أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

السبت، نوفمبر 08، 2008

البعد الإنساني في العمارة





د. رمضان الطاهر أبو القاسم

ينبه جون راسكن على ضرورة رؤية العمارة بمنظور جدي. ويبرر موقفه هذا بإيمانه بأنه يمكن أن نعيش ‏بدون عمارة كما يمكن لنا أن نتعبد بدونها أيضا ولكن لا نستطيع أن نتذكر بدون عمارة. يتضمن رأي المنّظر هذا ‏أهمية البُعد التاريخي في العمل المعماري وهو يشير إلى حقيقتين. رؤية التاريخ من خلال العمارة والثانية أن ‏تحتوي المقترحات المعمارية من الخصائص ما يؤهلها لأن تكون خالدة (تاريخية).

في الحقيقة الأولى يمكن المجادلة بأن التاريخ بدون إنجازات معمارية هو تاريخ غير كامل ذلك لافتقاده ‏الجانب المادي المتمثل في الجانب العمراني . التاريخ المكتوب تاريخ جامد لا حركة فيه. تماما مثل الصورة ‏الناقصة التركيب. لا تكتمل إلا باكتمال مكوناتها. دراسة التاريخ تعتمد على الشواهد العينية، الشواهد المكتوبة ‏والشواهد الشفهية (الرواية الشفهية).‏
الرواية الشفهية تعتمد على ما تختزنه الذاكرة من روايات. ربما النصيب الأكبر من تلك الرواية تشكل من ‏حذق راويها و قدرته على حبكة أحداثها. وهي تعتمد أيضا على النقل الشفهي من فرد إلى آخر. بينما الشواهد ‏المكتوبة تتكون من المادة المكتوبة أو المادة المرسومة (الكتب، الرسومات المسا قط الأفقية، الواجهات، ‏القطاعات وغيرها من التفاصيل). قد تتضمن الشواهد المكتوبة وثائق أخرى كالعقود، المواثيق والمستندات ‏المتعلقة بالمبنى. الشواهد المكتوبة يمكن اعتبارها أكثر منهجية لأنها في غالبية الأمر تستند على أسلوب تقصي ‏بحثي محدد.‏

الشواهد العينية تتضمن ما تركه السلف من صروح عمرانية. ليس غريبا أن يكون هدف من سبقنا هو ترك أثر ‏خالد على هيئة آثار معمرة لازالت باقية معنا ليومنا هذا. بعكس العمارة المعاصرة التي غلب عليها صفة ‏الاستهلاك مثلها مثل أي منتوج آخر حديث. تُرى ماذا ستكون عليه حالة العمارة المعاصرة مستقبلاً إذا تم تخيلها ‏على هيئة أطلال أو آثار قديمة. هل سينبهر بها من يشاهدها مثل انبهارنا اليوم بعديد من الأمثلة التاريخية القديمة. ‏يقودنا هذا للحقيقة الثانية.‏

يستوجب على المعماري ، حسب ما جاء في كتاب راسكن، أن يكون تصميمه خالداً و معمراً. وعلى المجتمع ‏أن يبني مبانيه بكل دقة و تأني واهتمام حتى تعمر لفترة طويلة وتكون بمثابة السجل المعماري الحي للأجيال ‏القادمة. ينعكس هذا الاهتمام في التحكم في النسب الجميلة، اختيار المواد المعمرة الإنشاء المتين، التفاصيل ‏الجيدة، والزخــرفة الملائمة المتمشية مع هوية البيئة الموجودة بها. بهذا تتحقق صفة التاريخية و يكون العمل ‏مساهمة في إثراء المخزون التاريخي.‏
‏المباني القديمة جزء من التاريخ الذي يجب المحافظة عليه. تكون المحافظة عليه بصون خصائصه وليس ‏بترميمه. ففي الترميم قد يتم القضاء على عديد الملامح الأصلية للمبنى.الجانب التاريخي للعمل المعماري يتحقق ‏إذاً بالمحافظة على الموروث و العمل على إيجاد عمارة دائمة. ‏

التضحية في العمارة تعني عدم التشبث كثيرا بالمعايير الاقتصادية والوظيفية في حد ذاتها والاهتمام بمعايير ‏أخرى تضفي صفة التميز والإبداع على العمل المعماري. العمارة فن. يتعدى دور هذا الفن الوظيفة ليشمل توفير ‏المتعة، القوة، الصحة والراحة النفسية بعكس عملية البناء. نشاط البناء يتضمن وضع أجزاء المبنى المختلفة مع ‏بعضها البعض في صورة متزنة بحيث لا تحدث خللاً في التركيب الإنشائي. ما يميز العمارة هو جانبها الفني من ‏خلال مخاطبتها لحواس الإنسان المختلفة. كثيرون يعرفون التصميم المعماري عبر الإدراك الحسي لمكوناته( ‏Perception‏).‏
تعتبر العمارة من أكثر الفنون عرضة على الآخرين. عكس الفنون الأخرى من الصعب حجب العمارة عن ‏المحيط. المصمم يهيم كثيراً بكيفية إطلالة مقترحه المعماري على المحيط. فنراه شغوف بالنسب، العلاقات ‏الهندسية، نوع المواد، الألوان المختلفة، الارتفاعات إلى غيرها من الأمور المؤثرة على تعبير المبنى. الارتفاع ‏في حد ذاته لا يكون عمارة ولكن طريقة وضع الحجارة في الواجهة، مكانها، الزخرفة الموجودة بها، زوايا ‏الرؤيا للمبنى هي التي تبرز قيم العمارة. العمارة تتعدى الاستعمال المباشر. حقيقة العمارة ليس في استعمالها ‏ولكن في تهيئتها الفرص المختلفة لاستخدامها وتأثير تلك الاستخدامات المختلفة على من يشاهدها أو يستعملها. ‏المعماري الفرنسي الشهير لوكوربوزييه يعرّف العمارة بمقدرة المصمم على الإثارة. في كتابه نحو عمارة جديدة ‏يؤكد لوكوربوزييه على أن استخدام الطوب والخرسانة في تشييد البيوت والقصور يعتبر مجرد نشاط بناء. بينما ‏العمارة تظهر متى استطاع المعماري إدخال السرور والبهجة على الناظر من خلال العلاقات الخاصة لمكونات ‏العمل المعماري المعروضة تحت ضوء الشمس.‏

لذلك المصمم المتميز هو من لا يتقيد فقط بالبرنامج الوظيفي ولكن يهتم أيضاً بالتأثيرات المختلفة لمكونات ‏التصميم على الناظر والمستعمل. من مظاهر التصميم والعمارة استعمال المواد لغير غرض الاستخدام ولكن ‏لتأثيراتها المختلفة وأيضاً لمدى خلودها لأطول فترة زمنية ممكنة. لو اهتم القدماء ببناء عمارة للاستعمال لما بقي ‏لنا من موروثهم شيئاً، لكنهم فضلوا التضحية من أجل البقاء. لقد كلف بناء الأهرامات المصريون القدماء الكثير" ‏اجتماعيا، اقتصاديا وتقنيا" كل ذلك من أجل الخلود. عكس الاهتمام المعاصر بتحقيق أكبر قدر ممكن من التأثير ‏بأقل التكاليف مما يجعلها تفتقر لمبدأ التضحية وتؤكد مبدأ سرعة الإنجاز وقلة الإتقان. أدى هذا التوجه إلى عدم ‏صمود تلك النوعية من المباني الحديثة لفترات طويلة واحتياجها المستمر للصيانة.‏
دقة الحرفة" الصنعة" وجودتها- بغض النظر عن التكلفة- تساهم بدرجة كبيرة في إثراء العمل المعماري. هنا ‏ليس المقصود به المبنى في حد ذاته أو المادة نفسها ولكن الأداء الحرفي لمكونات المبنى وتفاصيله وأهميته في ‏إبراز التصميم وبقاء المبنى معمراً لفترة طويلة.‏
التضحية في العمارة تكون- حسب ما ورد- مجسدة في تأثير العمل إيجابيا على حواس الإنسان وهذا متعلق ‏بثلاث أسس. أولاً اختيار المواد الجيدة المعمرة. ثانياً الاهتمام بالتفاصيل والتفاني في تصميمها وإنجازها. ثالثاً ‏إتقان العمل بالإفراط والزيادة في الوقت المخصص للعمل والتمهل في أداءه بدل التسرع في إنجازه. ‏

رغم أن العمارة فشلت في ترسيخ الأيدلوجيات التقليدية المختلفة غير أنها أثبتت أن من شروط نجاحها احترام ‏العرف والتقاليد السائدة للبيئة الموجود بها العمل المعماري. يشمل العرف والتقاليد-التي يشير إليها راسكن ‏بالطاعة- السياسة والتوجه الفكري للمجتمع، نظام المعيشة التاريخ والقيم الدينية والروحية.‏
المحاولات المتعددة للتنصل من القيم الثقافية للبيئة الموجود بها العمل المعماري بدعوى عدم صلاحيتها للحداثة- ‏كما اعتقد الكثيرون من رواد الفكر المعماري عند مطلع القرن العشرين- خلّف " طرازاً" أو نمطا معماريا غير ‏محدد الملامح أو مرتبط بمكان مما أنتج أعمال معمارية متشابهة في البلد الواحد بل على صعيد العـــــالم أجمع. ‏لأجل روح العصر الجديد ‏Lesprit Nouveauوبدعوى الحرية طغى الإنتاج الصناعي لمواد البناء مع ‏الاعتبارات الاقتصادية والقيم الوظيفية الضيقة على التنوع الحضاري لنتاج العمارة.‏

الحرية في التعبير المعماري صفة حسنة متى التزمت بمحددات البيئة المحيطة كما أن هذه المحددات لا يمكن ‏فهمها في نطاق ضيق وإلاّ أصبحت مجرد شيء إضافي عائق للإبداع المعماري. الكثير يؤمنون بأن عنصر ‏القوس رمزاً " مطلقاً" للمعمار الإسلامي المحلي، لهذا شاع استخدامه في الغلاف الخارجي حتى في المباني ‏متعددة الأدوار، لم ينحصر استخدام هذا العنصر في الأدوار الأرضية بل تكرر دون اعتبار لتأثيره على الناظر ‏وكأن المبنى الخالي من مثل هذا العنصر للواجهة غير إسلامي بينما المسقط الأفقي والمعالجات الأخرى تعكس ‏تأثيرات نمط معيشي غريب.‏

