاث محاور أساسية لنجاحها: الاعتبارات البيئية والاعتبارات الاقتصادية و الاعتبارات الاجتماعية. الاعتبارات الأولى تشمل الإعداد الجيد للمخططات والتداخلات المعمارية المقترحة للمحافظة على المدن القديمة و أثر هذه التداخلات و غيرها على السكان و نسيج المدينة بشكل خاص و البيئة بشكل عام. أما الاعتبارات الثانية فتشمل إدارة الموارد المتاحة و تطويعها لإنجاح برنامج التنمية بطريقة فاعلة. الاعتبارات الاجتماعية تتضمن تأثير المخطط على الشرائح الاجتماعية المختلفة و مدى تفاعل و مشاركة هذه الشرائح مع برامج الصيانة و المحافظة على المدن القديمة. إن اختلال أحد هذه العوامل أو التقصير في التعامل معها بطريقة علمية صحيحة سيؤثر على البرامج الرامية لتفعيل حيوية المدن القديمة و إدماجها في محيطها الحضري.

- التنمية المستدامة و المدن القديمة:-
ترتكز فكرة التنمية المستدامة على مقدرة المخطط أو المصمم على العمل بتوافق مع المحيط بحيث تكون التداخلات المقترحة منسجمة مع احتياجات الناس وملائمة اقتصاديا و حسب الموارد المتوفرة. إن ذلك يعني باختصار مراعاة المصمم للاعتبارات البيئية و الاعتبارات الاقتصادية و الاعتبارات الاجتماعية بحيث تتوافق مقترحات المصمم و المخطط و الاحتياجات المعاصرة و لا تكون على حساب احتياجات الأجيال المستقبلية أو على حساب الموارد المتاحة بحيث لا يتم هدر أو استنزاف تلك الموارد.

إعادة التأهيل أو المحافظة على المباني التاريخية يمكن تعريفها بالبرامج و الجهود الرامية للمحافظة على الموروث العمراني و المعالم التاريخية المهمة. و هذه تشمل العديد من الطرق و التقنيات المختلفة. بينما المعالم التاريخية تشتمل على خليط من المباني و الرموز الحضارية المتباينة و تتضمن أيضا عدد من المواضيع المتشابكة و الأفكار المعقدة و بغض النظر عن ما يمكن أن تتضمنه فكرة المحافظة على المدن القديمة أو المعالم التاريخية فان المدن التاريخية القديمة ليست مجرد مجموعة مباني قديمة أو ما قد يسميه البعض معالم عمرانية نادرة انتهت صلاحيتها الوظيفية بينما "قيمتها" التاريخية لازالت عالية مما يستوجب معه المحافظة علي بعض المباني التاريخية أو أجزاء من تلك المباني لتكون بمثابة القطع النادرة التي تتواجد في المتاحف. النشاطات الحضارية المختلفة Urban Activities علامة من علامات حيوية المدن.
ان المدن القديمة لم ترتبط صلاحيتها بفترة زمنية محددة كما أن مكوناتها لا يمكن اعتبارها قطع استهلاكية. المدن القديمة كيان حضاري و معيشي معمر قد تتغير وظائف المباني فيها و تتغير ملامح فراغاتها و لكنها تستطيع دائما أن تحتفظ بوجودها و ملامحها الحضارية و تتلائم مع احتياجات السكان المعاصرة بحيث لا يمكن رؤية المدن القديمة بمعزل عن محيطها الحضري و احتياجات زوارها و حياة سكانها.

