أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، نوفمبر 27، 2009


تهنئة

بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك تتقدم (مدونة الميراث) بأحر التهاني، إلى الأمة الإسلامية، سائلين المولى عز وجل، أن يعيده علينا بالخير واليمن والبركة.

مشرف المدونة

الخميس، نوفمبر 26، 2009

قراءة في العملية التصميمية





مقدمة/
المبدأ، هو المحرك الأساس لكل العمليات التي يجريها الإنسان عبر مسيرة حياته، وليس بالضرورة أن يكون المبدأ ساميا أو خيّرا، بل ربما يكون شرا وبالا على كل البشرية، ولكنه في النهاية يشكل مبدأ لمعتنقه.
ومن هذا المنطلق أيضا نستطيع أن نقول أن المبدأ هو المحرك الأساس لعمليات التصميم المعماري، فالمعماري لا يستطيع أن يبدأ عمله من لا شئ.

والمبدأ، هو مجموعة القيم والمعتقدات والأفكار والقناعات التي يحملها المعماري بين جنبيه... وهو يتحرك وفق هذا المبدأ سواء كان ذلك بوعي منه أو بدون وعي. فهو الذي يحدد له اتجاهاته المعمارية مثلما يحدد له مساره في الحياة المهنية... فقراءاته تتحرك وفق هذا المبدأ وهو الذي يتحكم في اختياراته لأنماط التصميم وسير العملية التصميمية.... كذلك فإن عملية النقد الذاتي وتصحيح مسار العملية التصميمية، تتم وفق متانة العلاقة بين ما وصل إليه المعماري في مراحل التصميم وما يصبو للوصول إليه. وكلما خالفت الأفكار المعمارية المطروحة المبدأ الذي يتحكم بعقلية ووجدان المعماري، كلما كان رفضها من قبله سريعا وحاسما.

من هنا نبدأ في سرد مراحل التصميم وأولوياتها لدى أي معماري يحرص على أن يؤدي عمله على أكمل وجه. وبلا شك أن أولى مراحل التصميم تبدأ بطلب من مالك المشروع سواء كان فردا أو جهة اعتبارية. والمعماري من جهته يحاول استيعاب متطلبات المالك وتقدير حجم المشروع ونوعيته.

علاقات أزلية/
المعماري، مستمع جيد مثلما هو محاور جيد، يقود دفة الحوار للوصول إلى أقصى ما يمكن الحصول عليه من معلومات تساعده على وضع الفكرة والانطلاق بيسر إلى مراحل التصميم.

المالك، ثقافته ومهنته وتطلعاته ومتطلباته الوظيفية ورؤاه وأفكاره وتصوراته لمشروعه... أفكار ومتطلبات متباينة بين مالك لمشروع وآخر، يحتاجها المعماري ليبدأ مشواره.

الموقع، زيارة الموقع للمعاينة الميدانية ضرورية حتى ولو كان الموقع في مدينة أخرى تبعد مئات الكيلومترات، فقد تتشابه المشاريع ولكن طبيعة الموقع وما يحمله من خصائص" والأهم الخصوصية البيئية والثقافية للمجتمع" والتي قد تضفي تنوعا وإثراءا للمشروع كما تعطي للمعماري دفقة من الدماء الجديدة للخروج بعمل معماري متميز عن سابقاته.

طبيعة الأرض، ومساحتها وتوجيهها وموقعها الجغرافي وموقعها بالنسبة للطرق ومسارات الحركة مهم جدا.
ومن خلال تشابك هذه العلاقات وتفاعلها يتدخل المبدأ ليفرض اعتباراته ويسيطر على العملية التصميمية من خلال عدة توجهات فكرية:
معماريو الوظيفة، بعضهم يبدءون بحل العلاقات الوظيفية، وعندما يتحقق النجاح في توزيع الفراغات وفق علاقتها ببعضها البعض، يعتبرون أن مهمتهم انتهت، فيبدءون في دراسة الواجهات، دون مراعاة البعض منهم لمعطيات البيئة، وعندما يحضون بالموافقه من قبل المالك تنتهي مراحل التصميم ويستلم المالك مشروعه.
معماريو الشكل، غالبيتهم ينطلقون من الكتل كمصدر أساس للتصميم ليستخرجوا منها تكوينات جمالية تحقق رؤيتهم للشكل، وعندما يستأثر هذا الشكل باهتمام المالك ويحضى بإعجابه يبدأ توزيع الفراغات بحيث لا تخل بالشكل.


إذاً فالعملية التصميمية لا زالت تدور في فلكين ولم تستطع الخروج من بين ثناياهما، فلك الوظيفة وأنصارها الوظيفيون. وفلك الشكل وأنصاره النحتيون... وبينهما يحاول الكثيرون من عقلاء العمارة المصالحة بين الشكل والوظيفة، وفي أحسن الحالات المزاوجة بينهما.... ولكن المبدأ لا يقف عند هذا الحد، فأيّ وظيفة يمكنها أن ترضيه؟ وأي شكل يستأثر بإعجابه؟


ومن هنا نبحر في أعماق المبدأ عند من جمع بين الوظيفة والشكل منطلقا من تراث الأمة كمرجع يستند عليه لتحديد صورة العمارة المعاصرة، لنتعرف على الجواب.. ومن هنا تبدأ الرحلة... رحلة البحث عن الذات... عن الجذور... عن القيم الأصيلة... رحلة البحث عن عمارة الروح، وروح العمارة المحلية.

رحلة البحث عن الذات/
عندما يبدأ المعماري التفكير في أولى مراحل المشروع وخصوصا إذا كان يتعامل مع مشروع سكني، يحاول أن يستحضر قيم بيت الجد ومنها يبدأ رحلته مع المشروع إلى ذروته.

· الوظيفة، تبدأ الوظيفة محركا أوليا يندفع بقوة القيم الاجتماعية التي لا زالت آثارها باقية في النفوس ولم تتهتك أوصالها بعد.

· الخصوصية، بين سكان البيت والمحيط... بين سكان البيت وضيوفهم... بين سكان البيت الواحد وبين اختلاف الأنشطة التي تدور في المسكن... خصوصية سمعية وبصرية ونفسية.

· التوجيه، لابد أن يأخذ كل فراغ حقه في التوجيه قدر المستطاع، مع محاولة إغلاق المنافذ على الجهة التي يأتي منها برد الشتاء القارص والرياح العاتية أوحر الصيف اللافح.

· النظام الإنشائي، أثناء العملية التصميمية وفي غمرة الانهماك في توزيع الفراغات وتوجيهها الصحيح يشتغل النظام الإنشائي في تناغم مع هذه المرحلة، بل إنه يساعد في تحقيق النتائج.