العمارة لا يمكن لها أن تكون أداة للمساهمة في صنع الحضارة إلاّ إذا روعي في نتاجها القوانين المختلفة السائدة ‏في المجتمع. العمارة ستكون معبرة متى أوجدت صلة وصل بين ما يتحقق من تقدم في المجالات المختلفة والقيم ‏الاجتماعية بحيث تصبح محددة المعالم ومقروءة الهوية حتى تكون المباني على اختلاف أنواعها تنتمي إلى ‏مدرسة معمارية معرّفة. هذه المدرسة لا تستند على الاختراع بل تعتمد على المخزون الحضاري للمجتمع، فهي ‏لا تسعى لإيجاد نمط معماري جديد بقدر ما يكون غرضها كامنا في تحقيق معالم معمارية ترسخ أصالة وثراء ‏المخزون الحضاري بأبعاده السياسية والثقافية والاقتصادية. هناك حاجة لتحديد منهاج هذه المدرسة لضمان عدم ‏فقدان ركن مهم من أركان الوجود الحضاري وعدم الوقوع في أزمة الاغترابAlienation‏
الأصالة والإبداع والتغيير لا يمكن اعتبارهم أهداف مطلقة في حد ذاتهم كما أنهم لا ينقضون العرف والتقاليد ‏السائدة ولا يعتمدون على الجديد بقدر انعكاسهم واستمراريتهم لما سبق. هذه الاستمرارية مختلفة عن الالتحاف ‏برداء الماضي أو التقوقع داخل قوالب مسبقة التجهيز. إنها الرؤية المميزة لغنى وتنوع نتاج العمارة بهدف إيجاد ‏عمارة مميزة ومنتمية للمكان، فهي الرؤية المدركة لاحتياجات الحاضر الغير غافلة للسوابق والمتطلعة لآفاق ‏أفضل للبيئة المعمارية. ‏
للتعرف على كاتب المقالة/ http://mirathlibya.blogspot.com/2008/10/blog-post_17.html

الجمعة، نوفمبر 07، 2008

الإحساس بالشارع






أ. م/ أحمد ميلاد إنبيص
" للشارع شخصية متميزة تتمركز داخل ذاكرة الفرد والجماعة"

حــــــــــــدود/
يضفي الإنسان على المكان صفات إنسانية حين يعكس انفعالاته واستجابته للمحيط، وتظهر جلياً في الحدود التي يرسمها للآخرين من حدود امتلاك وخوف وأطماع وطمأنينة.
وعرف الإنسان على مدى مسيرة تاريخه حدود تمثلت في سور الصين العظيم طولاً وسور برلين قسوة ومتانة وكانت الأسوار دوماً تمثل حد خوف وامتلاك، والحد الذي يفصلنا عن الآخر تدكّه حسن النوايا ونوع الملامسة المباشرة لحدودنا التي نرسمها حولنا بشفافية الزجاج ووهنه وبمتانة الماس وصلابته، كما في الأسوار" الحد بين الجد واللعب" ويتحدد رد الفعل لدينا بين الأحضان وأنصال السلاح.
وإذا كان السور يعد حماية فيجب أن يكون الحد بحجم الخطر الذي يتهددنا فقد نحمي رؤوسنا من أشعة الشمس بورق صحيفة يومية تحمل خبراً أشد خطراً من الأشعة التي تحمل الدفء والغذاء.
وعادة ما يحتمي الإنسان وراء حدود تحميه من أخطار متعددة يتفق فيها مع مجتمعه ويجد لها مبرراً لإقامتها ورسمها بشكل مادي ومعنوي. ولا أرى في الأسوار التي نقيمها حول بيوتنا ومزارعنا ومدارسنا ومستشفياتنا وحتى مقابرنا إلاّ حدود وهم وخوف من لاشيء، وهذه دعوة لتحرير مدينتكم من أسواركم العالية لتصبح مدينة فرح وطمأنينة… لا مدينة حدود وأسوار ومتاريس لنصنع مدينة جميلة ونبني أسوار داخل أنفسنا تمنعنا من التعدي على حدود الآخرين وتمنع الآخرين من التحجج بأن" الحيط الواطي …..!" دعوة له.

في حالة لزوم السور حول المرفق لابد أن تتم دراسته بحيث يتلاءم مع وظيفته ومحيطه وحجم الإنسان وحركته وكيفية التعامل معه فأسوارنا عدوانية وهجومية تتحرش بالمارة وتصدهم وتؤذي أبصارهم بالمعالجات الركيكة بسطوحها وارتفاعاتها المبالغ فيها وخلوها من الأحاسيس الإنسانية المتمثلة في تزاوج هذه الأسوار مع( النباتات/ الأشجار/ المعدن المشغول/ التفاصيل/ الفتحات... ) وتصبح هذه اللمسات جزء لا يتجزأ من الجدار " السور".

من الأمثلة التي يجب أن تحتدا والتي يمكن أن نشاهدها بمدينة طرابلس سور مدرسة التحرير المطل على شارع الفاتح والذي يضفي مسحة جمالية على الشارع ينذر أن نرى مثيلها بالمدينة.
هذا التزاوج بين الجدار" السور" والسور المعدني يحقق الكثير من الأهداف التي يمكن أن ينتج عنها جماليات نفتقدها من جهة ونساهم في تطوير والارتقاء بحرفة الحدادة من جهة أخرى بعد أن تدنت هذه الحرفة إلى أبعد الحدود بتقبلنا إنتاجيات ليست لها قيمة فنية.

وفي السنوات الأخيرة تخلت الكثير من المؤسسات والجهات العامة عن أسوار معدنية لا تقدر بثمن واستبدلوها بأسوار غاية في القبح وعلى سبيل المثال لا الحصر( مصلحة الطيران بطرابلس/ والبوابة الجنوبية لمستشفى طرابلس المركزي... وغيرها) .
الرصيــــــــــــــف/
الإنسان وليد بيئته التي تؤثر في تصرفاته وثقافته وحياته برمتها، والانتماء الحضاري للبيئة والمكان يساعد على التواصل بين الأجيال في مشاعرهم وذاكرتهم الجماعية ويساهم في الرفع من الإحساس بأهمية الحفاظ على مكونات المدينة ونسيجها المعماري. والشارع بحدوده وأرصفته يعد اللبنة الأولى في هذا النسيج. والرصيف هو الشريان الحيوي لحركة المشاة من وإلى بيوتهم وأعمالهم وشؤونهم الحياتية، وهو يحتاج منا إلى إلتفاتة جادة لتقويم مساره وحمايته وصيانته وبناء الجديد منه وفق معايير جمالية وفنية تحقق الأهداف من وجوده والمتمثلة في تسهيل الحركة وسلاستها وتعميق الشعور بالحرية والانتماء والفخر لأن مدننا لا تفتقر إلى الشوارع التي تحمل الكثير من القيم والمفاهيم الجمالية والتي تجاهلناها طويلا بل تنازلنا عنها طوعا وكرها.
ونورد هنا في نقاط مختصرة ما يعاني منه الرصيف في مدننا بشكل عام ومدينة طرابلس بشكل خاص:

1. عرض الرصيف ليس كافيا للحركة.
2. حدود الرصيف غير واضحة المعالم.
3. طوبوغرافية الرصيف التي تتغير انخفاضا وارتفاعا حسب أهواء ونزوات أصحاب المحلات الذين يتبرعون بتبليط الرصيف ورفع مستواه وحجزه كامتداد لمحلاتهم واحتسابه من ضمن أملاكهم.
4. قواعد الأكشاك المزالة تعترض المارة وتشكل خطرا عليهم خاصة الأطفال وكبار السن والمعاقين" فمثلا لا يستطيع الأعمى السير على الرصيف لمسافة خمسة أمتار دون عائق".
5. صناديق أجهزة التكييف وأعمدة الكهرباء ولوح الإعلانات وشمسيات المحلات لم يتم دراسة أبعاد الإنسان وحركته تحتها وحولها.
6. صناديق القمامة وما تتركه من أثر ملوث لبيئة الرصيف.
7. احتلال المركبات للرصيف ومحاولة منع ذلك شكل تشويه له، في الوقت الذي كانت فيه إمكانية التوفيق بين وقوف المركبة وحركة المشاة على الرصيف الواحد" التجربة البولندية بشوارع وارسو".
8. اعتماد تبليطات محدودة للرصيف يساهم في سهولة الصيانة ووحدة الرصيف مهما كان امتداده.
9. تجمع الأتربة وأكياس البلاستيك بفتحات تصريف مياه الأمطار تعمل على سدها وبالتالي إغراق الرصيف شتاء.
10. هبوط حافة الرصيف وعدم صيانتها يساهم في تشويه الحافة المحددة لنقطة اتصاله بمادة الإسفلت.
11. تشجير الرصيف يجب أن يتم وفق معايير فنية ولا تحسب أبعاد الحوض من ضمن أبعاد الرصيف الخاص بحركة المشاة.
وأخيرا نود أن نلفت انتباه الجهات المختصة بأهمية الرصيف خاصة حول المؤسسات التعليمية لحماية أطفالنا من أخطار المرور عند حركتهم من وإلى مدارسهم وتجمعاتهم أمامها عند الدخول والخروج، فمثلا الأرصفة بجامعة الفاتح لا تتسع لحركة الطلاب المتزايد عددهم بحيث لا يسمح بالتقاء ثلاثة طلاب بالتقابل، هذا عدى عن مربع حوض التشجير الذي يحتل نصف الرصيف، كما أن كلية الهندسة وهي الهيئة الاستشارية للمجتمع في هذا المجال تلفها المتاريس وكتل الخرسانة كحل مغرق في التخلف والقبح الذي أصبح سمة من سمات أجمل مباني جامعة الفاتح وذلك بتضييق الرصيف بجدار لا ملامح له لمحاربة وقوف السيارات وتنظيم حركة المرور التي كانت يجب أن تترك لأهل الذكر.