المدن التاريخية القديمة فضاءات تم تكوينها بجهود الجميع و عبر فترات طويلة من الزمن و هي أماكن أسس فيها الناس مجتمعاتهم على مدى قرون طويلة فهي أماكن لها مكانتها و كيانها. المدن القديمة تمثل إرثا حضاريا زاخرا ببعده التاريخي، و نمطه الحياتي المميز و نسيجه العمراني المتماسك. و هي لم تنشأ بين عشية و ضحاها أو بناء على مخطط وضعه شخص واحد قد يتمثل في المعماري أو غيره. المدن القديمة إنجاز حضاري يصنعه الجميع ويعيش فيه و يتفاعل معه الجميع عبر تاريخ طويل.
تشترك فكرة إعادة التأهيل أو المحافظة على المعالم التاريخية و فكرة التنمية المستدامة في أنهما يستهدفان المدينة و بالذات الجزء التاريخي من المدن في كافة التدخلات. كما يشتركان في طريقة العمل فكلتا الفكرتين تتضمن مجهود مستمر، استمرار المدينة، و يعتمدان على الموارد المتاحة و المشاركة الأهلية.

قد تعني الاستدامة أشياء متباينة لشخصيات مختلفة فبالنسبة ( لفيلدن) الاستدامة هي اطالة عمر المبنى بغرض المساعدة في اقتصاد الطاقة و التكلفة و المواد، أما المحافظة على المباني القديمة فهي حفظ التراث بغرض استعماله الاستعمال الأمثل. في حين فكرة الاستدامة بالنسبة الى المستثمر أو رجل الأعمال فان فكرة الاستدامة تعني الحصول على أفضل معدل للتنمية و بالتالي أفضل العوائد لما يتم إنفاقه أو صرفه على مباني قائمة أو مشاريع جديدة أو أية مشاريع استثمارية أخرى. هنا يبرز الجانب الاقتصادي كأحد الاعتبارات الرئيسة لفكرة الاستدامة. و هو ما يجعلها تطغى على أية اعتبارات اجتماعية أو بيئية أخرى مما يجعلها تتعارض مع فكرة المحافظة على المباني القديمة لسيطرة الجانب الاقتصادي على بقية الاعتبارات الأخرى. و هذا قد يبدو واضحا من زحف الكثير من مشاريع التنمية الحديثة على العديد من المدن التاريخية القديمة أو الاستعمال الغير مناسب للمباني التاريخية بغية تحقيق بعض المكاسب المادية. إن تفضيل الجانب الاقتصادي أثر على نسيج الكثير من المدن القديمة و جعلها في بعض الحالات جزر محاصرة بالمباني الحديثة ذات الطوابق العالية.

تردي حالة المدن التاريخية القديمة لم يكن نتيجة تدهور حالتها الإنشائية فقط بل أيضا نتيجة توزيع و توظيف أغلب الموارد الوطنية لبناء المشاريع الحديثة و عدم تخصيص جزء من الموارد لتنمية المدن التاريخية القديمة. لقد كان للمشاريع الحديثة العديد من التأثيرات الاجتماعية الاقتصادية و البيئية السلبية على المدن القديمة و يبدو هذا واضحا في الأبراج الخرسانية التي زرعت في وسط المدن القديمة وحولها بدعوى القضاء على المناطق المتردية و بناء مباني حديثة و عصرية. لقد أثرت المباني الحديثة و طرق التخطيط المعاصر على تنوع الخدمات التي كانت موجودة في المدن القديمة و استبدلتها بأحياء "عصرية" ذات وظائف منفصلة (نظرية لوكوربوزيية لتخطيط المدن الحديثة) كما أثرت في نمط الملكية الفردية و استبدلتها بالملكية العامة و زادت من تكلفة البنية التحتية و هو ما أثار العديد من الأسئلة حول المفهوم الصحيح للتنمية.