· الشكل، فهو مختمر في عقلية المعماري ومؤجل إلى حين إشعار آخر ومتحرك تلقائيا داخل هذه المرحلة.... الشكل جاهز مسبقا لأنه لا يخرج عن تراث وثقافة المجتمع والمحيط، ومؤجل إلى حين لأنه ليس الهدف، ومتحرك تلقائيا لأنه مأخوذ في الاعتبار عند توزيع الفراغات.

· اعتبارات المحيط ، تتحدد ملامح الشكل وطرازه المعماري تبعا لاختلاف البيئة المحيطة بالمشروع... فإذا كان بيتا حضريا في المدينة، فهو ينهل من معينها النقي. وإن كان بيتا ريفيا، اندمج مع الطبيعة... وإن كان جبليا، تدرج في مناسيبه... وإن كان صحراويا سدت منافذ الحر... ولكن تظل وحدة العقيدة تجمعهم... وتباين الثقافات والبيئات المناخية واختلاف الطرز المعمارية ينوعهم.

ولكي ينكسر حاجز الملل الناتج عن تكرار النماذج من تكرار المطالب، تكون إحدى التفاصيل الجملية نواة لتصميم المسكن... فمن تفصيلة ما، تنمو فراغات البيت وتتجمع حول تلك التفصيلة التي تتوالد منها تفاصل أخرى تثري أركان البيت... ولكن دون الإخلال بالمبدأ ومراحل التصميم.

بعد نضوج الفكرة واكتمال العمل بما يسمح للزبون باستيعابه تتجدد الدعوة للحوار وتبدأ المناقشة... قد يعترض الزبون على بعض الأشياء، وقد يناقض أفكاره الأولية، بعدما اتضحت له صورة مسكنه أكثر، فيبدأ من هنا نقاشه الواعي، وهو يرى متطلباته واقعا ملموسا بعد أن كانت تسرح في خيالاته.

باب الحوار مفتوح والمراجعة متواصلة وللعائلة رأيها... فلا بأس به وهو في عرف المعماري أمر مهم، فللمرأة مملكتها وللأبناء براحهم وللزوج مستراحه بعد يوم عمل شاق.... ويتواصل الحوار والتعديل، ما دام لا يتعارض مع أصول العمل المهني، والمبدأ هنا يحترم المالك لأنه هو الذي سيسكن هذا البيت، ومن أجله كان تأهيل المعماري... إذا أصاب المالك في رأيه تمّ تأكيد فكرته، وإذا أخطأ وخالف أصول العمل المعماري، يتم توجيهه وإسداء النصح إليه.

لا يهم كم يأخذ هذا الحوار والنقاش والتعديل من وقت المعماري، المهم هو الوصول إلى تصميم المسكن بما تحمله هذه الكلمة من قيمة، ولأن البيت تعبير عن الذات، فالمالك هو من يقرر التوقف وعنده ينتهي المشروع... على أمل أن تبدأ رحلة جديدة معه أثناء التنفيذ أو يبقى المشروع طي الأدراج، ليخرج أحيانا لمراجعة الذات وتطوير العمل... وليكون داعما لفكرة جديدة مع بيت جديد.

الثلاثاء، نوفمبر 24، 2009

الإنسان… المكان… العمارة




جمال اللافي

علاقة أزلية تكاملية بين هذا الثالوث ظلت قائمة على التوازن الطبيعي في دورة حياة متكاملة محيطها شاسع، تحركها عجلة الزمن وفق ناموس إلهي ترك للإنسان حرية جزئية لقيادة هذا الفلك نحو غاية واحدة هي عمارة الأرض وإرساء دعائم العبودية لله وحده، هذه كانت معادلة الماضي والتي تقبّل أجدادنا صيغتها الفطرية.

إنسان منهار تحت ضغوطات عصر الفراغ الروحي والتفكك الاجتماعي وسيطرة الدولار الأمريكي على اقتصادياته بيئة تتعرض لزحف المخططات العشوائية والغابات الخرسانية... عمارة تنزوي هويتها بين دهاليز الغربة. وهذه معادلة بديلة نصيغها نحن لهذا العصر.

الإنسان يتحرك بالريموت كونترول المكان صحراء جرثومية العمارة مصطلح مندثر من قاموس الواقع. وهذه معضلة نرحّلها على المستقبل ليشقى أحفادنا في البحث عن حل لها.

الأربعاء، نوفمبر 11، 2009

مواد البناء والأنظمة الإنشائية في المباني التقليدية



م. حسام باشا إمام

عرضنا في وقت سابق وعلى صفحات الشط أهمية الحفاظ على التراث المعماري المتمثل
في المباني التقليدية التي تحمل في طريقة بنائها والطابع المعماري الخاص بها الهوية الخاصة بمجتمعنا العربي الإسلامي. ولتأكيد تواصل الماضي بالحاضر اتجهت الأنظار في وقتنا الحاضر إلى الاهتمام بهذا التراث ودراسته وتوظيفه لحل مشاكل الإسكان المعاصر واقتباس الحلول السابقة في استعمالات مواد البناء المصنعة من خامات محلية والطرز المعمارية التقليدية وتطويرها وملاءمتها لمباني عصرية. وللمساهمة في الدراسات المتعلقة بهذا المجال نعرض بالبحث والتحليل إلى أنواع المباني التقليدية في ليبيا وتصنيفاتها المختلفة.
حين كان الإنسان في الماضي اكثر التصاقا وانسجاما مع الطبيعة تأثر أسلوب تنفيذ المباني واختيار مواد البناء الداخلة في تشييده وفي مختلف مراحل إنشائها تصميما وتنفيذا بعدة عوامل ومن أهمها .
1. العامل البيئي .
2. العامل الاجتماعي والثقافي.
3. العامل التقني والاقتصادي.
ونأتي الآن لشرح كل عامل على حدة وبعد ذلك نحاول وضع تصنيف للمباني التقليدية التاريخية وأماكن انتشارها الجغرافي وتقنيات المواد المستعملة في تشييدها وأساليب التنفيذ والطابع المعماري المستعمل:
( 1 ) العامل البيئي.
تمتد بلادنا على مساحة جغرافية واسعة وتتميز بوجود مناطق مناخية متعددة تم تصنيفها حسب الدراسات المناخية إلى مناخ البحر المتوسط في أجزائها الشمالية ومناخ الإستبس شبه الصحراوي التي تقع مباشرا جنوب المنطقة الأولى تم المناخ الصحراوي الذي يشمل غالب البلاد حتى أقصى الجنوب، أما عن أماكن توزيع المواد الخام المستعملة قديما في البناء فنجد الرواسب الطميه منتشرة في اغلب الساحل وتتوفر الأحجار الجيرية الرملية الهشة بشكل كبير في المناطق الغربية الساحلية أما المناطق الجبلية فتتوفر بها عدة أنواع جيدة من الأحجار الجيرية الصلبة الصالحة لاستعمالها لأغراض البناء وتنتشر في المنطقة الصحراوية الواسعة الترسبات الطينية في بعض الواحات بالإضافة إلى تواجد أحجــــــــــار أخرى جيدة للبناء منتشرة على سطح الأرض في أماكن الصحراء الصخرية هذا وفي المنـــاطق الجبلية وبشكل خاص منطقة الجبل الغربي توجد احتياطات ضخمة من الجبس بالإضافة لوجود الأحجار الجيرية المستعملة في تصنيع الجير ونظراً للظروف المناخية السائدة وتوزيع المواد الخام المستعملة قديما في البناء ولاعتماد السكان على مصادر قريبة ومحلية لمواد البناء قبل عصر الصناعة والآلة حتّم كل ذلك على الحرفي المهندس التقليدي الاستجابة بشكل مباشر لهذه العوامل الطبيعية وتحددت المواد التي من الممكن استعمالها بما تجود عليه الطبيعة بالقرب منه ويشكل تلقــــــائي مع بعض المعارف البسيطة في علم الهندسة تشكل أسلوب التنفيذ وتبلور الطابع المعماري كاستجابة الإنسان مع الطبيعة .