الشــــــــــــــــــوارع/الشوارع حواديث.
حوادايه العشق فيها، وحوادايه العفاريث،
وحدوا الله...
الشارع ده كنا ساكنين فيه زمان،
كل يوم يضيق زيادة عن ما كان...
أصبح الآن،
زي بطن الأم، مالناش فيه مكان...
والشارع ده رحنا فيه المدرسة،
اللي باقي فيه باقي، واللي مش باقي اتنسى،
كنسوه الكناسين بالمكنسة،
ويا أوراق الخريف سنة ثلاثة وأربعة وخمسة وستة
وأربعين...
والشارع ده كل شيء فيه للمبيع...
والشارع ده وحل زي ما هو، بس باسم ثاني...
والشارع ده أوله عمارات، وآخره حيطه سد...
والشارع ماشي من تحت البلد،
والشارع ده جديد، وما حضرتش بنايته.
الشارع ده والشارع ده، كلهم حواديث طوال وقصيرين،
والشارع ده
ماشي فيه، وف قلبي رعده،
بس برضك ماشي، لجل ما أجيب نهايته...
أنا طفل قديم، يحب الحواديث.
صلاح جاهين
تعريف بكاتب المقالة على الرابط/ http://mirathlibya.blogspot.com/2008/07/blog-post_1969.html

الثلاثاء، نوفمبر 04، 2008

قراءة في تاريخ مدينة طرابلس القديمة





الموقع العام للمدينة تقع مدينة إطرابلس القديمة في الجزء الغربي من الساحل الليبي شمال خط الاستواء. على ساحل البحر الأبيض المتوسط وعلى رأس قمة سهل الجفارة الزراعي. وهى بذلك تقع في صميم مناخ بلدان البحر الأبيض المتوسط.
حدود المدينةيحيط البحر بضلعين من أضلاع الشكل الخماسي للموقع حيث يحده من الشرق والشمال الشرقي طريق الفتح ومن الشمال الغربي شارع القبة والطريق الساحلي ومن جهة الجنوب الشرقي ميدان الشهداء ومن جهة الجنوب الغربي والشمال الغربي السور التاريخي ومن جهة شارع سيدي عمران. وتبلغ مساحتها الكلية 48 هكتارا تقريبا . وهي تزخر بالعديد من الآثار المعمارية والفنية التي تحكي قصة العهود المختلفة التي مرت بها المدينة انطلاقا من عهد الفينيقيين.

التطور التاريخي لمدينة إطرابلس القديمة
العهد الفينيقي:

أسسها الفينيقيون القادمون من لبنان إلى صقلية منذ ثلاثة آلاف سنة مضت استنادا إلى أهمية موقعها الإستراتيجي من الناحية التجارية ,لأنها تمثل حلقة الوصل بين أفريقيا والساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط، وقد يغالط البعض في ذكر أنها ذات منشأ روماني، كانت في عهدها الفينيقي تسمى" ماركا آويات "، أسست فيما بين القرنين السابع والثامن قبل الميلاد، إضافة إليها فقد أسس الفينيقيون مدينتين أخريين هما " لبدة وصبراته " وبذلك صارت بالشطر الغربي من ليبيا ثلاث مدن عند انتقال العاصمة من" لبدة الكبرى " إلى " آويات " فقد صارت تتوسط المدينتين. أعقبهم حكم القرطاجيين القادمين إليها من قرطاجه خلال القرن السادس قبل الميلاد حتى سنة161 ق.م ثم تلاهم النوميديون حتى سنة 42 ق.م.

حكم الرومان:وأطلق عليها الحاكم الروماني اسم " تريبوليس " وهى كلمة مركبة من شطرين " تري " بمعنى ثلاثة و" بوليس " بمعنى مدينة، أي بمعنى المدن الثلاث ، ثم حرفت إلى " طرابلس " نتيجة لتعاقب الحاكمين لها واختلاف ألسنتهم . وقد استخدم الرومان في كل مدنهم بالمستعمرات التابعة لهم نظام التخطيط الروماني والذي تتكون فيه المدينة من شارعين رئيسيين أحدهما " كاردو " ويمتد من الشمـال إلى الجنـوب و" ديكومانوس " ويمتد من الشرق إلى الغرب ، وفى نقطة تلاقيهما يقام قوس يسمى " قوس النصر " وينسب إلى أحد أباطرة الدولة الرومانية .
وواضح أن المدينة القديمة قد خضعت هي الأخرى لهذا القانون التخطيطي ولكن لم يبق من هذا الأثر سوى القوس المعروف بقوس " ماركوس أوريليوس " والذي يواجه ميناء طرابلس من الشمال الشرقي وباب البحر. العهد الوندالي:
وقعت المدينة تحت حكم الوندال سنة 449 م حتى سنة 642 م ولم تنشأ أية أعمال عمرانية بها إلا في فترة حكم البيزنطيين لها واقتصرت أعمالهم العمرانية على تحصينها وبناء أبراج المراقبة وبناء مجموعة من الكنائس المسيحية، ونتيجة لحكم المسيحيين للمدينة فقد هاجر أهلها حتى دخول العرب إليها سنة 642 م.

الفتح الإسلامي:
بعد فتح المدينة على يد عمرو بن العاص كان أول عمل يقوم به الفاتحون المسلمون هو بناء مسجد، وبالفعل فقد بنى مسجد عمرو بن العاص في المكان الذي يقوم فيه الآن جامع أحمد باشا القره مانلى ويجدر القول هنا إلى أن عمرو بن العاص هو أول من أطلق عليها اللفظ العربي " إطرابلس " وقد تنوسيت الألف المكسورة وسميت كما نعرفها الآن " طرابلس " إلا أن جهاز إدارة المدينة القديمة استرجع اسم المدينة الذي أطلقه عليها عمرو بن العاص وصارت كلمة " إطرابلس " تطلق على المدينة القديمة وكلمة " طرابلس " تطلق على المدينة الجديدة .
واستمر حكم العرب لها من سنة 642 م حتى سنة 1510 م أي ما يقارب تسعة قرون وكانت أهم الأعمال العمرانية بها :
أ ـ المنازل وقد زاد عددها نتيجة رجوع المهاجرين إليها .
ب ـ المتاجر والأسواق التجارية .
ج ـ المساجد .

ولم تتصف المدينة العربية الإسلامية بقوانين تخطيطية معينة باستثناء المنازل ، والتي كانت تحدد فيها الارتفاعات احتراما للجار . أما الأسواق فقد كانت تبنى على امتداد الشارع الذي توجد فيه البوابة وعند التقاء شوارع البوابات تبنى ساحة المدينة، ويبنى بها المسجد الكبير أو المسجد الجامع ولذا صار لفظ " جامع " يعنى مسجد.


فترة حكم فرسان القديس يوحنا:
احتل الأسبان " طرابلس " يوم 25 يوليو 1510م وقد كتب أحد القواد العسكريين واصفا المدينة قائلا : " مدينة طرابلس مربعة الشكل ، محيطها يزيد عن ميل واحد ، ولها سوران بهما خنادق ضيقة وعميقة ، والسور الأول مرتفع وسميك والثاني قصير وهى مليئة بالأبراج الحصينة ويحيط بها البحر من ثلاث جهات ولها ميناء عظيم يسع ما يزيد عن أربعمائة سفينة ويسكنها ما يزيد عن عشرة آلاف من العرب واليهود.
أهم الأعمال العمرانية
· الاهتمام بتحديد الأسوار خوفا من السكان .
· إعادة بناء قلعة السرايا الحمراء ذات المنشأ الروماني .
· إقامة الأبواب لأغراض عسكرية ، والأبواب هي : باب الجديد ، باب البحر ، باب سوق المشير ، باب هوادة ، باب العرب " باب الحرية حاليا ".

العهد العثماني الأول
بعد استنجاد السكان بالإمبراطورية العثمانية الإسلامية آنذاك، استولى الأتراك على المدينة، حتى بداية القرن العشرين، وقد مر على المدينة عهدان أولهما امتد من سنة 1551م حتى 1711م ، بعدها تولاها القره مانليون حتى سنة 1835م ، ثم تعاقب عليها الولاة حتى احتلال الإيطاليين لها سنة 1911م ، وما يستعرض في هذه الفترة هو الأعمال العمرانية وأهم القوانين . وكان " مراد آغا " أول والٍ على طرابلس وأهم أعماله :
1 ـ تشجيع حركة بناء المنازل العربية داخل المدينة القديمة .
2 ـ إعادة تحصين المدينة .
3 ـ جعل المدينة عاصمة ولاية ليبيا .
4 ـ إنشاء الحمامات على الطريقة التركية .
5 ـ إنشاء المدارس الدينية .
وقد تعاقب ولاة آخرون وكان أول عمل يقوم به أي منهم إنشاء مسجد . فانتشرت المساجد باسم ولاتها مثل " جامع شائب العين " و " جامع دروار " كما أنشئت دار لصك العملة.

فترة حكم الأسرة القره مانللية:(1711م ـ 1835م) أهم أعمالهم العمرانية :
· بناء المسجد المشهور والذي لازال قائما "جامع أحمد باشا القره مانللي" على أنقاض جامع " عمرو بن العاص " وقد ألحق به مدرسة أطلق عليها اسمه.
· الاهتمام بسور المدينة.
· إنشاء دار صناعة السفن
.


ونتيجة لحركة العمران وازدياد السكان ونشاط التجارة وما إليه من مقومات إنشاء المدينة، فقد صار لزاماً على ولاة طرابلس استصدار قوانين ولوائح تنظم سير الحياة والعمران بها، وقد كانت المدينة قبل فترة العهد العثماني الثاني تسير دون قانون، باستثناء الأعراف.

العهد العثماني الثاني (1835م ـ 1911م): أهم أعمال العهد العثماني الثاني العمرانية :
· مد أسلاك البرق والهاتف بين طرابلس وبنغازي .
· تنظيم ضريبة "الميرى" .
· إنشاء مدرسة الفنون والصنائع .
· تأسيس المدرسة الحربية "باب البحر" .
· إجراء أول عملية تسجيل الأراضي تسجيلا عقاريا .
· إنشاء سوق المشير 1906م .
· هدم جزء من السور الغربي للمدينة سنة 1909م لتشجيع التطور العمراني خارج الأسوار .