التنمية المستدامة لا تعني بالضرورة املاء بعض النظريات المجردة مثل نظرية المدينة المعاصرة أو نظرية مدينة الحدائق على النسيج العمراني للمدن القائمة بل محاولة فهم المعطيات و الموارد المحلية الموجودة و تطويع هذه الموارد لتنمية المدينة و صياغة ملامحها بطريقة اقتصادية و بأقل قدر ممكن من التأثيرات السلبية على المحيط و ذلك لإيجاد بيئة معيشية أفضل للسكان و دون التأثير في احتياجات الأجيال المستقبلية. يمكن تحقيق ذلك من خلال الاستخدام المحكم للموارد مع التدخل الموزون على النسيج العمراني و على القيم الحضارية و الاجتماعية للسكان (الهوية الحضارية للمكان).
كما يمكن تحقيق ذلك بإيجاد توازن بين الجديد و القديم دون أن يطغى أحد الاعتبارات على الجانب الأخر. يعني هذا أن تحتفظ المدن القديمة بخصائصها الطبيعية و المتمثلة في كثافة المباني داخل النسيج الحضري و توزيع الخدمات على كامل النسيج العمراني وعدم تجزئة المدينة إلى أحياء وظيفية "متخصصة" (سكن و ترفيه، و عمل و مواصلات) بل وظائف متداخلة تكمل بعضها البعض لراحة الناس. كما يعني هذا أن تحتفظ المدن القديمة بفعاليات سكانها المختلفة و لا تكون مدينة مهجورة أو للزيارة فقط. أي أنه يمكن تنمية المدن القديمة مع الاحتفاظ بالمساكن الفردية و المتاجر و الورش الحرفية الصغيرة و لا تكون مكان لتركيز بعض الخدمات التجارية أو الإدارية على حساب بقية المناشط الأخرى. يتطلب هذا توافق بين خطط التنمية و مقترحات الصيانة و الحفاظ على المباني القديمة.

الخلاصة:-
إن تجاوز مخططات التنمية للمدن التاريخية القديمة و عدم تنميتها باعتبارها " موروث" قديم أو أنها مناطق "خاصة" انتهت صلاحيته الوظيفة تتضمن رؤية غير صحيحة. كما أن بعث مشاريع "ترميم" داخل المدن التاريخية القديمة بغرض المحافظة على "القديم" فقط دون إمكانية استعمال المباني التاريخية القديمة أو تطويعها للاحتياجات المعاصرة المختلفة هي جهود غير مكتملة. إن التوجه الملائم لتنمية المدن يكمن في إيجاد توازن بين القديم و الحديث من خلال إيجاد حوارمتواصل بين الماضي و الحاضر و ترجمة هذا الحوار إلى مخططات موضوعية متوازنة تعيش الحاضر و تتطلع إلى المستقبل و لا تنفي الماضي. فإعادة إحياء المدن القديمة على أساس تبني فكرة التنمية المستدامة و المحافظة على المباني القديمة كمحرك أساسي للتنمية يمثل أحد المخارج الآمنة للتنمية الحديثة. هذا المحرك يستوجب مراعاة ثلاث جوانب.
الجانب الأول/ يتعلق بالاعتبارات البيئية من خلال الاهتمام بالترميم و المحافظة و إعادة استعمال المباني و المناطق القديمة في مراحل التنمية. فالتوسع في أعمال الصيانة الدورية و اقتراح وظائف بديلة للمباني التي تم ترميمها يوفر فرص للعمل لكثير ممن يعانون من البطالة و يزيد من حيوية المدينة من خلال انتشار ورش العمل بها.

الجانب الثاني/ يرتبط بالاعتبارات الاقتصادية حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال بناء نشاط استثماري اقتصادي اجتماعي متكامل و متوازن يستهدف الجزء القديم و الحديث للمدينة. يتضمن هذا فتح أجزاء من مباني المدن التاريخية القديمة للاستثمار المتنوع (خدمي، حرفي، ترفيهي الخ) دون حصر هذه المباني على نوع واحد من النشاط التجاري و إيجاد مناطق عامة داخل و حول المدن القديمة للاستثمار تكون فضاءا مفتوحا لبعث مشاريع استثمارية جديدة تخدم السياحة وسكان المدينة على مدار السنة. كما يشمل تأكيد أهمية اتصال المدن القديمة بالحديثة وذلك ببعث مناطق للنشاطات التجارية و الترفيهية بين المدينة القديمة و الحديثة لتكون محور الجذب الرئيسي للمدينة بشكل عام. قد يشمل النشاط الاستثماري أيضا تبنى برنامج تطويرالصناعات التقليدية و صناعة المباني و مواد البناء التقليدية و تطويعها لأعمال صيانة المباني القديمة و بناء مشاريع جديدة مناسبة.

