التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من أبريل, 2025

غياب المعنى في البيت الليبي المعاصر: حين تغيب "عبقرية المكان" يضمحل الجوهر

الفناء في المسكن الطرابلسي المعاصر، في محاكاة للبيت التقليدي الذي تجتمع فيه عائلة ممتدة.   جمال الهمالي اللافي المعنى في جوهره يتجاوز الوظيفة المادية للمبنى ليلامس قيمنا الثقافية والاجتماعية والروحية، وهو القيمة الكامنة التي تجعل من الحيز مجرد مكان، ومن المكان وطناً. وفي عالم العمارة، يتجلى هذا المعنى في مدى تجذر المبنى في بيئته، واستجابته لثقافة سكانه، وتعبيره عن هويتهم . وقد أدرك الشاعر الإنجليزي ألكسندر بوب في القرن الثامن عشر هذه العلاقة العميقة بين المكان وروح ساكنيه، حين دعا إلى استشارة "عبقرية المكان" في كل تصميم. لم يكن بوب يتحدث عن مجرد التكيف مع التضاريس أو المناخ، بل كان يشير إلى جوهر أعمق، إلى الروح الكامنة في كل موقع، والتي تتشكل عبر التاريخ والجغرافيا وثقافة الناس. فالتصميم الذي يستلهم هذه "العبقرية" لا يكون مجرد إضافة غريبة على المشهد، بل يصبح جزءاً أصيلاً منه، يحمل في طياته معنى متجذراً . هذا المفهوم العميق لـ "عبقرية المكان" هو ما استوعبه المعماري حسن فتحي بعمق، والذي رأى في البيت التقليدي تجسيداً لهذه الروح. فحين قال: "في بيت ج...

التفاصيل بين الإرث والاستيراد: هوية معمارية بين البساطة والثراء

تفاصيل من عمارة الحوش الطرابلسي جمال الهمالي اللافي في كل مبنى، تكمن هويته في التفاصيل الصغيرة، تلك العناصر التي تتحدث بصوتٍ خافت لكنها ترسم المشهد بأكمله. عندما تكون هذه التفاصيل امتدادًا لبيئتها الطبيعية والثقافية، فإنها تثري العمل المعماري وتضفي عليه طابعًا أصيلًا. لكن في غياب الرؤية الواضحة لمعالم الهوية، تتحول التفاصيل المستوردة إلى عبء يثقل كاهل المبنى، فتفقد معناها وتصبح مجرد زخرفة لا تخدم جوهر التصميم . لطالما تميزت العمارة التقليدية بقدرتها على تحقيق التوازن بين البساطة والثراء، حيث نشأت التفاصيل من حاجة وظيفية أو تعبير جمالي متجذر في ثقافة المكان. كانت الأبواب المزخرفة، الأبراج الحشبية، والزخارف الهندسية ليست مجرد عناصر جمالية، بل حلولًا عملية تتفاعل مع الضوء والخصوصية والبيئة المناخية . في العمارة الحديثة، يقع التحدي في كيفية إعادة تفسير هذه التفاصيل بطريقة تتناسب مع عصرنا دون فقدان الجوهر. فالسؤال الحقيقي ليس في رفض العناصر المستوردة أو تبنيها، بل في فهم كيف يمكن دمجها بحيث تكون جزءًا من الهوية بدلاً من أن تكون عبئًا عليها . لذلك، يحتاج المعماري إلى رؤية واضحة تعي...

صراع المصطلحات في ساحة العمارة: بين "الأصالة" و "المعاصرة" وتشكيل الهوية

نموذج الحوش الطرابلسي المعاصر- منطقة الحشان/ طرابلس جمال الهمالي اللافي كما هو الحال في مختلف جوانب الحياة، تخضع العمارة أيضًا لمعركة ضروس على مستوى المصطلحات والمسميات. فالمجتمعات بفطرتها تميل إلى الاعتزاز بما يمثل هويتها الثقافية المتجذرة، وينعكس ذلك بوضوح في نظرتها إلى عمرانها وبيئتها المبنية. هنا، يبرز كيف يمكن لتوصيفات معينة أن تؤثر على تصورنا للعمارة التراثية والمحلية من جهة، والعمارة الوافدة أو "المغتربة" من جهة أخرى. تأطير الهوية المعمارية عبر المصطلحات: غالبًا ما يتم وسم العمارة التي نشأت من صميم المجتمع وتعكس تاريخه وتقاليده بصفات مثل "التراثية"، "الأصيلة"، "المحلية"، وحتى "القديمة". هذه المصطلحات، رغم أنها قد تحمل دلالات إيجابية مرتبطة بالجذور والذاكرة، يمكن أن تُستخدم أيضًا بطريقة توحي بالتخلف وعدم مواكبة العصر. في المقابل، تُوصف العمارة المستوردة أو التي تتبنى نماذج أجنبية بـ "الحديثة"، "المعاصرة"، "المبتكرة"، و "العالمية". هذه الأوصاف تحمل في طياتها إيحاءً بالتقدم والرقي والتطو...