وكان بتلك الفترة إحصاء للمباني نتج منه ما يلي : 29 مسجدا، 5 كنائس، 7 معابد يهودية، مدرسة إعدادية، 19 مدرسة ابتدائية، 20 مخبزا، 1019 متجرا، 22 مقهى، 14 فندقا، 2453 منزلا، 7 قنصليات أجنبية.
الاحتلال الإيطالي (1912م ـ 1924م):كل ما كان مكتوبا عن بلدية طرابلس خلال العهد العثماني، هو من السجلات التاريخية لمصلحة الآثار، وهى معلومات دقيقة، أما المعلومات التي تتحدث عن البلدية خلال فترة الاحتلال الإيطالي فهي مستقاة من المراجع الإيطالية المترجمة.
وكان قد حل المجلس البلدي إثر الاحتلال الإيطالي مباشرة وعينت إدارة عسكرية تدير البلاد ، ونذكر هنا بعض ما جاء في الأمر الصادر من الجنرال "كانيفا" والذي يتعلق بتقسيم طرابلس إلى محلات كالآتي /
· محلة البلدية .
· محلة باب البحر .
· محلة الحارة الكبيرة .
· محلة الحارة الصغيرة .
· محلة كوشة الصفار .
· محلة حومة غريان .



فترة ما قبل الثورة(1952م ـ 1969م):من أهم المشاريع العمرانية احتلال تلك الفترة :
إنشاء خزان المدينة القديمة .
تعبيد بعض الطرقات بها .
إنشاء كورنيش ما بين السرايا والميناء.
ما بعد الثورة (1969م):
في سنة 1983م صدر قرار اللجنة الشعبية العامة رقم (58) بإنشاء الجهاز الفني لتنظيم وإدارة المدينة القديمة ويحتوى القرار على أثنى عشرة مادة تتعلق بإدارة وتنظيم وبتنفيذ الخطط الفنية الخاصة بالمدينة القديمة.
ثم في سنة 1985م صدر قرار اللجنة الشعبية العامة رقم (40) يقضى بإنشاء مشروع إدارة وتنظيم المدينة القديمة طرابلس . ويحتوى على أربعة عشر مادة ، ومن أهم مواده :
مادة (2) : يتولى المشروع المنشأ بموجب أحكام هذا القرار وضع وتنفيذ البرامج والخطط الثقافية والفنية والهندسية والخاصة بالترميم والصيانة وكل ما يتعلق بشئون المباني والمرافق الكائنة بالمدينة القديمة ، ويتولى المشروع بشكل خاص :
وضع وتنفيذ المشروعات الفنية والثقافية والتي تؤكد تواصل واستمرارية الكيان الحضاري لقيمنا الحية الأصيلة .
· القيام بالتصميمات والمواصفات وفقا للشرط الخاصة والتي يتم على أساسها التنفيذ .
· وضع الميزانيات التقديرية اللازمة لتنفيذ الخطط والبرامج .
· إبرام العقود لخطط التنفيذ .
· وضع اللوائح الخاصة بتحديد الاستعمالات .
· وضع النظم الداخلية للعمل بالمشروع .
· القيام بالأعمال التوثيقية والدراسات والأبحاث .

بهذا تعتبر مدينة إطرابلس من قلائل المدن التي تميزت بالحضور والتواصل التاريخي . وبالنظر إلى هذه الأهمية التاريخية لمدينة إطرابلس القديمة وما تحمله من زخم معماري وفني يوثق للحضارات التي توالت عليها . ونتيجة للتطور العمراني المذهل لهذه المدينة خارج أسوارها العتيقة تعرضت للإهمال نتيجة هجرة سكانها الأصليين ووفود الهجرات القادمة للعمل بالمدينة بعد ظهور النفط . حيث لم يستوعب حجم المدينة هذا العدد الهائل من المهاجرين , كما لم تستوعب ثقافة هؤلاء المهاجرين قيمة هذه المدينة وإعادة إحيائها وترميم وصيانة معالمها التاريخية .

السبت، نوفمبر 01، 2008

أحزمة ومناطق




أ.م/ أحمد إنبيص


مدينة طرابلس كغيرها من المدن تتوسع باطراد مستمر حول مركزها خاصة على مستوى الأحياء السكنية، والخلية المكونة لهذه الأحياء وهي البيت وذلك على حساب المساحات المفتوحة والمناطق الخضراء وما كان يسمى" بالسواني" هذا الزحف جاء نتيجة لطريقة تقسيم الأرض وبيعها كقطع صغيرة متوسط مساحتها 500 متر مربع مع تخصيص نسبة مئوية للطرق والخدمات التي لا تفي دائما بتكوين مناطق متميزة معمارياً ولا تتفق مع المخطط العام للمدينة الأم. ثم يبدأ المالك الجديد باستيفاء إجراءات البناء بدءً بنزع الصبغة الزراعية ورسم خريطة معمارية وانتهاءً باستخراج رخصة البناء- التي تنص على الالتزام بتصنيف المنطقة وشروط البناء وذلك تطبيقا لقانون البناء ولوائحه المعمول بها- ثم يقوم المواطن بحذف كل تلك الإجراءات وراء ظهره ويطبق ما بدا له من نزوات وأهواء وأحلام وتصورات للمخزون المرئي للتفاصيل والأشكال المعمارية التي سجلها بذاكرته بالإضافة إلى ما يستجد من اقتراحات الزوجة والأصدقاء أثناء عملية البناء وتدخلات الأسطى الذي يعتبر صاحب القرار الأخير والسيد الأول المتحكم في شكل المبنى النهائي مما خلق أحزمة ومناطق حول مدينة طرابلس تفتقد للكثير من مقومات المدينة وطابعها وتكوّن شخصية متميزة، بل هي أقرب إلى القرية منها للمدينة والعشوائية في البناء أصبحت تهدد بالقضاء على البيئة الطبيعية ومواطن الجمال لمدينة طرابلس وضواحيها والتي يغيب تصورها عن النشء الجديد/ قرقارش، قرجي، غوط الشعال، حي 2 مارس، الحي الصناعي، طريق المطار، أبو سليم، سيدي المصري، رأس حسن وغيرها كل هذه المناطق:
1. فشلت في اكتساب هوية أو شخصية أو حتى سمة من سمات المدينة ولا يرتادها إلاّ قاطنيها وتعتبر متاهة لأي غريب عن المنطقة " المسجد والمدرسة هما العلامة المميزة" Land Mark.
2. عجزت عن خلق ولو شارع واحد أو ميدان أو فرع حضري كامتداد لمركز المدينة له ذاتية متفردة.
3. لا نجد تكامل في المناشط والخدمات كعامل ربط قوي بينها أو بؤرة جذب لنشاطات ثقافية أو اجتماعية أو رياضية أو حتى اقتصادية تميز منطقة عن أخرى.
4. افتقرت للكتل والتفاصيل المعمارية الجديرة بالترسخ في الذاكرة والاستحواذ على اهتمامنا وبالتالي تذكرها كأفراد وجماعة.

كل ما سبق أنتج تعبيراً معماريا مبتذلا يجب علينا تفهمه وتناوله بالدراسة والتحليل للوصول إلى تحسين وتطوير بيئة غنية بالقيم الجمالية التي أغفلناها كثيرا والباعثة على ارتباطنا بها والمحافظة عليها من خلال البيت والشارع ومن تمّ المدينة كوعاء يحتوينا أحياءً وأموات ورؤيتنا للمدينة كجسم واحد. لأن تجزئتها وظهور مناطق غير واضحة المعالم والوظائف ومساحات فضاء مسوّرة عرّضها لتهتك نسيجها المعماري وبالتالي انحلال النسيج الاجتماعي والوظيفي.


تعريف بكاتب المقال على الرابط :http://mirathlibya.blogspot.com/2008/07/blog-post_1969.html

الجمعة، أكتوبر 31، 2008

حرفة وحرفي... الحرفي والحرفة




أ. علي سعيد قانة



أتسائل دائما عن السبب الذي حذا بي ـ ومازال إلى اليوم ـ إلى التوقف لفترات ليست بالقصيرة أمام حرفي منهمك في عمله ، لم أهتم بالبحث عن السرد وكشف الدواعي لذلك ، تاركا الأمر يأخد مجراه في هذه العلاقة الفطرية البدائية التي جعلت إنسان ما قبل التاريخ يقف مبهورا مشدودا أمام براعة رسام ونحات الكهوف ، ويعزي مقدرته هذه إلى استعادة مشاهداته وتجربته البصرية وتسجيلها إلى قوة غير طبيعية يمتلكها وتنصبه ساحرا وتوكل إليه تحقيق أحلامه في الصيد الوفير وإبعاد خطر منتظر .

التوقف أمام محترفات تجهيز وصناعة السروج في رواق الكرامة بباب الحرية وحرفيي تشكيل الفضة في سوق الصياغة وتطريز "التلاليك" بسوق الترك ، كان من الطقوس التي تتكرر يوميا أثناء عودتي وأنا تلميذ بمدرسة المدينة القديمة الإبتدائية إلى منزلنا بباب البحر ، أحيانا أعرج على سوق النجارة مكررا السلوك ذاته أمام محترفات الحدادة لأسرة دريرة بمواجهة سيدي الشنشان ، وأفرادها منهمكون في حوارهم الملتهب مع الحديد والنار ، بينما أثناء العطلات الأسبوعية كثيرا ما كنت أهرع إلى منطقة سوق الثلاثاء القديم خلف جامع أبورقيبة حيث معامل صهر وسباكة الحديد الزهر لأقف في خشوع مراقبا فنيي تجهيز القوالب والمعدن الملتهب السائل يتدفق كالدم مثيرا في نفسي مشاعر الخوف والإعجاب في آن .

لم أجابه طول هذه المدة بأي سلوك أو موقف أستشف منه ضيق أو تبرم أولئك الحرفيين ، بل ما لمسته نوعا من التسامح واللين تجاه فضولي لعله كان نتيجة لما يرتسم على وجهي من علامات الإنبهار والإهتمام والإعجاب الصامت ... تطورت العلاقة مع الحرفيين في ما بعد إلى حوار حول الحرفة بمودة واحترام .