( 2 ) العامل الاجتماعي الثقافي.
لا يخفى على أحد التأثير الكبير لهذا العامل على اختيار التخطيط المناسب للسكن ولطرازه المعماري فالاحتياجات الاجتماعية وتوفير بعض المتطلبات في التصميم مثل توفير الخصوصية تؤثر بشكل مباشر في المصمم أو الحـــــــــرفي المنفذ قديما وحلت هذه المسألة قديما باعتماد المنزل ذو الفناء المفتوح للداخل أو ما يعرف محليا ( بالحوش العربي ) ولا ننسى الدور الرئيسي الذي لعبه الإسلام في تكييف تخطيط المنازل طبقا لتعاليم وقيم الديــــــــن الإسلامي الحنيف وفي هذا السياق يلاحظ إن السكان قديما استطاعوا تطويع سكناهم وفقا لمعتقداتهم وثقافتهم ومجتمعهم الأمر الذي لم تنجح فيه مجتمعاتنا العربية الإسلامية المعاصرة التي اضطرت إلى القبول بطرق التخطيط الغربية بدون إن تستطيع ملاءمتها تماما مع ثقافاتها .
( 3 ) العامل التقني والاقتصادي:
لا شك أن توفر المعارف والخبرات الهندسية اللازمة تجعل من عملية تخطيط وتصميم المباني عملية أكثر يسراً وسهولة وفي الماضي كان الاعتماد على فنيين حرفيين لصناعة البناء وكانت الخبرات والمعلومات تتوارث من جيل إلى جيل وكان الحرفي الماهر يجمع في شخصه المعماري المصمم والمهندس الإنشائي والفني المنفذ ويتم كل تصميم وتنفيذ استجابة مباشرة لمواد البناء المتوفرة محليا ووفقاً لأغراض المبنى الوظيفية وحتى أحاسيس الســـــكان الذي يعتبر هو نفسه واحداً منهم فكان المسكن اكثر إنسانية الأمر الذي افتقدناه في الزمن الحاضر رغم أن التكنولوجيا الحديثة وضعت تحت أيدينا إمكانيات أكبر وخبرات متعدد ة وقد طوعتها المجتمعات الغربية لثقافتها ووقفنا نحن في حيرة وهذا بارز في شكل مدننا العربيــة الحديثة التي تختلط فيها الأنماط المعمارية بشكل سافر وينقصها الكثير من الانسجام، ولا ننسى أخيرا عامل هام يؤثر في صناعة البناء وهو العامل الاقتصادي وبدراسة عدة نماذج من المباني التقليدية في عدة مناطق من حيث أسلوب التنفيذ والمواد المستعملة والطراز المعماري نستخلص نتائج مبدئية في محاولة لوضع تصنيف لأنواع المباني يعتمد العوامل التي أشرنا إليها كأساس للتصنيف، خلصنا للتالي توجد ثلاثة أنواع من المباني متباينة في المواد المستعملة وأسلوب التنفيذ و في الطابع المعماري وهذه الأنواع هي :
( 1 ) مباني طراز المنطقة الساحلية .
( 2 ) مباني طراز المنطقة الجبلية .
( 3 ) مباني طراز المنطقة الصحراوية .

مراجع الصور/
صورة 1/ م. عزت خيري
صورة 2/ م. أحمد الترهوني
صورة 3/ جمال الهمالي اللافي

الاثنين، نوفمبر 02، 2009

مؤتمرات






ينظم
قسم العمارة والتخطيط العمراني، جامعة الفاتح، ليبيا
بالتعاون معمركز دراسات العمارة في المنطقة العربية

المؤتمر الدوليالعمارة والتنمية الحضرية المستدامة
3 - 5 نوفمبر 2009
طرابلس، ليبيا

المقدمـــــــــة/
ادى تزايد التحضر في كثير من أنحاء العالم ، إلى جانب غيرها من القضايا العالمية مثل التلوث البيئي ، واستهلاك الطاقة ، والنقص في الموارد إلى أزمات في كثير من أنحاء العالم وبالذات في المناطق الحضرية. وفي محاولة لاستكشاف وفهم الفرص و التحديات التي تواجه التنمية المستدامة ، قام قسم العمارة والتخطيط الحضري في جامعة الفاتح بالتالف مع مركز دراسات العمارة في المنطقة العربية في جهد مشترك لتنظيم مؤتمر دولي حول العمارة والتنمية الحضرية المستدامة.
ويهدف المؤتمر إلى معالجة مختلف جوانب التنمية الحضرية وفقا لمبادئ الاستدامة، حيث سيعالج المؤتمر قضايا متنوعة مثل الاستدامة الايكولوجية والاجتماعية ، التصميم التقليدي الجديد، التنمية الصديقة للبيئة، التنمية الاقتصادية والبيئية ، حماية البيئة ، الإقليمية والتصميم الحضري. بالإضافة لذلك، فإن المؤتمر سوف يبحث كيف يمكن للتصميم المستدام للأحياء السكنية أن يحفز الاستدامة في كامل المنطقة ، وكيف يمكن للتاريخ والثقافة أن يتفاعلا مع المفاهيم الجديدة للتحضر لخلق مزيج جديد من خيارات التنمية الحضرية. كذلك يحتل موضوع الاستدامة في مدن العالم العربي أهمية خاصة في هذا المؤتمر. حيث تشهد بعض هذه المدن أسرع معدلات النمو الحضري الحاصلة في العالم. هذا النمو السريع ، والذي كثيرا ما يكون عشوائيا ، لم يحدث بدون عواقب غير مرغوب فيها على البيئة.
موضوع المؤتمر هو "العمارة والتنمية الحضرية المستدامة". حيث يهدف المؤتمر إلى توفير منتدى لبحث ومناقشة وسائل عملية لتنفيذ عمران مستدام، ولحفز المزيد من الأفكار المفيدة بشأن العمارة والتنمية الحضرية في إطار الاستدامة. ويرحب المؤتمر بالأوراق العلمية التي تتناول المسائل المتعلقة بالاستدامة في التخطيط والتنمية الحضرية في المنطقة العربية وخارجها. ومن اجل معالجة هذه القضايا من جوابها المختلفة، فإن المؤتمر يرحب بكافة المناهج البحثية التي تتراوح ما بين الأساليب النقدية-النظرية و الدراسات التجريبية، والتي تتناول ليس فقط الجوانب المكانية والمادية للبيئة المبنية ولكن أيضا الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية، والبيئية.
محاور المؤتمر/