الجانب الثالث/ يشمل الاعتبارات الاجتماعية و تأثير مقترحات التنمية على الناس. دور السكان بكافة شرائحهم الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية في تنمية وإحياء المدينة التاريخية القديمة و مشاركتهم في مراحلها المختلفة يعتبر أحد مقومات النجاح لهذه البرامج. المشاركة يمكن أن تكون على أكثر من مستوى. أحد هذه المستويات قد يشمل إيجاد برنامج لإحياء الفراغات العامة مثل الشوارع و الميادين وإعادة استعمالها من خلال إعداد برنامج سنوي لعدد من ألمنا شط الاجتماعية و الدينية و الترفيهية في هذه الفراغات بهدف تشجيع الناس على التردد على هذه الفراغات و التمتع بهذه المناسبات. مستوى آخر يتمثل في بعث أماكن لمزاولة بعض الحرف التقليدية و "المعاصرة" مثل الأعمال الفنية كالخزف و الرسم" داخل نسيج المدينة القديمة.

هذه المقترحات يمكن تحقيقها مرحليا و بعد تمحيص دقيق للموارد المتاحة و بعد قراءة متأنية لمستلزمات كل مرحلة على حدة و تأثير هذه المراحل على السكان المحليين. التعامل مع الماضي باحتياجات الحاضر يتطلب الحذر و دون تفريط للظروف البيئية و التاريخية للمكان.
مما سبق يتبين أن الدعوة لم تكن لإعادة الماضي من خلال بعث قوالب جامدة أو اتخاذه وعاء لاحتواء احتياجات عصرية بقدر ما كانت دعوة لمواجهة التاريخ و قراءته بذهنية ناقدة. يجب توخي الحذر أثناء تحقيق الأهداف السابقة لأن إعداد مخطط للمحافظة على المدن التاريخية القديمة وإعادة تأهيلها قد يستوجب مهام إضافية مثل:
1- تحديد المناطق و المباني ذات القيمة المعمارية التاريخية و رسم برامج حمايتها و إعادة تأهيلها حسب الإمكانيات المناسبة و محاولة إدماجها في النسيج الحضري لبقية المدينة دون عزل هذه المباني و المناطق عن أوجه الحياة الحضرية المحيطة و دون تأثير على قيمتها التاريخية.
2- تقديم المقترحات التخطيطية الملائمة مع المحافظة على قيمة المدينة التاريخية.
3- تشجيع المقترحات التصميمية المعاصرة التي تراعي القيمة التاريخية للمدن القديمة و ترفع من مستوى خدماتها و لا تشوه النمط المعماري للمكان. يتأتى هذا بالتوسع في برنامج المسابقات المعمارية التي تعنى بالمباني التاريخية القديمة.
4- تعمير المناطق المتهدمة من المدن القديمة و المحافظة عليها كتجمعات سكنية حضارية مستدامة من خلال تشجيع رجال الأعمال و شركات المقاولات للمساهمة في برامج التطوير.
5- إصدار قوانين ولوائح خاصة بتنظيم نشاط البناء ة الترميم والتعامل مع المدن و المباني القديمة و احتياجات الحياة المعاصرة و متابعة تطوير القوانين و اللوائح الحالية. Building laws and building codes)
6- تطوير وتوفير الاحتياجات اللازمة من متطلبات البنية التحتية مع المحافظة على النمط المعماري للمدن القديمة.( المواصلات، شبكة المياه،الكهرباء، الصرف الصحي).
7- تشجيع السياحة الثقافية و تنظيمها بما يتلاءم و العادات و التقاليد العربية و الإسلامية للمجتمع لتزيد من حيوية المدن القديمة مع مراعاة عدم سيطرتها أو السماح لها بالسيطرة على طبيعة المدينة و قيمها الحضارية.
8- المحافظة على البيئة و التقليل من التأثيرات السلبية ( تلوث هواء، مصادر الضوضاء، القمامة) على النسيج الحضري على المدن القديمة.