ذكر الحرفة يستدعي بالضرورة إمتدادها في ما مضى من عمر الإنسانية ، حضورا فاعلا ومحركا ليومها ومتطلعا مشاركا في مستقبلها منذ تحطيم الصوان لصناعته أسنة الرماح وأنصال السكاكين واقتلاع المسلات ونقشها وبناء الصروح والقلاع إلى تنفيذه هياكل المركبات وصناعة الحواسيب وأجهزة الإتصالات . المصمم حرفي خلاق ولكل مجاله ومداه . نرى هنا أن هنالك أسبابا ودواعي تؤكد حاجة الإنسان إلى الحرفة منها/
المعنوية : كربط الحس وإيصاله إلى الأجيال القادمة ، ونقل التفاعل بين المجتمعات ، ووضوح الخيار في الإنتقاء ، ومواجهة التأثيرات المقبلة والتغيرات المفاجئة ، والمحافظة على طابع المنتوج المميز .
أما الحاجة العملية
: فالحرفة تتضمن إندماج وتسلسل تقنيات وأساليب المعالجة عبر فترات وأجيال ، كما أنها تمد الحرفي بمقدرة عملية على المواجهة والتعامل مع الخامات الجديدة والآليات والعدد الحديثة ، وتضمن كفاءة الإستجابة لمتطلبات الحياة متفاعلة ومبادرة ، في حين تحقق الأشكال والوحدات مخزونا للطرح المبدئي في مبادرة الحرفي . وهي بذلك ناموس للقيم ، منها ما له علاقة بالإنتاج أو الجانب العملي التنفيذي أو التقني ، وآخر له علاقة بالمعاملات أو "أخلاقيات الحرفة " وما نسبغه واتسم به الحرفي .يتمثل الجانب العملي في إجادة التنفيذ والذي بدوره يتطلب :

1) الخبرة العملية : وهي ممارسة العمل لفترة من الزمن واكتساب مقدرة على استعمال اليدين إستجابة لخفقات ووفق ما تمليه إنطلاقات المخيلة وحدس للتصور الجمالي العملي أو الرؤية الإبداعية للجمال الحرفي .
2) ملكة على النقد والفرز : رعتها وطورتها خبرة الممارسة الملتزمة ، تتمثل في رد الفعل التلقائي العنيف تجاه ما يعبث بالمنتوج والمبادرة بمعالجته لتعود للمنتوج إشراقته وبهجته .


إن الحرف جميعها وعلى اختلافها تسم مزاوليها بسمتي الصبر والمثابرة ؛ فالصبر يتأتى من الإرتباط بالخامة وتتبع خطوات تنفيذ العمل والإجادة في إيجاد الحلول بغية التمكن من تحقيق التميز ، مثابرا في شوق وحمية لكشف المجهول ، وتجاوز المعتاد والمألوف . إنه كالرائد تنطلق نظراته باحثة في الأفق البعيد ، يجتاز الوهاد والفيافي غير مكترث بما يواجهه أو ما يستغرقه من زمن في سبيل الوصول إلى هدفه .

يصف البعض الحرفي المتميز بأن " ودنه طويلة " ذلك أن مفهوم الزمن وعلاقته بإجادة العمل أمر يختلف عنده عما هو عند عامة الناس ، كما أن علاقة الحرفي بحرفته علاقة تفاعل مثمرة على الصعيد الإنساني ، فهي تفرض عليه التحلي بسلوك واتباع مبادئ تجاه مواطنيه ؛ فالحداد يعمل على تحاشي النهايات الحادة وما قد يكون سببا في إلحاق الأذى بالمستعمل ، خصوصا صغار السن . ويرد حرفي آخر عند تساؤل المقتني عن جودة الإنتاج إذا كان من المستعملات : "خوذ جرب وكان ماعجبكش رده" دليل ثقة بمستوى تنفيذ إنتاجه . هذا العرض سيكون بلا شك سببا لبعث الثقة لدى المقتني ، والدفء في الأفئدة ، وتوثيق للعلاقات في المجتمع .

يقال أحيانا إن الحرفي في حديثه إنطوائي على نفسه ، وحقيقة الأمر أنه يحبذ رفقة عمله ومتعة حوار الأنامل مع الخامة والأداة ، يد تجيد التصرف وتوصل إلى النتائج . ومن صفاته ، كذلك إحترام حرفته عند تنفيذ الإنتاج " حسب أصول الصنعة " وما هو متعارف عليه لدى أرباب المهنة الواحدة في التعامل يمتد هذا ليشمل الحرص على تعليمها ونقل الخبرة وأسرارها " لمن هو أهلا لها " أي أن هناك مطالب وشروطا يجب أن تتوفر في المرشح للتلمذة الحرفية : تكوين شخصيته ، سلوكه وإستقامته ، إلتزامه . عموما من أقوالهم : " لا تعلم الصنعة لمن لا يقدرها ويحترمها " أو يشرفها . الطاعة التامة واحترام الأسطى المعلم وخدمته طوال فترة التكوين التي يحرص فيها الأسطى المعلم على رعاية طالب المعرفة بتتبع تكوينه مقدما له النصح والإرشاد في الوقت والفترة المناسبة وبالكيفية التي تلائم شخصية المريد وإمكانياته ناقلا له الخبرة " بجرعات " إلى أن يكتمل تكوينه ويطمئن إلى سلامة توجيهه وتحليه بآداب وسلوك الحرفي .

الأعمال والمنتجات الحرفية هي تعبير إنساني مباشر ، لهذا فهي أقرب إلى إمكانية الإرتقاء مباشرة إلى مستوى التميز والتفرد " عمل فني " كما أن لها خاصية طرحها بمظاهر وهيئات مختلفة ومتنوعة في المنتوج الواحد مستجيبة لمبادرات حرفيين مختلفي التكوين الثقافي والإجتماعي .
يختلف الإنتاج الحرفي بشدة عن الإنتاج الصناعي الذي تجتره الآلة بالصفات والمواصفات نفسها إلى ما لانهاية للمنتوج الواحد ، أي أنه نسخة مكررة غير متفردة ولا تعكس حالات إنفعالية أو تفاعلا ، بل هي كلمة أو جملة قيلت واستمر ترددها برتابة ، وبدون شاعرية ، محدودة التأثير ، مثال ذلك مرقوم بني وليد الصناعي الجيد الخامة والتنفيذ والمرقوم اليدوي الشعبي . الأول يقتفي صوت إيقاع الآلة الرتيب ؛ والثاني يصاحب خلجات إنسانية .

يقتني البعض أعمالا تشكيلية أو إنتاج الحرف الفنية لحاجة إليها ، كامنة مستترة ظاهرها جمالها وطرافتها للزينة وتجميل الحيز ، أو الحوار وتواصل بينه وبين العمل أو للمباهاة ، جميعها يضفي ويسبغ على المكان بهجة ومتعة للنظر وراحة للنفس . والجمال كما نعرف هو إتزان وتوافق مجموعة من العناصر في تكوين أو وحدة عمل ما . هذا الإتزان هو غاية مقتني الأعمال ةالتي تحققت بفضل المهارات الحرفية التي يمتلكها كل حرفي ممتميز وفنان مبدع ، ولولا هذه الكفاءة لما ظهر للوجود أعمال فنية وحرفية بهذا الحضور الذي يعمل على إغناء حياتنا اليومية .

يشير الكاتب إلى أن هذه المقالة قد تبلور مضمونها بلقاء عدد من الحرفيين والحوار معهم ، وأن عددا من المعاني والتعبيرات التي وردت في المقالة هي بالأساس لهم ونذكر منهم هنا الحاج صالح برقيق (أسطى بناء تقليدي ، نالوت) والأسطى مختار بركه ( أسطى نجار خريج مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية ) ، وكامل القاضي ( صائغ خطاط حفر بقلم الفولاذ على المعادن ) ، وجرجس ( فني صناعة آلات موسيقية وترية بقسم النشاط العام ـ جامعة الفاتح في السبعينيات ) ، وفوزي النعاس ( نقاش على النحاس وطرق الفضة ) ، وعبدالسلام الزنتاني ( صائغ نقش على الفضة والذهب ) ، الحاج سعد شنقب ( حداد شعبي ) ، وسانتو شانز نحات مكسيكي وفني سباكة ).

تعريف بالكاتب على الرابط التالي:

الجمعة، أكتوبر 24، 2008

بين الملاءمة الوظيفية والمتانة الإتشائية




د. رمضان أبو القاسم

من ضمن الأسس المعمارية المستخدمة في تقييم العمل المعماري مبدأ المتانة الإنشائية، الملائمة الوظيفية، والتعبير الجمالي. Firmitas, Utilitas, Venustas .
في تطبيقات العمارة المحلية خاصة منها المعاصرة يلاحظ تقصيرا واضحا في استيفاء العمل المعماري لهذه الشروط. يظهر هذا التقصير في عدم توافر هذه الشروط مجتمعة أو غياب بعض منها وفي حالات احترامها تبدو مراعاة هذه الشروط برؤى محدودة.
كثيرون يرون شرط المتانة الإنشائية متوقفا على المبالغة- لحد الإسفاف- في استخدام قطاعات الحديد الكبيرة وكميات هائلة من الأمتار المكعبة من الخرسانة وعدد مهول من القواعد وسمك كبير للحوائط والأسقف لدرجة أن المسكن البسيط قد يكون درعا ضد آخر صيحات الدمار. قد يكون المبنى متينا دون استخدام اكبر مقطع من حديد التسليح. ويكون المبنى متينا دون صنع قاعدة خرسانية عند كل زاوية في المبنى كما يكون المبنى متينا بالاستخدام الاقتصادي لمكوناته الإنشائية وخضوع تلك المكونات للمقاييس والاعتبارات الحرفية الهندسية.