- نظرية الاستدامة
- الاستدامة البيئية والاجتماعية
- التناقض بين الاستدامة البيئية والاقتصادية
- استخدام الأراضي والإدارة البيئية
- القضايا الاجتماعية والاقتصادية
- إدارة الموارد وحفظها
- عمران الحداثة والعمران التقليدي
- مؤشرات ومعالم العمران المستدام
- نظم تقييم الاستدامة
- الاستدامة في البلدان النامية
- الاستدامة من منظور دولي
- حركة العمران الجديد
- الأنماط الحضرية الجديدة\الناشئة
- التطوير والبناء الأخضر
- تصميم الأحياء التقليدية الجديدة
- استخدام وإدارة الطاقة
- العمارة ذات الاستهلاك المنخفض للطاقة
- مواد وتكنولوجيا البناء المستدامة
- التكنولوجيا النظيفة وقضايا البيئة
- تطبيقات تكنولوجيا المعلومات و المعلوماتية الجغرافية
- الاستدامة في التعليم المعمارية والتخطيط الحضري ظظ
- الاستدامة في الإسكان والأحياء الحضرية
- النماذج الجديدة للنسيج الحضري متعدد الاستخدامات
- التراث الثقافي والسياحة البيئية
- المشاركة المجتمعية والتخطيط الديمقراطي
- الحداثة والتجديد الحضري ظظ
- التصميم الايكولوجي و التنمية صديقة البيئية
- سياسات التنسيق البيئي في المناطق المناخية القاسية
- الاستدامة في مجال النقل والتنسيق البيئي
- الإطار التشريعي للاستدامة
- المنظمات، والمبادرات، والمعايير الدولية للاستدامة

علما بان حفل الافتتاح سيكون يوم الثلاثاء الموافق 3 الحرث( نوفمبر) 2009 علي تمام الساعة 9:30 صباحا. بفندق كورنثيا/ طرابلس.
اللجنة التحضيرية للمؤتمر

السبت، أكتوبر 31، 2009

سراى طورغود باشا




جامع طورغود باشا، المعلم الوحيد المتبقي من الإنجازات المعمارية التي بنيت في عهده

علي الصادق حسنين
بعد الاستئناس براي الأخ المحترم الدكتور عبد الكريم أبو شويرب _ الذي هو غني عن التعريف كباحث تاريخي دؤوب ومترجم ماهر من التركية وكمتخصص في طب الأطفال _ اتضح اسم أمير البحر_ الذي اعتدنا نطقه (درغوت) كان يكتب بالتركية العثمانية (طورغود) مع العلم بان الدال في آخر الكلمة تنطق تاء ولنا أمثلة في الكلمات التي يرسمها الأتراك اليوم بالحروف اللاتينية نحوmurat, mevecut , ahmet حيث استبدلت الدال بالتاء مباشرة مما يستدعي الانتباه حقا ما يبديه بعض المؤرخين _أحيانا_ من تجرد وأنصاف فيما يكتبون عن العرب والمسلمين اذكر منهم على سبيل المثال أستاذين ايطاليين هما: الراحل ايتوري روسي وصافتوري بونو.

يقول الأخير في كتابه (I corsair barbareschi) (القراصنة المغاربيون) : إن حرب القرصنة فرض نفسه على مجريات الحياة في حوض البحر الأبيض المتوسط وكان سكان شمال أفريقيا من ابرز ابطالها إذ لم ينفردوا بممارستها وان هذا الضرب من النشاط الحربي كان من شأنه انه جعل من البحر المذكور ساحة مفتوحة أمام كل مغامر جرئ مستسلم لإغراءات السلطة والثراء .
فمن المغامرات ماكان ابطالها مرتدين ناقمين ومنها ماكان ابطالها مدافعين غيورين على ديارهم ومنها أبطالها أرقاء استطاع بعضهم- بعد التكيف مع الظروف الرُق- أن يشقوا طريقهم وان يتبوأوا مراكز سلطوية متميزة وكان رائدهم متاع الدنيا بينما ضاق بعضهم الأخر بحياة الرق ذرعا وفقدوا كل أمل في الافتداء فحاولوا بجرأة وتحايل سلوك الفرار سبيلا .

أما أولئك الذين كانوا يركبون البحر كجدافين أو لأداء خدمات ملاحية أخرى على السفن المغاربية فكان بوسعهم أحيانا استعادة حريتهم تبعا لتقلبات حرب القرصنة ذاتها وذلك في حالة سقوط سفينة مغاربية في قبضة النصارى عما بأنه كلما شق ملاح بسفينته عباب المتوسط في ذلك العهد كان يعتريه الخوف والرعب .

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى اشتمل واقع الحياة المتوسطية على نظام آخر قد تجوز تسميته " نظام الاتفاقيات " الذي كان من شأنه ان يهيئ للأسرى فرصة العودة إلى المسيحية من خلال عمليات استبدال أسير نصراني في قبضة النصارى أنه بعبارة أخرى " نظام تبادل الأسرى ".
ومما هو جدير بالذكر إن المراجع والأبحاث التاريخية تكاد تغفل كلياً حقيقة أن الأسرى المسيحيين في شمال أفريقيا كان يقابلهم – ولو بنسبة ضئيلة – أسرى مسلمون بربوع أوروبا .

ومن الملاحظ أن الأوربيين كثيرا ما يقصدون بلفظة "أتراك" قراصنة شمال أفريقيا ايضاً وأن كلا من الجانبين قد مارس القرصنة مستهدفاً سفن وسكان سواحل بلاد الجانب الأخر وأن القرصنة كانت تعتبر في الأقطار المغاربية أذاك النشاط الأساسي للدولة التي تشارك فيه مباشرة ولذا فإن سكان هذه الأقطار لا يندرجون تحت فئة " لصوص البحر " ( pirati ) بل يدخلون في عداد " القراصنة " ( corsari) إذ أن بعض أعمالهم لم تشكل خرقا لهدنات أو اتفاقيات كانوا طرفاً فيها .