9- تفعيل مشاركة السكان من أجل تقدير ما يقومون به و تحسيسهم بالمسؤولية تجاهه و مشاركة بقية شرائح المجتمع من رجال أ عمال و مثقفين و مختصين في مختلف برامج الصيانة و المحافظة على المباني و المدن القديمة إذ لا يمكن لجهاز إدارى بمفرده أن يقوم بدور الوصاية و أن يتحمل مسئولية إحياء المدن القديمة بمفرده.
10-تنظيم الأعمال الاستشارية المرتبطة بالمدن التاريخية القديمة من خلال عمل فرق علمية ذات تخصصات متنوعة و تنسيق المهام بين هذه الفرق التخصصية المختلفة و صياغة مقترحاتهم و آراءهم في شكل عملي متوافق و منسجم.
11- نشر ثقافة معمارية تقدر قيمة المباني القديمة و تشجع استثمارها الملائم بحيث تستهدف هذه الثقافة عامة الناس ولا تنحصر في فئة اجتماعية محدودة. يمكن تحقيق ذلك باستثمار كافة الوسائل المتاحة للرفع من مستوى الفهم و التعامل مع الموروث الحضاري و إبراز قيمته للمجتمع المعاصر و العمل على تأصيل القيم الحضارية من خلال إبراز النسيج الحضري.
12- تشجيع الأعمال ألإبداعية المتنوعة( فنية ومعمارية و حرفية و ثقافية ) داخل المدن التاريخية القديمة و التي تهدف لترسيخ القيم الحضارية و الإنسانية للمجتمع.
13- تبادل المعلومات و الآراء في كل ما يتعلق ببرامج صيانة و المحافظة على المدن التاريخية القديمة بين الأجهزة المحلية و الأجنبية.
14- تشجيع المشاريع الاستثمارية التي تحترم الموروث الحضاري للمدن القديمة و ترى فيه القوى المحركة للتنمية المستدامة الواعدة و تقديم المعونة المادية و الفنية لها.
15- الاهتمام بالجانب الإداري من خلال إيجاد إطار إدارى كفء يراعي ظروف المكان و ينسق عمليات الترميم و الصيانة للمباني التاريخية و علاقتها بالتنمية المستدامة و يقدم المصلحة العامة على المنفعة الذاتية.

المراجع:-

*** المقالة عن ورقة قدمها الباحث بعنوان نحو تنمية مستدامة للمدن القديمة تم تقديمها بندوة المحافظة على المدن القديمة بمدينة بنغازي بتاريخ 8-9 الكانون 2004.

[1] التنمية المستدامة يختلف تعريفها باختلاف الغرض المستعمل فيه التعريف انظر
Bill Leland definitions of sustainability in Arkin, L., “Taking about Sustainability and sustainable Communities or what is an Ecovillage anyway?” Communities Magazine, No. 91, Summer 1996.
[1] Arkin, L., “Taking about Sustainability and sustainable Communities or what is an Ecovillage anyway?” Communities Magazine, No. 91, Summer 1996.
[1] Rodwell, D. “Sustainability and the Holistic Approach to the Conservation of Historic Cities,” Journal of Architectural Conservation, No. 1 March 2003, pp. 58-73.
[1] Feilden,B., “Conservation-Is there No Limit?-A Review”, Journal of Architectural Conservation, Vol 1, No., 1, March 1995, pp. 5-7. in Rodwell, D., “Sustainability and the Holistic Approach to the Conservation of Historic Cities,” Journal of Architectural Conservation, No. 1 March 2003, p. 59.
[1] Rodwell, D. “Sustainability and the Holistic Approach to the Conservation of Historic Cities,” Journal of Architectural Conservation, No. 1 March 2003, p. 59.