الوظيفة، عادة ما تفهم في إطار الاستعمال الطبيعي للمبنى ( مستشفى ، مسكن ، متجر) أو تكون على حساب الاعتبارات الجمالية . هذا التوجه غير صحيح تماما والدليل على ذلك إمكانية استغلال المباني المصممة لوظائف محددة في وظائف أخرى . لعل قصة المسرح الروماني في مدينة أرل في جنوب فرنسا الذي تحول في العصور الوسطى لمجمع سكني خير دليل على أن الرؤية الوظيفية الضيقة للعمارة يمكن تجاوزها الجانب الوظيفي للمبنى يمكن فهمه ليس في الوظيفة المصمم من أجلها المبنى بل في التأثير و الفرص المختلفة التي يوفرها المبنى لمستخدميه بحيث يرون في هذه الفرص إمكانية استغلال المبنى وتطويعه لأداء مهام مختلفة إبراز شرط الملائمة أو علاقة المبنى ووظيفته بالمحيط تزيد من فرص نجاح المبنى على صعيد الوظيفة.

الاعتبارات الجمالية، لا ترتبط بالخضوع لما يوجد في السوق نتيجة ما وفره الحذاق من تجار مواد البناء أو بمحاكاة ما ظهر أخيرا في الشارع وما جاء به الحرفي رجل البناء" الأسطى" الوافد، من قيم ذوقية غريبة.

جمال المعمار متعلق بما يوفره المبنى من متعة من خلال توافق عناصر جمالية تتعدى الجانب البصري إلى العوامل الحسية ليشمل الراحة، الصوت، الملمس.


قد تبدو الجوانب الثلاثة المستعرضة آنفا- الجانب الإنشائي، الوظيفي، الجمالي في العمارة- منفصلة بسبب رؤية المصمم لما يجب أن يكون عليه التصميم أو بسبب التطور العمراني الذي تميز بالزيادة الملحوظة في نشاط حركة البناء. ساعد هذا التطور في سيطرة الجانب الوظيفي أو الإنشائي على الجوانب الأخرى رغم أن الدوافع في البداية قد تكون جمالية. هدف صاحب المشروع أو " المصمم" قد تنطلق من فكرة بناء مبنى جميل لكن ينتهي به الأمر إلى تكوين- بنائي، وظيفي مجرد أو هيكل إنشائي. هذا عكس حقيقة العلاقة المرنة المتصلة بين " الوظيفة"، " المتانة" و" الجمال" بفكرة الملائمة.

المتانة ليست بالضرورة مقتصرة على الجانب الإنشائي، بل تشمل الاختيار الأمثل لمواد البناء وتطويع هذه المواد للعناصر الإنشائية لتكون مصدر إثارة جمالية للمبنى كذلك الحال بالنسبة للجوانب الوظيفية. ملائمة الجانب الوظيفي تتحقق بترتيب مكونات المبنى الموجودة به تلك الفراغات. حجرات الكشف بالمستشفيات أو المباني الخاصة بمواقف السيارات أو فضاءات الأمتعة بالمطارات يمكن أن تكون وظيفية متينة إنشائيا وجميلة بإيجاد المساحة الملائمة لها وبتطويع عناصر مثل الإضاءة، الألوان في إثراء أبعاد تلك الفراغات الوظيفية والإنشائية.
الجانب الجمالي قد يكون مرتبطا بإطلالة المبنى على المحيط، لكن في حقيقته هو متعة مصدرها ملائمة الذوق الداخل في تكوين أجزاء المبنى حسب علاقة توافقية مستندة على نظام النسب وخاصية مادة البناء.

بين الوظيفة والإنشاء والجمال في العمارة علاقة مستمرة ظاهرة في كثير من الإنجازات الحضارية المعمرة حتى يومنا هذا. هذه العلاقة وجدت بالمحافظة على الاتزان بين استعمالات المبنى وجوانبه الإنشائية وقيمه الجمالية. استمرارية العلاقة والاتزان الموجود فيها يجنب حدوث خلل في مهمة العمل المعماري باستيفاء أغراضه.

تعريف بالكاتب على هذا الرابط/
http://mirathlibya.blogspot.com/2008/10/blog-post_17.html

المدن والقرى التاريخية بالجبل الغربي



م. وجيه عبد السلام باش إمام
م. عادل عبد الرحمن بعره





تمهيد : تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على جزء هام وأساسي من التراث العمراني الذي يزخر به وطننا ، ألا وهو الكم الهائل والعدد الكبير من المدن والقرى التاريخية المنتشرة فوق ربوع الجبل الغربي الأشم ، التي تعرضت إلى التدهور والانهيار خلال النصف الثاني من القرن الماضي بسبب هجرة السكان عنها ، وما تلا ذلك من أعمال تخريب وتدمير طالت جميع هذه المدن والقرى .

تشير الورقة في البداية إلى الموقع الجغرافي للجبل الغربي ، وكذلك التكوينات الجيولوجية المنتشرة به ، ومن ثم التجمعات السكانية الرئيسة مثل جادو ويفرن ونالوت ، وما يتبع كلا منها من مدن وقرى .
تستعرض الورقة أهم العناصر المكونة لهذه المدن والقرى واستعمالاتها الوظيفية ، وتتمثل هذه العناصر في المساجد والقصور والقصبات ، وكذلك بيوت الحفر والدواميس وغيرها .ثم تتناول الورقة أهم المواد المتسخدمة في بناء هذه العناصر ، كالأحجار وجذوع الأشجار ومن ثم الطرق والأساليب المتبعة في تشييد الأساسات والحوائط والأسقف بأنواعها وبنائها .
تقدم الورقة في النهاية عرضاً لبعض المبادرات والتجارب الأهلية التي يقوم بها بعض السكان من أجل حماية ماتبقي من هذه المدن والقرى والحفاظ عليه ، حيث تتنوع هذه المبادرات بين تلك التي يقوم بها الأفراد والأسر وبين تلك التي ترعاها الجمعيات والمجموعات الأهلية المهتمة بهذا النشاط . وتشير إلى الدور المهم الذي من الممكن أن تلعبه المنطقة في إحياء النشاط السيـــاحي في الجماهيرية ، وذلك لما تزخر به من تراث عمراني ، وإرث ثقافي وفنى ، غني ومتنوع .

1.الموقع الجغرافي للجبل الغربي :يقع الجبل الغربي شمال غرب ليبيا كما يظهر الشكل رقم (1) ، وهو عبارة عن سلسلة من جبال متوسطة الارتفاع تمتد في اتجاه من الشرق إلى الغرب ، علي مسافة طولها حوالي 400 كلم ، وتقع أعلي قمة فيه جنوب مدينة غريان ، وارتفاعها حوالي 981 متراً فوق سطح البحر وسفوحه الشمالية ذات جروف حادة ، وتنحدر تدريجياً في اتجاه الحمادة الحمراء جنوباً . ويقل ارتفاع هذه الجبال كلما اتجهنا شرق غريان حتى تلتقي بالبحر ناحية الخمس .

2. التجمعات السكانية الرئيسة بالجبل الغربي :تاريخياً ، فإن التجمعات السكانية الهامة تتواجد علي الجروف الشمالية ، ابتداء من غريان شرقاً وحتى وازن قرب الحدود التونسية غرباً ، وهذه المنطقة هي موضوع دراستنا . ولأسباب دفاعية بالدرجة الأولي فإن أغلب هذه المدن والقرى – إن لم تكن جميعها – تتجمع علي الحواف الشمالية لتلك الجبال . ويعتمد الاقتصاد المحلي للمنطقة علي زراعة الحبوب والرعي ، خصوصاً في الفترات التاريخية السابقة ، وذلك لوقوعها بين سهل الجفارة شمالاً والظاهر جنوباً ، وهو المنطقة الزراعية الخصبة الواقعة في بداية الحمادة الحمراء.
وأهم المدن التاريخية بالجبل الغربي : غريان ويفرن وجادو والزنتان وكاباو ونالوت ، ويتشابه الطراز المعماري في هذه المناطق نتيجة لتشابه البيئة والسكان ونمط البناء .

ولاتزال المدن التاريخية ظاهرة للعيان في يفرن وجادو والرحيبات والحرابة ونالوت ... إلخ ولكن مع وجود تفاوت في نسبة تعرضها للإهمال ولأعمال الهدم والتخريب ، حيث تتباين حالتها بين المنهارة وبين المهدمة بدرجة كبيرة إلى المتوسط وقد تعرضت هذه المدن إلى الانهيار والهدم نتيجة لهجرة سكانها منها ، هذه الهجرة التي بدأت منذ نهاية ستينيات القرن الماضي ، وحتى هجرتهم منها تماماً في أوائل الثمانينيات منه . وبالرغم من ذلك ، فإن بعض هذه المدن والقرى لاتزال محتفظة بنسيجها وطابعها المعماري المميز ، خصوصاً في مدينة القلعة الواقعة جنوب شرق يفرن ، وكذلك قرية مسوفين الموجودة جنوب غريان ، حيث يمكن القول إن هذين الموقعين لايزالان يحتفظان بالوضع نفسه والنسيج المعماري الأصلي لهما .
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه بالرغم من أن غريان هي أكبر مدن الجبل الغربي ، إلا أن المباني القديمة تقل فيها بشكل ملحوظ عن مثيلاتها في باقي أجزائه ، ويرجع ذلك لاتباع الأهالي لنظام بيوت الحفر في تجهيز مساكنهم وإعدادها ، وكذلك أماكن ممارستهم لأنشطتهم اليومية .
ويمكن الرجوع إلى الشكل رقم (1) لتحديد معظم المواقع التي ذكرت أعلاه .

3. مواد البناء المستخدمة في الجبل الغربي :معظم المواد المستخدمة في البناء هي مواد محلية متوفرة في المنطقة نفسها ، ويمكن إجمالها في الأنواع التالية :
3/1 – الأحجار الكلسية :هي أحجار رسوبية استعملت بأشكالها غير المنتظمة – في أغلب الأحيان – في تشييد المباني حيث استعملت في بناء الأساسات والحوائط ومعظم العناصر الإنشائية الأخرى المكونة للمباني ، وذلك حسب الاحتياجات والوضعية . كما دخلت خامات في تصنيع الجبس المحلي .
3/2 التربة الطينية :استعملت في بناء الأسقف وبعض الديكورات الخاصة بالأسقف الداخلية .
3/3 المونة الجبسية :تجهز بواسطة الجبس المحلي الذي يصنع بحرق الأحجار الكلسية المختلطة بالشوائب ، وعند خلط المونة الجديدة وإعدادها ، تضاف إليها بعض حبيبات وقطع من مونة سابقة الإعداد والاستعمال .وتستخدم المونة الجبسية كمونة للبناء ولياسة الحوائط وبناء الأقواس والأقبية .
4 /3 الأخشاب :وهي إما أن تكون عبارة عن جذوع النخيل القصير أو جذوع أشجار الزيتون وأغصانه وتستخدم في بناء الأسقف المستوية ، وفي صناعة الأبواب وحتى الأقفال .