تصاميم تأسر العيون وتلامس الأرواح

جمال الهمالي اللافي كل مشروع أعمل عليه يحمل قصة خاصة، يُضيف للمكان طابعًا لا يُنسى ويُصبح جزءًا من حياة الناس. أحد هذه المشاريع هو البيت المنفذ في شارع الظل، الذي دائمًا يشد انتباهي كلما مررت بالمنطقة، وهو نفس الإحساس الذي عبّر عنه صديق صفحتي الأخ الفاضل بشير العالم بقوله : ' هذا البيت مميز في الحي ويشد انتباهي وإعجابي كلما مررت بالمنطقة وما أكثرها من مرات، فلا أجد أي ملل من معاودة التأمل في تفاصيله الحقيقة .' وأتذكر منذ سنوات عندما كنت أُصور بابًا قديمًا في أحد الشوارع، توقف لي أحد جيرانه ليُخبرني بحماسة عن بيت جميل على الطراز القديم-حسب تعبيره- يُوصيني بزيارته. بدأت أسأله عن مكانه لأكتشف أنه يحدثني عن هذا المشروع الذي أُشرفت على تصميمه وتنفيذه . هذا المشروع وكل مشاريعي الأخرى لم تكن مجرد تصميم، بل كانت شراكة حقيقية جمعتني مع مالكيها لصنع شيء يُجسد رؤيتهم ويُلهم الجميع . هذه اللحظات تُعيد لي دائمًا شعور الفخر بأني استطعت أن أترك أثرًا معماريًا يُبهر الناس ويصبح جزءًا من حياتهم اليومية. أرحب بمشاركاتكم وآرائكم عن هذه المشاريع، وكيف أصبحت جزءًا من حياتكم وذاكرتكم بعد مر...

الإبداع في العمارة: بين الحلول العملية والغرابة الجمالية

  متحف غوغنهايم في بيلباو- تصميم المعماري فرانك قيري جمال الهمالي اللافي الإبداع في مجال العمارة ليس مجرد ابتكار أشكال وتصاميم غريبة تخطف الأنظار. بل هو القدرة على تقديم حلول عملية للمشكلات التي تواجه هذا المجال، سواء في التصميم أو التنفيذ أو اختيار المواد والتقنيات المناسبة. عمارة ناجحة هي تلك التي تحقق التوازن بين الجمال الوظيفي والتوافق مع متطلبات الحياة، دون إغفال الجانب الإنساني . التمييز بين الغرابة والجودة الجمال المنطلق من الغرابة قد يحمل معه خطراً جسيماً. فالتصاميم التي تعتمد على الدهشة البصرية أحياناً تكون غير وظيفية أو تحمل عيوباً تؤثر على أمن واستقرار المبنى وساكنيه. لذلك، فإن الإبداع الحقيقي يتطلب بصيرة نافذة تميز بين الغث والسمين، وبين الجمال المستدام والجمال الزائل . أهمية دور العمارة في المجتمع العمارة ليست مجرد فن أو تقنية، بل هي أداة تؤثر بشكل مباشر على جودة حياة الإنسان وتفاعله اليومي مع البيئة المحيطة. مسؤولية المعماري تتجاوز تصميم المباني إلى التفكير العميق في كيفية خدمة المجتمع وإيجاد حلول تحترم احتياجاته وتطلعاته . العمارة التي تخدم الإنسان هي تل...