غير أن ورود التسمية الأولى – أي " لصوص البحر" – في بعض المراجع أو فيما ألفه كثير من البحاث العصريين يدفعنا إلى عدم الاكتراث بالفرق بين التسميتين . وتوضيحاً للعلاقة القائمة بينهما وتبياناً لخطأ استعمال كل منهما أو لصوابه يقول ألبيرتوغولييلوتي في كتابه " تاريخ السلاح البحري البابوي " إن لفظة " قرصان " يوصف بها الفرد العادي المزود ببراءة – أي رخصةٍ خطيةٍ – من حكومة بلده والذي يتولى مع ذلك قيادة سفينة مسلحة ويركب البحر ويقاتل – في أوقات الحرب – أعداء وطنه متحملا شخصيا ما ينجم عن تصرفه من خسائر أو جانبا ما يثمره هذا التصرف من مكاسب .

وبالعكس فأن " لصوص البحر " يتساوون في كل شئ مع المجرمين القتلة . وباعتبارهم عصابات من البلطجية لا يحكمهم تشريع سوى شهوة التضامن معاً لغرض السلب والنهب في عرض البحار غير رافعين علماً معروفاً أو ناصبين علماً مزوراً وغير ملتزمين بشروط سلم أو هدنة وغير حاملين لبراءة : أنهم في الحقيقة أعداء البشرية جمعاء وأنهم طاعون البحر وبية من بلايا الدهر ( انتهى كلام الأستاذ بونو).
ويفيدنا ايتورى روسى – في كتابه " ليبيا منذ الفتح العربي حتى سنة 1911 " – قائلاً : ان القرصنة لم تكن قاصرة ممارستها على العرب ، بل كان نشاطاً يغوص في القدم غوص نزاعات البشر فيه إذ أنها كانت قائمة شائعة في العصور السحيقة.
اجل ، ظل حوض البحر الأبيض المتوسط – لحقبة طويلة – ساحة مثل لهذا النشاط الذي كان من جمل أبطاله طور غود ولد هذا القرصان سنة 1485م (وجاء بالموسوعة التركية 1512 ) بجزيرة واقعة على الساحل الغربي من الأناضول وانصرف منذ شبابه البكر إلى ممارسة القرصنة وورد ذكره ضمن زمرة القراصنة العثمانيين الذين اعترضوا سبيل سفن جمهورية البندقية وانقضوا عليها في بحر ايجه سنة1533م وتحول فيما بعد إلى العمل تحت خيرالدين بربروس واشتهر بسلب السفن المسيحية في مياه أفريقيا . وشهد عام 1540 سقوطه أسيراً في قبضة جانيتو دوريا الذي باغته على مقربة من سواحل جزيرة كورسيكا ، ثم باعه إلى أسرة لوميلّيني الجِنْويّة التي استخدمته في التجديف على مراكبها وبعد أربع سنوات فك أسره بفضل الاهتمام الذي بذله بربروس .غير انه سرعان ما عاد إلى مزاولة نشاطه بمزيد من الشدة والتحدي تحت راية السلطان العثماني .
وفي سنة 1549 م تعاون مع مراد آغا على إنشاء قواعد على سواحل الأقطار المغاربية للانطلاق منها مستهدفاً السفن المسيحية والسواحل الايطالية : الأمر الذي أثار الخوف والفزع في نفوس فرسان مالطا والنصارى أجمعين ودفعهم إلى التضامن والتحالف معاً بغية مقاتلة الأتراك في البحر درءا لبأسهم .
كما كان لطورغود نشاط كبير بدواخل الديار التونسية وعلى طول شواطئها وبجزيرة جربة . وكانت له مشاركة فعالة في الحملة التركية التي أدت إلى طرد فرسان مالطا من طرابلس سنة 1551 م . ورغم أنه بلغ من العمر عتياً بدا هذا القائد العجوز – أبان مقاتلته النصارى – أنه مازال محتفظا بقوته وحيويته.

هذا- وخلافا لما أورده ابن غلبون في " التذكار " – تولي طورغود باشا الحكم على طرابلس عقب وفاة مراد آغا في عام 1556 م مع العلم بأنه طالما أخفى قبلئذ تطلعه إلى هذا المنصب الهام . لقد أولى المدينة عناية كبيرة إذ جهزها بتحصينات وأنشأ برج التراب قرب حوش انجيلو ورمم القلعة وبنى قصراً كبيراً في قلب المدينة واتخذ منه مقراً لإقامته. ووسع مجال سيطرته بحيث شملت كذلك منطقة غريان ومصراته وغرب طرابلس وجربة والجنوب التونسي وصفاقس والمنستير وسوسة والقيروان ونظراً لديمومة حالة الحرب بين الأتراك والنصارى اقترح طورغود على السلطان سليمان إنزال اشد العقاب الرادع بالمسحيين للحد من تجاوزاتهم . فوافق العاهل العثماني وجرد حملة ضد مالطا. وفي أثناء الحصار الذي ضرب على الجزيرة أصيب طورغود بشظية صخرية أودت بحياته بعد أيام قلائل . ولذا اعتبر شهيداً فصارت ذكرى استشهاده مناسبة مقدسة لدى الأتراك.
أما الطرابلسيون فلا يكترثون بأحياء ذكراه إلاّ أن أسمه يقترن في أذهانهم بمسجده وضريحه ليس إلا ذلك لأنهم كانوا لايحبونه بل كانوا ينظرون إليه كحاكم أجنبي ( انتهى قول ايتورى روسي ). بعد هذا التمهيد ادخل في صميم الموضوع الذي ما حدا بي إلى التصدي له إلاّ اهتدائي في الآونة الأخيرة إلى العثور على مصدرين إيطاليين اعتمدت – بالدرجة الأولى – عليهما في إعداد هذه الورقة كمحاولة متواضعة تهدف إلى اطلاع غير الملمين باللسان الايطالي والمصدران عبارة عن مقالتين نشرتا منذ أكثر من نصف قرن . كانت إحداهما بقلم الراهب كورّادينو ( Fratello Corradino) ، عضو البعثة التعليمية لإخوان المدارس المسيحية بطرابلس " (Scuole Cristiane Missione dei Fratelli)" بطرابلس ، وكان عنوانها " الذكرى الخامسة والعشرون لنشاط إخوان المدارس المسيحية بطرابلس " ، (Venticinquesimo di Attivita Tripolina dei Fratelli delle S.C ) وقد نشرتها له دورية الإخوان " الروزنامة اللاصالية " ( Almanacco Lasalliano) في عددها الصادر بتورينو سنة 1938 م. وأما الأخرى فحررها الراهب الفرانتشيسكاني والمؤلف المعروف الأب كوستانتروبيرنيا ( Costanzo Bergna) وكان عنوانها " حمام سيدنا ميكال / السجن التركي القديم " ( Vecchla Prigione Turca II no di San Micheie / La) وقد نشرتها له مجلة "ليبيا" ( Libia) في عددها الثالث من السنة الاولى الصادر بطرابلس في شهر يونيو 1937م ، علما بأن كلتا المقالتين تنطوي على بعض الأخبار الهامشية الطريفة التي ارتأيت إيرادها تعميماً للفائدة.