4. أساليب تنفيذ العناصر الإنشائية لمباني الجبل الغربي (2)
اتبعت الأساليب التالية في تشييد معظم العناصر الإنشائية المكونة للمباني المنتشرة في الجبل الغربي وبنائها .
4/ 1 الأساساتتحفر الأساسات بعمق يتراوح بين ( 70 – 80 ) سم وبعرض في حدود ( 50 – 70 ) سم وتملأ بالحجارة المدكوكة التي تتدرج من الأكبر إلى الأصغر حتى الوصول إلى سطح الأرض ثم تبنى فوقها الحوائط ، ويبين الشكل رقم (2) قطاعاً أفقيا في أحد الأساسات .
4/ 2 الحوائط :يكون عرضها أقل قليلا من عرض الأساسات أي أنها تتراوح بين ( 50 – 70 ) سم . وتبني بالحجارة التي تلصق مع بعضها بالمونة الجبسية ، وتتكون الحوائط من جزءين داخلي وخارجي ، حيث يهذب الأول من ناحية المبني والثاني من ناحية الخارج . ويملأ الفراغ الناشئ عن عدم تلاقي الجزءين بالأحجار الصغيرة أو الكسار كما يبين الشكل رقم (3) ، وعند الوصول إلى منسوب الباب يبني سقف الباب . ثم يكمل بناء الحوائط حتى الوصول إلى سقف الغرفة ، مع وضع عتبة علوية من الخشب في نهاية الباب ، كما يظهر الشكل رقم (4)
أما العتبة السفلية للباب فتتم لياستها بالجبس لحمايتها من البري ، ويوضع بين العتبتين مفصل لتثبيت الباب ولقد لوحظ استخدام الحوائط الجانبية الداعمة في الحوائط ذات الارتفاع الكبير نسبيا . وذلك مبين بالشكل رقم (5) .
4/3 الأسقف :تبني الأسقف باستخدام أغصان الزيتون التي توضع متقاربة مع بعضها بأقصي قدر ممكن ثم تفرش فوقها حجارة صغيرة لملء الفراغات ، وبالتالي منع التربة الطينية من السقوط إلى داخل الغرف ، ثم توضع طبقة من التربة الطينية الرطبة التي تضرب بمضارب خاصة لتثبيتها والتي ترش بالماء في حالة جفافها وتسمي هذه العملية التسبيط . وتوفر هذه الطبقة ميولاً مناسبة لتصريف مياه الأمطار ، ويوضح الشكل رقم (6) قطاعاً في سقف بني بهذه الطريقة أما في حال استخدام جذوع النخيل ، فتتبع الطريقة نفسها مع عدم الحاجة إلى استخدام كميات كبيرة من الحجارة الصغيرة لأن جذوع النخيل تقسم طولياً ثم توضع بحيث يكون الوجه المستوى لها من ناحية الغرفة . وبعد ذلك توزع التربة الطينية بالطريقة نفسها لتوفير ميولٍ مناسبةٍ لتصريف مياه الأمطار . ويبين الشكل رقم (7) قطاعاً لسقف من جذوع النخيل . وتجدر الإشارة إلى أنه تم استخدام أغصان الزيتون وجذوع النخيل بشكل مشترك في بعض الأسقف .
4/4 القباب :شيدت القباب من الحجارة الصغيرة ، وذلك ببنائها دائرة تلو أخرى ، والارتفاع بجوانبها إلى الأعلى إلى أن تغلق الفتحة بالكامل ، ثم تليس من الخارج بمونة الجبس ، يلاحظ الشكـــل رقم (8) . وفي المساجد قد تليس القباب من الداخل أيضا .
4 / 5 الأقبية :تبني بطريقة بناء القباب نفسها ولكن بصورة طولية علي شكل أنصاف دوائر ، ثم تليس هي الأخرى بمونة الجبس ، ويظهر الشكل رقم (9) قطاعاً في أحد الأقبية .

5. أنواع المباني في الجبل الغربي
5/1 البيوت (2)تتميز بالخصوصية والبساطة ، وذلك نظراً لوعورة المنطقة وصعوبة تضاريسها وأيضا محدودية أنواع مواد البناء المتوفرة . وتتبع في معظمها نظام البيت ذي الفناء المفتوح الذي ليس من الضروري أن يكون ذا شكل منتظم ، أو أن تكون مناسيب غرفة في مستوي واحد وذلك بالنظر لطبيعة المنطقة .
وقد يتكون البيت من غرفة أو اثنتين أو أكثر حسب الحاجة والإمكانيات . وبالنسبة للمداخل الرئيسة فقد تفتح مباشرة علي الفناء ، أو قد تكون ذات نظام المدخل المنكسر ، حيث توجد المربوعة في أحد جوانب السقيفة ( وهي الممر المؤدي إلى الفناء ) ، وفي الجانب الآخر يكون مدخل الفناء . وتصنع هذه المداخل من أخشاب الزيتون أو النخيل وكذلك الأمر بالنسبة لأقفالها .
ولايتعدي عرض الغرف ( 1.5 – 1.8 ) متراً وطولها يتراوح بين ( 3 – 4 ) أمتار ، وارتفاع أسقفها لا يزيد علي ( 2 – 2.5 ) متراً ، ولكل منها باب يمتد إلى ساحة الفناء ، ولايزيد ارتفاع الباب علي 1.5 متراً ، وعرض أبواب الغرف يتراوح بين ( 0.8 – 0.9 ) متراً ويصنع من قطع الأخشاب إن توفرت أو اغصان الزيتون وجذوع النخيل . أما النوافذ فهي عبارة عن فتحات للتهوية مساحتها ( 10 × 20 ) سم ، وبحد أقصى لايتجاوز ( 20 × 20 ) سم وهم ما يمكن ملاحظته في الشكل رقم (10) ، وفي الشتاء والبرد يتم إغلاقها بقطع من القماش . أما الأسقف فمعظمها عبارة عن أسقف مستوية لها طبقة ميول لتسهيل عملية صرف مياه الأمطار .
وهناك ما يعرف بالمخزن ، وهو عبارة عن بناء صغير من جزئين ، علوي وسفلي ، ويوجد في أركان إحدى غرف البيت . ويستخدم الجزء العلوي منه في تخزين الحبوب وما شابهها ، وله باب يصعد إليه بدرج ، وسطحه العلوي عبارة عن قبة أو قبو . أما جزؤه السفلي فيستخدم لتخزين الزيتون وما شابه ، وتخفض أرضيته لتوفير ارتفاع مناسب للحركة ، وله باب أيضا .
ويبين الشكل رقم (11) قطاعاً في أحد هذه المخازن .

5/2 المساجد (2)وقد لوحظ أن المساجد عبارة عن قاعات كبيرة ، بها أعمدة من الأحجار ، المسافة بين كل عمود وآخر في حدود ( 1.5 – 1.8 ) متراً ، كما يظهر في الشكل رقم (12) ، وتبني هذه الأعمدة بطريقة مماثلة لطريقة بناء الحوائط ، التي سيأتي ذكرها . وللمساجد غرف جانبية للتخزين وبعض المرافق الأخرى الخاصة ، وذلك نظراً لاستقلاليتها . ومعظم أسقفها تكون علي شكل قباب أو أقبية ، وتليس هذه القباب والأقبية من الخارج بالجبس وقد تليس من الداخل بالجبس أيضا ، يرجع للشكل رقم (13) وتستخدم أغصان الزيتون أو جذوع النخيل في بناء أسقف بعض المساجد .
وبالنسبة للمحراب فهو عبارة عن تجويف بسيط داخل حائط القبلة ، أما المنبر فهو خشبي في معظم الأحيان ، ولاتتعدى درجاته الثلاث .