[1] Nasser, N., “Cultural Continuity and Meaning of Place: Sustaining Historic Cities of the Islamicate World”, Journal Of Architectural Conservation No1 March 2003, PP. 74-89


تعريف بالكاتب على هذا الرابط/ http://mirathlibya.blogspot.com/2008/10/blog-post_17.html

الجمعة، يونيو 12، 2009

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا


غار تفوشيت- بمدينة نالوت
"بيوت الجبل"



م. علي عسكر

تقع مدينة نالوت في أقصى سلسلة الجبل الغربي بليبيا بين خطي طول 11 شرقاً وخط عرض 31 شمالاً ويبلغ عدد سكانها حوالي 20000 نسمة ويتركز نشاط السكان على الرعي والزراعة البعلية , وهي تعتبر من المناطق الواقعة في ظل المطر حيث لا يتعدى معدل سقوط الأمطار بها عن 150 ملم سنويا وتبعد عن الحدود التونسية بمسافة 60 كيلومتر وتحيط بالمدينة العديد من العيون المائية وغابات النخيل والتين والزيتون , ويتركز إنتاج المدينة الاقتصادي على الثروة الحيوانية ومحاصيل القمح والشعير أثناء مواسم الأمطار وزيت الزيتـون والصوف وللمدينة شهرة تاريخية في صناعة الفخار والمنسوجات الصوفية بصفة عامة وصناعة الحولي النالوتي بصفة خاصة , وهي من المدن الجبلية السياحية التي تتميز بجمال الطبيعة من جبال وسهول وتعتبر القلعة القديمة ( القصر ) من أهم أثارها المعمارية بالإضافة إلى معاصر الزيتون التقليدية والمساجد القديمة .

1. وصف الداموس " غار تفوشيت " :
" دار تفوشيت " أو غار تفوشيت هو عبارة عن مسكن لعائلة تفوشيت تم حفره تحت سطح الأرض ويحتوي على سلالم صخرية طويلة بارتفاع أكثر من قامة الإنسان وتقدر بحوالي 2.5 متر ، وتؤدي هذه السلالم إلى سقيفة يتفرع منها ممرين متصلين بفناء مفتوح لأعلى بفتحة تسمى " المنور " وعادة ما تكون دائرية للتهوية ، إلا أنها في هذا الموقع تعتبر مستطيلة ، وهي تسمح بدخول أشعة الشمس ، ولعل ما يميز هذا الغار عن باقي الغيران بالمدينة هو احتوائه على فتحتين " منورين " وتختلف مساحة الفتحة لكل منها من بيت لآخر، وتفتح أبوابالحجرات والمطبخ داخل هذين الفنائين من كافة الجهات.
تم إخلاء بيت تفوشيت من السكان خلال فترة الستينيات عقب التوسع العمراني الذي شهدته المدينة وانتشار المساكن الحديثة ، وأستغل البيت كمب للتخلص من القمامة المتزليه للمساكن المجاورة على مدى حـوالي أكتر من 35 سنة ، ويعتبر هذا البيت في السابق أحد نماذج الظواهر السلبية لتلوث البيئة.