مما لاريب فيه أن مدينة طرابلس كانت لاتحتضن سوى بضع عمائر فاخرة أهلكها الدهر فأضحت أثراً بعد عين. غير ان ذلك لا يعني ان مثل هذه الآثار غير جديرة باهتمام المؤرخين والدارسين من حيث تحديد مواقعها وتواريخ إنشائها والوظائف التي خصصت لها عبر الأحقاب علما بان نذرة المراجع أو صعوبة الوصول إليها تشكل في الحقيقة عائقاً من العسير اجتيازه .

صحيح ان في ليبيا قلة قليلة من التحف المعمارية المعروفة إلا ان اخبار ما تم تشييده منها قبل العهد العثماني غير متوفرة . ومما لاغبار عليه إن جميع الولاة الأتراك الذين تولوا الحكم بطرابلس اتخذوا من قلعة المدينة مقراً لإقامتهم عدا طورغود باشا الذي أنشأ لنفسه قصراً على مقربة من المسجد الذي مابرح يحمل اسمه مع ملاحظة ان حكم هذا الوالي دام ( 12 ) سنة ابتداء من سنة 1553م وكان عهده حافلا بالحملات العسكرية البرية في داخل القطر الطرابلسي وبالمغازي والمعارك البحرية في حوض البحر الأبيض المتوسط وقد ذاع صيته تبعاً للدور البطولي الذي اداه في حصار مالطا ، تلك الواقعة المشهورة التي كتبت له فيها – كما سبق القول – نعمة الاستشهاد سنة 1565 م.

إن موضوع سراي طورغود باشا ظل محل اهتمامي منذ نحو عقدين من الزمن إذ استرعى انتباهي لدى قيامي بترجمة الكتاب الذي سهر على تأليفه الباحث الايطالي الراحل الدكتور غاسبري ميسانا وعنونه " المعمار الإسلامي في ليبيا ". مما ورد في هذا الكتاب إن القصر عينه قد زالت معالمه ولم يبق له من اثر سوى المنظر الوارد في الصفحة رقم (129) من ترجمته العربية ( الطبعة الاولى ) وان هذا المنظر منقول من مطبوعة يرجع عهدها إلى عام 1559م /966هـ . وبهذا الصدد لا مناص من استرعاء الانتباه إلى حقيقة إن " طوبوغرافية " أي مدينة تخضع لتطور مستمر وبناء على ذك فان طوبوغرافية طرابلس لم تبقى مستقرة على الحالة التي كانت عليها عند قدوم الأتراك العثمانيين إليها عام 1551م. ولكنها شهدت – في فترة حكمهم – مرحلة من التطور البطئ الذي عايشه سكانها وما كان ليفطن به وليلاحظه منهم إلا من طالت غيبته عنها.
وتيسيرا للتوضيح لعله من المناسب أن نتصور إن المساحة المنحصرة بين باب البحر وسور المدينة –شرقاً- وشارع الاسبنيول –غربا- وشارع الكواش – شمالا – وزنقة جامع سيدي طورغود – جنوبا – كانت أذاك ضمن منطقة يغلب عليها الطابع الريفي . ومما يؤيد هذا التصور قول الأب كوستانتزوبيرنيا إن رهبان الإرسالية الفرانتشيسكانية اشتروا - في سنة 1747م – بستاناً مجاوراً لمصلاهم كانت تملكه الأسرة القرمانلية .كما تؤيد التصور ذاته تلك البئر ذات الجناحين التقليديين ، التي مازالت قائمة ضمن مركب حمام سيدي طورغود " والتي كانت – بواسطة الدابا ماضيا – وعادت- بواسطة المضخة الكهربائية حاضراً – تمد هذا المرفق بالماء اللازم .

وقياساً على ما تقدم نستطيع أن نتصور أيضا أن المنطقة نفسها كانت عارية من كثير من المباني التي نشاهدها اليوم مثل مسجد قرجي وفندق زميت ومبنى بنك روما ومدرسة عثمان باشا والكنيسة اليونانية الارثودكسية وغيرها من المباني المختلفة . ولنتصور – في النهاية – إن سراي طورغود باشا كانت كل أو جل المساحة المذكورة وكان يحفها بستان فسيح وكانت لها – بطبيعة الحال – جملة من الملحقات كثكنة رجال الحراسة وإسطبل خيولهم والمطبخ والحمامات والبئر والماجل وما إلى ذلك من المرافق.

هذا ويخبرنا الراهب كورّادينو في مقالته بما يلي :" في اليوم الخامس من أكتوبر 1912م وصل إلى طرابلس أول لفيف من إخوان المدارس المسيحية لغرض تولي شئون مدرسة النيابة الرسولية للبنين . أنهم قدموا من إقليم بييمونتي متحمسين تحمس المناضلين تصبحهم دعوات إخوانهم في ايطاليا وتحفهم – بصورة خاصة – بركات قداسة الحبر الأعظم الراحل بيوس العاشر. لقد وجد هؤلاء المبعوثون هنا كل مايشرف ويقدس رجال الدين المتحلين بدماثة الأخلاق: أنهم وجدوا فقراً مدقعاً ومجالا واسعاً للتبشير .فأخذوا يعملون بعزم أكيد متجاوزين كل الصعاب المادية لم يثنهم عن أداء واجباتهم لا انعدام المسكن اللائق ولا ما ترتب على اندلاع الحرب الكونية الأولى من انتكاسات ولا ما أصاب بعضهم من أسقام . ان مبنى المدرسة التي انيطت بهم مهمة إدارتها والتعليم فيها كان – في حقبة خالية – محل إقامة قائد مشهور يدعى طورغود ، واستعمل فيما بعد كمحجر صحي لعزل المصابين بالطاعون ، ثم تحول الى سجن للأرقاء المسيحيين الذين كان يقبض عليهم القراصنة.( انتهى كلام الراهب كورادينو ) ومن جهة أخرى يخبرنا الأب كوستانتزوبيرنيا قائلاً: " في ميدان السيدة مريم " ذات الملائكة بطرابلس وفي مواجهة مبنى المتحف الطبيعي – الذي كان في حقبة اسبق مقر لبنك روما – وتقوم عمارة ذات عقود مسدودة تحط على ستارة تشبه كتفاً كتلك التي تشاد عادة لدعم الحصون والقلاع.