المدن الليبية بين الحفاظ على التراث والوقوع في فخ العشوائية: قراءة معمارية للواقع

جمال الهمالي اللافي في ظل التحولات العمرانية التي شهدتها ليبيا عبر العقود الأخيرة، يمكن تقسيم المشهد المعماري إلى نماذج متعددة، تعكس حالة من التباين بين الحفاظ على التراث والانجراف نحو الفوضى . غدامس: تراث محفوظ ولكنه معزول   مدينة غدامس تمثل حالة فريدة، فهي نجحت في حماية مدينتها التاريخية من العبث، حيث تبقى شوارعها وأزقتها الطينية شاهدة على انسجام الإنسان مع بيئته الصحراوية. إلا أن هذا النجاح لم يُترجم إلى تكيف مع متطلبات العصر في المدينة الحديثة، مما يجعل التراث هناك أقرب إلى متحف مفتوح، بدلاً من أن يكون جزءاً من الحياة اليومية للسكان . طرابلس: عاصمة أضاعت مرآة تاريخها في طرابلس، العاصمة والمركز الحضري الأكبر، نجد مثالاً صارخاً على إهمال التراث. التوسع السكاني السريع وموجات التحديث العشوائي أدت إلى إهدار جزء كبير من الهوية البصرية للمدينة. ما يزال السؤال المفتوح: كيف يمكن للعاصمة أن تستعيد عمقها التاريخي بينما تلبي احتياجات العصر الحديث؟ بقية المدن الليبية: فوضى بلا هوية سواء في بنغازي الحضرية، أو ترهونة الريفية، أو يفرن الجبلية، أو غات الصحراوية، نجد نمطاً مشتركاً ...

التآزر الإبداعي: دروس من شراكات معمارية خالدة

المعماريان لوكوربوزييه وشارلوت بيري جمال الهمالي اللافي في عالم العمارة، حيث تتشابك الأفكار وتتلاقى الرؤى، يظهر التعاون المشترك كقوة دافعة نحو تحقيق إنجازات تتجاوز حدود الإبداع الفردي لتصبح معالم خالدة تُضاف إلى الإرث الإنساني. ومن أبرز الأمثلة على هذا التآزر الإبداعي، العلاقة المهنية التي جمعت بين لو كوربوزييه وشارلوت بيري، والتي أثمرت عن مشاريع معمارية تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ العمارة . لو كوربوزييه، أحد أعلام العمارة الحديثة، وجد في شارلوت بيري شريكة فكرية متميزة. انضمت بيري إلى مكتبه في فترة كانت فيها العمارة تشهد تحولات جذرية، وساهمت بمهاراتها في تصميم الأثاث الداخلي الذي يعكس فلسفة لو كوربوزييه في البساطة والوظيفية. كان هذا التعاون مثالًا حيًا على كيفية تكامل الأفكار بين معماريين لتحقيق رؤية مشتركة، حيث لم يكن الهدف مجرد تصميم مبانٍ، بل صياغة بيئات معيشية تعكس روح العصر وتلبي احتياجات الإنسان . ولا تقتصر أمثلة التعاون المثمر على لو كوربوزييه وشارلوت بيري. فقد شهد تاريخ العمارة شراكات أخرى ألهمت العالم. على سبيل المثال، التعاون بين فرانك لويد رايت وماريون ماهوني، حيث سا...

رحلتي مع الكتابة: من المدرسة إلى العمارة

جمال الهمالي اللافي لطالما كانت الكتابة جزءًا لا يتجزأ من رحلتي الشخصية والمهنية، نمت وتطورت معي لتصبح أداة للتعبير عن أفكاري ومشاعري. بدأت علاقتي بالكتابة كمهارة بسيطة في المدرسة الابتدائية عندما شجعني أستاذي جمعة ميلود القذافي بحفاوة كبيرة. أذكر جيدًا كيف كنت أتلقى جائزة عينية تتألف من كراسات وأقلام ومساطر بعد كل موضوع إنشاء أكتبه، وكانت تلك اللحظات تثير بداخلي سعادة طفولية عميقة. ومع ذلك، لم تكن تلك الجوائز هي الوقود الحقيقي لشغفي، بل كانت الكتابة بالنسبة لي نافذة أطل منها على أفكاري وأحلامي، وسبيلاً لأبث ما يجول بخاطري للعالم من حولي . مع انتقالي إلى الدراسة الجامعية في قسم العمارة والتخطيط العمراني، وجدت في الكتابة وسيلة فريدة تعبر عن رؤيتي المعمارية. كنتُ أشارك في إعداد التقارير والبحوث والمقالات التي نُشرت في المجلة الحائطية بالقسم، والتي أصبحت منصة أولى لعرض أفكاري ومناقشتها . خطوات نحو التخصص والإبداع في بداية مسيرتي المهنية مع مشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس عام 1990، كان لأسلوبي الكتابي دور بارز في قبولي بالمشروع. فبالإضافة إلى التقارير والمراسلات التي أعددتها، كن...