2. العناصر المعمارية لدار تفوشيت :
تنقسم العناصر المعمارية لبيت الحفر " دار تفوشيت " إلى العناصر الآتية :
1) المخزن : وهوعبارة عن مساحة محفورة توجد عادة بسقيفة البيت تستخدم لتخزين الحطب والتين المجفف وأدوات الزراعة ، والمعدات الخاصة بالدواب.
2) حجرة الضيوف : وهي في مدخل البيت يتم فيها استقبال ضيوف العائلة وأثاتها بسيط جدا وهو عبارة عن حصيرة من الديس أو بساط مصنع محليا وقصعة خشب وبرادة فخار للماء.
3) حجرات المعيشة : وهي قريبة من المطبخ ومفتوحة على الفناء الداخلي.
4) حجرة النوم : وهي بجانب حجرات المعيشة ، وهي بيت الزوجية وتتكون من غرفة صغيرة للنوم توجد بأحد الجدران ويرتفع منسوبها عن الحجرة الرئيسية بأقل من متر ولها باب صغير ، وتوجد بالحجرة بعض المقتنيات الخاصة بالزوجة.
5) المطبخ : ويوجد أثنان يقع كل واحد منها بفناء البيت وتوجد به خابية للماء وموقد عبارة عن ثلاثة أحجار كل منها على زاوية المثلث وكافة لوازم المطبخ.

3. المواد الإنشائية للداموس :
1) الحوائط والاسقف : عند الشروع في عمليات الحفر للداموس يتم البحث عن تركيب صخري صلب وهو ما يسمى بالعامية " القفل " ويكون هذا التركيب الصخري بمثابة سقف البيت حيث تتم أعمال الحفر تحت هذا التركيب الصخري ويختلف ارتفاع السقف من بيت إلى أخرى وبخاصة عند تباعد المسافة بين البيوت ، وبعد استكمال اعمال الحفر يتم تبييض الحوائط والاسقف بالجبس أو الطين لمنع تساقط وتفتت الصخور ، ثم تطلى الجدران باللون الابيض باستخدام الجير المصنع محليا .

2) الأبـواب : وتصنع عادة من أعجاز النخيل ويتم ربطها بأغصان الزيتزن وتستخدم لذلك مسامير خشبية من جدوع الزيتون يتم استخدامها وهي طرية خضراء وتؤدي وظيفتها بعد أن تجف فتصبح قادرة على ربط جدوع النخيل بالمحور الرئيسي للباب وفروعه ، شكل ( 3 ) .
3) الأقواس : أن كافة فتحات الابواب على هيئة أقواس دائرية احيانا تكون منتظمة وأحيانا تكون فطرية ويستخدم الجبس لإنشاء هذه الاقواس .
4) فتحات الحوائط : وهي عبارة عن حفر مختلفة الأشكال توجد بالجدران وتعمل بمثابة الأثات الحالي حيث يتم فيها تخزين كافة لوازم البيت ، شكل ( 5 ) .
4. ملائمة الغار للمناخ السائد :
يتميز الدمواس بإعتدال درجة الحرارة فيه أثناء فصول السنة فهو بارد صيفا ودافئ في الشتاء وترجع هذه الميزة إلى ظاهرة ثبات درجــة الحرارة على طوال السنة ، حيث تعمل الصخور على عزل البيت عن الحرارة الخارجية ، ولعل هذه الميزة توفر أجهزة تكييف طبيعية تلائم المناخ الجبلي والصحراوي الذي يعتبر شديد البرودة في الشتاء وحار جدا في الصيف .

الجمعة، يونيو 05، 2009

لماذا لم نعد نسمع عن تأسيس مدن إسلامية جديدة؟!



جمال الهمالي اللافي

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن إنشاء مشاريع الترفيه والتسلية والتسطيح والمال والأعمال... وغاب المضمون الإسلامي وغابت القيم الإسلامية عن مدننا المعاصرة.حيث درجت بعض الحكومات العربية على طرح مناقصات لإنشاء أكبر برج وأضخم مجمع تجاري وأكبر متحف وأكبرحديقة للحيوانات وأكبر قرية سياحية، وما أكثر هذه القرى التي يتنافس أصحابها على تطبيق أحدث التقنيات في تنفيذها مع التفنن في مراعاة الطرز المحلية والجماليات في تنسيق الحدائق وتعبيد الطرق وتوفير الخدمات. خدمة للسائح والسياحة! ويا لها من سياحة؟... ساح فيها كل شئ على التراب، الكرامة والعرض والشرف، واختلط فيها الحرام مع الحلال،وكل هذا فقط لعيون السائح صاحب العيون الزرق والشعر الأشقر؟!!. أما المواطن فليس له إلاّ العشوائيات، وما أكثرها هي أيضا.