ان ترميم هذه العمارة حديثاً حسب التصور الذي وضعه المعماري دي فاوستو (Di Fausto ) قد أراده حاكم ليبيا ايطالوبالبو (Italo Balbo ) وذلك لإنقاذ المبنى من خراب وشيك وحفظه ضمن المعالم القليلة التي ما برحت قائمة داخل أسوار المدينة. لقد درج الأهالي على تسميته "السجن التركي القديم" لأنه ظل يؤدي هذه الوظيفة – منذ إلغاء القرصنة الطرابلسية – في العهد العثماني بطرابلس في السنوات الأولى من احتلالنا . كانت الواجهات الثلاث لهذه العمارة الغريبة خلوا من النوافذ وما كان يتسرب الضوء الى جوفها إلا من خلال بضع فتحات بالقبوات التي تشكل سقفها.أنما أنشئت في الأصل كسجن كان يحشر في دياجيره الأرقاء المسيحيون الذين يسقطون في قبضة القراصنة الطرابلسيين في عرض البحر الأبيض المتوسط وكان يسمى في ذاك العهد " حمام سيدنا مالك" كما أطلق عليه اسم "الحمام الحديث" لتمييزه عن "الحمام القديم" أو "حمام العذراء ذات المسبحة" الذي كان يقع بالميدان المواجه لكاتدرائية السيدة مريم ذات الملائكة والذي يعود تشييده الى عام 1615م أبان عهد الوالي صفر داي ولتمييزه كذلك عن "الحمام الجديد أو حمام القديس انطونيو" الذي جرى بناءه حالياً "النزل التجاري" ( فندق بن زكري سابقاً ) بسوق الصاغة. ومن الجدير بالتنويه ان "حمام سيدنا ميكال" – الذي جاء مسقوفاً بقبوات ومقسماً الى (86) زنزانة ويتسع لإيواء (672) رقياً – قد أنشأه – في سنة 1664 م – عثمان باشا على أنقاض سراي طورغود.

وحيث ان كل سجين من سجون الأرقاء المسحيين كان له مصلى صغير ,فقد أطلق على الحمام الحديث ميكال إحدى كبار الملائكة فأطلق اسم هدا الملاك على السجن أيضا .إن عمارة هدا السجن ما انفكت تشف ترميماتها عن ملامح البساطة الصارمة التي تكتسبها وتنم نوعا ما عما رددته جدرانها طيلة قرنين ونيف من صيحات اللوعة والشقاوة والحرمان .

تتوسط حمام ميكال ردهة على مدخلها بوابة حديدية ثقيلة و عبر بضع درجات تؤدى هده الردهة الى صحن مكشوف تستمد الكنيسة اليونانية الارتودكسية الصغيرة منه أشعة الضوء . تغوض هذه الكنيسة في القدم غوص عمارة السجن القديم فيه علما بان الأخير كان سترا لها وحجابا . كان إنشاءها سنة 1675 م بمجهود الطائفة اليونانية التي كانت تتألف عصرئذ من بعض التجار وأرباب الحرف وحفنة من الأرقاء المعتنقين للمذهب اليوناني الارثودكسي . ويعود حضور هذه الطائفة في طرابلس إلى عام 1600 م واستمر طوال مد تغلغل نفوذ اليونانيين المرتدين في صلب حكومة هذا الإقليم بالغين مرتبة الباشاوية مثل محمد وعثمان الساقزلي ( نسبة لساقز الاسم التركي لجزيرة "خئوس" اليونانية التي كان ينحدر الواليان المذكوران منها ) . ففي هذا المناخ تسنى للطائفة المذكورة التمتع ببعض الامتيازات إذ نالت بكل يسر التصريح بفتح مصلى في فندق بالقرب من باب البحر أطلقت عليه اسم القديس جورج. كانت الطائفة ذاتها تابعة لولاية بطريك الإسكندرية الذي كان يوفد ممثلا عنه إلى طرابلس لكي يعنى بشئونها الدينية وكانت تتكفل هي الإنفاق على إقامته وإعاشته وعلى صيانة المصلى أيضا . إن هذا الوضع قد استقر واستمر إلى وفاة عثمان باشا سنة 1672 م. إنما في شهر نوفمبر من السنة ذاتها وقعت حركة انقلابية أدت إلى تبوا إبراهيم داي كرسي الحكم وبما أن هذا الداي كان من ألذ أعداء النصارى لم يتورع عن إصدار أوامره بإغلاق وسلب مصلى كل من الإرسالية الفرنتشيسكانية والطائفية اليونانية .
وبعد أن هدأت هذه الزوبعة حصل اليونانيون على تصريح ببناء الكنيسة الصغيرة المذكورة القائمة خف "حمام سيدنا ميكال" وذلك على نفقتهم الخاصة فباشر هؤلاء القوم الأعمال على الفور وبسرعة لا تصدق الأمر الذي إن دل على شئ فإنما يدل على مدى تحمسهم الشديد لملتهم , ويدل كذلك على شدة تخوفهم من تراجع السلطات الحكومية عن قرارها وإلغائها للتصريح إن هذه الكنيسة التي ضلت موضع تبجيل عظيم ومحل عناية فائقة تزداد جدرانها وحاجزها الايقوني الفاصل ين المذبح وجمهور المصلين- تزدان صورة مخضبة رسمت على الخشب ثم كسيت رقائق من فضة ينطوي بعضها على قيم فنية (انتهى كلام الأب كوستانتزوبيرنيا).

وفضلا عن ذلك ورد بالصفحة (180) من كتاب الأب كوستانتزو بيرنيا" طرابلس من 1510 إلى 1850" إن أيله طرابلس الغرب شهدت في أواخر القرن الميلادي السابع عشر- واحده من أصعب الفترات في تاريخها وكان ذلك ليس فقط لانعدام الرجال الأذكياء الأقوياء القادرين على حكمها ولعدم اكتراث الآهلين بما كان يجرى من تكالب على السلطة أيضا لإطلال أساطيل الدول الأوروبية- من حين لآخر- على مرسى طرابلس لمعاقبة القراصنة الطرابلسيين على تجاوزاتهم فكانت مدافعها بضع قذائف على المدينة لتذكير أهلها ضرورة الوفاء بالعهود ثم تنصرف إلى عرض البحر إن قائد الأسطول الانجليزي ناربر قد اغرق في أثناء إطلالته عدة سفن قرصانيه.