5/ 3 الدواميس (2)الداموس كلمة لاتينية تعني الســرداب ، وهو عبارة عن حفرة في الأرض بعمق يتراوح بين ( 1.5 –2 ) متراً ، وبطول ( 3-4 ) أمتار ، ينزل إليها بدرجات وتستخدم للإقامة ، وذلك لدفئها في الشتاء وبرودتها في الصيف ، ويظهر الشكل رقم (14) أحد تلك الدواميس التي كانت تستخدم للسكن . هذا وقد استخدمت بعض هذه الدواميس للتخزين . كما لوحظ أنها استغلت في كثير من الأحيان كمعاصر لزيت الزيتون .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مدينة غريان وما حولها من مناطق ، كانت قد أعتمدت علي الدواميس ( بيوت الحفر ) بشكل كبير في السابق وقد كانت حتى عهد قريب النظام الأكثر شيوعاً وانتشاراً في البناء لتلك المنطقة . ولكن مع ملاحظة أن الدواميس الموجودة في منطقة غريان تعتبر بيوتا قائمة بذاتها ، وفيها كل متطلبات المعيشة ، حيث يتكون البيت من مجموعة دواميس تتم فيها ممارسة الأنشطة الحياتيه كافة للسكان .
وقد تعددت أنماط وأشكال بيوت الحفر واشكالها في تلك المنطقة لسببين ، اولهما طوبوغرافية الموقع ومكونات التربة ، وثانيهما التغيرات الاجتماعية والاقتصادية للأسرة والمجتمع . وتتقسم بيوت الحفر وأشكالها في تلك المنطقة إلى ثلاث أنماط هي بيت أبو سقيفة ، وبيت الفصيل والبيت المعلق .
ويعتبر النمطان الأول والثاني الأكثر شيوعا وانتشار في المنطقة ، نظراً لملاءمتهما لطوبوغرافيتها ، وذلك علي عكس النمط الثالث الذي يتطلب تنفيذه شروطاً خاصة . ونتعرض هنا للنمطين الأول والثاني بشيء من التفصيل .
والبداية ستكون مع بيت أبو سقيفة المبين بالشكل رقم (15) الذي يتكون من :
المدخل الرئيس / يكون عادة في المنسوب المنخفض للأرض المنحدرة ، مع تساوي منسوبه مع منسوب الفناء الداخلي .
السقيفة / وهي تمثل الفراغ الذي يربط المدخل بالفناء الداخلي ، وتأخذ شكل مسار منحن ، لضمان العزل البصري الخارجي ، ولمنع دخول التيارات الهوائية إلى الفناء الداخلي .
وتكون السقيفة بعرض 3.0 أمتار ، وارتفاع 2.80 متراً . وتوجد بالسقيفة مصاطب جانبية للجلوس والتخزين وأماكن لربط الماشية . وفي المواقع ذات الأرض شبه المنبسطة تبني السقيفة بحوائط من الحجر تظهر فوق سطح الأرض بميل يعتمد على عمق الفناء الداخلي ويبني سقفها باستعمال جذوع أشجار الزيتون التي تعلوها أغصان الأشجار والتبن وتغطي بطبقة من التراب .
الفناء الداخلي / وهو فراغ مركزي تتوزع حوله مجموعة من الدواميس ويشكل 50 % من المساحة الإجمالية للبيت ، وعمقه يتراوح بين ( 6- 8 ) أمتار . و أما إذا كان دائرياً فإن قطره يتراوح بين ( 8- 10 ) أمتار . أما إذا كان مستطيلا فإن عرضه يكون بين ( 6- 8 ) أمتار ، وطوله بين ( 8 – 10 ) أمتار .
الدواميس / هي فراغات تتم فيها ممارسة النشاطات الأسرية . ويتكون البيت الواحد من عدة دواميس يعتمد عددها على عدد أفراد الأسرة وحالتها الاقتصادية . ويلاحظ عدم تقيدها بانتظام الشكل الهندسي ، مع كونها أقرب إلى الشكل المستطيل مع وجود انحناءات وتوسعات جانبية في الحوائط الطولية والعرضية . وفي العادة تنخفض أرضية الداموس عن أرضية الفناء الداخلي بمقدار ( 30 –60 ) سم . وكذلك توجد بها كوات ( الكوة عبارة عن تجويف داخل الحائط ) تستخدم للتخزين ، وعمق هذه الكوات 50 سم وطولها يتراوح بين ( 1.50 – 2.0 ) متر .
وينقسم الداموس إلى قسمين ، القسم الأول أمامي ويستغل لممارسة الأنشطة اليومية . أما الثاني فينقسم إلى فراغين علوي وسفلي ، يستغل العلوي للنوم ، أما السفلي فيستخدم للتخزين .
المطبخ / وهو فراغ مشترك – في حالة وجود أكثر من أسرة داخل البيت – وعادة يوجد بالقرب من السقيفة ، ويكون صغير الحجم ، حيث تتراوح أبعاده ما بين ( 2.5 – 2.0 ) متراً طولاً و ( 2.0 – 3.0 ) أمتار عرضاً ، وبارتفاع لا يزيد علي 2.6 متراً.
المخزن / يوجد هذا الـــفراغ أعلى من منسوب سقف الـــدواميس بمســـافة في حدود ( 1.0 – 2.0 ) متراً . وتشكل دورا منفصلاً يمكن الوصول إليه بواسطة سلالم مبنية بالحجارة أو منحوتة في التربة أو عن طريق أوتاد خشبية مثبتة في الحائط . ويتم حفر فراغ المخزن في التربة بعمق يتراوح ما بين ( 3-4 ) أمتار ، و بعرض ( 2.0 – 2.5 ) متراً ويقسم إلى مجمــــوعة فراغات . أما حوائط المخزن فتبيض بمونة الجبس وتعالج بالجير لقتل الحشرات.
والعناصر السابقة يمكن التعرف عليها من خلال الشكل رقم (16) ، في حين يبين الشكل رقم (17 ) قطاعاً رأسياً في بيت أبو سقيفة في أرض منبسطة .
أما بالنسبة لبيت الفصيل ، فيوضح الشكل رقم (18 ) ، أنه بيت حفرٍ في أرض صخـــرية ( رسوبية أو متحولة أو رملية ) . ويتم اختيار مواقع إنشائه في المناطق الصخرية المنحدرة كضفاف الأودية والشعاب ، وذلك للحفاظ على الأراضي الصالحة للزراعة .
ولقد جاء هذا النمط من بيوت الحفر تطويرا لبيت أبو سقيفة ، حيث يلاحظ في هذا النمط قربه من الشكل الهندسي المنتظم ، وذلك لكون الفناء الداخلي ذا شكل مستطيل .
وقد وجد هذا النمط في أغلب الأحياء في الأرض التي بها طبقة صخرية ( القرو ) على أعماق مناسبة تتراوح بين ( 2.0 – 4.0 ) أمتار . أما دواميس هذا النمط فإن مقاسها أكبر قليلاً من تلك المــــوجودة في النمط الأول ، كما أن عددها يكون أقل من عددها في النمط السابق.
في حين أن البيوت المعلقة يتم حفرها على ضفاف الأودية الجبلية ذات الطبيعة الصخرية ، وهي نادرة الانتشار وتوجد في مناطق منعزلة عن التجمعات السكنية ، ويطل مدخل البيوت على الوادي مباشرة ويرتفع عن مستوي الأرض بمسافة ثلاثة أمتار فأكثر وذلك كما في الشكل رقم (19) .
هذا وتجدر الاشارة إلى أنه تم الاعتماد في هذا الجزء من الورقة على البحث الذي قدمه كل من المهندس مفتاح البكوش والمهندس علي امحمد الذويب ، المنشور في العدد (38) من مجلة الهندسي .

5/4 القصور :يطلق اسم القصر في العادة على أي بناء عال ومهيب ، ومن هنا أطلق اسم القصر علي بقايا الحصون الرومانية ، مثل قصر ذويب و قصر وامس . كما أطلق اسم القصر على مقر الإدارة المحلية في العهد العثماني ، ومن هذه التسمية ظهر قصر القره بوللي وقصر بن غشير وقصر العجيلات ... إلخ ، واختفت عبارة القصر فيما بعد وأصبحت التسمية القره بوللي وبن غشير والعجيلات ... إلخ إلا أن القصور موضوع ورقتنا هذه ، هي تلك المباني الضخمة المشيدة على حواف الجبل الغربي ( منطقة الدراسة ) ابتداءً من ككلة شرقاً ، حتى وازن غرباً . وهذه القصور متفاوتة في أحجامها وضخامتها ، وقد استعملت لغرضين أساسيين ، أولهما تخزين الحبوب والمواد الغدائية ، كالشعير والتين المجفف والتمر وغيرها والثاني للأغراض الدفاعية ، حيث يتحصن الأهالي فيها عند تعرضهم لغارات القبائل الأخرى .
والقصور في معظمها بناء دائري به فناء ، وتتوزع غرف التخزين على جوانبها حسب الامكانيات المادية لكل عائلة ، وأبرز مثال على هذا النوذج الشائع قصر الحاج وقصر كاباو . ويظهر الشكل رقم ( 19 ) منظراً عاماً لقصر الحاج من الداخل .
وهناك نموذج القصر عديم الفناء ، وأبرز مثال له قصر نالوت ، ولعله أضخم قصور هذا النموذج ، وهو يقع على حافة جرف جبلي ويحتوي على حوالي 400 غرفة تخزين ولا يوجد به فناء وربما تم بناء الفناء فيما بعد نتيجه تزايد عدد السكان واحتياجهم لمزيد من الغرف . ويظهر الشكل رقم (20) قصر نالوت في صورة تبين موقعه على حافة الجرف الجبلي .
كما يعتبر قصر فرسطة أحد أمثلة النموذج الأخير ، إلا أنه غير منتظم الشكل . كما أنه يقع أيضا علي حافة جرف جبلي .
وقد قام الجيش العثماني بتدمير قصور الجبل الغربي وإزالتها إثر ثورة غومة المحمودي أواسط القرن التاسع عشر ، وذلك نتيجة لتحصن المقاومين بها .
وقد أزيلت هذه القصور في يفزن وجادو والرجبان ، وصولاً إلى كاباو التي نجا قصرها من التدمير ، كذلك القصور التي تقع غربها . ويستثني من ذلك قصر الحاج الذي نجا من التدمير على الرغم من كونه يقع شرق جادو .



5/5 القصبات :تمثل القصبات نموذجاً معمارياً مميزاً وفريداً في شمال أفريقيا ، ويعتقد أنه منحدر من المآذن المغربية مربعة الشكل ، التي انتشرت في المغرب العربي ، ومن أمثلتها مئذنة جامع القيروان ومئذنة جامع الزيتونة .
أما بالنسبة للقصبات المنتشرة في الجبل الغربي فقد استغلت لغرضين أساسيين ، أولهما أنها كانت تعتبر نقاط تجميع مؤقتة للحبوب والمحاصيل المزروعة في سهل الجفارة ، أم الثاني فهو استعمالها مراكز للحراسة والتحذير من غارات الأعداء ، عبر نظام اتصالات بين القصبات في السهل ، والقرية في الجبل ويظهر هذا النظام الدفاعي بصورة واضحة في جادو حيث تظهر سلسلة من القصبات موجودة في السهل ، ومن الممكن مشاهدتها من القصبة الرئيسة بمدينة جادو القديمة .
والقصبة عبارة عن مبني من الحجر مربع الشكل ، يشبه البرج الدفاعي . وهي ترتفع حوالي 6 أمتار . وعادة تكون بها غرفة داخلية تستعمل لأغراض التخزين . وبها فتحة يمكن الخروج عبرها إلى السطح ، الذي يستعمل للمراقبة والدفاع . ويظهر الشكل رقم (20) إحدي القصبات التي استخدمت لأغراض التخزين في مدينة نالوت .


جمعية المهندسين العلمية
المجموعة الوطنية لحماية المباني التاريخية

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...