وفي المقابل لم نسمع أي ذكر عن مباشرة أي حكومة عربية أو إسلامية في وضع مخططات لمدن إسلامية جديدة، حيث توالت على الأمة العربية العديد من الحكومات، التي تمر فترة حكم بعضهم إما بالإقصاء أو الموت المحتّم دون أن نسمع عن وضع أساسات لمدينة جديدة، تراعى فيها الأسس التخطيطية لمدينة إسلامية معاصرة، كاملة المرافق والخدمات، واضحة معالم هويتها الإسلامية، حتى وإن أنتفى عنها صيغة المبالغة أوالتعظيم.

ولا يخفى علينا ما للعمارة من تأثير مباشر على سلوكيات المجتمعات والأفراد... لهذا نرى أننا نؤتى من هذا الجانب لعظيم أهميته وتأثيره ودوره. كما أن الجانب التطبيقي لقناعاتنا وعقيدتنا لا يتحقق في مخططات المدن التي نعيش فيها اليوم ولا المباني التي نستعملها... لهذا نجد أن مجتمعاتنا المسلمة تعاني من حالة إرباك شديد بين ما هو واجب وما هو قائم على أرضية الواقع.

ولنلقي نظرة عابرة على أهم مرفقين من مرافق المدينة والتي تعكس من خلالها الشخصية الإسلامية بقوة/

أولهما/ المسجد، الذي أصبح حضوره على مستوى المخططات الجديدة مهمشا، فهو يركن دائما في الزوايا المنسية من الأحياء والمجاورات السكنية، هذا إذا لم يحسب له أي حساب في هذه المخططات. في حين أنه يجب أن يحتل مركز الحي أو المجاورة ويصمم كمسجد جامع.

وثانيهما/ المسكن، الذي تغيب عنه روح العائلة ولا يسع بالكاد إلاّ أسرة صغيرة... إضافة لغياب روح الحي الإسلامي الذي تجتمع فيه عدة عائلات تتحقق من خلالهم مصلحة الجوار كما يقتضيها الشرع.

وأخيرا وليس بآخر/

·   كلنا يعلم جيدا أن هناك أزمة إسكانية تعاني منها الأجيال الجديدة من شباب الأمة وقفت عائقا أمام إتمامهم لنصف دينهم. والسبب أزمة السكن المزمنة.

·        كلنا يعلم عن أزمة الإقتضاض والازدحام التي تعاني منها جميع المدن العربية.
·   كلنا يعلم عن الأحياء العشوائية التي ولدت كنتاج لغياب المخططات الجديدة التي توفر البنية التحتية والخدمات التي تتطلبها نشأة أي مدينة جديدة.

·   كلنا يعلم تأثير العمارة وتخطيط المدن وحتى التصميم الداخلي للمباني والتفاصيل مهما كبرت أم صغرت على نفسية وسلوك المستعمل للمباني أو مرافق المدينة.

·        ناهيك عن ضياع الهوية التخطيطية للمدينة والهوية المعمارية للمباني.

كل هذه الأمور تستدعي وقفة جادة من الحكومات العربية والإسلامية للتوقف ولو لفترة من الزمن عن بناء مشاريع الترفيه والتسالي، وإعداد العدة من مخططات مدن جديدة تستوعب حاجات المجتمع الإسلامي وتراعي قيمه وتحفظ عليه كيانه وهويته.
  
فهل لنا من وقفة نراجع فيها حساباتنا ونعلم كمعماريين إلى أين يراد بنا المسير، أو إلى أين نريد نحن المسير بأمتنا؟

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...