ومما زاد الطين بله تفشي الطاعون تفشيا واسع النطاق وفتكه بعدد كبير من الناس وكان من شأن هذا الوضع أن غادر القنصل الانجليزي نتانييل براندلي البلاد وحل محله قنصل بالنيابة كما غادرها أيضا ذلك العدد القليل من المبشرين اللذين احتموا بالقنصلية الانجليزية معلنين أنفسهم من رعاياها وذلك باستثناء الراهب الأب ماسيشو دا منطوفا الذي ظل وحده يقدم خدماته للأرقاء النصارى ملئا هكذا الفراغ الذي تركه إخوانه المذكورون.

أما النسبة لمصابين بالطاعون اللذين كانوا اخطر حالة فقد تم نقلهم إلى قاعة بالطابق السفلى من قصر طورغود باشا الواقع بشارع الإسبانيول والذي نال من عمارته القدم والذي اتخذ كمحجر صحي .
وجاء بالصفحة (182) من المؤلف نفسه أنه " ورد في أخبار البعثة التبشيرية أن ثمة بطرابلس مكان شبه معزول تحتم ضرورة الانتقال إليه إلا هو الموقع القائم حاليا ميدان بنك روما حيث يوجد حمامان متجاوران هما حمام سيدنا ميكال والحمام القديم وشارع الاسبانيول الراهن كانت مسافة غير بعيدة نواة مستشفى خاص بالأرقاء جرى إنشاؤه أطلال سرايا طورغود هذا وحوالي سنة 1750م كتب المؤرخ الاسباني كارفاخال مارمول قائلا: "ان طورغود باشا انشأ في طرابلس قصرين قبالة البحر (رما كان احدهما الحصن الذي صار يحمل اسمه وكان موقعه في الركن المواجه للمدخل الراهن للميناء ) ودعم السور بأبراج وقلاع .

وفي الختام يمكننا إن نستخلص مما تقدم سرده من أخبار :
أولا- إن المساحة التي افترض تصورها حدودها المشار اليها آنفا كان يحتضن ركنها الجنوبي / الغربي سراي طورغود باشا.
ثانيا: استعملت هذه العمارة كمحجر صحي إن تفشي الطاعون بالمدينة .
ثالثا: أقيم على أنقاض هذا القصر مبنى حمام سيدنا ميكال الذي احتلت الكنيسة اليونانية الارثودكسية مكانها جواره والذي اصح في مطلع القرن الميلادي التاسع عشر مقرا لأول مدرسة أسستها البعثة التبشيرية الفرنتيشيسكانية في طرابلس.

الجمعة، أكتوبر 16، 2009

مقالات


د. رمضان أبو القاسم


يفضل أثناء الكتابة عن أحد الظواهر أو النظريات المعمارية عدم التعرض لنماذج عينية من البيئة المحيطة حرصاً على الابتعاد عن التشهير المباشر وكذلك منعاً لما قد يحدث من مصادمات مع بعض من تضيق صدورهم عن النقد ويرون في مثل هذه الكتابات مس مباشر لهم، بدلاً من اعتباره مجرد رأي أو وجهة نظر خاصة. رغم هذا الحرص يجد البعض منّا نفسه مرغماً على التطرق لبعض الأمثلة المستفزة و التي تجبره على ملاحظتها رغم المحاولات العديدة لتجاهلها. لعل عدم التجاهل متأت في هذه الحالة ليس من أهمية المبنى أو المعماري المصمم له ولكن جاء هذا الاهتمام من تأثير تلك الأمثلة الغريبة على المحيط وعلاقتها مع المباني المجاورة و الساحة الموجودة عليها. حيث تبدو هذه النماذج المختلفة في نشاز تام مع ما جاورها. فهي تمس الذوق العام مساً مباشراً إن لم تكن قد آذته. بالإضافة لتأثيرها على هوية المنطقة حيث قد تساهم في تشتيت الصورة الذهنية للحي بجعله فاقداً للعديد من خصائصه المعمارية. وبدلاً من جعله نسيجاً معرفاً، يصبح كماً من المنشآت الخدمية التي تم تغليفها بمواد بناء متباينة خالية من أية اعتبارات معمارية.

ما نرمى إليه هو بعض المباني "الحديثة" و التي ظهرت مؤخراً حول ساحة موقف السيارات الموجود بمنطقة أبي الخير والمطلة على شارع الوادي في مدينة طرابلس. هذه المباني تثير في ذهن الناظر إليها العديد من التساؤلات و التي من بينها :- هل جاءت هذه المباني نتاج المثل القائل "خالف تعرف" ؟ وان لم يكن الأمر كذلك فما هي علاقتها بالمباني المجاورة؟ أين دور مصلحة التخطيط العمراني؟ باعتبارها أحد الجهات المسئولة عن نظم و قوانين المباني داخل المدينة. هل هذه المباني مطابقة للشروط الخاصة باستخداماتها الوظيفية؟ ثم ماذا عن التعبير الخارجي و ملاءمته للمحيط؟ هل الأشكال (العناصر المعمارية) المستخدمة منسجمة مع نسيج المنطقة المعماري؟ أسئلة عديدة، إذا أريد تقّصيها قد تكون محاور دراسات متعمقة في مجال العمران والبيئة.

إذا اتفق على أن شرط الملائمة Propriety هي أحد الأسس للعمارة الناجحة. و أن الزخرفة المعمارية (الديكور) يجب أيضا أن يكون ملائماً وحقيقياً. و أنّ نشاط العمارة و فن البناء جزأين متكاملين لا يمكن فصلهما. فان هذه المباني غير ملائمة و يمكن اعتبارها أمثلة للتزييف المعماري الخالي من الحقيقة. بإيجاز يمكن التذكير بالأسس السبعة الواردة في كتاب المعماري ( جون رسكن) والتي اشترطها في فن العمارة الناجحة. هذه التوصيات جعلها ( رسكن) بمثابة النبراس الذي يمكن للمعماري الاهتداء به طالما أنه لا يستطيع ضمان أن يكون عمله مرضياً جميلاً أو مبدعاً. لتجاوز هذه الإشكالية يستطيع (المعماري) احترام التوصيات التالية:-
أولاً يجب أن يكون العمل صادقاً في تعبيره.
ثانياً:- يجب أن يكون التصميم جميلاً.
ثالثاً:- يجب أن يكون المقترح قوياً.
رابعاً:- يجب أن يكون المخطط حيوياً.
خامساً:- يجب أن يعكس التصميم البعد التاريخي.
سادساً:- يجب أن يحترم التخطيط العرف و التقاليد المعمارية السائدة.
سابعاً:- يجب أن يعمل المعماري بمبدأ التضحية أثناء التصميم لأجل أن يكون عمله ملائماً.

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...